facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




عامٌ آخر .. وقلبٌ لم يخسر نفسه


م.شهد القاضي
26-11-2025 11:59 AM

في يومٍ كهذا، لا أطفئ شمعةً بقدر ما أوقد أخرى.. لا أستقبل عامًا جديدًا بقدر ما أُسلّم روحي إلى يد الزمن، وأقول له: "ها قد عدتُ إليك مرة أخرى... أكثر نضجًا، وأكثر صمتًا، وأكثر امتلاءً بما لا يُقال"

في يوم ميلادي، أستعيد كل ما مرّ بي... كأن العمر صندوقٌ من خشبٍ عتيق، أفتحه على مهل، فأشمّ رائحة الأيام التي تشبه رائحة الكتب القديمة: حبرٌ باهتٌ، صفحات مُتعبة، لكن الحكمة تتسرّب منها مثل نورٍ يخرج من شقّ صغير ولا يريد أن يُطفئه أحد.

أتذكّر بداياتي، البعيدة جدًا... كيف كنتُ أظن أن العالم رحبٌ بلا زاوية حادّة، وأن الخير لا بدّ أن ينتصر دائمًا، وأن الوجوه التي تبتسم لا تُخفي خلفها إلا القلوب البيضاء.. كبرتُ، وعلّمني العمر أن للوجوه ظلالًا، وأن البياض ليس شرطًا ثابتًا، وأن الطعنة قد تأتي من يدٍ كنتُ أظنّها مصباحي في العتمة.

ومع ذلك... لم تتعلّم روحي القسوة، ظلّت تلملم جراحها بضمادةٍ من حنان، وكأن الله خلقها لتشفى مهما تكسّرت،
ولتنهض مهما ثقلت الذكريات على كتفيها.

في يوم ميلادي... أفكّر في الطرق التي مشتني، قبل أن أمشيها.. الخطوات التي ظننت أنها خياراتي، لكنها في الحقيقة كانت رسائل مُرسلة إليّ من السماء، كل تعثّرٍ كان درسًا،
وكل فقدٍ كان مساحةً جديدة لأتنفّس، وكل شخصٍ غادر، فتح في قلبي بابًا لدخولي إلى نفسي أكثر.

كم مرّ عليّ من خيبةٍ حتى اشتدّ قلبي، وكم مرّ عليّ من حبٍّ حتى ليّنته، وكم مرّ عليّ من رحيلٍ غيّر اتجاه روحي، وكم مرّ عليّ من لقاءٍ جعلني أؤمن أن الله يُرسل لنا الناس كعلامات، بعضهم يعلّمنا كيف نكون، وبعضهم يعلّمنا كيف لا نكون.

في يوم ميلادي... أنظر إلى السنين التي عبرت، فلا أراها ثقيلة رغم تعبها... أراها مثل كتابٍ كثيف، قرأت منه فصولًا بالدموع، وفصولًا بالضحك، وفصولًا بالدهشة، لكنني – رغم كل شيء – ما زلت أواصل القراءة دون أن أفقد الشغف.

تعلمتُ أن الحياة ليست سباقًا، وأن الفوز الحقيقي ليس أن أصل قبل الآخرين، بل أن أصل إلى نفسي... إلى سلامها، إلى نورها الخفي، إلى قدرتها المدهشة على إعادة ترتيب نفسها في كل مرة تتفكك فيها.

وفي هذا اليوم تحديدًا... أضع يدي على قلبي وأخبره:
"أحسنت... لقد كنتَ قويًا بما يكفي لتنجو، ورقيقًا بما يكفي لتظل إنسانًا، وثابتًا بما يكفي لتواصل السير رغم كل ما حصل"

أشكر الألم الذي لولاه لما أصبحت بهذا العمق، وأشكر الفرح الذي لولاه لما أحببت الحياة رغم تعبها، وأشكر الأيام التي لم أفهمها حين عشتُها،
لكنني فهمتها حين نظرتُ خلفي ورأيت كيف أعادت تشكيل روحي قطعةً قطعة.

وفي يوم ميلادي... لا أطلب الكثير.. أطلب فقط أن يظل الله قريبًا كما كان،
وأن أبقى أنا... أنا التي تسقط وتنهض، تغفر ولا تنسى، تحلم رغم الخيبات، وتكتب رغم الصمت، وتواصل السير رغم كل الطرق المتعبة.

وفي كل عامٍ يمرّ... أعرف أكثر أن عمري ليس عددًا يُضاف، بل حكمة تُغرس، وطمأنينة تكبر، وذاتٌ تتشكل، وروحٌ تصبح أجمل مما كانت عليه في البدايات.

هذا يوم ميلادي... وتلك حكايتي، حكاية فتاة لم تكن يومًا سهلة على الحياة، ولم تكن الحياة سهلة عليها... لكنها – رغم شدتها – لم تخسر نفسها يومًا.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :