الملكة رانيا العبدالله في ميونخ
أحمد الحوراني
09-11-2025 06:47 PM
استخلاص المعاني المثقلة بالدلالات التي أوردتها جلالة الملكة رانيا العبدالله في الكلمة التي ألقتها مطلع هذا الشهر خلال مشاركتها في قمة عالم شباب واحد في ميونخ الألمانية، يحتاج إلى جهد مستفيض من البحث والتحليل لا سيما إذا ما أعدنا قراءة الكلمة وأمعنا في الكثير من مفاصلها والتي أشرت مضامينها إلى جوهر القيم، التي نحن بأمس الحاجة لها اليوم أكثر من أي وقت مضى لكونها الأساس المتين لبناء الجسور، بدلا من بناء الأسوار، وإحلال التفاهم والسلام مكان الصراعات في العالم ولأجل بناء مستقبل ينتهي فيه الظلم والحرمان، ويزول معه الاحتلال، ويعود كل لاجئ إلى وطنه، ويتجدد الأمل عند الشباب، وتنطلق التنمية في كل مجالاتها، وخاصة في منطقتنا (الشرق أوسطية) التي لم تعرف الاستقرار منذ عقود.
تتحدث الملكة رانيا برؤية شمولية وتتوقف على جملة من الأفكار الخلّاقة التي تقدمها وصفة سلام ومحبة تنير فيها الدرب نحو التفاهم والأمل الذي ينشده ويحتاجه عالمنا اليوم، ولا يتأتى ذلك إلا بتضافر جهودنا الذي هو السبيل الوحيد الذي سيمكن الإنسانية من التصدي للتحديات الخطيرة التي تواجهنا الآن، وفي مقدمتها الوصول إلى حلول للأزمات العالمية، والمحافظة على بيئة كوكبنا، وضمان أن يكون لكل واحد منا، خاصة شبابنا، نصيب من الفرص والأمل.
وتُعرّجُ جلالة الملكة على غزة التي وبحسب رؤية جلالتها تشكل العدسة التي تفرض علينا رؤية الأمور بوضوح أخلاقي وإعادة تقييم الأسس التي تبنى عليها معايير التحضر والقيادة للمجتمعات في العالم بأسره، ثم تتألم لما آل إليه الحال هناك من عمليات تشريد جماعي، ومجاعة، وإبادة، وكيف ان العالم أخفق في التحرك لمنع هذه الصور الوحشية الفتّاكة، فأصبح عالمًا لا مبالًا واختا عدم الاكتراث بدل الفضول، والراحة بدل المشاركة، وفي كل ذلك خيانة للذات وهضمًا للحق في الحياة الذي من المفروض أن يكون مُتاحًا بصرف النظر عن العرق أو الدين أو الاختلافات على أنها تعودُ وتؤكدُ مُجددًا على فخرها بالشباب عبر العالم الذي رفضوا الصمت أمام معاناة الفلسطينيين، وتصف مواقفهم بأنها "تجسيد للشجاعة الأخلاقية في عالم تائه"، وإن خروج هؤلاء ما كان إلا ترجمة لإيمانهم بالنور (نور الحياة) وبالسلام العالمي المنشود القائم على الاحترام والتفاهم المتبادلان، والتمسك بقيم الحوار والوئام والعيش المشترك، لأن ما يجمع البشر أكثر بكثير مما يفرقهم.
تتحدث الملكة رانيا أمام المئات من الحضور في كلمة شاملة وجامعة لمعانٍ يجب التوقف عليها وإعادة شرحها وتفسيرها كيف لا وأبرز ما فيها دعوة الملكة إلى وقفة تأمل صادقة لإعادة تقييم الأسس التي تبنى عليها القيم الأخلاقية في مواجهة ما وصفته بـ "ضعف الحس الأخلاقي الذي يطغى على عالم تعمه الفوضى والتشتيت والضجيج"، ومن غير ريب فإن دعوة جلالتها إلى الاعتماد على القيم الانسانية المشتركة في تأسيس شراكة عالمية طويلة ومستدامة تؤشر لحقبة جديدة من التعايش والتعاون لتحقيق آمال الشعوب.
أختم بالقفز على تساؤل، طالما حبانا الله في هذا الوطن بقيادة حكيمة ممتدة جذورها واتخذت على عاتقها التصدي لحملات تشويه الدين والعبث بالإنسانية، فمن يا تُرى يعيد على شبابنا اليوم قراءة خطابات الملك وكلمات الملكة وولي العهد، أوليس هذا الدور مناط بالجامعات المطلوب منها فعل ذلك وتبصير طلبتها من شباب الأردن بالحقائق التي يتبناها الملك ورفيقة دربه رانيا وولي عهده الحسين والتي تدور مجموعها في ناحية واحدة يمكن اختزالها في دعوة الأردن للتمسك بأخلاق الرحمة والمساواة والتفاهم والتسامح والإحترام المتبادل والتي هي بمعنى آخر أسمى صور الشعور بالإنسانية الذي يرفض القمع والظلم والقتل والخراب.