حين يكون الميدان أصدق من كل الاستوديوهات .. النشامى يخنسون شياطين الباطل
أ.د. خلف الطاهات
19-12-2025 12:05 PM
لا يمكن المرور على مشاركة المنتخب الوطني الأردني في بطولة كأس العرب دون الوقوف مطولا عند المفارقة المؤسفة بين ما قدّمه النشامى داخل الملعب من أداء رفيع المستوى، وما رافق ذلك خارجه من تحليلات رياضية افتقرت في كثير من الأحيان إلى الحد الأدنى من الموضوعية والإنصاف.
فبينما كان المنتخب يكتب واحدة من أجمل صفحات تاريخه الكروي، اختار بعض المحللين والمعلقين أن ينشغلوا بالتشكيك والتقليل، بدل قراءة الإنجاز بحجمه الحقيقي.
طوال أيام البطولة، تعرّض منتخب النشامى لحملة من سوء التقدير، بدت وكأنها تتصاعد مع كل انتصار جديد. فكل فوز أردني كان يقابَل بمزيد من الانتقاص، وكأن التفوق الأردني بات عبئا على خطاب اعتاد التقليل لا التقييم. وهي قراءات لا يمكن وصفها إلا بأنها مجحفة، غيّبت الحقائق الواضحة، وتجاهلت أن الأردن فاز في كل مواجهاته بكفاءة واقتدار، وبأداء ثابت ومتصاعد يفرض الاحترام قبل أي رأي آخر.
الأكثر إيلاما أن هذا النوع من التحليل لم يكتفِ بتشويه صورة الإنجاز، بل أسهم في تسميم أجواء البطولة، ومحاولات الضغط المعنوي على لاعبي المنتخب، في توقيت حساس كانوا فيه أحوج ما يكونون إلى دعم إعلامي مسؤول يوازي حجم التضحيات داخل الملعب. فالنقد المهني مطلوب، أما التشكيك الدائم والتقليل الممنهج فليس نقدًا، بل عبء على الرياضة، وإساءة للحقيقة.
ورغم كل ذلك، ردّ النشامى بالطريقة الوحيدة التي يجيدونها: في الميدان. قدّموا كرة قدم رجولية، مليئة بالالتزام، والروح القتالية، والعطاء حتى آخر ثانية، ليؤكدوا أن الإنجاز لا تصنعه المنابر، بل تصنعه الصدق والإصرار. ولم تكن نتيجة الوصافة في كأس العرب سوى انعكاس طبيعي لمسارٍ مشرف وأداء يليق باسم الأردن.
وفي خضم هذا المشهد، لا بد من توجيه التحية للمحللين الأردنيين الذين حافظوا على بوصلتهم المهنية، ورفضوا المساومة على إنجاز وسمعة منتخبهم، فكانوا صوت العقل والاتزان، وقدموا تحليلات فنية موضوعية تنطلق من المعرفة والانتماء، لا من الإثارة والبحث عن الأضواء.
لقد آن الأوان لأن تراجع بعض الاستوديوهات التحليلية في بعض قنوات التلفزة العربية خطابها، وأن تعكس الواقع الرياضي كما هو، بلا تزييف أو تحريف، وبلا أجندات أو حسابات آنية، فالكلمة مسؤولية، والتحليل أمانة، وما قدّمه النشامى يستحق قراءة عادلة لا تشكيكا مستمرا.
واليوم، ونحن نطوي صفحة مهمة من سجل إنجازات المنتخب الوطني الأردني من بوابة كأس العرب وصيفًا، تتجه الأنظار بثقة وفخر نحو المحطة الأهم: كأس العالم، التي تحولت من حلم بعيد إلى حقيقة قائمة. وفي الختام، يعيش الشارع الأردني حالة فخر ورضا غير مسبوقة، وقناعة راسخة بأن الأردن بات رقما صعبا في الخارطة الرياضية، بعدما قدّم النشامى نموذجا في الشجاعة والعطاء والتضحية، ليؤكدوا أن هذا الوطن، بجماهيره ولاعبيه، يستحق أن يُحتفى به… لا أن يُشكك بإنجازه