نهج قيادي اصلاحي معاصر بين الاردن والكويت
السفير الدكتور موفق العجلوني
10-12-2025 11:44 AM
تمضي دولة الكويت في عهدها الحالي بخطوات مدروسة نحو ترسيخ نموذج إصلاحي معاصر يقوم على الاستثمار في الإنسان وتعزيز القدرات الوطنية وصياغة القرار على أسس علمية راسخة. وقد أعادت كلمة رئيس مجلس الوزراء سمو الشيخ أحمد العبدالله الاحمد الصباح لتأكيد على هذا التوجه من خلال إبراز قيمة الشراكة الاستراتيجية المتجددة بين مؤسسة الكويت للتقدم العلمي وكلية كينيدي بجامعة هارفارد، بما تمثله من استثمار حقيقي في بناء القيادات الوطنية القادرة على مواكبة المتغيرات العالمية في الاقتصاد والحوكمة والذكاء الاصطناعي.
هذه الرؤية الكويتية تتوازى في جوهرها مع النهج الإصلاحي الذي تتبناه المملكة الأردنية الهاشمية بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، إذ يُعدّ الاستثمار في التعليم، وتطوير الموارد البشرية، وتحديث الإدارة العامة ركائز أساسية في مشروع التحديث الشامل الذي تنفذه المملكة. وقد أولت الأردن، عبر مؤسساتها الوطنية ومراكزها البحثية، أهمية كبيرة للبرامج التنفيذية والشراكات الدولية التي ترفع من كفاءة القيادات وتدعم مسارات صنع القرار المبني على المعرفة، في مقاربة تتقاطع مع المسار الكويتي في رؤيته وأهدافه.
وما يزيد من قوة هذا التشابه بين التجربتين الكويتية والأردنية هو عمق العلاقة التاريخية والمتميزة التي تجمع البلدين الشقيقين، والمتجذرة في الثقة المتبادلة والتنسيق المستمر في مختلف المجالات. فقد شكّل التعاون العلمي والتعليمي أحد أهم ميادين الشراكة الثنائية، حيث استفادت المؤسسات الأكاديمية والبحثية في كلا البلدين من تبادل الخبرات، وإطلاق المبادرات المشتركة، وتوفير بيئة خصبة لنمو الكفاءات الشابة.
وتأتي التجربة الكويتية—لا سيما من خلال “برنامج الكويت في جامعة هارفارد” الذي خرّج مئات القيادات الوطنية—لتكمّل المسار الأردني في برامج تحديث القطاع العام، وتمكين القيادات، وتعزيز تكنولوجيا الإدارة الحديثة. فكلا البلدين ينظران إلى تطوير الإنسان باعتباره المحرك الأول للتنمية، " الانسان اغلى ما نملك " وإلى الشراكات الدولية بوصفها بوابة لاقتناء المعرفة وتوطينها بما يخدم أولويات الدولة والمواطن.
وفي ظل القيادة الحكيمة لصاحب السمو أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، وسمو ولي العهد الشيخ صباح خالد الحمد الصباح، وجلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، و سمو ولي العهد الامير الحسين ، رسّخت الكويت والأردن نموذجاً عربياً يحتذى به في التعاون المتبادل، يقوم على احترام متبادل ورؤية مشتركة لمستقبل المنطقة تقوم على الاستقرار والتنمية والارتقاء بالإنسان.
إن التقارب الفكري والإصلاحي بين الكويت والأردن ليس مجرد تقاطع سياسات، بل هو امتداد لعلاقة أخوية راسخة قائمة على القيم المشتركة والاحترام العميق والتطلّع إلى نهضة عربية قادرة على مواجهة تحديات العصر عبر المعرفة والابتكار. وهكذا يمضي البلدان بثقة نحو المستقبل، مستندين إلى إرادة سياسية واعية، وإلى رؤية تنموية تؤمن بأن الإنسان هو أساس التنمية وغايتها، وأن التعاون هو الطريق الأضمن لتحقيق تطلعات شعوب المنطقة.
تمضي دولة الكويت في عهدها الراهن بخطى ثابتة لترسيخ نموذج إصلاحي قائم على الاستثمار في المعرفة وتمكين القيادات الوطنية، وهو نهج يوازيه في العمق ما يشهده الأردن من برامج تحديث وتطوير للمؤسسات ورفع كفاءة رأس المال البشري. وقد أعاد سمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ أحمد العبدالله الصباح التأكيد على هذا التوجه عبر إشادته بالشراكة الاستراتيجية بين مؤسسة الكويت للتقدم العلمي وكلية كينيدي بجامعة هارفارد، باعتبارها استثماراً مباشراً في الإنسان الكويتي واستدامة كفاءته المهنية والعلمية.
ويبدو جلياً أن هذه المقاربة تتقاطع مع توجهات الأردن بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، حيث جعلت الأردن من التحديث الإداري، وتطوير القدرات القيادية، والشراكات الأكاديمية الدولية ركائز أساسية في مسيرة الإصلاح الوطني. وكما فتحت الكويت أبواب التعاون مع المؤسسات الأكاديمية العالمية، اعتمد الأردن بدوره برامج تنفيذيـة واستشارية مع جامعات مرموقة لتعزيز مهارات القيادات الحكومية وبناء نظم فعّالة لصنع القرار.
و هناك امثله عديدة تعكس التشابه في النهج الإصلاحي بين الكويت والأردن، اذكر منها :
* برامج تطوير القيادات الحكومية
في الكويت، تُعد البرامج التنفيذية المشتركة . وفي الأردن، جاء "برنامج قيادات" التابع لديوان الخدمة المدنية، وبرامج مركز الملك عبدالله الثاني للتميز، و"معهد الإدارة العامة" لتعزيز القدرات القيادية وإدخال أدوات حديثة في الإدارة وصنع السياسات.
* الشراكات الأكاديمية الدولية
الكويت عقدت شراكات مع جامعات عالمية مثل هارفارد، كامبريدج، سنغافورة الوطنية، وكلية لندن للاقتصاد.
بدوره ابرم الأردن شراكات مع جامعات ومراكز بحثية دولية، واستفادت مؤسساته الحكومية من برامج تدريبية مشتركة مع جامعات مثل هارفارد وستانفورد وجامعات أوروبية في مجالات التخطيط والسياسات العامة والحوكمة.
* الابتكار والبحث العلمي
أنشأت الكويت مبادرات بحثية وتمويلية عبر مؤسسة الكويت للتقدم العلمي لدعم الابتكار وتوطين المعرفة.
وفي الأردن، يعمل “المركز الوطني للابتكار” و"صندوق دعم البحث العلمي" على تعزيز بيئة الابتكار وتشجيع المشاريع الريادية، خصوصاً في التكنولوجيا والاقتصاد المعرفي.
* التحول الرقمي وتحديث القطاع العام
الكويت أطلقت برامج واسعة للتحول الرقمي في الخدمات الحكومية بالتوازي مع تدريب القيادات على إدارة الأنظمة الرقمية الحديثة.
أما الأردن، فقد شرع في تنفيذ "خطة تحديث القطاع العام" التي تتضمن إعادة هيكلة المؤسسات الحكومية وتطوير أنظمة الخدمات الإلكترونية بما يرفع كفاءة الأداء.
* التعاون الثنائي في تطوير الموارد البشرية
شارك مسؤولون وخبراء من الاردن و الكويت في برامج تدريبية مشتركة نظمتها منظمات عربية وإقليمية، وبخاصة في مجالات الإدارة الحكومية، والمخاطر الاستراتيجية، وحوكمة المؤسسات.
كما استفاد طلبة وباحثون من الكويت والأردن من تبادل المنح الدراسية والزيارات العلمية، ما أسهم في توطيد العلاقات التعليمية والبحثية.
إن التشابه بين النموذجين الكويتي والأردني في مسيرة الإصلاح يعكس إدراكاً مشتركاً بأن بناء الإنسان هو حجر الزاوية في التنمية المستدامة، وأن الشراكات العلمية الدولية تمثل أداة استراتيجية لصنع السياسات الرشيدة وتعزيز جاهزية القيادات. كما ينسجم هذا النهج مع قوة العلاقة التي تجمع الكويت والأردن—علاقة تاريخية متجذرة في الاحترام المتبادل والتعاون المستمر والتنسيق في القضايا الإقليمية والتنموية.
وفي ظل القيادة الحكيمة لصاحب السمو أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح ، وجلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، حفظهم الله ، تمضي الكويت والأردن نحو ترسيخ نموذج عربي متقدم يتبنى المعرفة والإصلاح والابتكار طريقاً لمستقبل أكثر استقراراً وازدهاراً .
* مركز فرح الدولي للدراسات والابحاث الاستراتيجيه .
muwaffaq@ajlouni.