يقف العالم اليوم أمام تحوّل كبير بعد الحديث عن قرارٍ أميركي بتصنيف جماعة الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية، وهو القرار الذي أعلن عنه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، يطرح هذا القرار تساؤلات واسعة حول تداعياته السياسية والدينية، وما إذا كان سيُحدث تغييرات جوهرية في خريطة العلاقات الإقليمية والدولية.
في هذا القرار الكثير من علامات الاستفهام، والعديد من الحقائق التي اعتمد عليها صانعوه، نحن اليوم في وقت تنقسم فيه الآراء بين مؤيد ومعارض، لكن السؤال يبقى هل سيكون لهذا القرار أثر إيجابي يخدم العالم العربي، أم أنه مجرد قانون ردع يخدم الصالح الإسرائيلي فقط.
من وجهة نظري، اتخذت الأحزاب الإسلامية في بلادنا العربية الدين وسيلة للسياسة، وتبعت جهات أجنبية للحصول على التمويل، وكانت نتائج ذلك تنفيذ الغايات التي تسعى إليها دولة معادية في المنطقة، واليوم، تحاول العديد من الدول تجنّب التعامل مع هذه الأحزاب على أراضيها، ومنع أنشطتها السياسية التي تتستر بالدين، فلا سياسة بالدين، والدين لا يحرض على خلق الفتن أو خراب الدول.
وقد رأينا اليوم أن العديد من الدول دفعت ثمن تلك المواقف والأحداث، وكانت ضحية لوجود هذه الأحزاب السياسية بين شعوبها، فقد انتفضت مصر ضد حكم الإخوان، وأفشل الأردن العديد من المؤامرات التي كانت تُحاك للنيل من أمنه، ورفضت الجمهورية السورية أن يكون لجماعة الإخوان المسلمين أي نشاط على أراضيها، فهل تتبع هذه الأحزاب الحزب الرئيسي، حزب الله اللبناني، الذراع الأيمن لدولة معادية ولذات الأهداف، والجميع يعلم ما عانته سوريا جراء أعمال حزب الله على أرضها، ويعرف أيضًا عن الماضي الأسود للحزب من خلال إشعال الحروب التي دفعت ثمنها عائلات سوريا بأكملها.
لا أرى أي اختلاف بين هذه الأحزاب، حتى لو اختلفت السياسات أو الأسماء، ولا أرى أن وجودها يجلب أي فائدة للعالم، أما حول غاية الولايات المتحدة من هذا القرار، فهل هو عقاب أمريكي لدولة معادية لكبح نشاطها السياسي؟ وإذا كان الأمر كذلك، فهو قرار صائب، أما إذا كان لغير ذلك، فستظل البوصلة تدور حول نفسها، مليئة بعلامات الاستفهام في نظر مؤيدي هذه الأحزاب.
وتتبع هذه الأحزاب سياسة واحدة بأشكال مختلفة، ولها أهداف واحدة، وتوجّهها يد واحدة نحو ما تراه يخدم مصالحها الخاصة، وللأسف، فإن هذه اليد لم تحاول يومًا وضعها على طريق الأمان والاستقرار، بل تدفعها باستمرار نحو مواجهات غير مجدية وتدمير متعمّد للبنى التحتية والبشرية، كما تحاول مرارًا وتكرارًا أن تطال الجميع بأعمالها، ومنها ما يقوم به حزب الله اللبناني من إغراق الدول بالمخدرات للحصول على مصادر دخل، إلى جانب تمويل الدولة المعادية لها.
وأما وجه الاختلاف بين تلك الأحزاب، فهو أن الأردن تمتلك قبضة عسكرية قوية، قادرة على إحباط تلك المخططات قبل وقوعها، وذلك بفضل قوة جهاز المخابرات وأجهزته الأمنية وجيشه العربي، الذي استطاع إفشال المخطط الأخير الذي حاول جر الأردن إلى مواجهات لا تصب في صالحه، ولن يقبل بأي حال أن تكون لأي حزب أو منظمة قوة مسلحة على الأراضي الأردنية..
والأصوات المؤيِّدة لتلك الأحزاب لا تدرك ما يجري في الخفاء، ولا تعرف شيئًا عن البرامج التي تُعد بعيدًا عن الأنظار، لقد رأينا الكثير، وشهدنا ما يكشف حجم الفجوة بين ما يُقال وما يُخطَّط له، ولا أرى في التوجّه الأميركي إلا بوابةً لمرحلة جديدة في الشرق الأوسط، مرحلة تُبعد الدين عن دهاليز السياسة، وتفتح صفحة أكثر وضوحًا للفصل بينهما، لطالما استغلّ البعض الدين غطاءً يتحرّكون تحته بما يخدم مصالحهم، متقلبين وفق ما تقتضيه الظروف، فالدين، في جوهره، وُجد ليُسكن القلوب ويهذّب النفوس، لا ليكون أداة تُوظَّف في الصراعات السياسية.
واليوم، تشكّل جماعة الإخوان المسلمين، بعد التعاون الأخير الذي أحبطه الأردن إلى جانب حزب الله، الذريعة الوحيدة المتبقية للدولة المعادية في المنطقة، وهي تسعى جاهدًا للحفاظ عليهم أملاً في إبقاء نفوذها داخل العالم العربي، ورغم ذلك، لم تعد تلك المخططات خافية، بل باتت مكشوفة أمام العالم بأسره، ومع انكشاف هذه الأجندات، تتجه الأنظار إلى مرحلة جديدة تتراجع فيها الأدوات القديمة، وتتشكّل فيها معالم واقع مختلف قائم على وضوح التحالفات ومحاسبة كل جهة تحاول العبث بأمن المنطقة، لقد أدركت الشعوب والحكومات أن استغلال الدين لتحقيق مكاسب سياسية لم يعد مقبولًا، وأن زمن التلاعب بالعواطف والانقسامات قد ولّى، ليبدأ عصر تتقدّم فيه مصالح الأوطان على كل ما سواها.
ماذا قدّمت جماعة الإخوان المحظورة للأردن منذ تأسيسها، وما الإنجازات التي يمكن أن تُذكر لها على أرض الواقع، قد يعتبر البعض هذا المقال هجومًا مباشرًا، إلا أن طرح هذه الأسئلة لم يعد يُعدّ جرأة، بل ضرورة لفهم حقائق المشهد كما هو، فأين هي تلك الإنجازات التي تتحدث عنها الجماعة، ومن أين جاءت مصادر تمويلها، فعلى امتداد عقود، لم نشهد أي أثر ملموس ينعكس إيجابًا على الدولة أو المجتمع، إلا إذا كانت الدعوات المتكررة للتظاهرات أيام الجُمَع تُعدّ في نظرها إنجازًا تحفظه لتبرير حضورها أمام العالم، العالم اليوم يرى ويدرك، حتى وإن التزم الصمت، والناس أصبحت أكثر وعيًا، قادرة على التفريق بين الوهم والإنجاز، وبين الولاء الحقيقي والشعارات الفارغة،، ولا نرى اليوم ما يشجّع الدولة على إعادة النظر في السماح باستمرار نشاط تلك الجماعة، خاصة أنها لم تقدّم شيئًا يخدم الصالح العام أو يعزّز استقرار الوطن، وإن كانت القضية الفلسطينية تُرفع كشعار، فهذه القضية العادلة ليست بحاجة إلى وقفات تُغلق الشوارع، ولا إلى تحركات لا تسمن ولا تغني من جوع.
وكان الأردن من أوائل الدول التي أعلنت حظر نشاطات جماعة الإخوان المسلمين والانتساب إليها، كما كان من أوائل الدول التي استطاعت محاربة الأفكار التي تدعو إليها، بعد أن بدأت هذه الجماعة في الآونة الأخيرة تحرّف مسارها لأسباب مجهولة، من خلال طمس الحقائق للحفاظ على شعبيتها التي أخذت تتراجع يومًا بعد يوم.
ولم يتخذ الأردن يومًا قرارًا لم يره مناسبًا، بل اعتمد دائمًا على النظرة المستقبلية والأمنية تجاه تلك الجماعات، التي جعلت من ملف القضية الفلسطينية بوابة وهمية لتأجيج الشارع ومهاجمة مؤسسات الدولة، والجميع يعلم أن الأردن لم يكن يومًا ضد القضية الفلسطينية، بل كان ولا يزال ناصرًا لها.
ولم يتبع الأردن يومًا الأحكام العرفية لمهاجمة المنتسبين إلى الأحزاب، بل أتاح في الوقت ذاته لجميع مواطنيه حرية تشكيل الأحزاب والجمعيات، والتعبير عن الرأي، وممارسة الأنشطة السياسية وفقًا للقانون، وقد أثبتت التجربة أن الأردن لا يكتفي بالحزم في مواجهة الجماعات فحسب، بل يسعى أيضًا لتعزيز الوعي الوطني بين أبنائه، وغرس قيم الانتماء والمسؤولية، بما يقطع الطريق أمام محاولات استغلال الدين أو القضية الفلسطينية لأهداف سياسية ضيّقة، وهكذا، يبقى الأردن مثالًا على الدولة التي تجمع بين الحزم والحكمة، بين حماية أمنها وتعزيز مشاركتها في القضايا العربية والإقليمية العادلة، بعيدًا عن أي مساعٍ لتوظيف الدين أو الصراع السياسي لتحقيق مكاسب شخصية.