facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




تشخيص "بالرنين المغناطيسي"


حسن عبدالحميد الرواشدة
02-12-2025 03:51 PM

الدور الطويل لفحوصات الرنين المغناطيسي في المستشفيات الحكومية لم يكن مجرد خلل إداري أو ازدحام عابر، بل تحوّل خلال السنوات الماضية إلى قضية رأي عام تعبّر عن مدى قدرة الدولة على حماية حق المواطن في التشخيص والعلاج في الزمن المناسب. تراكم 26 ألف مريض على قوائم الانتظار لم يكن رقماً صادماً بحد ذاته بقدر ما كان دليلاً على اختلالات عميقة في إدارة الموارد، وضعف تنظيم العمل، وغياب آليات واضحة لترتيب الأولويات الطبية. في بلد ترتبط فيه صورة الرنين أحياناً بسرطان محتمل أو جلطة قادمة، يصبح الوقت جزءاً من العلاج، ويصبح تأخير الفحص أشبه بتأجيل الحق في الحياة.

وسط هذا المشهد المعقّد، جاء التحوّل المفاجئ خلال شهرين فقط ليشكّل صدمة إيجابية للرأي العام، انخفاض قوائم انتظار الرنين من 26 ألف حالة إلى 5400 حالة فقط.

الوزير إبراهيم البدور لم يقدّم معجزة، بل قدّم نموذجاً لما يمكن أن يفعله عقل إداري واضح حين يتعامل مع ملف صحي حساس باعتباره مشروعاً وطنياً لا روتيناً يومياً. جوهر التغيير لم يكن في شراء أجهزة جديدة أو ضخ ميزانيات إضافية، بل في إعادة تنظيم تشغيل ما هو قائم بالفعل. المستشفيات الخمسة الأكثر ضغطاً، البشير والسلط والزرقاء وبسمة والكرك، رفعت قدرة تشغيل أجهزة الرنين من نحو 5700 صورة شهرياً إلى أكثر من 13 ألفاً عبر تمديد ساعات العمل، إضافة شفتات مسائية، تشغيل يوم السبت، وإعادة توزيع الكوادر الفنية، ما ضاعف الإنتاجية دون فلس واحد إضافي على الأجهزة.

في الموازاة، أُعيد ضبط نظام طلب صور الرنين من الأطباء لمنع الاستخدام العشوائي، ووُضعت معايير واضحة تمنح الأولوية للحالات الطبية الحرجة، ما أغلق الباب أمام الهدر الذي كان يملأ القوائم بحالات يمكن التعامل معها ببدائل تشخيصية.

النتيجة، وفق الأرقام الرسمية، لم تكن فقط تقليص الدور، بل رفع عدد الصور المنجزة في شهر واحد إلى 14,327 صورة، وهو رقم غير مسبوق في القطاع العام.

القصة ليست طبية فقط، بل سياسية أيضاً. هذه ليست قصة جهاز رنين يعمل ساعات إضافية، بل قصة مسؤول حكومي قرر أن يخرج من المنطق التقليدي الذي يربط كل إصلاح بالمال والخبراء وشركات الاستشارات. البدور يقدم نموذجاً يقول إن المشكلة لم تكن نقصاً في الإمكانات، بل نقصاً في الجرأة. لم تكن الأزمة عجزاً في عدد الأجهزة، بل عجزاً في طريقة استخدامها. لم يكن السبب شحّاً في الكوادر، بل غياب تنظيم العمل. كان النظام الصحي لسنوات يتعايش مع واقع مختل لأن أحداً لم يقرّر أن يضع جدول تنفيذ ومحاسبة ومؤشر أداء.
التحوّل الذي جرى خلال شهرين يفتح سؤالاً سياسياً لا يمكن تجاهله، لماذا لم يتم اتخاذ هذه الإجراءات قبل سنوات؟ هذا السؤال لا يُطرح للوم الماضي، بل لفهمه. لأن النجاح السريع والمباشر يثبت أن اختلالات القطاع العام ليست قدراً، وأن الإصلاح لا يحتاج إلى سنوات من اللجان، بل إلى قرار وشجاعة ومتابعة. النجاح هنا يكشف حجم الخسائر التي تكبّدها المرضى بسبب التأخير، وحجم الإمكانات المهدورة التي كانت بلا إدارة.

لكن هذا النجاح لن يكتمل إن بقي مجرد إنجاز وزير. المطلوب أن يتحوّل إلى سياسة صحية دائمة، يُبنى عليها نظام إلكتروني شفاف يسمح لكل مريض بمعرفة دوره، وتُحفظ من خلاله الأولويات الطبية، وتُراقَب عبره إنتاجية الأجهزة والكوادر. إن لم تتحوّل هذه الآلية إلى ثقافة مؤسسية، سيتراكم الدور من جديد، وستعود الأرقام إلى خانة الآلاف بمجرد تغيير الأشخاص أو تبدل الظروف.

مع ذلك، يظل ما حدث رسالة سياسية لافتة، عندما يتولى المسؤول المختص ملفاً حساساً بعقلية صاحب مشروع لا بعقلية موظف تقليدي، تصبح الدولة قادرة على تحويل أزمة خانقة إلى قصة نجاح. حين تنخفض القوائم من 26 ألفاً إلى بضعة آلاف في أسابيع، يدرك المواطن أن الدولة قادرة حين تريد، وأن النجاح ليس مستحيلاً حين تتبناه إرادة سياسية وقرار واضح من وزير يعرف أين يضع قدمه. في زمن تكثر فيه النظريات والوعود، يقدم هذا الملف برهاناً عملياً على أن الإصلاح الحقيقي لا يحتاج إلى خطاب كبير… بل يحتاج إلى إدارة تحترم الوقت وكرامة الناس، وتؤمن بأن الصحة ليست خدمة تقنية، بل عقد اجتماعي بين الدولة ومواطنيها.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :