facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




التوجيهات الملكية ومسار تحديث القضاء: عدالة تُرى وتُحسّ


المحامي عاصم ربابعة
06-11-2025 08:45 PM

تؤكد زيارة جلالة الملك عبدالله الثاني إلى المجلس القضائي الأردني في الثالث من تشرين الثاني 2025، أن مرفق العدالة في الأردن لا يعمل كجهاز مستقل عن حركة الدولة والمجتمع، بل يشكل أحد أعمدتها السيادية، الضامنة لسلامة بنيتها، وصلابة اقتصادها، وثقة مواطنيها. وتأتي هذه الزيارة في توقيت تتزايد فيه الحاجة إلى يقين قانوني يوازن بين حماية الحقوق الفردية وتيسير الاستثمار، ما يعكس رؤية ملكية تنأى عن العموميات وتتجه نحو التمكين المؤسسي والإجرائي.

ما يميز التوجيهات الملكية في هذا السياق أنها تطرح مشروعًا إصلاحيًا عمليًا يقوم على تسريع إجراءات التقاضي دون المساس بضمانات المحاكمة العادلة، وتحديث السياسة الجزائية من خلال تعزيز بدائل العقوبة، إلى جانب تمكين القضاة والكوادر وتوسيع نطاق التحول الرقمي في إدارة القضايا. وتشمل الخطة كذلك تعزيز التخصص القضائي من خلال دوائر نوعية تسهم في تحسين جودة الأحكام وتبعث على الطمأنينة لدى المتقاضين والمستثمرين، وتستند هذه الرؤية إلى ثلاث ركائز مترابطة: استقلال السلطة القضائية، وكفاءة الأداء الإجرائي، وشفافية التقييم.

وقد تضمّنت التوجيهات تكليفًا بتشكيل لجنة متخصصة لإجراء مراجعة شاملة للتشريعات والإجراءات، بهدف تحديد فجوات التطبيق واقتراح جداول زمنية قابلة للتنفيذ، ضمن إطار يحترم التراكم الإصلاحي ويعزز استدامته. كما أكدت أهمية عقد جلسات مبكرة لإدارة الدعوى، واعتماد نماذج موحدة لقرارات التأجيل للحد من التسويف، بالإضافة إلى منح الأولوية لقضايا الموقوفين وتوسيع تطبيق البدائل القانونية عن التوقيف حيثما أمكن.

وفيما يتعلق بالتخصص القضائي، طُرحت مقترحات لتعزيز الدوائر النوعية ضمن المحاكم النظامية في مجالات القضايا التجارية، والاستثمارية، والضريبية، وحقوق الملكية الفكرية، إلى جانب الجرائم الاقتصادية، والجرائم الإلكترونية، والعنف الأسري.

وتجدر الإشارة إلى أن قضاء الأحداث في الأردن هو قضاء قائم ومنظّم بموجب قانون الأحداث رقم 32 لسنة 2014، ويشمل قضاة ومحاكم متخصصة تعمل وفق إجراءات تراعي خصوصية الفئة العمرية المستهدفة، ما يجعل الحاجة في هذا الجانب تتركز على تطوير البنية القائمة وتعزيز مواردها، لا على إعادة إنشائها.

في جانب العدالة الجزائية، تبرز الحاجة إلى تبني مصفوفة وطنية لتقييم المخاطر الفردية، تكون مرجعية للقضاة عند إصدار قرارات بديلة عن الحبس في الحالات الملائمة. وتشمل هذه البدائل الخدمة المجتمعية، والمراقبة الإلكترونية، والعلاج السلوكي، والمتابعة الدورية المرتبطة بالغرامات. ورغم تجربة بعض هذه البدائل في مراحل سابقة، إلا أن غياب استراتيجية وطنية متكاملة وتشريعات تنفيذية واضحة قد حدّ من تطبيقها على نطاق واسع. ويقتضي تفعيل هذا التوجه إنشاء وحدة متخصصة داخل الجهاز القضائي، أو بالتنسيق مع وزارة العدل، تتولى متابعة تنفيذ الأحكام البديلة، شرط أن ترفد بكوادر مهنية متخصصة، ونظام معلوماتي موحد، وهيكل تنسيقي مع الجهات التنفيذية المعنية لضمان الامتثال.

ويمثل التحول الرقمي أحد محاور الإصلاح الجوهرية، ويشمل تطوير ملف جزائي إلكتروني موحد من لحظة القيد إلى التنفيذ، وتفعيل التبليغات الرقمية، وعقد الجلسات عن بعد وفق ضوابط تكفل حق المواجهة، إلى جانب إنشاء بوابة إلكترونية تتيح لمحامي الدفاع الاطلاع المسبق على ملفات القضايا. ويتطلب هذا التحول تحديثًا تشريعيًا لحوكمة العدالة الرقمية، بما يضمن نزاهة الإجراءات ويحمي خصوصية البيانات القضائية.

ولتحويل هذه الرؤية إلى واقع ملموس، لا بد من اتخاذ مجموعة من الخطوات التنفيذية خلال فترة تتراوح بين 12 و18 شهرًا، من بينها تفويض اللجنة المختصة بمؤشرات أداء قابلة للقياس، مثل مدد التقاضي، ومعدلات التأجيل، والفترات الزمنية اللازمة لإعداد الخبرات، ونسبة تطبيق بدائل العقوبة. كما يتطلب الأمر تعميم جلسات إدارة الدعوى، واعتماد نماذج قضائية موحدة، وتشغيل الدوائر المتخصصة تدريجيًا، وإطلاق بروتوكول وطني للأدلة الرقمية، وتعزيز الرقمنة في إجراءات التسجيل والتبليغ، مع نشر لوحة مؤشرات فصلية تعزز ثقة الجمهور وتوجه قرارات التطوير.

ولضمان فعالية التنفيذ، لا بد من إشراك النقابات المهنية ذات العلاقة، مثل نقابة المحامين، في جميع مراحل التخطيط، وإنشاء وحدة تنفيذ داخل المجلس القضائي تُعنى بمتابعة الأداء المؤسسي، وتحفيز القضاة والكوادر بناءً على جودة الإنجاز، إلى جانب اعتماد دورية منتظمة لمراجعة الاجتهادات القضائية، واستكمال البنية التحتية للعقوبات البديلة، وتطوير البنية التقنية والتشريعية اللازمة لحماية المنظومة الرقمية القضائية.

إن التوجيهات الملكية اليوم لا تُعبّر عن طموح نظري فحسب، بل ترسي معيارًا حديثًا للحكم الرشيد في مرفق العدالة. استقلالٌ يصان بالمأسسة، وسرعةٌ تُدار بالأوامر القضائية لا بالشعارات، وتخصصٌ يُحسّن جودة الأحكام، ورقمنةٌ تحمي الحقوق وتُبسّط الإجراءات. وتكمن القيمة الحقيقية لهذا النهج في قابليته للقياس والمساءلة؛ فحين يعرف المواطن متى يُفصل في قضيته، ويدرك المستثمر طبيعة بيئة التقاضي وزمنها وتكلفتها، تتحول العدالة إلى بيئة جاذبة للثقة ومحفزة للتنمية.

لقد جرى تحديد الأهداف بدقة، أما التحدي الحقيقي فيكمن في تحويل هذه الأهداف إلى جداول زمنية مُحترمة، وقرارات مبررة قابلة للفهم، ومؤشرات تُنشر دوريًا للرقابة العامة. وبهذه الأدوات، ووفق هذه الرؤية، سيبقى القضاء الأردني، كما أراده جلالة الملك، ملاذًا آمنًا للمواطن، وركيزة صلبة لاقتصاد وطني منتج وواثق؛ عدالة محسوسة، تنمو مع كل حكم عادل، وكل إجراء منظم، وكل معلومة مُعلنة.

*المحامي عاصم ربابعه
الرئيس التنفيذي لمركز عدالة لدراسات حقوق الإنسان.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :