facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




زواج الكهنة الكاثوليك


فيصل سلايطة
27-11-2025 09:09 AM

يُعدّ موضوع عِزوبة (بتولية) الكاهن الكاثوليكي من أكثر القضايا إثارة للنقاش داخل الكنيسة وخارجها، لأنّه يتصل مباشرة بطبيعة الخدمة الروحية، وبالسؤال الإنساني الأعمق حول معنى التكريس، وأثره على الإنسان ذاته. فعبر قرون طويلة، التزم الكهنة في الكنيسة الكاثوليكية الغربية بالامتناع عن الزواج أما الكنيسة الكاثوليكية الشرقية فتركت الخيار للكهنة بالزواج من عدمه ، استنادًا إلى تقليد ديني تطوّر تدريجيًا من القرون الأولى، وترسّخ عبر مجامع كنسية عدّة مثل مجمع اللاتراني الأول والثاني، ثم مجمع ترانت، الذي أعاد التشديد على العزوبة باعتبارها إحدى سمات الكهنوت اللاتيني ، بيد أن الكنيسة لم تعتبر البتولية من عدمها مادة للحكم الاخلاقي على الكهنة أو حجة للتصنيف أو الرتب.

هذا التقليد لم ينبثق من فراغ، بل تأسّس على فهمٍ لاهوتي يعتبر أن الكاهن المكرَّس يجب أن يكون “قلبه غير منقسم”، مكرَّسًا بالكامل لخدمة الرعية والإنجيل. وقد استندت الكنيسة في ذلك إلى حياة بولس الرسول الذي مدح العزوبة باعتبارها تمكّن الإنسان من التفرغ الكامل لعمل الله. هكذا تكوّن مع الزمن تصوّر روحي يرى أن على الكاهن أن يشهد لحياة الملكوت عبر اختيار العزوبة كعلامة روحية.

لكنّ هذا البناء اللاهوتي، رغم متانته في سياقه التاريخي، لم يكن يومًا موحّدًا بين الكنائس المسيحية؛ فالكنيسة الأرثوذكسية والشرقية عمومًا تحتفظ بتقليد مختلف، إذ تسمح بسيامة المتزوّجين ككهنة، شرط أن يتم الزواج قبل السيامة. هذا الانفتاح ليس تفصيلاً، بل يعكس رؤية رعوية وإنسانية ترى أن الكاهن لا يعيش فقط تحت سقف المذبح، بل أيضًا تحت سقف بيتٍ وأسرة، يتذوّق فيهما معنى الأبوة والأمومة والمسؤولية. وبينما يبقى الأسقف في التقليد الأرثوذكسي ملتزمًا بالعزوبة، يُعتبر كاهن الرعية رجلًا يعيش ما يعيشه الناس، ويتحمّل ما يتحمّلونه، ويشاركهم قلق التربية وأعباء الحياة اليومية، وهي رؤية تؤثر بعمق في طريقة خدمته.

هنا يظهر البعد الإنساني في النقاش: هل يمكن لكاهن لم يختبر الأبوة أو الحياة الزوجية أن يفهم تمامًا صراعات العائلات التي يحاول إرشادها؟ وهل يستطيع القاضي الروحي الذي لم يتذوّق حزن الأب أو تعب الأم أن يصدر حكمًا داخليًا عادلًا، أم أنه يبقى حكمًا خارجيًا مبنيًا على نظريات ومعايير غير مُعاشة؟

كثير من علماء الاجتماع الديني يشيرون إلى أن التجربة الحياتية تُغني القيادة الروحية، وأن المشاركة الفعلية في تكوين الأسرة تمنح الكاهن حساسية أكبر تجاه أزمات الزواج، واحتياجات الأطفال، وصراعات الهوية العائلية.

ومع تقدّم الزمن وتغيّر التحديات، صارت الكنيسة الكاثوليكية ذاتها تطرح أسئلة أكثر جرأة. لا يزال الموقف الرسمي ثابتًا، لكن البابوات المعاصرين، ومنهم بندكتوس السادس عشر ثم البابا فرنسيس، تحدثوا بصراحة عن أن العزوبة “قانون كنسي وليس عقيدة”، أي أنها ليست حقيقة إيمانية غير قابلة للتغيير، بل نظام قابل لإعادة النظر. إضافة إلى ذلك، تستقبل الكنيسة الكاثوليكية اليوم كهنة متزوجين من الطوائف الشرقية أو من بعض المذاهب البروتستانتية التي تعود إلى الكثلكة، وهو ما يكسر الصورة المطلقة ويؤكّد أن الكهنوت لا يتعارض جوهريًا مع الزواج.

تظهر هنا الحاجة إلى رؤية جديدة تُعيد هيكلة حياة الكاهن دون أن تُسقط القيمة الروحية للعزوبة. فالمؤسسة الكنسية تواجه تحديات معاصرة كالتراجع العددي للكهنة في العالم الغربي، وتزايد الضغوط النفسية الناتجة عن العيش في عزلة غير اختيارية، إضافة إلى قضايا معقّدة تتعلق بالصحة النفسية والاجتماعية للكهنة الشباب. هذه الوقائع تدفع كثيرين داخل الكنيسة للتساؤل عمّا إذا كانت إعادة فتح باب الزواج للكهنة الراغبين يمكن أن تخلق توازنًا أكثر إنسانية ورعوية.

الحديث ليس دعوة لإلغاء العزوبة، بل لإعادتها إلى معناها الأصلي: خيار حرّ، نابع من رغبة روحية، وليس شرطًا إداريًا. بهذا المعنى يصبح الزواج أو العزوبة طريقتين مختلفتين للعيش في خدمة واحدة، ويصبح الكاهن قادرًا على اختيار طريقته في الخدمة بما يتوافق مع نضجه الروحي وقدرته الشخصية.

في المقابل، يقدّم النموذج الأرثوذكسي مثالًا واقعيًا على إمكانية التوفيق بين الكهنوت وتكوين الأسرة؛ إذ إن الكاهن الذي يربي أبناءه ويعيش قلق الحياة اليومية، يكون أكثر قربًا من رعيته وأكثر فهمًا لصراعات العائلات التي يلجأ أفرادها إليه. إن الأبوة ليست تجربة اجتماعية فقط، بل تجربة روحية تؤثر في العمق على طريقة فهم الإنسان لله، وللعلاقة بين العطاء والمسؤولية والرحمة.

لهذا كلّه، يصبح النقاش حول عزوبة الكهنة ليس صراعًا بين “مَن يؤيد” أو “مَن يعارض”، بل بحثًا عن نموذج يخدم الإنسان والكنيسة في آن واحد. إعادة النظر في هذا الملف قد تكون خطوة نحو كهنوت أكثر توازناً، وأكثر قدرة على فهم الحياة البشرية بكل طاقاتها وجرحها وتعقيدها. فالكنيسة، مثل أي مؤسسة حيّة، تتطور وتراجع ذاتها، وما كان مناسبًا لقرون سابقة قد يحتاج اليوم إلى تجديد شجاع يوازن بين الجذور الروحية والاحتياجات الإنسانية الحاضرة.

إذ لا يمكننا أبدا اهمال الاحتياج النفسي و الروحي و حتى الجنسي للكهنة الشباب لتكوين عائلة أو علاقة عاطفية سوية ، لا يمكننا إن أردنا التطوير أن نشعر بالخجل أو الضعف حيال هذه القضايا ، فبداية حل أية معضلة تحليلها و كشفها و تشريحها.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :