الهوية الوطنية الأردنية تمثل الحقيقة الوجودية للدولة والمجتمع
د. بركات النمر العبادي
13-11-2025 10:34 AM
* الهوية الوطنية الأردنية : الكينونة التي لا بديل لها
في لحظات التحول ، تبرز الأسئلة الوجودية لا التقنية ، وفي زمن التداخلات والضغوط ، لا يكفي أن نسأل : من نحن ؟، بل يجب أن نسأل: من نريد أن نكون ؟
ولعل أخطر الأسئلة على الإطلاق هو ذاك الذي يُطرح على استحياء ، حين يُفتح باب التشكيك في ماهيّة الهوية الوطنية ، ويُقدَّم البديل المقترح في ثوب "الهوية الجامعة" ، وكأن الأصل بات موضع شك ، والفرع بات بديلاً مستساغًا.
لكن الحقيقة التي يجب أن تُقال بصوت هادئ وعميق هي أن الهوية الوطنية الأردنية ليست إطارًا إداريًا أو مشروعًا سياسيًا عابرًا ، بل هي كينونة وجودية للدولة ، وتجلٍّ تاريخي لروح المجتمع الأردني.
في فلسفة الهوية : الأصل لا يُستبدل
الهوية ، في جوهرها الفلسفي ، ليست شعارًا ولا وثيقة ، بل هي الذاكرة التي يتوارثها الجسد الجمعي للأمة، كما انها الوعي العميق بالذات ، ذلك الذي يتشكّل عبر الزمن لا عبر القرار، وعبر التجربة لا عبر التنظير.
الهوية الوطنية الأردنية، بهذا المعنى، هي:
• اللغة التي تحدث بها الأردنيون في فرحهم وخوفهم.
• الولاء الذي لم ينكسر في أشد المراحل التاريخية قسوة.
• الرموز التي نُقشت في الوجدان لا على الورق فقط.
• القيادة التي لم تكن حكمًا، بل حاضنًا للتاريخ والجغرافيا والناس.
من ينظر إلى الهوية بوصفها إطارًا تنظيميًا فقط ، لا يفهم الفلسفة العميقة للدولة. فالهوية ليست قرارًا يصدر، بل قدرٌ يُعاش.
الهوية الجامعة : المفهوم الذي يحاول أن يولد من غير رحم
ما يُطرح اليوم تحت مسمى "الهوية الجامعة" قد يبدو لأول وهلة مشروعًا توفيقيًا ، يبتغي التعددية والمواطنة ، لكن الفلسفة لا تكتفي بالنوايا، بل تُفتّش في الجذور.
الهوية الجامعة ــ كما تُقدَّم في بعض الخطابات ــ تسعى لتذويب الفوارق ، لكنها تنسى أن الاختلاف ليس عيبًا ، بل هو أحد شروط الانتماء الناضج.
الانتماء ليس مسحًا للهويات ، بل انتظامها في سُلّم وطني ، رأسه الهوية الوطنية التي ولدت مع نشأة الدولة نفسها.
إن كل مشروع بديل عن الهوية الوطنية ، مهما تجمّل بمفردات الحقوق والتشاركية ، يظل مشروعًا ناقص الجوهر ، لأنه لم ينبثق من التاريخ ، بل من الارتباك.
الأردن : دولة بهوية لا تتكرر
الأردن ليس دولة حديثة فحسب ، بل هو تجلٍّ عميق لهوية تشكّلت من لحظة التحام الإنسان بالأرض ، والقبيلة بالمدينة ، والقيادة بالشعب.
• هوية الأردن ليست شرقًا ولا غربًا ، بل نقطة التقاء نادرة.
• ليست طارئة ، بل ضاربة في الجذور حتى قبل الترسيمات الحديثة.
• ليست مُصنّعة في لجان ، بل منحوتة في القلب الجمعي لكل من عاشها وعاش لأجلها.
ومن هنا ، فإن أي محاولة للحديث عن بدائل ، أو مقاربات هوياتية جديدة ، إنما تنطلق من تجاهل فلسفي عميق لحقيقة أن الدول لا تُبنى بهويات مؤقتة ، بل بهويات راسخة كالأردن.
الهوية ليست خيارًا... بل مصير
إن من يتعامل مع الهوية الوطنية بوصفها ملفًا إداريًا ، يمكن طرحه أو إغلاقه ، لا يفهم أن الشعوب لا تحيا بدون روح ، وأن الهوية هي الروح التي تسكن الجغرافيا.
ومن هنا فإن الأردن لا يملك ترف التجريب في موضوع الهوية ، لأنها ليست مجرد شكل ، بل معنى وجوده ذاته.
وكما نقول نحن ىالمحافظين ، الدولة التي تتخلى عن هويتها، تفقد ثقتها بنفسها.
والدولة التي تفاوض على هويتها ، قد تتنازل عن جوهرها دون أن تدري.
خاتمة : لندافع عن المعنى... لا عن الشكل فقط
لسنا ضد المواطنة الكاملة ، بل نحن روّادها.
لسنا ضد التنوع ، بل نحن أبناء له.
لكننا نقول: كل ذلك لا يكون إلا داخل إطار الهوية الوطنية الأردنية ، لا خارجها ، ولا فوقها ، ولا على حسابها إن الحفاظ على الهوية الوطنية ليس ترفًا محافظًا ، بل واجب فلسفي وسياسي وأخلاقي ، لأنها الضمانة الوحيدة ألا نفقد ذاتنا ونحن نظن أننا نطوّرها.
في زمن السيولة ، تحتاج الدول إلى أصل ثابت.
وفي زمن الشعارات ، يحتاج الأردني إلى يقين.
وذلك اليقين هو : الأردن بهويته الوطنية ، لا بغيرها.
حمى الله وطننا الاردن من كل كريهةُ ونصره على من عاداه.
* حزب المحافظين الاردني/ نائب سابق