facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




التفكير خارج الصندوق .. حين تحتاج الدولة إلى كسر المألوف لا تدويره


صالح الشرّاب العبادي
13-11-2025 08:41 AM

في زمنٍ تتسارع فيه التحولات وتتغيّر فيه موازين القوى والمعرفة، لم يعد مقبولًا أن تبقى الحكومة حبيسة التراتبية القديمة وأساليب الإدارة المكرورة ، فالتفكير خارج الصندوق لم يعد رفاهية فكرية أو شعارًا تسويقيًا، بل أصبح ضرورة وجودية لبقاء الدولة واستمرار نهضتها.

إنَّ الإبداع لا يولد من رحم الراحة، بل من مواجهة التحديات بشجاعة، ومن الخروج الواعي على المألوف ، فالجمود الإداري والفكري يشبه الركود المائي؛ قد يبدو ساكنًا، لكنه يخفي في عمقه عوامل التآكل والانحدار ، والحكومات التي تكتفي بتدوير الأزمات أو تسكين المشكلات مؤقتًا، إنما تؤجل انتكاسات لا بد أن يأتي.

الدول الناجحة اليوم لا تتشبّه بغيرها ولا تنتظر وصفات الآخرين، بل تصنع حلولها من واقعها، وتخلق الفرص من نُدرتها ، فالمقارنة مع الآخرين لا تصنع التنمية، والتقليد لا يبني هوية ، فكما لا تُقلّد الأمم العظيمة غيرها، لا يمكن لأمة أن تنهض إذا كانت عيناها معلّقتين على ما يفعله الآخرون.

لقد آن الأوان أن يفكروا أصحاب القرار بالحكومة بطريقة مغايرة؛ أن نفتح الأبواب الموصدة لا أن نتمترس خلفها ، فالتحدي الحقيقي ليس في إدارة الأزمة، بل في تحويلها إلى منطلقٍ للتغيير والبناء. وكل مشروع وطني حقيقي يبدأ من هذه القناعة: أن البناء يبدأ من الأساس، لا من الترميم المؤقت أو التجميل السطحي.

الحلول الآنية، والقرارات المرتجلة، والسياسات قصيرة النفس، هي أشبه بمسكنات لا تعالج المرض بل تؤجله. بينما التنمية الحقيقية تحتاج إلى تخطيط طويل الأمد، واستثمار في الإنسان قبل البنيان، وإلى عقلٍ مؤسسي يفكر في الغد لا في تصفية حسابات اليوم.

الشعب ليس جيوب لجمع الضرائب او دفاتر فروض وحل واجبات ، ولا أدواتٍ لتغطية العجز والقصور. الشعب هو الطاقة الحيّة التي تنهض بها الأمم. وإذا ما شعر المواطن بأنّ الحكومة كما هي الحكومات السابقة ، تُرهقه بدلاً من أن تُمكّنه، وأنها تستهلكه بدلاً من أن تستثمر فيه، فإنّ الفجوة بين الحكومات والشعب ستبقى بعيدة حتى تُصبح هاوية بل ومستعصية التجسير.

ما تحتاجه الدولة اليوم هو عقل منفتح وشجاع، لا يخاف التغيير ولا يختبئ خلف المبررات ، فالمستقبل لا ينتظر المترددين، ولا يرحم من يتاجر بالفتات أو يكتفي بالحلول الواهية. إنّ الدول التي تنهض حقًا هي تلك التي تؤمن بأنَّ التنمية ليست شعارًا، بل فعلًا مؤسسيًا متواصلًا لا ينقطع عند تبدّل الأشخاص أو الظروف.

ولذلك، فإنَّ التفكير خارج الصندوق لا يعني التمرد على الأنظمة التراتبية ، بل يعني إعادة تعريفها ، وتجديد معناها بما يخدم الإنسان أولًا ، لأنّ الدولة التي تُبدع في خدمة مواطنيها، هي وحدها التي تُبدع في الاستمرار والعمل والوقوف في وجه العاتيات.

إنّ الدول لا تُقاس بما تملكه من موارد فقط، بل بما تملكه من عقولٍ قادرة على كسر السكون وإعادة اختراع المستقبل. وصانع القرار الحقيقي هو من يرى في التحديات فرصًا، وفي الأزمات بداياتٍ جديدة، وفي النقد الصادق طاقةً للبناء لا تهديدًا للسلطة.

نحتاج إلى قيادات تفكر بصوتٍ مرتفع، وتستمع بإنصات، وتُشرك العقول لا تُقصيها. قيادات تعرف أن النهضة لا تُستورد، وأنّ الإبداع لا يولد من الخوف، وأنّ الأمم لا تتقدّم إلا عندما تُحرّك مياهها الراكدة بشجاعة وثقة.

إن الإدارة، بشقيها المالي والبشري، هي حجر الزاوية في كفاءة الدولة ومؤسساتها، ومن هنا يجب أن تقوم المحاسبة الحقيقية على قاعدةٍ تبدأ من “الأمور إلى هرمها”، فالإدارات الفرعية هي العين الفاحصة للإدارات الكبرى، وهي المرآة التي تعكس التنفيذ الفعلي على الأرض. ومن دون وضوحٍ وشفافية في هذا التدرج الإداري، تضيع المسؤوليات ويتآكل الإنجاز ، وتفتح شهية الفساد بعدم المتابعة ومن ثم غياب المسؤلية ، مهما كانت الخطط طموحة أو الشعارات رنانة.

إنّ التفكير خارج الصندوق ليس مجرّد مغامرة فكرية، بل واجب وطني إذا أردنا أن نبقى على خارطة المستقبل. فالحكومة التي لا تجرؤ على التجديد، ستُجبَر يومًا على التبديل ، ونحن احوج ما نكون الى الاستقرار بدل التعديل والتبديل ، ولكن استقرار متقدم متطور متحول ، متحرك لا ساكن ، يخلق تحدي حقيقي لا مستسلم.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :