facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الضريبة في الأردن كأزمة حوكمة بين النص القانوني وسوء الإدارة


لانا ارناؤوط
16-12-2025 04:31 PM

ليست الضريبة في أصلها إجراءً ماليًا مجردًا بل هي علاقة قانونية وأخلاقية بين الدولة والمواطن تقوم على التوازن والالتزام المتبادل فكما يلتزم المواطن بالدفع تلتزم الدولة بالعدل والشفافية وحماية الحقوق وقد حرص المشرّع الأردني على تكريس هذا التوازن بوضوح في قوانين ضريبة الدخل والضريبة العامة على المبيعات حين أقر حق المكلّف في استرداد أي مبالغ دُفعت بالزيادة وحدد سقفًا زمنيًا لا يجوز تجاوزه لصرف هذه الرديات غير أن الواقع العملي يكشف فجوة واسعة بين النص القانوني والتطبيق الإداري فجوة تحوّل الحق من ضمانة قانونية إلى معركة استنزاف طويلة يخوضها المواطن وحده

القانون الأردني لم يترك مسألة الرديات للاجتهاد أو التقدير الإداري بل نص صراحة على أن المبالغ المستحقة للمكلّف يجب أن تُرد خلال مدة محددة لا تتجاوز شهرًا من تاريخ استكمال الإجراءات القانونية وهذا النص لم يأت ترفًا تشريعيًا بل لحماية الثقة العامة ومنع تعسف السلطة التنفيذية وضمان عدم تحويل أموال المواطنين إلى مورد مالي مؤقت لسد اختلالات الإدارة إلا أن ما يجري على أرض الواقع يناقض هذا المبدأ بصورة فجة فالضريبة تُقتطع اليوم بسرعة لافتة وبآليات إلكترونية دقيقة حيث يتم الحسم والاقتطاع وفرض الغرامات والفوائد بلمح البصر بينما يتحول المكلّف عندما يطالب بحقه إلى رقم في طابور طويل يمتد لسنوات وتُواجه مطالبه بسلسلة لا تنتهي من الإجراءات واللجان والمراجعات دون أي التزام فعلي بالمدة التي حددها القانون

هذه المفارقة لا يمكن تفسيرها بضعف النص أو غموضه لأن النص واضح وصريح ولا يحتمل التأويل بل تعود إلى خلل عميق في التطبيق يتمثل في تعطيل المدد القانونية دون مساءلة وفي غياب أي آلية تفرض على الإدارة الضريبية احترام الزمن الذي ألزمها به القانون وفي ممارسة غير معلنة تقوم على احتجاز أموال المواطنين في خزينة الدولة لسنوات طويلة وكأنها قروض إجبارية بلا فائدة ولا موافقة وهو ما يشكل اعتداءً صريحًا على مبدأ سيادة القانون ويقوّض أسس العدالة الضريبية التي يفترض أن تقوم عليها الدولة الحديثة

الأخطر من ذلك أن هذا الواقع يترافق مع تصاعد مستمر في العجز المالي فبرغم تأخير الرديات واحتجاز أموال المكلّفين لا ينخفض العجز ولا يتحسن الوضع المالي بل يزداد عامًا بعد عام الأمر الذي يطرح سؤالًا مشروعًا لا يمكن القفز عنه إذا كانت الدولة لا تلتزم بإعادة الحقوق في وقتها فأين تذهب هذه السيولة ولماذا يبقى المواطن هو الحلقة الأضعف الذي يُطلب منه دائمًا تحمّل العبء دون أن يرى أثرًا حقيقيًا لهذا التحمل على الاستقرار المالي أو الاقتصادي

إن الضريبة حين تُطبّق دون عدالة تفقد معناها الوطني وتتحول من أداة تنمية إلى سبب مباشر لفقدان الثقة بين المواطن والدولة فحين يشعر المكلّف أن التزامه فوري وأن العقوبة سريعة وأن حقه مؤجل بلا سقف زمني فإن فكرة الشراكة تنهار ويحل محلها شعور بالغبن يدفع نحو التهرب ويقوّض الامتثال الطوعي الذي يُعد أساس أي نظام ضريبي ناجح

الأردن لا يعاني من نقص في القوانين ولا من فراغ تشريعي بل من فجوة في احترام النصوص وتطبيقها بعدالة واستقامة فالإصلاح المالي الحقيقي لا يبدأ برفع نسب الضرائب ولا بتوسيع القاعدة الضريبية بل بالالتزام الصارم بالقانون القائم وبإعادة الحقوق لأصحابها في الوقت الذي حدده المشرّع وبإخضاع الإدارة للمساءلة كما يُخضع المواطن تمامًا فالقانون الذي يُستخدم بسرعة في الجباية يجب أن يُستخدم بالسرعة نفسها في رد الحقوق وإلا تحولت الضريبة من واجب دستوري إلى عبء غير عادل يدفع ثمنه المواطن وتدفع الدولة كلفته على المدى البعيد





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :