ليس من مصلحة الأردن حدوث اقتتال داخلي في سورية، ولا اندلاع مواجهات عرقية أو مذهبية، ولا تعرض سورية للتقسيم أيضا.

الكلام عن الأردن هنا يرتبط بكلفة الجوار الجيوسياسي مع سورية، فأي أزمة في سورية سواء قرب الحدود مع الأردن، أو بعيدا عن الحدود سيكون لها تداعيات على سورية أولا، وعلى جوارها.

مناسبة الكلام عن الأردن هنا أن هناك تحركات تحدث في جنوب سورية على مستوى توليد دويلة في السويداء من جهة، وعلى صعيد اقتطاع مناطق من جنوب سورية واحتلالها من جانب إسرائيل، وهذا يعني أن خواصر الأردن الشمالية مضغوطة ومحاصرة ومرهقة.

هذه التحركات قد لا تكون قوية كثيرا، إلا إذا سعت جهات ثانية في سورية لتكرار السيناريو تحت عناوين مختلفة في مناطق متعددة داخل سورية، بما سيجعل التقسيم حلا لأطراف مختلفة، وبما سيؤدي نهاية المطاف إلى تقسيم سورية، وتوزيع الكلف على الإقليم.

تبث وكالة رويترز للأنباء تقريرا خطيرا لا يمكن تحليله من زاوية التقرير فقط، بل لا بد من تحليله على مستويات التأثير الإستراتيجي على كل محاولات الانفصال داخل سورية، بما في ذلك السويداء جنوبا، ومناطق الأكراد شرقا، وربما مناطق سورية مسيحية لاحقا.

يقول هذا التقرير إن اثنين كانا من أقرب رجال الأسد، وهما اللواء كمال حسن، رئيس المخابرات العسكرية السابق في عهد بشار الأسد، وابن خاله الملياردير رامي مخلوف، يحاولان تشكيل ميليشيات في الساحل السوري ولبنان تضم أفرادا من الطائفة العلوية التي تنتمي لها عائلة الأسد، ويمول الرجلان فصائل أخرى تتنافس على النفوذ بأكثر من 50 ألف مقاتل أملا في كسب ولائهم، من خلال ضخ ملايين الدولارات، واستعمال 14 غرفة قيادة سرية في الساحل.

وقالت مصادر عليمة لرويترز إن ماهر شقيق الأسد، المقيم أيضا في موسكو والذي ما يزال يحتفظ بولاء آلاف الجنود السابقين، لم يقدم بعد أموالا أو يوجه أي أوامر، ويحوي التقرير تفاصيل مهمة وحساسة جدا عن الخلافات داخل عائلة الأسد، إضافة إلى تفاصيل حول طبيعة التحركات في الساحل السوري خلال هذه الفترة تحديدا. وفي التقرير إشارات مبطنة حول روسيا، ودورها في هذا المشهد، خصوصا أن كل من يديرون هذه العمليات يتواجدون في موسكو، ولا يمكن هنا أبدا اعتبار هذه التحركات مجرد ردة فعل على سقوط النظام، بل تعني السعي للعودة إلى سورية للحكم، بشكل جزئي أو كلي، خصوصا مع المعلومات السابقة التي تسربت حول وجود مخطط لماهر الأسد لخلافة شقيقه بشار واستعادة الحكم في سورية.

برغم أن كل التحركات داخل سورية تبدو شأنا داخليا كما في السويداء، وما تحدث عنه تقرير رويترز، إلا أن تأثيرات ما يجري سوف تتمدد إلى دول جوار سورية، وتحديدا الأردن ولبنان وتركيا والعراق، بما يعني أن الافتراض بكون تحركات الساحل السوري بعيدة وغير مؤثرة على الأردن مثلا، افتراض غير منطقي، لأن هذه التحركات ستدعم فعليا سيناريو انقسام سورية، وفصل السويداء المجاورة للأردن، وتعزيز حالة الانفلات الأمني بما يعنيه ذلك على صعيد ملفات الهجرات المحتملة وتجارة السلاح والمخدرات، بما يؤكد أن التأثير سيتجاوز الساحة السورية نحو دول كل المنطقة.

خلاصة الكلام أن الدول العربية التي لها جوار مع سورية، مثل الأردن ولبنان والعراق، والدول العربية التي لها تأثير إقليمي ودولي، والدول الإقليمية عليها أن تتحالف معا لمنع أي انشقاقات في سورية، وإفشال أي تدخلات خارجية من أنصار النظام السابق، حتى لو كانت بحضانة روسية أو إسرائيلية، لأن الأزمة بقدر كونها سورية بحتة، إلا أن ارتدادها الإستراتيجي سيشمل المنطقة.

انشقاق الساحل السوري لن يبقى في حدود الساحل، وإذا وقع سوف يمتد إلى مناطق ثانية، بما يعنيه ذلك من كلف ستتوزع على الإقليم.

الغد