هل يدخل العراق في حرب طائفية جديدة؟
محمد علي الزعبي
15-11-2025 04:37 PM
يعود السؤال الكبير ليطرق أبواب المشهد العربي .. هل يدخل العراق في حرب طائفية جديدة؟ سؤال ليس بريئًا ولا عابرًا، بل يتكئ على ذاكرة مثقلة بسنواتٍ من الدم والتهجير والانقسام، فالعراق، الذي عاش تجارب مريرة تركت ندوبًا عميقة في جسده الوطني، يقف اليوم على حافة مرحلة حساسة تتقاطع فيها أصابع الخارج مع هشاشة الداخل، وترتفع فيها وتيرة الخطابات المتشنجة كلما اختلّ ميزان القوى أو توترت العلاقات بين مراكز النفوذ.
أرى أن ما يجري اليوم في العراق ليس مجرد حراك سياسي عادي، بل هو اختبار جديد لوحدة الدولة ولصلابة المجتمع، فالسلاح المنفلت ما زال حاضرًا، والولاءات المتشابكة لم تُقطع جذورها بالكامل، والمشاريع الإقليمية التي تتربص بالعراق لا تزال تبحث عن ثغرة تعيد إنتاج الفتنة القديمة بأسلوب جديد، ومن هنا، فإن احتمالات الانزلاق تبقى قائمة ما لم تُحسم معركة الدولة في مواجهة كل ما يهدد سيادتها.
ومع ذلك، فإن العراق اليوم يمتلك عناصر قوة لم تكن متاحة في الماضي؛ جيل جديد ولد من قلب التجربة، يرفض الطائفية ولا يرى فيها هوية أو خلاصًا، بل عبئًا ثقيلًا يعطل الدولة ويختطف مستقبلها، هذا الجيل — الذي أصبح أكثر وعيًا وإدراكًا — يقف اليوم كجدار أخير في وجه من يحاول إعادة إشعال الفتنة، إنه جيل يريد دولة قوية، وقانونًا نافذًا، وقرارًا مستقلًا، لا ساحة مفتوحة لحروب الآخرين.
أما عربيًا، فالعراق اليوم ليس مجرد ملف سياسي، بل جزء من منظومة الأمن القومي الإقليمي، وكل عاصمة عربية تدرك أن اهتزاز العراق يعني اهتزاز المنطقة بأكملها، وأن استقراره يصنع توازنًا ينعكس على الجميع، لذلك فإن المطلوب اليوم موقف عربي صادق يدعم استقلال القرار العراقي، ويقطع الطريق على المشاريع التي تحاول تحويل العراق إلى ساحة صراع دائم.
أن العراق يقف اليوم بين طريقين،،، طريق يعيد إنتاج الكارثة، وطريق يفتح أبواب المستقبل. فإذا انتصر العراقيون لهويتهم الجامعة وقدّموا الوطن على المذهب، وإذا فرضت الدولة سلطتها على كل السلاح، فلن تكون هناك حرب طائفية بعد اليوم، أما إذا تُركت الساحة لمن يتغذون على الفوضى، فإن التاريخ — للأسف — قد يعيد نفسه، ومع ذلك، يبقى أملي كبيرًا بهذا الشعب الذي أثبت مرارًا أنه قادر على النجاة… وقادر على حماية وطنه من السقوط مرة أخرى.