الفخر الأردني في الملاعب مفتاح اقتصادي
رامي خريسات
18-12-2025 11:50 AM
لم يعد الحديث عن الرياضة مقتصرا على المنافسة داخل الملاعب أو تحقيق الانتصارات المعنوية، بل أصبحت جزءا أصيلا من الاقتصاد العالمي فيما يُعرف اليوم باقتصاديات الرياضة، حيث تلعب الأحداث الرياضية دورا محوريا في تنشيط السياحة، وتطوير البنية التحتية، ودفع الابتكار والتكنولوجيا، لا سيما في تقنيات البث والتحليل الرياضي.
وتؤكد التجارب الدولية أن الدول التي أحسنت إدارة إنجازاتها الرياضية نجحت في تحويلها إلى مكاسب اقتصادية مستدامة. فالرياضة اليوم محرك اقتصادي حقيقي يولد الإيرادات من السياح وبيع التذاكر، وحقوق البث، والإعلانات، والرعاية، والبضائع والملابس الرياضية، ويوفر فرص عمل مباشرة وغير مباشرة، ويعزز الإيرادات الضريبية.
ولا تقل المنافع الصحية للرياضة أهمية عن البعد الاقتصادي؛ إذ تسهم ممارسة الرياضة في إطالة العمر الإنتاجي للأفراد، وتحسين قدراتهم البدنية، وتقليل معدلات الإصابة بالأمراض المزمنة، ما ينعكس مباشرة على خفض الإنفاق الوطني على العلاج والرعاية الطبية. هذا البعد غالبا ما يُغفل رغم كونه أحد أهم عناصر الاستدامة طويلة الأمد.
الأرقام العالمية تعكس حجم هذا القطاع بوضوح؛ إذ تشير تقارير ديلويت إلى أن إيرادات سوق كرة القدم في أوروبا وحدها تجاوزت 38 مليار يورو في موسم 2023–2024، ما يعكس ضخامة الاقتصاد الكروي العالمي.
وفي السياق الأردني، يمنح تأهل الأردن التاريخي إلى كأس العالم 2026، إلى جانب مشاركته المتميزة في كأس العرب، دفعة استثنائية. فقد تحول اسم الأردن إلى مادة بحث واسعة عبر محركات البحث العالمية، وظهر أمام مئات الملايين من المتابعين.
هذا الإنجاز يستدعي استثماره في تنشيط السياحة الرياضية، ورفع الطلب على الفنادق والنقل والمطاعم، وخلق فرص عمل جديدة، وتشجيع الاستثمارات في الأندية والأكاديميات والبنية التحتية.
ويكتسب البعد الاقتصادي للرياضة أهمية مضاعفة إذا ركزنا على تصدير اللاعبين كأحد أكثر المسارات الواعدة.
فالأردن يمتلك طاقات بشرية رياضية مميزة، وكان متوقعا بعد المشاركة اللافتة في بطولة آسيا أن يحظى لاعبونا باهتمام أندية عالمية مرموقة. الأمل قائم ويزداد شعاع تألقا، لكنه يتطلب نهجا مؤسسيا احترافيا يقوم على مدراء أعمال متخصصين، وخطط تسويق فردية، وشبكات علاقات مع الأندية والوكلاء الدوليين، بما يحول احتراف اللاعبين إلى مصدر دخل مستدام ويعزز القيمة السوقية للكرة الأردنية.
وتظل الإدارة الذكية للإنجاز العامل الحاسم، إذ إن توجيه ملايين الدولارات المتأتية من التأهل وإنجازات أخرى نحو أكاديميات الناشئين وتطوير الكوادر يخلق جيلا احترافيا مستداما يضمن تطور الكرة واقتصادها في الأردن على المدى الطويل.
إلى جانب ذلك، تشمل الفوائد غير المباشرة تعزيز الاندماج المجتمعي؛ فبعد كل مباراة ومن المدرجات إلى كل بيت أردني تأتي فرحة واحدة وفخر واحد، فحين ينتصر النشامى يقف الأردن كله على قدم واحدة، وفي ذلك تجسيد كامل للانتماء والمحبة الجماعية.
في المحصلة، تقف الرياضة في الأردن اليوم عند مفترق طرق؛ فلتكن لحظة حماس وفرحة عند التسجيل في مرمى الخصوم، وكذلك مشروعا اقتصاديا وطنيا متكاملا يرفع اسم الأردن كدولة شابة، طموحة، مستقرة، وقادرة على الإنجاز في جميع الصعد.
الغد