(27) "رعاية بيوت الرحمن وأضرحة ومقامات الأنبياء والشهداء كنهج هاشمي أصيل".
يعد كتاب «ملك وشعب» الذي أصدره الديوان الملكي الهاشمي العامر منجزا وطنيا هاما يوثّق المبادرات الملكية السامية الزاخرة بالخير والعطاء والإنسانية ضمن رحلة خيّرة لا ينضب عطاؤها بين ملك إنسان وأبناء شعبه. إن هذا الملف الإنساني والتنموي الذي يوليه جلالة سيدنا كل إهتمام حيث أسند أمر متابعته وتنفيذه إلى لجنة برئاسة معالي الأستاذ يوسف حسن العيسوي رئيس الديوان الملكي الهاشمي ضمن فريق عمل مخلص وجاد ليعكس صورة إرتباط ملك رحيم تجلّت صفات الإنسانية بأجل صورها مع أبناء شعبه الأردني بروح تنم عن إنتماء ومحبة قائد لوطنه ولشعبه، وولاء ومبايعة شعب لقائده بصدق وإخلاص.
وسأتناول هنا في المقال السادس والعشرين (27) ضمن سلسلة مقالات قراءة كتاب ملك وشعب «المبادرات الملكية السامية في رعاية بيوت الرحمن وأضرحة ومقامات الأنبياء والشهداء كنهج هاشمي أصيل «.
إيمانا من جلالة سيدنا بأهمية المساجد لتأخذ دورها في الوعظ والإرشاد المستمد من تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف دين الوسطية والرحمة والتسامح والإعتدال، فقد حرص جلالته على التبرع والمساهمة في بناء بيوت الرحمن، وإفتتاح العديد منها لما يحمله الإسلام من رسالة سامية تجاه الإنسانية جميعا رغم حملات التشويه التي يحاول المتطرفون من تشويه صورته وصورة المسلمين وفي ذلك يقول جلالة سيدنا « إن من واجبنا الديني والإنساني أن نتصدى بكل حزم وقوة لكل من يحلول إشعال الحروب الطائفية أو المذهبية وتشويه صورة الإسلام والمسلمين»، ويضيف جلالة سيدنا بقوله: «الإسلام هو دين السلام والتسامح والإعتدال وقبول الآخر وإحترام حق الإنسان في الحياة والعيش بأمن وكرامة، بغض النظر عن لونه أوجنسه أو دينه أو معتقداته».
ويبدي جلالة سيدنا توجيهاته دائما للجهات المعنية للإهتمام الموصول بالمساجد وأضرحة ومقامات الأنبياء والشهداء لترميمها وصيانتها ضمن إشراف اللجنة الملكية لإعمار مساجد ومقامات الأنبياء. كما يولي جلالة سيدنا بيوت الرحمن كل رعاية حيث يوجه دائما إلى بناء المساجد وتحديث القائم منها وإعطائها المكانة التي تليق بعظمة ديننا الأسلامي ورسالته السمحة، وإبراز هذه المواقع لتكون معالم خالدة تبث الخير والدعوة الى الله بالحكمة والموعظة الحسنة.
وقد إفتتح جلالة سيدنا في الحادي عشر من نيسان عام 2006 مسجد الملك الحسين بن طلال طيّب الله ثراه في دابوق في منطقة حدائق الملك الحسين الذي يعد من أكبر مساجد المملكة على مساحة 60 ألف متر مربع ومساحة بناء 8000 متر مربع ويتسع لنحو 5500 مصل ويشتمل على مواقف سيارات تتسع ل 450 سيارة ومساحات خضراء تضفي عليه جمالا. وأخذ المسجد شكل حصن إسلامي تجلت فيه روعة التصميم بأسلوب فن العمارة الإسلامية حيث جمع بين الأصالة والمعاصرة في النقوش الإسلامية البارزة على الجدران والأقواس والقناطر والأرضيات، وقبة رئيسية يصل إرتفاعها إلى 31 مترا ومحراب المسجد الذي يعتبر تحفة فنية إسلامية مصنوعة من الخشب الخالص من خشب الجوز والبلوط وأربع مآذن مترا تعلو كل واحدة منها فبّة ولها شرفات يمكن الوصول إليها من خلال السلالم الداخلية تصل إلى إرتفاع 46 مترا، ومكاتب ومساحات لأغراض تدريس وتحفيظ القران الكريم ومكتبة خاصة بالمراجع الدينية التي تعتبر شاهدا تعكس إهتمام ونهج الهاشميين بعمارة ورعاية بيوت الله.
وفي الثاني والعشرين من أيلول عام 2008 إفتتح جلاللة سيدنا مسجد مقام النبي هود عليه السلام في محافظة جرش حيث تبلغ مساحته 460 مترا مربعا وتعلوه مئذنة، ويشتمل المسجد على مصلى للرجال وآخر للنساء ودار للقرآن الكريم مع المحافظة على الآثار القديمة المتمثلة بالمغارة الموجودة في الموقع، والتي تذكر بالأثر بأن النبي هود عليه السلام أقام فيها وقد سميت القرية الواقعة فيها بقرية هود نسبة إليه عليه السلام.
وفي الحادي والثلاثين من تموزعام 2012، أوعز جلالة سيدنا بالمباشرة بإجراء الصيانة العامة الكاملة لمسجد الفتح في منطقة المحطة في عمان والمرافق والحديقة التابعة له، بما يكفل إعادة تأهيل المسجد الذي يعد من أقدم مساجد العاصمة حيث تم بناؤه عام 1923، واجريت أول توسعة له عام 1993.
وفي التاسع عشر من اذار عام 2013، فقد إفتتح جلالة سيدنا مسجد غزة هاشم في منطقة عين الباشا في محافظة السلط الذي أقيم على مساحة 4000 متر مربع، ويتسع ل 5000 مصل ، هذا المسجد الذي أقيم على طراز معماري تم مراعاة فنون العمارة العربية الإسلامية التي تجسدّت بالأقواس والنوافذ وأعمال الديكور الخارجية والداخلية حيث يعتبر مسجد غزة هاشم في عين الباشا معلما من معالم المنطقة، ويسهم في خدمة سكانها ويعزّز العمل الخيري. كما إفتتح جلالته مسجد فاطمه الزهراء في السادس والعشرين من تموز عام 2013 في منشية بني حسن في محفظة المفرق الذي يتسع ل 2500 مصل، ويشتمل على مكتبة ودار تحفيظ للقرآن الكريم ومقر للجنة الزكاة حيث تم مراعاة بناء الطراز العربي الإسلامي.
هذا بالإضافة اإلى زيارة جلالة سيدنا للعديد من المساجد التي تهدف إلى تأهيل المساجد والحفاظ عليها كمعالم دينية وتاريخية تؤكد أهمية الأردن ورسالته حيث قام جلالة سيدنا عام بزيارة مفاجئة عام 2013 إلى مسجد عجلون الكبير لمتابعة سير العمل بمشروع المسجد وتوسعته وإعادة تأهيله، وتحسين المنطقة المحيطة به والحفاظ على الطابع الحضري والهوية التاريخية لمدينة عجلون وتعزيز مكانتها المتقدمة على خارطة السياحة الدينية والأثرية، ويحظى مسجد عجلون بأهمية تاريخية الذي يعود تاريخ بنائه الى عهد الملك الأيوبي نجم الدين أيوب عام 1274م، وبنيت مئذنته في عهد السلطان المملوكي الظاهر،وجدّد بناءه السلطان الناصر محمد بن قلاوون، فيما أعيد ترميمه في عهد جلالة الملك الحسين بن طلال طّيّب الله ثراه، وإعادة توسعته وتأهيله في عهد جلالة سيدنا الملك عبد الله الثاني بن الحسين حفظه الله وأعز ملكه حيث شارك جلالة سيدنا في الخامس والعشرين عام 2014 المصلين صلاة الجمعة في مسجد عجلون الكبير التاريخي.
ومن الجدير بالإشارة إلى أرض الأردن قد حباها الله شرفا بأن ضمت مقامات وأضرحة عدد من الأنبياء والصالحين والصحابة والشهداء من قادة الأمة ممن سطّروا بتضحياتهم أروع صور البذل والشهادة، أو من كانوا في طليعة قيادة جيوش الفتح الإسلامي. حيث تشكّل هذه المقامات والأضرحة مكتسبا أردنيا يؤكد دور الأرض الأردنية في صياغة تاريخ الأمة. وقد أدرك الأردن وقيادته الهاشمية أهمية هذه المواقع وضرورة الحفاظ عليها وصيانتها حيث يقول جلالة سيدنا « إن الحفاظ على المقدسات الاسلامية وإعمارها هي أمانة في عنقي وسأستمر في دعمها على خطى الآباء والأجداد».
وقد شمل جلالته برعايته السامية إفتتاح عدد من المقامات التي تتوزع في مختلف مناطق المملكة والتي تمت جميعها ضمن خطة عملية شاملة وضعتها اللجنة الملكية لإعمار مساجد ومقامات الأنبياء والصحابة والشهداء بهدف حمايتها والحفظ عليها حيث أمر جلالة سيدنا في الاول من آذار عام 2012 بإعادة تأهيل وصيانة مسجد جعفر بن أبي طالب في المزار الجنوبي في محافظة الكرك، والإهتمام بمقامي الصحابيين جعفر بن أبي طالب وزيد بن حارثه رضي الله عنهما.
ولقد واصل جلالة سيدنا مسيرة الرعاية للأضرحة والمقامات حيث وضعت اللجنة الملكية الخاصة بترميم وصيانة أضرحة الصحابة واشهداء في الأردن وبناء المساجد وقد تم انجز عدة مشاريع شملت مقام النبي سليمان عليه السلام ومقامات الصحابة في المزار الجنوبي في محافظة الكرك، ومسجدي أبي عبيدة عامر بن الجراح و ضرار بن الأزور في منطقة الأغوار الوسطى، مسجدي شرحبيل بن حسنة ومعاذ بن جبل في الأغوار الشمالية ، ومقامي الصحابيين الحارث بن عمير الأزدي وفروة بن عمرو الجذامي في الطفيلة، مسجد أبو ذر الغفاري ومقامه في مدينة مأدبا، مقام الصحابي الجليل بلال بن رباح في وادي السير، مسجد الصحابي عبد الرحمن بن عوف في منطقة الجبيهة، مسجدي ومقامي النبي شعيب والنبي يوشع عليهما السلام في مدينة السلط، مسجد ومقام النبي هارون عليه السلام في مدينة وادي موسى، مسجد ومقام النبي هود عليه السلام في روابي مدينة جرش، كهف النبي عيسى عليه السلام في منطقة أم قيس بمدينة اربد، ترميم مقام لصحابي أبو الدرداء في بلدة سوم في مدينة اربد، مقامات ولي الله الخضر في منطقة ماحص وبيت راس والكرك، مقام الصحابي ميسرة بن مسروق العبسي، ومقام الصحابي عكرمة بن أبي جهل في عجلون ، تطوير موقع عيون النبي موسى عليه السسلام في مأدبا، وتطوير موقع التابعي أبو سلمان الداراني في الشوبك.
وفي الرابع من تموز عام 2014 إفتتح جلالة سيدنا مسجد مقام النبي أيوب علي السلام في منطقة بطنا في محافظة البلقاء ضمن مشاريع اللجنة الملكية لإعمار مساجد الأنبياء والصحابة والشهداء، هذا الإفتتاح الذي يأتي ضمن الرعاية الهاشمية المتواصل للأماكن الدينية والتاريخية. وتبلغ مساحة المساحة الإجمالية للبناء 2700 متر مربع، وعلى أرض مساحتها 5 دونمات حيث يقع ضمن مقام النبي أيوب عليه السلام في منطقة أطلق عليها «خربة أيوب». ويتكون المسجد من مصلى للرجال وآخر للنساء إضافة الى الساحات الخارجية والحدائق والخدمات الأخرى ، ويبلغ ارتفاع مترا، ويضم في فنائه عددا من أشجار البلوط التي تزيد أعمارها عن مئات الأعوام، وتشكل جزءا من تاريخ المكان وأهميته التاريخية، كما يوجد بجانب المسجد تلة ترابية تحتوي على معالم أثرية قديمة، وهي عبارة عن المسكن الذي سكنه النبي أيوب عليه السلام.
وقد أشرت في مقال سابق ضمن سلسلة مقالات (6) قراءة في كتاب ملك وشعب إلى تواصل الدعم الهاشمي للحفاظ على مدينة القدس وحمل مسؤولية الأمانة تجاهها من خلال إنشاء الصندوق الأردني الهاشمي لإعمار المقدسات الذي يهدف إلى توفير التمويل اللازم لرعاية المسجد الأقصى وإعادة بناء منبر صلاح الدين الأيوبي ومسجد قبة الصخرة المشرفة، وحماية وترميم المقدسات الإسلامية في القدس لضمان إستمرارية إعمارها وصيانتها وتجهيزها، وتوفير المتطلبات اللازمة لتأكيد أهمية هذه المقدسات وحرمتها لدى المسلمين بشكل عام والهاشميين بشكل خاص، حيث يؤكد جلالة سيدنا أن رعاية المقدسات الاسلامية في القدس، وتعزيز صمود الأشقاء في المدينة المقدسة هو محط الإهتمام الملكي الدائم.
نعم، إنه الدعم الملكي الهاشمي في رعاية بيوت الرحمن وأضرحة ومقامات الأنبياء والشهداء كنهج هاشمي أصيل، ضمن منظومة عمل جادة تعمل بضمير مؤسسي مسؤول الذي أنجزه الديوان الملكي الهاشمي العامر بيت جلالة سيدنا وبيت الأردنيين جميعا، يرافق ذلك جهود تقوم على الإخلاص والتفاني في العمل في ظل مجتمع متكافل واحد موحّد ومتماسك يزرع بذور الخير والعطاء والإنسانية، برعاية وإهتمام جلالة سيدنا الملك الإنسان عبد الله الثاني بن الحسين أعز الله ملكه القدوة لنا جميعا في الإنجاز والعمل وللحديث بقية.
"الدستور"