الدبلوماسية الميدانية .. قراءة أردنية في رسائل زيارات السفير الأمريكي
م. بسام ابو النصر
04-12-2025 02:46 PM
في البدء أرجو التنويه ان هذا الموضوع قد راق لي الكتابة فيه بعد نقاش مستفيض بدأه سعادة الدكتور هايل ودعان الدعجة، وقمت بالبناء عليه، حيث تشهد الساحة الأردنية في الآونة الأخيرة نقاشات واسعة حول تحركات السفير الأمريكي وزياراته المتكررة لشخصيات ومؤسسات في مختلف مناطق المملكة، وهي تحركات ترافقها موجات من الانتقاد والاعتراض عبر وسائل التواصل الاجتماعي. غير أن قراءة أعمق لهذا المشهد تكشف أن هذه الزيارات تحمل في طياتها رسائل إيجابية متشابكة الأثر على الأمن والسياسة والاقتصاد وصورة الأردن الدولية.
فالولايات المتحدة تُعرف بحساسيتها المفرطة تجاه أمن وسلامة رعاياها في الخارج، خصوصًا من يمثلونها دبلوماسيًا، ما يجعل تحركات سفيرها مؤشرًا بالغ الدلالة على مستوى الاستقرار في البلد المضيف. وحين يجول السفير الأمريكي في الأردن بحرية ويلتقي مختلف الأطياف خارج الأطر الرسمية، فذلك يحمل شهادة عملية أكثر قوة من أي تقرير أو تصريح بأن الأردن بلد آمن، مستقر، قابل للزيارة والاستثمار، وهو ما يعزز ثقة الشعوب والشركات ومؤسسات صناعة القرار في الخارج بسلامة البيئة الأردنية وجاذبيتها.
وتنعكس هذه الرسائل مباشرة على المناخ الاقتصادي، إذ تشكل اللقاءات الميدانية للسفير مع الفاعليات المحلية محفزًا لمجتمع الأعمال الأمريكي والدولي لاستكشاف فرص جديدة في المملكة. فالصورة التي تُنقل عبر نشاط دبلوماسي نشط وميداني تساهم في ترسيخ انطباع بأن الأردن بيئة اقتصادية واعدة ومهيأة لاستقبال الاستثمارات وتطوير الشراكات، وأن السياحة فيه ليست مجرد قطاع، بل فرصة مدعومة بواقع أمني راسخ.
وفي البعد السياسي، تمثل هذه الزيارات محطة مهمة للنخب التي يلتقيها السفير لعرض السردية الأردنية والعربية فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية. فالتقارير الدبلوماسية لا تُكتب اعتمادًا على الموقف الرسمي فحسب، بل تتأثر بما يسمعه السفير من شخصيات اجتماعية واقتصادية وسياسية مختلفة. وحين يلمس وحدة الموقف الأردني تجاه الاعتداءات الصهيونية على فلسطين وسوريا ولبنان، ورفض المجتمع الأردني للغطرسة والعدوان بكل أشكاله، فإن ذلك ينعكس في تقاريره التي تمثل إحدى قنوات التأثير الناعمة على توجهات الإدارة الأمريكية، ولو ببطء وبدرجة تراكمية.
وتحمل هذه الزيارات أيضًا أثرًا غير مباشر يتمثل في تعزيز ثقة سفراء الأردن في الخارج وتشجيعهم على اتباع نهج أكثر نشاطًا في التفاعل مع المجتمعات المحلية في بلدان اعتمادهم، بما يعزز حضور الأردن الدولي ويزيد من فرص الاستثمار والسياحة والتعاون في مختلف المجالات. فالدبلوماسية الحديثة لم تعد تقف عند حدود اللقاءات الرسمية، بل تتحرك نحو الناس والقطاع الخاص والمجتمع المدني.
والمحصلة أن هذا النوع من التحركات الدبلوماسية يمنح الأردن ما يحتاجه من رسائل ثابتة لصانع القرار الأمريكي: بلد مستقر، شريك موثوق، بيئة اقتصادية قابلة للنمو، ومجتمع متماسك في مواقفه الوطنية والقومية. وهي رسائل تصب مباشرة في مصلحة الموقف الرسمي الأردني وتعزّز قدرته على الحفاظ على دعم سياسي واقتصادي مهم على الساحة الدولية.
إن النظر إلى زيارات السفير الأمريكي من زاوية ضيقة يفوّت على الأردنيين فهم القيمة الحقيقية للدبلوماسية الميدانية وما يمكن أن تعنيه من فرص. فنحن بحاجة إلى قراءة هادئة وواعية تسمح باستثمار هذه الزيارات بدل الاستغراب منها، وبناء خطاب وطني متماسك يعزز مصلحة الأردن ويدفع بروايته لتكون حاضرة وفاعلة في دوائر صنع القرار العالمي.