facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الشيخوخة .. ملف وطني ملحّ: مسؤولية الصحة والتعليم لضمان كرامة كبار السن


د. إسلام مساد
03-12-2025 06:24 PM

تشهد دول العالم المتقدم تحوّلات جوهرية في طريقة التعامل مع كبار السن، مدفوعة بتطورات علمية في طب الشيخوخة، والطب الشخصي، والطب التجديدي، إضافةً إلى الثورة الرقمية التي أوجدت حلولاً مبتكرة للرعاية الصحية. ففي الولايات المتحدة وأوروبا الغربية، حيث تتجاوز نسبة كبار السن 17% و21% على التوالي، باتت الشيخوخة محوراً رئيسياً في التخطيط الصحي والاجتماعي.

وفي الأردن، ورغم أنّ نسبة كبار السن ما تزال منخفضة نسبياً، فإن اتجاهات التركيبة السكانية تنذر بتغيرات عميقة خلال العقدين المقبلين. فبحسب دائرة الإحصاءات العامة، يبلغ عدد سكان الأردن اليوم نحو 11.7 مليون نسمة، ويقدّر متوسط العمر المتوقع بـ 77 سنة للإناث و73.8 للذكور. أما كبار السن (65 عاماً فأكثر) فيمثّلون اليوم حوالي 3.7% من السكان، إلا أن هذا الرقم مرشح للارتفاع ليصل إلى 7.7% عام 2030، ثم إلى 13.5% بحلول عام 2050، أي أكثر من مليون ونصف المليون شخص.

شيخوخة سكانية متسارعة… ونظام صحي غير مهيّأ.

إن هذا النمو المتوقّع يضع الأردن أمام تحدٍّ صحي واجتماعي كبير، ويستلزم تحوّلاً استراتيجياً في طريقة التخطيط للرعاية الصحية.

فالأمراض الشائعة لدى كبار السن ، من أمراض القلب والسكري والرئة والكلى والدماغ، إلى اضطرابات الحركة والنوم، وخطر السقوط المتكرر، تتطلب مهارة طبية متخصصة، ومعرفة دقيقة بتغيّرات الجسم الفسيولوجية، وجرعات الأدوية المناسبة، وتداخلاتها.

كما أنّ تزايد حالات الخرف ومرض ألزهايمر يفرض تحديات أخطر، خصوصاً في ظل غياب المرافقة المستمرة لكثير من المسنين، إمّا بسبب انشغال الأسر أو غيابها، ما يعرض كبار السن لمخاطر مضاعفة نفسياً وجسدياً واجتماعياً.

لذلك، فإن التحرك المبكر أصبح ضرورة وطنية لا تحتمل التأجيل.

لماذا يجب أن تتحرك الدولة الآن؟

يتطلّب التعامل مع الشيخوخة سياسة وطنية شاملة ترتكز على:

• الوقاية المبكرة، ودمج خدمات كبار السن في الرعاية الصحية الأولية.
• توفير رعاية طويلة الأمد للمرضى الأكثر هشاشة.
• تهيئة نظام صحي مجهّز لاستقبال الارتفاع المتوقع بعدد كبار السن.
• إعداد كوادر طبية وتمريضية لديها تدريب متخصص في طب الشيخوخة.

إنّ تأخير العمل على هذا الملف سيؤدي إلى تحديات باهظة الكلفة، ليس فقط على النظام الصحي، بل على الأسر، وسوق العمل، والنسيج الاجتماعي.

غياب مقدمي الرعاية… فجوة يجب أن يسدّها قطاع التعليم والصحة

من أبرز الفجوات التي يعاني منها الأردن اليوم نقصٌ شديد في مقدمي الرعاية (Caregivers)، وهي مهنة تشهد طلباً عالمياً متزايداً ، وتشكل إحدى أهم التخصصات المهنية في المستقبل. (كنت قد تقدمت بمقترح للموافقة على هذا التخصص الى مجلس امناء الجامعة التي كنت اترأسها، وذلك ضمن التخصصات المهنية في الكلية التقنية التي استحدثت في الجامعة قبل حوالي العام، الا ان ذلك ووجه برفض مطلق).

ففتح مثل هذا البرنامج ضمن البرامج المهنية المتخصصة في الجامعات والكليات الأردنية سيخلق فرص تدريب وعمل واسعة نتيجة للحاجة الماسة، سواء في المستشفيات او دور رعاية المسنين او المنازل او حتى مراكز رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة،وهذا القطاع قادر على استيعاب آلاف الشباب، وتحويله إلى رافد اقتصادي واجتماعي مهم.

ومن ناحية اخرى فالجذور التنظيمية الحديثة لاختصاص كبار السن التي تعود إلى أربعينيات القرن الماضي مع تأسيس الجمعية الأمريكية لطب الشيخوخة ( AGS) عام1942 ، والتي ساهمت في نشر المعرفة والتدريب المتخصص في رعاية كبار السن، واسهمت في وضع السياسات والتوصيات التي تتعلق بكبار السن الصحية ، بالاضافة الى تقديم الرعاية الصحية المتخصصة بمشاركة باقي الاختصاصات لم تشهد في الأردن اهتماما كافيا كاختصاص من ضمن الاختصاصات المسجلة رسميا في المؤسسات الصحية الرسمية والخاصة ولم يتم تسجيل اي جمعية طبية في المؤسسات المعنية او كحقل اختصاص في المجلس الطبي، لان اي من المؤسسات الصحية لم تدرج هذا التدريب او الاختصاص ضمن برامج الاقامة فيها ولم تتقدم لطلب للاعتراف به. وعليه اصبح ضروريا اليوم البدء ببرامج الاختصاص في طب الشيخوخة وتسجيل جمعية طبية تعنى بمنتسبي هذا الاختصاص.

نموذج عالمي لجودة الرعاية… يمكن للأردن تبنّيه

اعتمدت الأنظمة الصحية المتطورة مؤشرات واضحة لقياس جودة رعاية المسنين، مثل تلك التي وضعها معهد الرعاية الصحية العالمي (IHI)، والتي ترتكز على أربعة عناصر رئيسية تُعرف بـ 4Ms:

1. ما يهم المسن (What Matters): مواءمة الرعاية مع أولوياته واحتياجاته.
2. الأدوية (Medications): إدارة دقيقة تمنع التداخلات الخطرة.
3. الصحة الإدراكية (Mentation): الحفاظ على القدرات العقلية والوقاية من الخرف.
4. الحركة (Mobility): تعزيز الاستقلالية وتقليل خطر السقوط.

هذه المعايير، إضافة إلى عناصر الكرامة والخصوصية والسلامة—تمثل أساس أي سياسة وطنية فعّالة للشيخوخة.

توصيات عملية لصنّاع القرار

ولتحويل الشيخوخة من تحدّ إلى فرصة، يحتاج الأردن إلى خطوات تنفيذية واضحة، أبرزها:

1. تعزيز الوعي المجتمعي

إطلاق حملات وطنية تشرح للأسر والمجتمع مخاطر الشيخوخة وأهمية الاستعداد لها.

2. تدريب الكوادر الصحية

التوسع الفوري في برامج تدريب الأطباء والممرضين والصيادلة والمعالجين المتخصصين.

3. تأسيس مسار مهني لمقدمي الرعاية

إدراج اختصاص “Caregiver” في التعليم المهني والتطبيقي كمسار رسمي.

4. تبنّي مؤشرات جودة الرعاية

اعتماد نموذج IHI وتطبيقه في المستشفيات والمراكز الصحية كمعيار وطني ملزم.

اخيرا: الشيخوخة ليست عبئاً… بل مسؤولية وطنية مشتركة

إن تحسّن الرعاية الصحية في الأردن هو ما أوصلنا إلى مرحلة نعيش فيها أعماراً أطول. لكن الأعمار الطويلة تحتاج إلى حياة كريمة، ورعاية تحترم الإنسان في أكثر مراحل حياته هشاشة. كما ان الشيخوخة ليست مسألة طبية فقط، بل ملف وطني يتقاطع فيه التعليم والصحة والاقتصاد والمجتمع. والاستثمار فيه اليوم هو الضمان الحقيقي لمستقبلٍ أكثر إنسانية، وأكثر احتراماً لآبائنا وأمهاتنا وأجيالنا القادمة.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :