*صرخة في زمن الجفاف وقلوبٍ عطشى للعدل

هذه سنواتٌ لا تشبه السنوات…
سنواتٌ ضاقت فيها الأرض بما رحبت، وشحّ فيها القطر، وتيبّست فيها ضروع الحياة، لا لقلّة السحاب وحده، بل لجفاف الضمائر أيضًا.

يا رب…
لقد تيبّست الحقول وتشققت القلوب، وانكسرت أرواح الفقراء قبل أن تنكسر سنابل القمح، فما عاد ضعفهم يحتمل قسوة الجوع، ولا أرواحهم تطيق صمت السماء الطويل.

اللهم لا تسقِ الأرض وحدها، بل اسقِ قلوبنا عدلًا ورحمة، واغسل هذا التعب المتراكم في صدور المرهقين، فإنهم لا حول لهم ولا قوة إلا بك.

يا رب.. هذه الأرض اختنقت، لا من غياب المطر بل من كثرة الظلم

لقد تعالت أصواتٌ لا تعرف إلا التجبر، واشتد صراخ الغلاة والمفسدين، حتى صار الباطل ينادي في الطرقات كأنه حق، وصار الحق غريبًا بين قومٍ لا يعرفون إلا المديح والخنوع.

اللهم لا تترك عبادك الضعفاء ضحية لأطماع من غلّظ قلبه واستبد برأيه، وتزيّن بالنفاق وغشي على عينه حتى زيّن له ان الحرام حلال ، والنفاق تقرب للعبد دون الله ، والفواحش محللة، والسرقة ابداع والفساد روتين والاختلاس شطارة والظلم ارتقاء وعدل ، والعدل تراجع ، والستر والتستر تخلف ، واعتقد أن الدنيا تُملك بالقوة لا بالعدل، وبالسطوة لا بالرحمة.

فقد رأينا الفاسد يرتقي بلا حياء، والناصح يُقصى بلا سبب، والبراءة تُتهم، والظلم يتزين بملامح السلطة، والصمت يُباع على أبواب الخوف.

السماء لا تغلق أبوابها… ولكن الناس أغلقوا أفئدتهم

يا رب…
إن المطر لا يُحبس من السماء، بل من القلوب التي نسيت رحمتك، ومن النفوس التي عبدت الدنيا، ومن المتجبرين والمفسدين والظالمين حين ينسون أن الخلق خلقك، وأن الفقير عبدك، وأن دعوة المظلوم لا ترد.

لا يُرفع رزق مع ظلم
ولا ينزل غيث مع قسوة
ولا يبارك الله أمة يعلو فيها المفسد وينكسر فيها الصادق

الدعاء طريق، والعدل شرط

اللهم إننا نعلم أن الدعاء لا يكفي وحده، وإن الاستغفار لا يشفع لمن يظلم ولا يتوب.
فالسماء تُفتح لمن أصلح، ولمَن وقف إلى جانب الحق، ولمَن صان الضعيف، ولمَن لم يجعل الدين مطايا للهوى ولا السلطة بوابة للفساد.

الدعاء باب…
لكن مفتاحه العدل، وترك المعاصي، ورد الحقوق، والصدق مع النفس قبل الناس.

اللهم غيثًا وعدلًا ورحمة

اللهم لا تجعل ذنوب المتجبرين حجابًا يحجب رحمتك عن المستضعفين.
اللهم إن بين الناس قلوبًا بكت في صمت، وأرواحًا جاعت ولم ترفع صوتًا، وأيدٍ إلى السماء امتدت لا تطلب إلا قوت يومها وسلام قلبها.

فارحم يا رب ضعف من لا سند لهم إلاك، ولا ملجأ لهم سواك.
قل للغيث “كن”… وللعدل “قم”… وللظالمين “كفى”.

اللهم اجعل هذا القحط يقظة لا نقمة، وعودة إلى نورك لا سقوطًا في ظلمات البشر.
وابعث للمظلومين فجرًا، وللطغاة نهاية، وللأمة رحمة تتنزل من عندك، لا من أيدي من خانوا الأمانة.

وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ.

آمين يا رب العالمين..