سياحة الإستكشاف والمغامرة في وطننا العربي
عبدالرحيم العرجان
10-11-2025 09:55 AM
في العقد الأخير أخذ الكثير من الناس بالتوجه نحو نمط جديد من السياحة والمعروفة بسياحة الإستكشاف والمغامرة والشاملة للسياحة بشكلها العام والرياضة لأنشطتها المتخصصة المحتاجة لجهد بدني وتدريب وأدوات إحترافية وكذلك تحت مسمى السياحة البيئية كونها محافظة على الطبيعة والمستهدفة عشاقها والثقافية وحياة التجربة، ولهذا الأمر سنّت الدول قوانين وأنظمة خاصة لتنظيمها وإدرتها واستحدثت لها دروب ومسارت أحيت بها الطرق القديمة التي اندثرت من عهد قريب منذ اختراع السيارة ومسالك متعارف عليها بين القرى وفي البادية.
وعلى هذه المسارات يمارس عددا من المغامرين الجدد الأنشطة من مسير راجل وقيادة الدراجات بفئتيها الهوائية والنارية والتجوال بسيارات الدفع الرباعي بالإضافة لركوب الخيل والإبل وبعض من الدول تجيز حسب تشريعاتها الرياضات الجوية من قفز مظلي عن الجبل أو التحليق بالطائرات الشراعية ذاتية القيادة، وقد استحدثت هذه الأنشطة في مساراتها وظائف ومهام مستدامة لأهالي المناطق النائية التي تمر بها من خدمات، تمثلت بالدلالة والإرشاد من أهل المكان العارفين لأدق تفاصيله والإيواء سواء بملحقات سكنية أضيفت للمنازل أو مخيمات ودور استضافة تحت إشراف وإدارة جمعيات تعاونية أو استثمارات خاصة وكذلك خدمات الطعام والشراب والمعروف بهذا المجال الرغبة بتجربة الطبخ المنزلي والمنتجات الغذائية المحلية البعيدة عن كلف المطاعم وكذلك خدمة نقل الأمتعة والتوصيل بين المواقع وتأجير الأدوات ومستلزمات المبيت من خيم وغيرها وشراء التذكارات والمشغولات اليدوية مما خلق للسكان المحلين مصدر دخل موسمي محكوم بالحالة الجوية والمناخية، ومن هذه المسارات التي لقيت رواجا:
1 – درب الجبل اللبناني: أشهر في عام 2007 م حيث يمتد على طول 440 كلم مرورا بخمسة وسبعين قرية وبلدة.
2 – درب الأردن: أشهر في عام 2017 م بمسافة تبلغ 650 كلم مرورا بإثنان وستين قرية وبلدة وقد تم تصنيفه بواحد من أجمل خمسة مسارات في عموم آسيا حسب ناشيونال جيوغرافي ونال عددا من الجوائز بالإدارة والإستدامة.
3 – درب زبيدة / المملكة العربية السعودية: وهو درب تاريخي يربط ما بين الكوفة والديار المقدسة " مكة والمدينة" حيث ينسب تسميته للسيدة زبيدة حفيدة أبي جعفر المنصور وزوجة هارون الرشيد لإعادتها تأهيله الشامل إبان الفترة العباسية 1258 م حيث يمر بسبعة وعشرين محطة رئيسية وتسعة وخمسين فرعية، ويشتمل على قلاع وحصون ونظام حصاد مائي ومواقع استضافة وقد جرى إحياء وتنظيم عدد من المسارات فيه منذ ثمانية أعوام بمبادرة من الرحالة د. عبدالعزيز العبيداء، وهو من المشاريع المطروح إدراجها ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو.
4 – مسار فلسطين التراثي: مسار يمر عبر مدينة جنين إلى برية القدس جنوب الخليل بمسافة تبلغ 550 كلم مرورا بعدد من المواقع ذات العلاقة الدينية والمرتبطة بالأنبياء والصالحين والعلاقة بالمكان والإنسان وحق الأرض.
5 – درب البدو / مصر: درب يبداء من نويبع إلى خليج السويس مرورا بعدد من الأودية والبوادي عبر الطريق النبطي القديم الرابط ما بين البترا وشمال إفريقيا ودرب محمل الحج المصري متخللا ثلاثة محميات طبيعية بمسافة 204 كلم رئيسية بالإضافة لتفريعات أخرى وأشهر في عام 2016م، وسمي بدرب البدو لمروره بأراضي عدد من القبال العربية العريقة العاملة على خدمته المعروفين بشيم الأصالة والنخوة والطيب والكرم.
6 – درب الحج المسيحي / الأردن: درب قيد الإنشاء يربط موقع المغطس المقدس بجبل نيبو حيث يعتقد أنه يتضمن موقع وفاة سيدنا موسى عليه السلام عبر الطريق القديم المتفرع إلى منطقة حسبان وأم الرصاص وعيون موسى بمسافة 36 كلم وكنا نحن من بادر بتقديم الدراسة الأولية للفكرة لصالح وزارة السياحة والآثار الأردنية.
7 – على خطاه / المملكة العربية السعودية: درب قيد الإنشاء ينطلق من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة بمسافة 470 كلم مجسدا مسار رحلة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام والصحابي أبو بكر رضي الله عنه مرورا بتسعة وخمسين محطة وواحد وأربعين معلم أثري والمتوقع أن يستقطب 5 مليون زائر عام 2030م، وتوفير 25 ألف وظيفة أساسية.
8 – مسار تي 4 / تونس: أطلق المسار العام الماضي 2024 م حيث تم تهيئة 251 كلم من الطريق الممتدة على مدى 450 كلم يتاح فيه 77 تجربة.
9 – مسارات محافظة ظفار / سلطنة عمان: تم تأهيل العديد من المسارات لتكون وجهة للإستقطاب بشكل متكامل بأنشطة متعددة جامعة ما بين أنشطة الجبل والبر والبحر.
10 – قمم جبال أطلس / مملكة المغرب: حيث يعتبر جبل توبقال الأعلى في البلاد بارتفاع 4010 متر، يليه جبل مكون 4072 م والعياشي 3754 متر وبوناصر 3356 مترا مهدت إليها طرق راجلة مخدومة على مدى الطريق الترابي لتصبح مقصد للكثيرين للإحتفاء ببلوغ القمة.
11 – مسارات الإمارات العربية المتحدة: حيث أهلت عدد من المسارت بمستويات بصعوبة مختلفة منها: في جبل جيس وحفيت ووادي شوكة وحتا وسد الرفيصة وعين الغمور.
ومن خلال دراستنا العلمية المبنية على نتائج استبيان وزع على 346 ممارس في الوطن العربي تبين أن 65% يمارسون المسير والترحال و 5% قيادة دراجات هوائية في البر و 9% لعشاق الدراجات النارية و 6% هواة قيادة سيارات الدفع الرباعي، أما ركوب الخيل والإبل فكان 7%.. يمارس 81% منهم نشاطه من مرة إلى أربعة مرات في الشهر وهذا مؤشر قوي على مدى الإهتمام وامكانية التوسع في هذا القطاع السياحي وخاصة إذا علمنا أن السواد الأعظم يقوم بنشاطه في دولته وإذا حصل على المعلومة بالشكل الدقيق الوافي فسوف يكون هناك دافع كبير له للسفر لهذه الغاية مع منطقية التكاليف.
إلا أنه اتضح وجود ضعف كبير لدور وزارات السياحة العربية بالترويج والتشجيع لهذا النوع من سياحة المغامرة ذلك لتضارب وعدم وضوح المفهوم لدى مسؤولين القطاع العام وتداخل المنافع وتضاربها مع كثير من مستثمرين القطاع الخاص الغير راغبين بتوجيه المنافع نحو الخدمات المحلية ، مع أنه هناك دول قطعت شوط متصاعد بهذا المجال وأصبح من شعاراتها المغامرة والإستكشاف وسياحة الثقافة، وعقدت لذلك مؤتمرات تحدث بها قامات عالمية في هذه الصناعة طارحين أفكارا للإستثمار وحلول لمشاكل التنظيم وتصويب انحرافاته مع أن بعض الدول وضعته ضمن رؤيا بعيدة المدى لتكون وجهات عالمية مستفيدة من الإرث التاريخي والتراثي والتفرد الجيولوجي، ولا نستثني أيضا دور الإعلام المروج الأول ومصدر المعلومات فهو أيضا يعاني من هذا الضعف لمحدودية المصادر العلمية وارتفاع كلفة إعداد التقرير المستوجب للتنقل لمسافة بعيدة والمبيت واستحداث أدوات التصوير عالية الجودة خفيفة الوزن وقلة الممارسين منهم لهذا النشاط المحتاج للياقة والقدرة على التعايش في البر، بالإضافة للتهويل الكبير الذي خلقه فئة من نشطاء التواصل الإجتماعي، ووصف الأمر بالبطولي الفردي الذي كان له نتائج سلبية على الترويج والإستقطاب بدلا من الحث والتشجيع بهدف تحقيق الشهرة الذاتية وحصد كم كبير من المشاهدات.
وعند القيام بأي نشاط يتطلب ذلك عدد من الشروط الواجب اتباعها لتحقيق السلامة وأكبر متعة وأهمها دراسة الحالة الجوية خصوصا أيام الشتاء ومسارات السيول، تحديد المسار بواسطة تطبيقات التموضوع ونقاط الإخلاء وانقطاع الإتصال لتعذر وجود شبكات جوال، والأدوات المناسبة للتضاريس وكذلك الملابس الملائمة وكمية الطعام والشراب المحمول مع احتساب هامش منطقي إضافي لأي طارئ، مع معرفة درجة الصعوبة الموازية للقدرة البدنية للفرد والفترة الزمنية للإنجاز وعدم تكليف الشخص أكبر من قدرته.
ودوما نقول أخرج من بيتك وسر في الطبيعة وانعم بأجوائها وابعد عن ضوضاء المدينة وصخبها، حرك جسدك بعد أيام من جلوس المكتب تكسب نفسك، وفي كل مشهد تراه عيناك ثقافة ومعرفة وتأمل، بلادنا العربية كنز كبير طاعن بالتاريخ والأمجاد والقداسة وفي طبيعتها تفرد وتراث نعتز ونفتخر فيه وتكامل مدهش عبر الحدود، ومن هذا المنبر أوجه الدعوة للتكريم الرسمي للمتميزين ودعمهم للإستمرار وتحفيز الآخرين.