وعي الأردنيين أقوى من حملات التضليل وأصوات الفتنة
د. ثروت المعاقبة
09-11-2025 01:09 AM
حين تتكاثر الأصوات المشبوهة، وتختلط الحرية بالفوضى، والجرأة بالتطاول، يطلّ علينا البعض بخطابات مريبة تفتح النار على مؤسسات الدولة الأمنية، وفي مقدمتها دائرة المخابرات العامة، تلك المؤسسة التي كانت ولا تزال صمّام الأمان للوطن، وحائط الصدّ الأول في وجه كل من تسوّل له نفسه المساس بأمن الأردن واستقراره.
أمن الوطن ليس مادة للترند كما أن زجّ المخابرات في النقاشات الإعلامية أو تحويلها إلى مادة للتداول عبر المنصات الرقمية، تحت ذرائع "الحرية" أو "الشفافية"، هو في حقيقته خيانة صريحة للوطن.
فالأمن القومي لا يُناقش في المقاهي ولا يُطرح على طاولة “الترند”، بل يُصان بالحكمة والوعي والمسؤولية، وكل من يتجرأ على فتح هذا الملف بحجة “النقاش العام” إنما يخدم أجندات خبيثة هدفها زعزعة الثقة بين المواطن وأجهزته، وإضعاف هيبة الدولة في نظر شعبها والعالم.
رئيس الوزراء السابق بشر الخصاونة قالها بوضوح، ولكنهم حرّفوا المعنى عندما تحدث عن المخابرات ودورها ضمن مؤسسات الدولة.
لكن ضعاف النفوس وأصحاب الأجندات المبيتة اجتزأوا كلماته وحرّفوها عن سياقها، محاولين إشعال نار الفتنة وتضليل الرأي العام.
إنها ليست فهم خاطئ، بل عملية منظمة هدفها صناعة بلبلة وإرباك المشهد الداخلي، خدمةً لأطراف لا تريد للأردن أن يبقى قويًا وموحدًا خلف قيادته وجيشه وأجهزته الأمنية.
لقد برز الإعلام المضلل الذي يسعى لإحداث إرباك وتشويه للوعي الجمعي، عبر اقتطاع الحقائق من سياقها ونشرها بأسلوب يثير الشكوك والفتن.
غير أن هذا الإعلام فشل في تحقيق غايته، لأن وعي الأردنيين كان أقوى من كل حملات التضليل؛ فالشعب الذي تربّى على الولاء والانتماء لن تمر عليه هذه الأكاذيب، بقراءة المشهد بعقلهم لا بعاطفتهم، وأدرك أن المساس بالأجهزة الأمنية هو مساس ببيته وأهله ومستقبل أبنائه.
لقد أثبت الأردنيون مرة أخرى أن وعيهم هو الحصن الداخلي الذي يحمي الوطن من سموم الخارج، وأن وحدتهم وثقتهم بقيادتهم
ومؤسساتهم الوطنية أقوى من كل محاولات التشكيك والتحريض.
يخرج علينا بين الحين والآخر بعض “المنظّرين” الذين يروّجون بأن الأردن دولة “أمن وعسكر”، وكأن الأمن عار أو الحماية تهمة!
هؤلاء يتحدثون عن “المدنية” وكأنها نقيض للأمن، وعن “الإبداع” وكأنه لا يولد إلا في الفوضى.
لكن الحقيقة التي يغفلونها أو يتجاهلونها عمدًا أن المدنية لا تقوم إلا في ظل الأمن، وأن الإبداع لا يزدهر إلا حين يطمئن المبدع أن وطنه محصّن من الفوضى والاختراق.
فالأردن دولة قانون ومؤسسات، فيها مساحة حرية مسؤولة، وعدالة تطبّق على الجميع، وأجهزة أمنية تعمل بصمت وكفاءة لتبقى البلاد مستقرة وسط عواصف الإقليم.
لقد آن الأوان لأن تتخذ الدولة، بمؤسساتها الإعلامية والأمنية، موقفًا واضحًا وحازمًا.
لا يجوز أن تبقى الأصوات المأجورة تعبث بسمعة الأجهزة الوطنية أو تحاول تشويه دورها.
من يتطاول على المخابرات أو يستخدمها كأداة لتصفية الحسابات السياسية أو الشخصية، لا يمارس حرية، بل يرتكب خيانة فكرية ومعنوية بحق الوطن.
الأردن أولًا وأمنه فوق كل اعتبار ولم يُبنى الأردن بالصدفة، بل بعرق الشرفاء وسواعد الرجال الأوفياء في القوات المسلحة والمخابرات والأجهزة الأمنية كافة.
وأمنه ليس موضوعًا للنقاش أو المزايدة، بل خط أحمر لا يُسمح بتجاوزه تحت أي شعار.
من أراد أن ينتقد، فليكن نقده بنّاءً في إطار القانون والاحترام، لا بالتحريض والتشويه.
أما من يظن أن ضرب هيبة المخابرات طريقٌ للبطولة أو وسيلة للشهرة، فليعلم أنه إنما يطعن في قلب الوطن.
فالأردن، رغم كل الحملات والضغوط، سيبقى دولة أمنٍ وعدالةٍ وكرامة، لا تهتزّ بمؤامرات ولا تنحني لعواصف.
وستبقى مخابراته درع الوطن، تحمي ولا تُبتز، تعمل بصمتٍ وتنجز في العلن، لأنها باختصار… أمن الوطن الذي لا يُناقش ولا يُمسّ.