البَطالَةُ في الأردنِّ .. واقِعُها، وتَحدّياتُها، وحُلولُها
الدكتورة ميس حياصات
18-11-2025 01:31 PM
تُعد البطالة واحدة من أكثر المشكلات إلحاحا في الأردن، حيث تمثل تهديدًا حقيقيًا للاستقرار الاجتماعي والنمو الاقتصادي، خاصة في صفوف الشباب والخريجين الجدد الذين يجدون أنفسهم في مواجهة واقع صعب يعجز فيه سوق العمل عن استيعاب طاقاتهم ومؤهلاتهم ويُظهر الواقع أن نسب البطالة في الأردن ما زالت مرتفعة بشكل ملحوظ، لا سيما بين الشباب المتعلمين، وهو ما يكشف عن وجود فجوة عميقة بين ما يقدمه التعليم الأكاديمي من معارف، وما يتطلبه سوق العمل من مهارات عملية وتقنية متطورة.
تتعدد التحديات التي تُفاقم أزمة البطالة في الأردن، وفي مقدمتها التباطؤ الاقتصادي المزمن الذي يحد من قدرة القطاعات الإنتاجية على التوسع وخلق فرص عمل جديدة فمع انخفاض وتيرة الاستثمارات، وارتفاع كلفة التشغيل، باتت العديد من الشركات غير قادرة على استيعاب المزيد من العاملين، مما زاد من حدة المنافسة على فرص العمل المحدودة أصلاً ويُضاف إلى ذلك الاعتماد المفرط على قطاعات تقليدية مثل الخدمات العامة وبعض الصناعات غير المتجددة، التي لم تعد قادرة على مواكبة التوسع في أعداد الخريجين، مما أسفر عن تراكم أعداد كبيرة من العاطلين عن العمل في مجالات شبه مشبعة.
في سياق موازٍ، يبرز تحد جوهري يتمثل في غياب التوازن بين التعليم وسوق العمل، إذ ما تزال الكثير من البرامج الأكاديمية بعيدة عن التطور السريع الذي يشهده العالم في مجالات التكنولوجيا الحديثة، الذكاء الاصطناعي، الطاقة المتجددة، الاقتصاد الرقمي، وغيرها من القطاعات التي باتت تُشكل عصب الاقتصاد العالمي ومن المؤسف أن نسبة كبيرة من الخريجين تفتقر إلى المهارات اللازمة للمنافسة في هذه الأسواق الجديدة، في ظل غياب برامج تأهيلية وتدريبية تتماشى مع هذه المتغيرات.
ومن التحديات التي لا يمكننا تجاهلها أيضًا ضعف التوجيه المهني المبكر، حيث يُترك الكثير من الطلبة لاختيار تخصصاتهم الدراسية بناءً على الميول أو التفضيلات الشخصية، دون فهم واضح لواقع السوق أو المستقبل المهني لهذه التخصصات وكنتيجة لذلك، يتجه العديد من الطلبة إلى دراسة تخصصات أكاديمية راكدة، في حين تبقى تخصصات جديدة ومطلوبة غير ملبّاة من قبل الكفاءات الوطنية كما أن ندرة البرامج التدريبية الجادة، وانفصالها عن احتياجات القطاعين الصناعي والتجاري، يؤدي إلى تخرج دفعات من الشباب غير مؤهلة عمليًا، رغم امتلاكها لشهادات أكاديمية.
ولم تسلم بيئة الأعمال في الأردن من النقد، إذ تواجه تحديات بيروقراطية وتنظيمية تحدّ من نمو المشاريع الصغيرة والمتوسطة، التي تُعد إحدى الوسائل الأهم في خلق فرص العمل، لا سيما في المحافظات والأطراف كما أن ضعف الحوافز الموجهة للشركات لتوظيف الشباب، إلى جانب نقص المبادرات المشتركة بين القطاعين العام والخاص، جعل من الصعب تحفيز سوق العمل على التجديد والانفتاح.
ورغم هذا المشهد المعقد، فإن الحلول ممكنة، لكنها تتطلب إرادة جماعية واستراتيجية شاملة وتبدأ هذه الحلول بإعادة النظر في المنظومة التعليمية برمتها، من خلال تحديث المناهج لتصبح أكثر تفاعلًا مع متطلبات سوق العمل، مع التركيز على إدخال المهارات الرقمية، والتفكير النقدي، والعمل الجماعي في صلب العملية التعليمية كما ينبغي أيضا تعزيز العلاقة بين الجامعات ومؤسسات القطاع الخاص، من خلال تصميم برامج مشتركة، وفرص تدريبية حقيقية للطلبة قبل التخرج، بما يُسهم في تقليص الفجوة بين المعرفة النظرية والتطبيق العملي.
التشاركية الحقيقية والفعلية بين القطاعين العام والخاص تُمثل ركيزة أساسية في مواجهة البطالة، حيث يمكن من خلال هذا التعاون إطلاق مبادرات تشغيل وطنية تركّز على تدريب وتوظيف الشباب في مجالات حيوية وواعدة كما أن تشجيع الاستثمار في المشاريع الصغيرة والمتوسطة، من خلال تسهيل الإجراءات الإدارية وتوفير التمويل الميسر، من شأنه أن يخلق فرص عمل جديدة، خاصة إذا تم دعم ريادة الأعمال وتمكين الشباب من تحويل أفكارهم إلى مشاريع منتجة فإنشاء حاضنات أعمال ومراكز ابتكار في الجامعات والمجتمعات المحلية سيُشكل رافعة حقيقية للنهوض بواقع التشغيل، ويُسهم في نشر ثقافة الاعتماد على الذات.
ولا بد من تعزيز ثقافة التوجيه المهني لدى الطلبة منذ المراحل الدراسية الأولى، عبر مراكز متخصصة تقدم الاستشارات، وتوفر معلومات دقيقة حول احتياجات السوق وتطوراته المستقبلية كما ينبغي أيضا دعم الشركات التي تستثمر في تدريب وتشغيل الشباب، من خلال حوافز ضريبية وتشجيعية، لتصبح شريكًا حقيقيًا في معالجة البطالة، لا مجرد متلقٍ للسياسات الحكومية.
ختامًا، يمكن القول إن معالجة البطالة في الأردن ليست مسؤولية جهة واحدة، بل تتطلب تضافر الجهود بين الحكومة، والقطاع الخاص، والمؤسسات التعليمية، والمجتمع المدني، من أجل بناء منظومة اقتصادية مرنة، قادرة على استيعاب طاقات الشباب وتوظيفها بالشكل الأمثل فتحويل البطالة من تحدٍ مزمن إلى فرصة للنمو والابتكار يتطلب تغييرًا جذريًا في طريقة التفكير والتخطيط، واستثمارًا حقيقيًا في الإنسان الأردني، بوصفه الثروة الوطنية الأهم، والطريق نحو أردن أكثر استقرارًا وإشراقًا.