facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




النساء والفساد


فيصل سلايطة
10-11-2025 09:03 AM

لطالما شكّل الفساد أحد أكثر التحديات تهديدًا لاستقرار الدول وتقدّمها، ومع تصاعد النقاش حول الإصلاح الإداري والحوكمة الرشيدة.... برز سؤال مثير للاهتمام: هل وجود النساء في مواقع القرار يحدّ من الفساد، أم أن العلاقة بين الجنسين وهذه الظاهرة أعقد مما نتصور؟

تشير الدراسات الحديثة إلى أن العلاقة بين النساء والفساد ليست طردية ولا عشوائية، بل هي علاقة مشروطة بسياق المجتمع، وبقوة مؤسساته ومدى نضجه السياسي والاقتصادي .

في دراسة للبنك الدولي بعنوان Are Women Really the “Fairer” Sex?، وُجد ارتباط عكسي بين نسبة النساء في البرلمانات ومؤشرات الفساد على مستوى الدول. بمعنى آخر، كلما ارتفع تمثيل النساء في مواقع صنع القرار، انخفضت نسب الفساد. لكنّ هذا الارتباط لا يعني أن النساء أكثر “ انضباطا” بطبيعتهن، بل إن حضورهن يغيّر نمط السلوك المؤسسي نحو قدر أكبر من الشفافية والمساءلة. وفي المقابل، أظهرت دراسات ميدانية في بيئات شديدة الفساد أن هذا الفارق بين الجنسين يختفي عندما تتشابه الظروف والحوافز، أي عندما تسمح المؤسسات الضعيفة بانحراف الجميع على حد سواء.

في عالم الشركات، تبدو الصورة أوضح. فبحسب تحليلات ميتا حديثة نُشرت بين عامي 2023 و2025، فإن الشركات التي تضم نساء في مجالس إدارتها أو في مواقع تنفيذية عليا تُظهر التزامًا أعلى بالإفصاح المالي وبحوكمة أكثر صرامة، مما يقلل من فرص التلاعب والممارسات غير القانونية. وتشير دراسات على مستوى الشركات الصغيرة والمتوسطة إلى أن المنشآت التي تديرها نساء تدفع رشاوى أقل وتتحاشى الصفقات المشبوهة أكثر من نظيراتها التي يديرها رجال، وهو ما يعكس تأثيرًا ملموسًا لأسلوب الإدارة النسوي القائم غالبًا على التنظيم الدقيق، التواصل الشفاف، والقدرة على التوفيق بين الأطراف و احيانا بشكل صادمٍ " الخوف! ".

وتفسر بعض الأبحاث هذا التوجه بعدة عوامل، أهمها أن النساء أكثر ميلًا لاتباع القواعد والنظم، وأقل استعدادًا للمخاطرة بالسمعة أو الوظيفة في سبيل مكسب قصير الأجل. كما أن حضورهن في المؤسسات العامة يغيّر الأولويات نحو قضايا الرعاية والخدمات الاجتماعية، ما يقلل من فرص الزبائنية السياسية التي تُعد بيئة خصبة للفساد. هذه السلوكيات ليست فطرية بل نتاج تنشئة اجتماعية تُعزز لدى النساء قيم النظام والمسؤولية أكثر من قيم السيطرة والنفوذ التي تُغذّى عادة لدى الرجال.

إلا أن النساء، مهما كانت قدراتهن التنظيمية “الأخطبوطية” ، لا يمكن أن يُنظر إليهن كحلّ سحري. فوجودهن في أنظمة فاسدة لا يضمن التغيير ما لم تُبنَ مؤسسات قوية وآليات مساءلة فعالة.

التجارب المقارنة تظهر أن الأثر الإيجابي لحضور النساء يختفي حين تضعف القوانين وتُستبدل الكفاءة بالولاءات، لأن الفساد لا يميّز بين رجل وامرأة حين تكون البيئة محفزة عليه.

في المقابل، عندما تتوافر بيئة داعمة للشفافية، يبرز التفوق النسوي في الإدارة بوضوح. فالنساء يُظهرن قدرة عالية على التنظيم وإدارة التفاصيل، وعلى الجمع بين الحزم والمرونة في آن واحد، مما يجعل قيادتهن أكثر استقرارًا وأقل عرضة للانهيارات الأخلاقية. هذه المهارة في الموازنة بين الجانب العاطفي والعقلاني تمنحهن تفوقًا واضحًا في إدارة الأزمات واتخاذ القرارات المعقدة، كما تعزز مناخ الثقة داخل المؤسسات.

لقد أثبتت تجارب العديد من الدول والشركات أن إشراك النساء في مواقع السلطة لا يُعد مطلبًا حقوقيًا فحسب، بل استراتيجية حقيقية لمكافحة الفساد وبناء مؤسسات أكثر نزاهة وكفاءة. فالفساد في جوهره ليس قضية ذكورية أو أنثوية، بل انعكاس لبنية السلطة نفسها. وعندما تتنوّع هذه البنية وتُفتح أمام أنماط قيادة مختلفة، يصبح النظام أكثر توازنًا وأقل انحرافًا.

يمكن القول إن العلاقة بين النساء والفساد ليست علاقة طردية ولا عكسية بالمعنى البسيط، بل علاقة “شرطية” تحددها طبيعة النظام لا طبيعة المرأة. ومع ذلك، يظل حضور النساء في الحكم والإدارة أحد أقوى المؤشرات على نزاهة المؤسسات، لأن وجودهن لا يضيف فقط عينًا جديدة على المشهد، بل يغيّر لغة السلطة من التسلط إلى التنظيم، ومن الاحتكار إلى المشاركة، ومن الغموض إلى الوضوح.

هكذا تُصبح المرأة — في السياسة كما في الاقتصاد — عنصر توازنٍ وضميرٍ للنظام، لا فقط نصف المجتمع، بل نصف نزاهته أيضًا.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :