الديمقراطية بين إسرائيل والعرب: محاسبة هناك وتقديس هنا
م. وائل سامي السماعين
14-11-2025 08:21 PM
قبل السابع من أكتوبر، كان بنيامين نتنياهو يواجه المحاكمة في قضايا فساد ورشوة، وكانت المعارضة الإسرائيلية تملأ الشوارع ضد سياساته. وبعد السابع من أكتوبر، ورغم الرواية الرسمية التي تتحدث عن “الانتصار”، لم تشفع الحرب له؛ بل ازداد الضغط عليه، وتحوّلت أصابع الاتهام نحوه، واتسعت المطالب في البرلمان وداخل الجيش وخارجه لتحقيق مستقلّ حول التقصير الأمني الأكبر في تاريخ إسرائيل.
هذه هي الديمقراطية كما هي: حاكم يُسأل، ومسؤول يُحاسب، ولو كان في ذروة الحرب.
في الجهة الأخرى من المشهد، تقف حماس التي اتخذت قرار السابع من أكتوبر، وهو القرار الذي أدى إلى تدمير غزة وتهجير أهلها، دون أن تواجه أي مساءلة داخلية أو مراجعة أو حتى نقاش علني. يتم تصويرها دائمًا بأنها “المقاومة”، وأن أخطاءها لا تُقبل المساس بها، وأن الثمن – مهما كان فادحًا – يقع على الشعب وحده.
وهذا ليس استثناءً في العالم العربي، بل هو القاعدة. فقد دمّر صدام حسين العراق وغزا الكويت، وارتكب انتهاكات بحق شعبه، ومع ذلك استمرت دعاية “القائد الضرورة” تُضخ في العقول. وكرّر القذافي المشهد لـ42 عامًا من العبث السياسي. واستمر حكم عائلة الأسد لعقود رغم الدم والدمار. أما حزب الله والحوثيون وسواهم، فقد أصبحوا فوق النقد، فوق الدولة، وفوق أي محاسبة.
كل هؤلاء يشتركون في شيء واحد: غياب الديمقراطية التي تُعيد السلطة إلى الشعب، وتجعل المسؤول مسؤولًا حقًا.
أما هناك، في إسرائيل — سواء اتفقنا معها أم اختلفنا — فهناك نظام يجعل رئيس الوزراء نفسه قابلاً للاستجواب والمحاسبة، حتى أثناء الحرب. ولو كان نتنياهو عربيًا، لربما تم تخليده في كتب التاريخ كبطلٍ قومي، ولرأينا تماثيله تُرفع في الساحات، ومسلسلات تمجّده ليلًا ونهارًا.
المشكلة ليست في الأشخاص… المشكلة في غياب النظام الديمقراطي.
الديمقراطية لا تعني أن الحكومات بلا أخطاء، بل تعني أن الشعوب لا تدفع ثمن تلك الأخطاء وحدها. وتعني أن القائد، مهما علا شأنه، يعود في النهاية إلى حجم المواطن العادي أمام القانون.
لقد آن الأوان… بل تأخر الوقت كثيرًا
لقد آن الأوان للشعوب العربية أن تستيقظ من نومها العميق، وأن تؤمن بأن الحرية والشفافية والمساءلة ليست شعارات مستوردة، بل شرط أساسي للحياة الكريمة والتقدم.
لا نهضة بلا ديمقراطية. ولا كرامة بلا محاسبة. ولا مستقبل لأمة تقدّس القائد وتنسى الشعب. إن لم نتمسّك بالديمقراطية اليوم…فسنجد أنفسنا غدًا خارج الحضارة، ننظر إليها من بعيد ونلوم الزمن.
waelsamain@gmail.com