صورة المخيم في رواية "قطة فوق صفيح ساخن" لمراد سارة
07-12-2025 10:36 AM
عمون - من هاني الهندي - كثيرة هي القصص والروايات التي تناولت ظاهرة المخيم بأساليب وأشكال مختلفة؛ بعضها جعل المخيم المحور الأساسي الذي تقوم عليه الرواية أو القصة، فجاءت أقرب إلى التوثيق لتاريخ المخيم منذ قيام الخيمة الأولى، مستعرضةً جوانب الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وما يعانيه من عذابات التهجير والقهر. وهناك أعمال روائية وقصصية أخرى كان للمخيم فيها جزء من مساحتها، بحسب الأحداث التي تخدم الفكرة، بينما اكتفى بعضها بمرور عابر لا تقوم عليه الرواية.
تنتمي رواية مراد سارة "قطة فوق صفيح ساخن" إلى أدب المخيم، وهو جزء مهم من الأدب العربي الفلسطيني. والمخيم، كما تعلمون، مجتمع متكامل، تظهر فيه صور إيجابية وأخرى سلبية. ومن الصور الإيجابية في مجتمع المخيم على سبيل المثال:
حلم العودة. فقد شكّل هاجسًا لدى معظم الكُتّاب الفلسطينيين في مختلف أشكال السرد، وهو نابع من تصميم الفلسطيني وتمسّكه بحق العودة. لذلك رفض أبو هاشم عرضَ أبي أنور شراء أرض قرب المخيم، وقال له: «يا أبو أنور، هاي البلد بلدكم، وإحنا إن شاء الله راجعين على بلادنا. قريتي جنة يا أبو أنور... وما بدي أولادي يتركوا فلسطين» (ص19). وكأنه يريد أن يقول: هب جنة الخلد في اليمن/ لا شيء يعادل الوطن. وهكذا، أكّد أبو هاشم مسألتين أساسيتين في القضية الفلسطينية: التمسّك بحق العودة، ورفض التوطين.
ومن الصور الإيجابية أيضًا التعليم. فاهتمام ابن المخيم بالتعليم يأتي سبيلًا إلى الخلاص من الواقع الأليم، ونحو التغيير والتجديد. فالتعليم عند اللاجئين قيمة مقدّسة، لأنه وسيلتهم لتجاوز آثار اللجوء. يقول مراد، ابن المخيم: «كنت مخلصًا للمدرسة، وفيًا للعائلة، قاصدًا الهدف المنشود، وإن شاء الله سأسعى لدخول الجامعة» (ص68).
ومن الإيجابيات كذلك صورة التكاتف الاجتماعي. فرغم الفقر، يهبّ أبناء المخيم لمدّ يد العون، كما في إعادة بناء سقف الحاجة خضرة وجدار بيت أبي أسامة: «برغم أنني قطة بعين واحدة، إلا أنني الآن في قمة سعادتي وأنا أرى الناس لا يخشون ثورة أرواحهم وهم يهبّون لمدّ يد العون وإعادة بناء سقف الحجة خضرة وجدار أبي أسامة» (ص40).
وتبرز أيضًا المحافظة على التراث الشعبي الفلسطيني. فقد استخدم الروائي اللهجة الفلسطينية بكثافة ليصل إلى قلب المتلقي، ويتيح له الاندماج مع أبطال الرواية كأنهم جزء من حياته اليومية، خصوصًا أن معظم الحوارات جاءت باللهجة العامية الفلسطينية، مما زاد من جمالية العمل. كقوله: «يا حرام، مين اللي قالع إلكي عينكِ؟» قالها بلهجة الدوايمة، «والله غير أعطيكي لحمة هبرة». وهذا شكل من أشكال الحفاظ على اللهجة الفلسطينية في الشتات.
ويعود هذا إلى أن أغلب سكان المخيم من أبناء القرى والفلاحين الذين استطاعوا تشكيل نظام اجتماعي قائم على الاحترام المتبادل، داخل الأسرة الواحدة وفي المجتمع المحلي عمومًا.
ومن الإيجابيات كذلك ارتفاع نسبة الخصوبة. فقد أكدت دراسات متخصصة ارتفاعها في المخيمات رغم الفقر والجوع والقهر الاجتماعي، وهو ارتفاع نابع من رغبة في تعويض ما فقده الشعب من الشهداء، ومن إيمان بالعزوة. تقول هرهورة: «تسللت لقضاء ليلتي متجاهلةً كرتونتي الباردة، ولأنضمّ إلى سبعة من الإناث وأمّ نائمة تحتضن وليدها» (ص34).
أمّا الصور السلبية، فمنها ظهور سلوكيات اجتماعية شاذة ومنفردة، مثل حادثتي اغتصاب وهيبة المشلولة، وحرق أم العبد التي كانت تجمع المال لإرسال زوجها إلى الحج. هذا الزوج السكير الذي لم يعرف الدين يومًا، لفّها بالبطانية وأحرقها بينما كان عقله غائبًا بفعل الخمر؛ فماتت، وسُجن هو، وأُرسل الأطفال إلى مبرة أم الحسين للأيتام.
ومن السلبيات كذلك الفقر، وهو ظاهرة عامة في المخيمات. فهذه وداد تدعو ربها ألا يتركها وأطفالها الجياع بلا كسرة خبز، أو قطرة حليب يبكي لها صغيرها (ص39). أمّا «دفتر الديون» فكان جزءًا من حياة الفقر، وكانت الاستدانة حالة عامة بين اللاجئين: «سجّل ع الدفتر» (ص114).
الرواية سجلّ توثيقي لمخيم شلنر، يقدّم واقعه بسلبيات اللجوء وإيجابيات أهله، كما لو أنها ذاكرة حيّة تنبض بكل ما فيه.