facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




خطبة الجمعة بين قدسية المنبر وفراغ الخطاب


أ. د. هاني الضمور
13-12-2025 09:51 AM

* حين يغيب العلم ويُقصى الواقع

في كل يوم جمعة، يتجه ملايين المسلمين إلى المساجد حاملين معهم هموم الحياة اليومية وأسئلتها المعقّدة، منتظرين من خطبة الجمعة كلمة تهدي، وتفسّر، وتربط الدين بالواقع. غير أنّ المتأمل في كثير من خطب الجمعة اليوم يلاحظ بوضوح حالة من الانفصال بين الخطاب المنبري وحاجات المجتمع، حيث تتأرجح الخطب بين التنظير المجرد والتأطير الشكلي، بينما يبرز فراغ واضح في المحتوى العلمي والواقعي القادر على التأثير والتغيير.

لقد تحوّلت خطبة الجمعة في كثير من الأحيان إلى خطاب إنشائي يكرر مفاهيم عامة لا يختلف عليها أحد، كالدعوة إلى الأخلاق أو التحذير من المعاصي، دون الغوص في الأسباب العميقة للمشكلات الاجتماعية أو محاولة تفكيكها بلغة عقلانية تربط النص الديني بسياقه المعاصر. هذا النوع من التنظير، رغم سلامة مقاصده، يفقد الخطبة روحها التفاعلية، ويجعلها أقرب إلى موعظة محفوظة منها إلى خطاب حيّ يتنفس هموم الناس.

كما أنّ التأطير المسبق لموضوعات الخطب ولغتها وبنائها أفقد المنبر قدرته على مواكبة التحولات المتسارعة التي يعرفها المجتمع. فالتغيرات الاقتصادية، والضغوط النفسية، والتحولات القيمية، وثورة التواصل الرقمي، كلها قضايا حاضرة بقوة في حياة الناس، لكنها نادرًا ما تجد صدى حقيقيًا في خطاب الجمعة. وبدل أن يكون المنبر مساحة لطرح الأسئلة الكبرى ومناقشتها في ضوء المقاصد الشرعية والعقل العلمي، أصبح في حالات كثيرة مساحة آمنة لتكرار ما هو مألوف وغير إشكالي.

الفراغ من المحتوى العلمي لا يقل خطورة عن هذا الانفصال الواقعي، إذ إن غياب المعطيات الاجتماعية والنفسية والاقتصادية من الخطبة يجعلها عاجزة عن الإقناع، خاصة لدى فئة الشباب التي تبحث عن خطاب يفهم تعقيدات العصر ولا يكتفي بلغة الوعظ العاطفي. فالدين، في جوهره، لم يكن يومًا معزولًا عن الواقع، بل جاء لفهمه وتقويمه وتوجيهه، وهو ما يتطلب من الخطيب أدوات معرفية تتجاوز الحفظ والتلقين إلى التحليل والفهم العميق.

وتتجلى أهمية هذا الموضوع في الآثار التي يخلّفها ضعف الخطاب المنبري على المجتمع، حيث يتراجع تأثير المسجد في التوجيه والبناء، ويشعر كثير من المصلين بأن خطبة الجمعة لا تمسّ قضاياهم الحقيقية. هذا الفراغ قد يفتح المجال أمام خطابات بديلة، بعضها سطحي وبعضها متطرف، تستغل الحاجة إلى الفهم والمعنى، وتقدم إجابات مبسطة أو مشوّهة عن أسئلة معقدة.

إن استعادة الدور الحقيقي لخطبة الجمعة تقتضي إعادة النظر في وظيفة الخطيب نفسه، بوصفه مثقفًا دينيًا وفاعلًا اجتماعيًا، لا مجرد ناقل لنصوص أو مكرّر لخطب جاهزة. فالمطلوب خطاب يجمع بين عمق النص ووعي الواقع، وبين الإيمان والعلم، وبين الثبات في القيم والمرونة في الوسائل. عندها فقط يمكن لخطبة الجمعة أن تستعيد مكانتها كمنبر للتنوير والإصلاح، لا كطقس أسبوعي يمرّ دون أثر يُذكر.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :