facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




التضخم الصامت


آيات محمد الشاذلي
19-11-2025 04:59 PM

في خضم الأحاديث الرسمية عن استقرار مؤشرات الاقتصاد الكلي، يعيش المواطن الأردني، وتحديداً أبناء الطبقة الوسطى، واقعاً معيشياً مختلفاً تماماً يمكن وصفه بـ “التضخم الصامت”.

هذه الظاهرة لا تعكسها بالضرورة الأرقام المعلنة لمؤشر أسعار المستهلك، والتي قد تبدو ضمن الحدود المقبولة، لكنها تتجسد في الشعور اليومي المرير بأن الراتب الشهري لم يعد يكفي لتغطية متطلبات الحياة الأساسية كما كان الحال قبل سنوات قليلة، إنها فجوة عميقة بين لغة الإحصاءات الرسمية ولغة السوق التي يتحدث بها رب الأسرة عند دفع فواتير الإيجار والتعليم والصحة.

إن المشكلة تكمن في أن سلة السلع والخدمات التي تعتمد عليها الطبقة الوسطى في الأردن تختلف جوهرياً عن السلة التي يقيس بها المؤشر العام للتضخم، فالارتفاع الحقيقي والمستمر يتركز في القطاعات الحيوية التي لا يمكن الاستغناء عنها، مثل ارتفاع كلف التعليم الخاص والجامعي، وتكاليف الرعاية الصحية، والإيجارات السكنية التي تشكل عبئاً هائلاً على ميزانية الأسرة.

هذه الكلف لا ترتفع بنسب بسيطة، بل تشهد قفزات نوعية تلتهم أي زيادة سنوية في الرواتب، مما يؤدي إلى تآكل مستمر في القوة الشرائية ومدخرات هذه الطبقة التي تعتبر عماد الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي في أي مجتمع.

إن تآكل مدخرات الطبقة الوسطى ليس مجرد مشكلة فردية، بل هو تهديد وجودي للاقتصاد الوطني. فعندما تضطر هذه الطبقة إلى اللجوء للاقتراض الاستهلاكي لتغطية نفقاتها الأساسية، أو عندما تبدأ في سحب مدخراتها لتمويل تعليم أبنائها أو علاج مرضاها، فإنها تفقد قدرتها على الادخار والاستثمار، وبالتالي تضعف دورها كمحرك للنمو الاقتصادي. يتحول التركيز من التخطيط للمستقبل إلى مجرد تدبير أمور الحاضر، وتتزايد مستويات المديونية الشخصية، مما يرفع من المخاطر المالية على النظام المصرفي ككل.

ولمواجهة هذا التضخم الصامت، يجب على صانع القرار الاقتصادي أن يتجاوز النظر إلى الأرقام الكلية للتضخم، وأن يتبنى “مؤشر أسعار سلة الطبقة الوسطى” بشكل خاص، يركز على قياس الارتفاع الحقيقي في كلف الخدمات الأساسية، كما يجب العمل على حماية هذه الطبقة عبر آليات دعم موجهة وفعالة، لا سيما في قطاعي التعليم والصحة، وتشجيع برامج الادخار والاستثمار طويلة الأجل من خلال حوافز ضريبية واضحة.

إن حماية الطبقة الوسطى من التآكل الاقتصادي ليست خياراً ترفيهياً، بل هي استثمار في الاستقرار الاجتماعي والنمو المستدام، وهي مسؤولية وطنية لا تحتمل التأجيل.

إن صرخة المواطن الأردني اليوم ليست صرخة جوع، بل هي صرخة خوف على المستقبل، وعلى قدرته على توفير حياة كريمة لأسرته، وهي صرخة يجب أن تُسمع في أروقة القرار الاقتصادي.

* محللة في الإقتصاد والاستراتيجيات الدولية.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :