أول نشمية أردنية .. أم أول مبالغة إعلامية!
د. عبير الرحباني
02-12-2025 07:17 PM
قبل أن أبدأ حديثي لا بدّ أن أقدّم اولا التهنئة للمذيعة الجديدة نسيم المشارفة متمنية لها التوفيق في مسيرتها الإعلامية عبر شاشة التلفزيون الاردني التي مرّ عليها عشرات النشميات الأردنيات والنشامى الأردنيين الذين قدّموا الكثير عبر سنوات طويلة من العمل والالتزام والمهنية..
فكل إعلامي يبدأ من خطوة أولى.. ويستحق الدعم طالما يسير بجدّ واحترام للمهنة..
لكن ما سأكتبه هنا لا يتعلّق بها كشخص.. بل يتعلّق بمبدأ وهو "المبالغة" عبر اغلب المواقع غير المبررة في توصيف أي ظهور جديد وكأنه حدث غير مسبوق..
فمن المؤسف أن يتحوّل معيار التميّز الإعلامي في بعض المنصّات إلى مجرّد جنسية المذيعة أو لهجتها.. وكأن الهويّة الأردنية "إنجاز" جديد لم يظهر إلا منذ يومين.. من المعيب أن يُقدم ظهور إعلامي واحد على الشاشة وكأنه حدث تاريخي.. بينما في التلفزيون الأردني عبر عشرات السنين كانت تقف مذيعات أردنيات صاحبات خبرة وكفاءة وقدَم ثابتة في المهنة.. قدمن للمشهد الإعلامي ما هو أعمق بكثير من مجرد "أنا نشمية أردنية"..
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا !!
هل أصبح لقب (نشمية أردنية) أهم من المهنية؟
هل المذيعات اللواتي يعملن الآن في التلفزيون الأردني منذ سنوات لسن نشميات أردنيات؟ أم أنهن بحسب هذه العناوين الغريبة أتين من أوروبا ولا نعلم؟!
من المؤسف أن تختزل بعض المواقع قيمة الإعلامي في جنسيته فقط.. وكأن الهوية الأردنية أصبحت معيارا جديدا للتميّز بدلا من الكفاءة.. واللغة.. والحضور.. والخبرة.. والقدرة على إدارة الشاشة والتواصل مع الجمهور..
فالإعلام مهنة لها مقاييس واضحة.. لغة متينة.. حضور رصين..ثقافة واسعة.. قدرة على التقديم.. واستمرارية تثبت القيمة..
فكيف تحكم أغلب المواقع الإخبارية وغيرها من المواقع بعناوين عريضة على شخصية لم يمض على ظهورها يوم واحد فقط بأنها (أول نشمية أردنية) أو (أيقونة جديدة) !! ؟
على أي أساس مهني؟ وعلى أي تجربة؟ وأي تاريخ يُعتمد عليه في التقييم؟ فالمشكلة ليست في الأشخاص.. بل في المبالغات التي تُقزّم إرث إعلاميات أردنيات صنعن الصورة الحقيقية للتلفزيون لعقود طويلة قبل أن يظهر هذا الأسلوب الجديد في صناعة (بطولات سريعة”) من خلال العناوين فقط..
فهل أصبح المعيار الإعلامي اليوم هو الجواز والهوية فقط؟
أم القدرة الحقيقية على التقديم.. الحضور.. اللغة.. الخبرة،.. والمهنية التي لا تقاس بلهجة ولا بعبارة تُقال أمام الكاميرا ؟
فالمبالغات التي تُنشر في بعض المواقع حول (أول نشمية أردنية تطل علينا) ليست فقط غير دقيقة.. بل تُقلل من إرث طويل لمذيعات صنعن صورة التلفزيون الأردني.. وفتحن الطريق لغيرهن بجدّ وتعب واستمرارية.. وكأن كل من سبقن لم يكنّ من هذه الأرض.. أو كأنّ هويتهن كانت مُعلّقة بالهواء..
الإعلام ليس سباقا على من يصرخ هويته أعلى.. بل على من يقدّم مهنية أرقى..
والاحترام الحقيقي يبدأ عندما نقول الحقيقة.. لا عندما نُقزّم جهود الآخرين لنصنع بطولة من فراغ..
وبالنهاية.. تبقى الحقيقة أن الإعلام لا يصنعه عنوان متسرّع.. ولا يُبنى على يوم واحد.. ولا تمنحه كلمات منفوخة بطولة لا تستحقها.. لأن الإعلام الحقيقي يُصنع بالتراكم.. بالعمل.. بالقدرة على الوقوف أمام الكاميرا كل يوم والناس تحكم.. لا المواقع..
ولن يعلو أي اسم على حساب إرث إعلاميات أردنيات قدّمن الكثير بصمت واحتراف.. ولن يمنح أي مبالغة صحفية قيمة ليست موجودة في الأصل..
فليكن التقييم مهنيا.. وليكن الدعم صادقا.. ولتحترم هذه المنصات ذاكرة الشاشة التي لم تبدأ أمس.. ولن تُختزل في لقب عابر أو "نشمية أردنية" تُقال فقط لتصنع ضجة..
فالإعلام مهنة تُثبت نفسها ولا تُمنح بعبارة..