facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




التعليم الأردني منذ حرب الخليج حتى اليوم


أ. د. هاني الضمور
24-11-2025 11:05 AM

*ثلاثة عقود من الأزمات المتراكمة

من الصعب فهم واقع التعليم العالي الأردني اليوم من دون العودة إلى التسعينات، وهي العقد الذي شكّل نقطة انعطاف عميقة غيّرت وجه النظام التعليمي بأكمله. فمنذ حرب الخليج عام 1990، دخل الأردن مرحلة تاريخية جديدة أثرت في الاقتصاد، والمجتمع، والهجرة، والعمالة، والتركيبة السكانية، وبالتالي في التعليم العام والجامعي معاً. ومع مرور السنوات، لم تُحلّ الأزمات المتولدة من تلك المرحلة، بل تراكمت وتحوّلت إلى منظومة كاملة من التحديات التي ما تزال تحاصر القطاع حتى اليوم.

بدأت أزمة التعليم في الأردن مع تدفق أعداد كبيرة من الأردنيين العائدين من دول الخليج بعد حرب 1990، وما رافق ذلك من ضغط مفاجئ على المدارس والجامعات. فقد وجد الأردن نفسه أمام طفرة سكانية تعليمية غير متوقعة، ارتفع معها الطلب على التعليم العام والعالي بشكل غير مسبوق، في وقت لم تكن فيه البنية التحتية ولا السياسات جاهزة لاستيعاب هذا التحول. فازدحمت المدارس، وتضاعفت الشُعب الصفية، وارتفعت معدلات الالتحاق بالجامعات، ما دفع الدولة إلى اتخاذ قرارات توسعية سريعة في التعليم العالي كان لها أثر جانبي كبير لاحقاً.

في منتصف التسعينات، ازداد الضغط على المالية العامة، وبدأت الدولة بالتوجه نحو خصخصة بعض المساحات في التعليم الجامعي، فظهرت الجامعات الخاصة وتكاثرت في مدة قصيرة جداً. ورغم أنها ساهمت في توفير فرص للطلبة، إلا أنّ نشأتها لم تستند إلى رؤية واضحة لجودة التعليم أو احتياجات سوق العمل، فنتج عنها انتشار برامج مكررة، وتخصصات مشبعة، وغياب للرقابة الفعّالة. وبالتوازي، بدأت الجامعات الرسمية تعتمد بشكل أكبر على الرسوم لتغطية نفقاتها، ما جعلها تعمل بمنطق السوق أكثر منه بمنطق الرسالة الأكاديمية.

ومع نهاية التسعينات وبداية الألفية الجديدة، ظهرت أزمة من نوع آخر، تمثلت في ارتفاع معدلات البطالة بين خريجي الجامعات. فقد أصبح التعليم العالي طريقاً شبه إلزامي للشباب، فيما ظلّ سوق العمل محدوداً وغير قادر على استيعاب هذا التدفق. هذا الخلل بين مخرجات التعليم وفرص التشغيل خلق فجوة اقتصادية واجتماعية حادة، عمّقتها سياسات القبول الموحد التي كانت تتسع عاماً بعد عام بفعل الضغط الشعبي والسياسي، دون أن تراعي قدرة الجامعات أو طبيعة الاقتصاد.

ثم جاءت موجة جديدة من التحديات مع مطلع العقد الثاني من الألفية. فقد ظهر تأثير عميق للربيع العربي وتداعياته على الأردن، خصوصاً من حيث استقبال موجات كبيرة من اللاجئين، ما أدى إلى ضغط جديد على المدارس والجامعات والبنى التحتية التعليمية، وخلق منافسة أكبر على الموارد وفرص التعليم. وترافق ذلك مع ضعف في التخطيط الاستراتيجي، وعدم وجود سياسات ثابتة مستقرة، وتغيّر متسارع في قوانين التعليم العالي، تزامن مع تغيّر متكرر للوزراء، ما جعل القطاع في حالة دائمة من إعادة البناء وإعادة الهدم.

ومنذ عام 2015، برزت أزمة نوعية مختلفة، تمثلت في ضعف جودة التعليم الجامعي مقارنةً بالمعايير العالمية، وتراجع ترتيب الجامعات، وتزايد الفجوة بين الجامعات وسوق العمل، وتضخم أعداد الخريجين في تخصصات لا يحتاجها الاقتصاد. ومع ازدياد الاعتماد على القبول الموازي والرسوم المرتفعة لسد العجز المالي، تراجعت العدالة التعليمية، وأصبحت الجامعات تعتمد على الكم لا النوع، وعلى الاستمرار لا التطوير.

وجاءت جائحة كورونا في 2020 لتكشف هشاشة البنية الرقمية، وضعف الجاهزية، وتشتت السياسات. فقد اضطر النظام التعليمي إلى الانتقال القسري نحو التعليم عن بُعد دون البنية اللازمة، ما أدى إلى تفاوت حاد في جودة التعليم بين الطبقات الاجتماعية، وخلق فجوة تعليمية لم تُغلق حتى اليوم. أما الجامعات فتعرضت لضغوط مالية غير مسبوقة بعد توقف بعض مصادر إيراداتها، ما كشف ضعف نماذج التمويل وطريقة إدارتها.

اليوم، وبعد أكثر من ثلاثين عاماً على حرب الخليج، يقف التعليم الأردني أمام حصيلة ثقيلة من الأزمات المتراكمة: توسع غير مدروس، تداخل سياسي في القرارات الأكاديمية، بطالة مرتفعة بين الخريجين، ضعف جودة بعض البرامج، فجوة واسعة بين الجامعات وسوق العمل، غياب رؤية ثابتة، ومؤسسات تتبدل سياساتها بتبدل الأشخاص. هذه ليست أزمات منفصلة، بل سلسلة متصلة لنهج إداري لم يعالج الجذور، بل اكتفى بإدارة النتائج.

إن فهم هذه المسيرة لا يهدف إلى سرد الماضي، بل إلى إدراك حقيقة أساسية: أن إصلاح التعليم في الأردن لن يتحقق عبر تعديل قانون أو تغيير وزير، بل عبر إعادة صياغة الفلسفة التي يُدار بها القطاع منذ بداية التسعينات. فالأزمات لم تنشأ صدفة، بل نتجت عن قرارات متراكمة، بعضها وُلد تحت ضغط الواقع، وبعضها جاء بلا رؤية، وبعضها استمر رغم وضوح آثاره السلبية.

وربما يكون الدرس الأهم أن التعليم ليس قطاعاً يمكن أن يعيش على ردود الأفعال، بل يحتاج إلى إرادة سياسية ثابتة تتجاوز اللحظة، وتؤسس لمستقبل لا يُبنى وفق منطق “إدارة الأزمة”، بل وفق منطق “بناء النظام”. وعندها فقط يمكن للأردن أن يحوّل ثلاثة عقود من التحديات إلى بداية جديدة لا تُشبه ما سبق.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :