تعتبر مدينة مراكش واحدة من المدن التاريخية العميقة التي تحمل من المغرب رسالة تعنونها جغرافيا المكان عبر منطوق تاريخ الزمان، وهذا ما جعل من اسمها يحمل دلالة بمعنى "حمى الله" أو "أرض الله" كما تعني بالامازيغية، وهو المكان الذي تصان به العهود وتحمل خزائنه المواثيق، الأمر الذي جعل من المرابطين يشتق اسمهم منها بدلالة الوثاق الرابط الثابت على العهد، كما أن ذلك جعلها تشكل مركزهم وحاضرتهم منذ نشأتها مع بداية الألفية الأولى للميلاد، وهو ما جعل من حاضرة مراكش أو "مروكش" التي أخذت منها الصيغة الإسبانية لفظها "Marruecos" تعتبر قلعة حماية العهود والحماية لرسالتهم بدلالة منارتها الحمراء التي أسقطت شمسها على بيوتها بالحماية والمعرفة، وهذا ما جعل منها المدينة الحمراء ببيان رجالها السبعة الذين يشكلون من مراكش منارة للعلم الغائر والمعرفة العميقة، وهم بن علي الصنهاجي، والقاضي عياض، والسهلي، والسبتي، والجزولي، وسيدي التباع، وسيدي الغزواني.
ولعل هذا العرض ما جعل من مراكش تصبح مدينة الثقافة الإسلامية بالدلالة التاريخية والبرهان المكاني ليعاد بعث رسالتها من جديد هذا العام، وتسليط الضوء على مكنونها الثقافي كونها اعتبرت عاصمة للثقافة الإسلامية، وأخذت تشكل منارتها كما كانت على الدوام منارة فكرية جامعة تجمع تعددية ثقافية محتوى عبر أرضية حوار عربي إسلامي إفريقي، لتشع منارة مجدها من جديد من حاضرة قبسها كما كان عهدها منذ نشأتها، ويعود الألق للمدينة الحمراء من جديد، وتفتح خزائنها المعرفية، وتنطلق من الحيز الجغرافي ذو المحتوى المحلي الثقافي إلى الفضاء المعرفي الواسع وفضاءاته الممتدة.
حيث يعاد إطلاق رسالة مراكش بالتعايش الأمني التي حملتها للبشرية منذ نشأتها ومازالت بدلالة "الموحدين والمرابطين" في مؤتمر يعنون أهمية رعاية الملك محمد السادس لانعقاده، كما مكان انعقاده في مراكش، حيث منطلق المنارة بعنوان رابط العهد وثابت المنطق لرسالة الضاد بدوحتهم الهاشمية، الممتدة من الهلال الخصيب إلى حيث موريطنية الطنجية في طنجة ومراكش ورابط الرباط في المغرب.
ولعل محمد أوزيان مدير المؤتمر كما مراكش عاصمة للشباب الإسلامي، أراد عبر هذا اللقاء الكبير الذي يضم العديد من السياسيين والأدباء والمفكرين، أن يعيد ترسيم سوق المنارة وفنارها بمعنى المرشد لبوصلة الاتجاه وبيان التوجه إلى حيث كان سوق عكاظ منارة الفكر والأدب، وتزدان به الثقافة تهذيبًا بالحوار الغني واللقاءات الموضوعية التي تحتوي على مضمون علمي كما تحتوي على منهجية معرفية يمكن البناء عليها كأرضية ثقافية جامعة للحوار الذي يصون الحاضر ويعمل على صياغة جملة المستقبل وبيانه للشباب لتحمل السلم لعناوين الأمان المعيشي والاستقرار لمضمون الاستدامة وفق إطار مسؤولية مشاركة تؤطره "المواطنة" على الصعيد الوطني كما تبينه "أنسنة المواطنة" على المستوى الإنساني والدولي وذلك ضمن عناوين موضوعية قادرة على احتواء الإبداعات الشبابية من ناتج الهندسة المعرفية التي بات فيها حيز الجغرافيا السياسية للدولة هو جزء من الحيز المعرفي للإنسان وفضاءات الأممية، وغدى عبرها التنوع الثقافي يشكل إضافة تغنى وتضيف لمحتوى الحضارة الإنسانية بعلومها المعرفية ومحتوياتها الثقافية.
بعدما باتت فضاءاتها تعمل وفق تبادلية أمواج معرفية تؤثر ويتأثر فيها الجميع، فما يحدث في مكان يتفاعل الكل الإنساني معه من على أرضية قيمية باتت فضاءاتها بحاجة إلى ضوابط ومرجعية تجمعها تحقق حالة الاتزان بين الحرية والأمن عبر إعادة صياغة لقواعد الاتزان والميزان الناظم.
ولما تحمله عمان من رسالة سيتم تسليط الضوء عليها لاسيما وهي عاصمة الشباب العربي لهذا العام، وما تتضمنه مراكش من حاضرة باعتبارها عاصمة الشباب الإسلامي مبينة، فإن الفضاء الهاشمي الممتد أخذ ما يحمل رسالة الضاد المنيرة للإنسانية والتي كان قد دعا لترسيمها الأمير الحسين ولي العهد بمشروعه القويم من أجل الضاد ومحتواها، فإن "حوار مراكش" بما يحمله من تبادلية معرفية عبر قنوات حوار مبنية على معلوم مستنده لتقديرات تشخيصية تبين التحديات وكيفية التعاطي معها والتكيف مع المستجدات ضمن تعامل منهجي يقوم على هذه الأسس، حيث يكون قادر على حماية الشباب من التجاذبات الافتراضية وأن يقيهم من اسقاطاتها الدخيلة، ويؤكد على أهمية مشاركة الجميع من أجل حاضر الأمة ومحتوى رسالتها ومن أجل أمان نهجها الذي صانه الهاشميون منذ إطلاق رسالة الضاد برسالة عمان وبيان منارة مراكش.