facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




دور المصارف الإسلامية في تمويل التنمية المستدامة


د. محمد فخري صويلح
02-11-2025 12:17 AM

يشهد العالم اليوم،، تحولات اقتصادية واجتماعية وبيئية عميقة، دفعت المؤسسات الدولية والحكومات إلى التركيز على إيلاء مستهدفات التنمية المستدامة أهمية كبرى باعتبارها الطريق الأمثل لضمان رفاه الإنسان وحماية البيئة وبناء اقتصادات أكثر عدالة واتزان واستقرار.
وفي هذا السياق، تبرز المصارف الإسلامية كلاعب مالي رئيس يمتلك مقومات فريدة تؤهله للإسهام بفاعلية في دعم هذه التنمية، مستندًا إلى منظومته القيمية والأخلاقية وأدواته التمويلية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية، والتي تركز على ارتباطها بالاقتصاد الحقيقي وحاجات الإنسان، إضافة إلى انضباطها بما يحقق حاجات المجتمع الإنساني والبيئة بكل مكوناتها.

وتتميز المصارف الإسلامية – في العموم- بأنها لا تمول أنشطة مالية غير منتجة، بل تربط التمويل بالاقتصاد الحقيقي من خلال أدوات تقوم على المشاركة وتقاسم المخاطر وتحقيق العدالة في توزيع العوائد، وهو نهج يتقاطع مع أهداف التنمية المستدامة التي أقرتها الأمم المتحدة عام 2015، والهادفة إلى الحد من الفقر وتعزيز الصحة والتعليم والمساواة وحماية البيئة وتحقيق النمو الشامل. فالمشروعات التي تمولها المصارف الإسلامية عادة ما تكون في قطاعات إنتاجية وخدمية لها أثر مباشر على المجتمع، مثل الطاقة المتجددة، والزراعة المستدامة، والإسكان الميسر، والتعليم والصحة. مما يجعل المصارف الإسلامية شريكًا حقيقياً للحكومات والمنظمات الدولية الساعية إلى تحقيق أهداف التنمية المستدامة على المدى الطويل.

لقد شهد العقد الأخير نمواً واضحًا فيما يعرف بالتمويل الأخضر، وهو تمويل موجه لمشروعات تراعي الاعتبارات البيئية وتعمل على الحد من التغير المناخي. وهنا يبرز دور المصارف الإسلامية في توظيف أدوات مالية شرعية تتناسب مع هذا التوجه العالمي،، ومن أبرز هذه الأدوات “الصكوك الخضراء”، وهي أدوات استثمارية متوافقة مع أحكام الشريعة تُستخدم عوائدها في تمويل مشاريع مستدامة متوافقة مع حاجات المجتمعات والبيئة لانتاج الطاقة المتجددة والنقل النظيف وإدارة المياه والنفايات. وقد كانت ماليزيا رائدة في هذا المجال عندما أطلقت أول إصدار لصكوك خضراء عام 2017، وهو نموذج يحتذى به في الأسواق المالية الإسلامية الأخرى. كما يمكن للمصارف الإسلامية أن تستخدم صيغ التمويل بالمشاركة والمضاربة لتوفير التمويل لمشروعات ذات الطابع البيئي أو المجتمعي، إضافة إلى القروض الحسنة التي يمكن توجيهها لمبادرات صغيرة ذات أثر اجتماعي ملموس. هذه الأدوات لا توفر تمويلًا مستدامًا فحسب، بل تمنح المصارف الإسلامية فرصة لتوسيع محافظها الاستثمارية وتحقيق الأثر البيئي الإيجابي.

كما برزت تجارب مالية جديدة تقوم على تشاركية المجتمعات في بناء منصات للتمويل الجماعي المستدام، والتي توفر من خلالها مشاركات مالية بمبالغ بسيطة تساهم فيها شرائح مجتمعية واسعة تسعى بما تجمعه من مساهمات ومدخرات إلى إنشاء مشاريع مستدامة تعود بالخير على مجتمعاتها، وتتولى فيها المصارف الإسلامية عملية الجمع وبناء النموذج المالي والتشغيل والاسترداد.

ومن زاوية أخرى، يمثل القطاع الوقفي والخيري مخزونًا استراتيجياً من الموارد المالية غير المستغلة بالشكل الأمثل، ما يفتح الباب أمام المصارف الإسلامية لبناء شراكات استراتيجية مع هذا القطاع لتعزيز دوره في التنمية المستدامة من تطوير منتجات وقفية مشتركة لتمويل مشروعات تلبي حاجات الدولة والمجتمع، أو إدارة محافظ وقفية من خلال أدوات استثمار شرعية تحقق عوائد مستدامة. كما يمكنها إطلاق صناديق استثمارية وقفية وتنموية أو إصدار صكوك وقفية مخصصة لمشروعات البنية التحتية الاجتماعية. إن هذا التكامل بين القطاعين المصرفي الإسلامي والوقفي ، إضافة للقطاع الزكوي يعزز من استدامة التمويل الموجه للمجتمع ويضمن توجيهه نحو أهداف ذات أثر طويل.

ولا يمكن الحديث عن التنمية المستدامة من دون الإشارة إلى المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي تعد العمود الفقري للاقتصادات الوطنية، إذ تشكل هذه المشاريع مصدرًا رئيسيًا لتوليد فرص العمل وتحفيز النمو المحلي. وتواجه هذه المشاريع صعوبات عدة في الوصول إلى التمويل التقليدي، بينما تقدم المصارف الإسلامية حلولًا مرنة من خلال أدوات مثل المرابحة والمشاركة والمضاربة والإجارة، ما يتيح تقاسم المخاطر مع رواد الأعمال بدلًا من تحميلهم أعباء ديون تقليدية. وتساهم هذه الآليات في تمكين فئات واسعة من المجتمع، ولا سيما الشباب والنساء ورواد الأعمال الاجتماعيين، من الدخول في دورة الإنتاج والنمو، وهو ما يعزز الشمول المالي ويقوي الأسس الاقتصادية للمجتمعات المحلية.

غير أن الدور التنموي للمصارف الإسلامية لا يمكن أن يكتمل دون وجود حوكمة فاعلة تضمن توجيه التمويل نحو مستهدفات التنمية. فالتمويل المستدام يتطلب وجود مجالس إدارة مدركة لأهمية الاستدامة، ولجاناً شرعية مستقلة تحرص على سلامة التوافق مع أحكام الشريعة، إلى جانب سياسات إفصاح وشفافية دقيقة تسمح للمجتمع والمستثمرين ولكل أصحاب المصلحة المشتركة بمعرفة الأثر الفعلي لاستثمارات هذه المصارف. كما أن دمج مبادئ البيئة والمجتمع والحوكمة (ESG) ضمن السياسات المصرفية يعزز من مصداقية المؤسسة أمام المستثمرين الدوليين ويفتح أمامها فرصًا أكبر للتعاون مع المنظمات التنموية العالمية.

إن المصارف الإسلامية تمتلك فرصة تاريخية لتشكل رافعة حقيقية للتنمية المستدامة، فهي تجمع بين التمويل المرتبط بالاقتصاد الحقيقي، والقيم الأخلاقية التي ترفض المجازفة والربا، والقدرة على بناء شراكات تنموية فاعلة مع الحكومات والقطاع الخاص والقطاع غير الربحي. وإذا ما تم استثمار هذه المزايا برؤية استراتيجية ناضجة، فإن المصارف الإسلامية يمكن أن تتحول من مجرد مزود للخدمات المالية إلى مؤسسات تنموية فاعلة تسهم في بناء اقتصادات عادلة ومنصفة وأكثر قدرة على مواجهة تحديات المستقبل.

بهذا المعنى، فإن التمويل الإسلامي ليس مجرد بديل للتمويل التقليدي، بل نموذج مختلف في فلسفته ونتائجه، فهو يربط المال بالإنتاج، ويجعل التنمية غايةً لا وسيلة، ويركز على تحقيق التوازن بين الربحية والعدالة الاجتماعية والاستدامة البيئية،، إن ربط المصارف الإسلامية بمسار التنمية المستدامة يرسخ مكانتها في المنظومة المالية العالمية ويجعلها شريكًا فاعلاً في صياغة مستقبل اقتصادي أكثر استقرارًا وإنصافًا للجميع.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :