facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




دولة عبدالرؤوف الروابدة رجل دولة لن يتكرر


سارة طالب السهيل
09-12-2025 06:51 PM

في المشهد السياسي العربي، كثيرون هم “موظفو الدولة”، وقليلون جدًا هم “رجال الدولة”. الموظف ينفذ، يلتزم، يوقّع، ويخشى أن يخطئ. أما رجل الدولة، فهو من يصنع القرار، يواجه، يبتكر، ويضع بصمته في التاريخ. الموظف يختبئ خلف التعليمات، بينما رجل الدولة يواجه العاصفة ويصنع منها فرصة. بهذا المعيار، فإن دولة عبدالرؤوف الروابدة ليس مجرد سياسي أردني، بل هو أحد أولئك القلائل الذين يُؤرَّخ بهم الزمن، وتُقاس بهم المواقف.

ما يميز الروابدة ليس فقط تنقله بين المناصب، بل شخصيته الفريدة التي جمعت بين الجرأة السياسية، الحنكة الإدارية، وخفة الدم الشعبية. كان حاضرًا في كل موقف، سريع البديهة، لا يخشى المواجهة، ويملك قدرة نادرة على تحويل الجدل إلى حوار، والنقد إلى فرصة.

لم يتردد في التعبير عن رأيه، حتى في القضايا الحساسة ، وكان دائمًا صوتًا وطنيًا لا يُجامل..

وعرف كيف يدير الملفات المعقدة، من التعليم إلى الدفاع، وكان يُحسب له قدرته على التوازن بين العشائر، الأحزاب، والدولة.

واشتهر بتعليقاته الساخرة الذكية، التي كانت تُضحك وتُفكر في آنٍ واحد، مما جعله محبوبًا حتى من خصومه.

والحضور في المجالس، في الإعلام، وفي الشارع، كان الروابدة حاضرًا بثقافته، لغته، وكرامته.

يمتاز بسرعة البديهة: ردوده كانت حادة، دقيقة، ومليئة بالمعنى، لا يترك سؤالًا دون إجابة، ولا موقفًا دون تعليق. و سرعة البديهة هي ذكاء استثنائي

كما ان روح النكته هي ايضا ذكاء لا يتقنه الا القليل و خاصة دمج النكته بالواقع و تفسير الحاضر بروح فكاهية توصل الفكرة مع البسمه

رجل من طراز نادر

تمر على الأوطان شخصيات لا تتكرر كثيرا ، لا لأنها خارقة، بل لأنها صادقة، جريئة، ومؤثرة. الروابدة هو أحد هؤلاء. ليس مجرد رئيس وزراء، بل ضميرًا سياسيًا، وذاكرة وطنية، وصوتًا أردنيًا أصيلًا.

لقد جمع بين الهوية الأردنية العشائرية، والوعي المدني الحديث، وبين الالتزام الديني والانفتاح الثقافي. كان ابن الصريح الذي لم يتخلَّ عن جذوره، ورجل بيروت الذي حمل العلم، وسياسي عمان الذي صنع القرار.

دولة عبدالرؤوف الروابدة ليس مجرد اسم في سجل الحكومات، بل هو نموذج لرجل الدولة الحقيقي، الذي لا يُنسى، ولا يُكرر. هو من أولئك الذين يُؤرَّخ بهم، وتُروى عنهم الحكايات، وتُستعاد كلماتهم في لحظات الشك، لأنهم كانوا أصواتًا للحق، ووجوهًا للوطن.

قد لا أكون من هواة التلفاز، ولا ممن يجلسون أمام شاشته عادة، فأنا لا أفتحه إلا فيما ندر ولسببٍ قاهر، لكنني وجدت نفسي أكسر هذه العادة طواعية عندما شاهدت أحد لقاءات دولة عبدالرؤوف الروابدة. كان حضوره وحديثه وأسلوبه كفيلًا بأن يجعلني أعيد اللقاء أكثر من مرة، وكأن الرجل يملك تلك القدرة النادرة على تحويل المقابلة التلفزيونية إلى جلسة دافئة تشبه حديث الحكمة بين كبار العائلة.

وُلد عبدالرؤوف سالم النهار الروابدة عام 1939 في بلدة الصريح بمحافظة إربد. نشأ في بيتٍ ريفيّ متواضع يحمل روح الفلاحين وكرمهم وصلابتهم. حفظ القرآن في الكتّاب، وفي تلك السن المبكرة ظهرت ملامح الذكاء المتوقد فيه، إذ لم يكن يكتفي بالحفظ بل كان يسأل ويجادل، يبحث عن المعنى قبل اللفظ، وعن الحكمة قبل السطر. وكان طريقه اليومي إلى المدرسة في الحصن يمتد لمسافة تقارب الثلاثة كيلومترات، يقطعها ذهابًا وإيابًا مشيًا بين سنابل القمح والهواء البارد، وكأن تلك الرحلة اليومية صنعت داخله جلدًا وصبرًا لازماه طوال عمره.

ومن الحكايات الطريفة التي يرويها عن نفسه ما يتعلق بالرقم 13. فهذا الرقم الذي يعدّه كثيرون رمزًا للنحس، كان بالنسبة له رقم البركة والحظ الجميل. بدأ الأمر حين كان يعدّ أفراد أسرته فوجد أنهم 13 شخصًا. ثم اكتشف لاحقًا أن موعد ميلاده نفسه كان في اليوم الثالث عشر من شهر شباط، تزامنًا مع ولادة شقيقته في اليوم نفسه بعد سنوات، وكأن القدر أحب أن يترك له علامة متكررة. وعندما حصل على بعثته الدراسية إلى بيروت لم تكن تحمل أي رقم سوى الرقم 13. وحتى حين أصبح طالبًا في الجامعة الأميركية، حصل على غرفة تحمل الرقم ذاته. أما السيارة التي اقتناها في شبابه فكانت تحمل لوحة أرقامها مجموعًا أو ترتيبًا ينتهي بالرقم 13، لدرجة جعلته يقول مازحًا: «لو استطعت لاخترت 13 في كل شيء… فهو لا يفارقني، وكأنه صديق قديم يُذكّرني بأن الحظ ليس في الأرقام، بل في رضا الله واجتهاد الإنسان».

كان يسرد هذه القصة ببساطة وابتسامة، وكأنه يريد أن يعلّمنا أن التشاؤم خرافة، وأن البركة قد تأتي من حيث لا يتوقع المرء.

ومن هنا اتمنى ان يقرأ هو هذا المقال في يوم ١٣

بعد إنهائه الثانوية، كان يميل إلى دراسة القانون أو الأدب، لكن البعثة الحكومية قررت أن ترسله لدراسة الصيدلة. لم يعترض كثيرًا، بل حول الأمر إلى فرصة جديدة. سافر إلى بيروت عام 1958، وهناك نضجت شخصيته وتشكل وعيه السياسي والثقافي. بيروت في ذلك الزمن كانت مدينة تعج بالحراك الفكري، فقرأ بنهم، وكتب محاولات شعرية، ودخل في نقاشات عميقة، وتعرّف على شخصيات أسهمت في صقل روحه ولغته. تخرج عام 1962 بدرجة امتياز، وبدلًا من أن يبحث عن منصب أو مظهر، عاد إلى الأردن ليبدأ من موقع بسيط في وزارة الصحة كمفتش للصيدليات.

كان دقيقًا في عمله، صارمًا في الإدارة، لكنه ظل بسيطًا في التعامل مع الناس. ترقّى بسرعة، حتى أصبح مديرًا لدائرة الصيدلة واللوازم، ثم مديرًا لدائرة التخطيط والعلاقات الخارجية في الوزارة. ومن هناك انتقل إلى عالم المسؤولية العامة، فشغل عدة حقائب وزارية في النقل والصحة والأشغال العامة والتربية والتعليم، وكلها ترك فيها بصمة واضحة، حتى وصل إلى رئاسة الوزراء عام 1999 في مرحلة بالغة الحساسية.

ورغم كل المناصب التي تولاها، بقي الروابدة قريبًا من الناس. في إحدى حملاته الانتخابية، بينما كان المرشحون الآخرون يظهرون بموكب وسيارات فارهة وضجيج مكبرات الصوت، اختار هو أن يمشي في شوارع بلدته، يسلّم على الناس فردًا فردًا، ويضحك مع كبار السن، ويطمئن على أهل البيوت كما يفعل ابن البلد الحقيقي. وكان دائم القول: «ابن الفلاح يمكن أن يصبح رئيس وزراء». لم يكن يقولها للتفاخر، بل ليؤكد أن المناصب لا تُبنى على الحسب والنسب، بل على الجد والاجتهاد والصدق.

عرف عنه أنه لا يحب المبالغة ولا التصنع. يجلس معك في مجلس فيشعرك بأنه يعرف منطقتك وعائلتك وقصص أهلك. يقرأ الناس كما يقرأ الكتب، ويعرف طبائع العشائر وأعراف المدن والقرى، ويستطيع أن يفرّق بين سلوك الفرد وسلوك الجماعة، ويقيّم المواقف بدقة رجل خبر المجتمع الأردني من جذوره حتى قمته.

يظهر الروابدة بوجهٍ يحمل مزيج الحكمة و الحنكة واللباقة وخفة الدم ، يتحدث في الهوية الأردنية والتاريخ بلغة الواثق، ويستعيد ذكريات طفولته وشبابه وكأنها جزء من أرشيف الوطن نفسه. تشعر حين يسترسل في الكلام أنه يرى الناس بوضوح، ويعرف طبائعهم، ويدرك قيمة المكان والانتماء أكثر مما يدركها كثيرون.

أما أنا — فقد وجدت نفسي اكتب عنه . ليس لمكانته السياسية فالكثيرون جلسوا على المناصب، بل لأنه يملك حضورًا لا يُفتعل، وصدقًا لا يُشترى. حديثه يعيد إليك الإيمان بأن في عالم السياسة رجالًا ما زالوا يشبهون الناس… ويشبهون الوطن.

واتذكر أنني كنت طالبة في الجامعة في لندن و رأيته و زوجته المحترمة في صيدلية بووتس في اكسفورد ستريت و فرحت من كل قلبي فانتبه أنني انظر اليه فعرف أنني من بلاده فورا قال لي اي شي تحتاجونه أنا في الخدمة انتم وجميع الطلاب فقلت له اريد سلامتك مجرد فرحت برؤيتك(هو الذي يتقدم من الناس و يقترح و يقدم خدماته) لا يغرب بعينيه بعيدا و لا يعمل نفسه لا يراك ولا يعرفك بل هو من يبادر دون حتى سابق معرفة او لقاء

فأنا اعرف الكثير ممن يغير أرقامه بعد استلامه المناصب او يغير بيته و عنوانه و يخاف ان يطلب منه احد حتى سلام ..

فتحية لهذا الرجل الذي دخل الذاكرة والتاريخ من باب القلوب

«ولعلّ أعظم الرجال هم الذين يتركون أثرًا لا يُرى بالعين، بل يُحسُّ في القلب.»





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :