facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




بين التهويل والإنكار .. أين يقف الذكاء الاصطناعي في تطوير البرمجيات؟


د. رائد عودة
21-12-2025 11:59 AM

إذا تصفحت منصة لينكدإن هذه الأيام، فقد تشعر بدوار من النقاش المحتدم في قطاع البرمجيات حول الذكاء الاصطناعي التوليدي (مثل شات جي بي تي أو كلود)، القادر على إنتاج نصوص وبرمجيات وصور جديدة اعتماداً على ما تعلمه من بيانات ضخمة. ويتمسك كل طرف بموقفه وكأنه الحقيقة المطلقة.

من جهة، يقف مناصرو الذكاء الاصطناعي الذين يعلنون أن عصر مهندس البرمجيات قد انتهى، وأن الخطر الحقيقي ليس في أخطاء الذكاء الاصطناعي، بل في عدم استخدامه والتخلف عن قدرة إنتاجية غير مسبوقة. وهؤلاء يتخيلون مستقبلاً قريباً تصبح فيه اللغة الطبيعية واجهة كافية لإنجاز معظم العمل البرمجي. بكل بساطة، تصف ما تريد للذكاء الاصطناعي بجمل عادية، فيحوّل ذلك إلى برمجية قابلة للتشغيل، فيما يصبح دور مهندس البرمجيات ثانوياً أو حتى غير ضروري.

وفي الجهة المقابلة، يقف المتشككون الذين يصفون الذكاء الاصطناعي التوليدي بأنه ببغاء يعيد تركيب البرمجيات الشائعة، ويقدم إجابات بكل ثقة تبدو مقنعة رغم عدم صحتها، وقد يولد ثغرات أمنية في البرمجيات يمكن استغلالها للاختراق، أو حتى يزرع أخطاء خفية لا تظهر إلا بعد التشغيل. من منظورهم، حجم المخاطر يمنع الوثوق بالذكاء الاصطناعي التوليدي أو الاعتماد عليه بشكل جدي.

ولا يقدم أي من الطرفين الصورة كاملة. فما ينتظر مستقبل تطوير البرمجيات ليس مفاضلة بين الإنسان والآلة، بل صيغة عمل جديدة تقوم على تكامل محكوم بينهما.

والاعتقاد بأننا على وشك الاستغناء عن الخبرة التقنية البشرية هو في جوهره سوء فهم لطبيعة الهندسة. فكتابة البرامج أو الكود لم تكن يوماً أصعب ما في تطوير البرمجيات؛ الأصعب كان دائما هو تعريف المشكلة بدقة، وتحديد ما ينبغي بناؤه ولماذا، ثم اتخاذ القرارات المناسبة التي تحدد بنية النظام وتوزيع مكوناته وكيف تتواصل فيما بينها، بحيث يصبح قابلاً للتشغيل والتوسع والصيانة. ومستخدمو الذكاء الاصطناعي الأكثر نجاحاً ينجزون أعمالهم لا لأنهم تخلوا عن البرمجة، بل لأنهم يحسنون صياغة المتطلبات وتحديد بنية البرمجية، ويستخدمون حكمهم البشري لتوجيه مخرجات النموذج وضبطها.

وحتى لو افترضنا أن الذكاء الاصطناعي قادر على إنتاج برمجيات مثالية، فهناك أمور يحتاجها العمل الحقيقي ولا يتقنها الذكاء الاصطناعي. فهو لا يتعامل مع حساسيات الفريق وتوازناته، ولا يستوعب تفاصيل وسياق مجال العمل كما يستوعبه من عاشها، ولا يوازن جيداً بين مفاضلات استراتيجية مثل السرعة مقابل الأمان والكلفة وقابلية الصيانة.

وإذا قمت بوصف النظام بدقة عالية لتجعل المخرجات جاهزة للاستخدام الفعلي دون تعديلات كبيرة، فأنت في الحقيقة لم تتجنب البرمجة، بل قمت بنقل هذا الجهد من لغة (مثلا البايثون) إلى لغة أخرى (مثلا اللغة الإنجليزية).

في المقابل، فإن رفض الذكاء الاصطناعي التوليدي كلياً بدعوى أنه يخطئ يحرمنا من فرص كبيرة وواعدة. والأمر يشبه الاستغناء عن موظف جديد متدرب، شديد الذكاء وسريع التعلم، لمجرد أن عمله يحتاج إلى مراجعة. فالمشكلة ليست في وجود المراجعة، بل في غيابها. فالمطلوب استعمال الأداة مع تدقيق ما تولده بشكل صارم، لا تجاهلها كلياً ولا التسليم الأعمى لها.

وتمثل مكاسب الإنتاجية التي يقدمها الذكاء الاصطناعي أحد أكبر التحولات في العمل اليومي خلال السنوات الأخيرة. وقد أشارت دراسة حديثة إلى أن المبرمجين الذين استخدموا الذكاء الاصطناعي أنجزوا مهامهم بسرعة أعلى بنسبة 55%. وبالطبع، فمثل هذه الأرقام لا تعني أن كل مشروع سيحقق الفائدة نفسها، لكنها تؤكد وجود تحول عملي لا يمكن التعامل معه كشيء عابر.

والذكاء الاصطناعي ليس بديلاً عن المهندسين الأكفاء، بل هو مضاعف لقدراتهم، يساعدهم على تجربة أنماط برمجية بسرعة، وبناء نماذج أولية خلال وقت أقصر، وأتمتة الأعمال التمهيدية المملة، وتقليل البرمجيات المتكررة، وتحديث البرمجيات القديمة، وتوليد اختبارات تلقائية، وتسريع التحويل بين اللغات.

لكن تجاهل خطوة التحقق والتدقيق والمراجعة لما يولده الذكاء الاصطناعي سيخلق كلفة مؤجلة ومشاكل تقنية تتراكم على شكل أعطال وصيانة أصعب وتكاليف أعلى. وقد أشارت دراسة من جامعة ستانفورد إلى أن الذين استخدموا الذكاء الاصطناعي في مهام حساسة أمنياً أنتجوا برمجيات أقل أماناً. والخطر الرئيس هنا هو في الثقة المفرطة في مخرجات الذكاء الاصطناعي وفي جودتها.

في هذا السياق يتغير معنى المهارة في عالم البرمجيات. فمع تولي الذكاء الاصطناعي المهام التنفيذية الدنيا، تنتقل القيمة البشرية إلى تصميم الأنظمة المتكاملة، واستباق تحديات التوسع، وإدارة الدمج بين المكونات، وبناء وسائل تحقق تمنع الانزلاق إلى الفوضى. ويتحول كثير من المبرمجين من مُنتِجين للشيفرة إلى مُدقِّقين لها، بعيون خبيرة تميز بين شيفرة تبدو معقولة على السطح لكنها هشة في العمق.

الذكاء الاصطناعي لن يلغي هندسة البرمجيات، لكنه يقلص المسافة بين الفكرة والتنفيذ. وما يبسطه في إنتاج الشيفرة يعقده في التحقق منها. وعند استخدامه بحكمة، فإنه يسرع العملية ويخفف العبء بشكل واضح. أما عند استخدامه بإهمال، فإنه يبني ديوناً تقنية تتضخم بسرعة.

في الختام، أصبح الذكاء الاصطناعي جزءاً من صندوق أدوات مهندس البرمجيات، والهندسة الرصينة هي الضمانة الأساسية لاستخدامه بأمان وفعالية.

* مساعد الأمين العام للشؤون العلمية والتكنولوجية، المجلس الأعلى للعلوم والتكنولوجيا - قائم بأعمال رئيس المركز الوطني للابداع

r.awdeh@hcst.gov.jo





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :