كلام حساس عن المسيحيين العرب
ماهر ابو طير
22-12-2025 12:28 AM
كل ما تريده إسرائيل تحريض الغرب على المنطقة، وأسوأ دليل في يدها هو خروج المسيحيين من المنطقة، بحيث نبدو كمسلمين فرادى فوق صخرة يستهدفنا الكل وتتجمع علينا الأمم جميعها من كل مكان.
هذا خطر ماحق، ونسبة المسيحيين تتراجع في أغلب الدول العربية، وليس أدل على ذلك من أن نسبتهم مثلا في القدس لا تتجاوز ستة آلاف شخص اليوم، ونسبتهم في كل فلسطين، ثم نسبتهم في العراق التي انخفضت جدا، وكذلك نسبتهم في سورية التي تراجعت إلى حد مفجع بسبب الهجرات التي غذتها عروض الهجرة والبيئة الاجتماعية المنفرة التي قد تستهدف المسيحيين أو تحت عناوين وتعبيرات دينية أو طائفية أو اقتصادية أو اجتماعية دون إدراك للكلف والنتائج.
المسيحيون العرب تاريخيا من أحسن الناس في مجتمعاتهم، ليس تحت قاعدة الأقلية المؤدبة التي تحترم الأكثرية الغالبة، ولا حتى قاعدة الخوف من أحد، ولا لعدم وجود خيارات، بل بسبب حسن الأخلاق والتعامل الجيد وتجارب أغلبنا مع بعضنا البعض تثبت أنهم تاريخيا كانوا مكونات وطنية إيجابية لا تعتدي على أحد، بل تقدم نموذجا طيبا للمواطنة، ودليلا إيجابيا على الشراكة والحياة.
مناسبة هذا الكلام أن هناك من يريد مواصلة إثارة الفتن في دول المشرق بشكل عام، تارة تحت عنوان الموقف من مناسبات دينية مسيحية، وتارة تحت عناوين يختلف عليها حتى علماء المسلمين، مثل المعايدة في المناسبات، وقصص كثيرة، تثير في البال بالمقابل أسئلة عن كل مسلم فينا وحقوقه التي يحرص عليها في الدول الغربية ولا يقبل أن يمسها أحد، وهي دول معرّفة تاريخيا باعتبارها دولا مسيحية أصلا، إضافة إلى أن قلة الوعي لا تقرأ كلف هذه الانشطارات في المنطقة على بنيتها التي يراد شطرها داخليا لإثبات حقيقة تقول إننا كمسلمين لا نقبل تنوعا، ونريد قتل الكل وتهجير الكل، في سياق توظيفات سياسية يراد عبرها الاستفراد بالمنطقة.
لا يمكن نسب التطرف للإسلام، لأن الإسلام فيه وجهات نظر متعددة إزاء مختلف القضايا، فالذي يراه أحدهم، لا يراه الآخر، وهذا يعني أن الجانب الأكثر حساسية يرتبط باستقرار المنطقة، وقدرتنا على صيانة وحدة المنطقة ومكوناتها، أمام خطر الاستهداف الذي يتغذى على قصص الطائفية والإثارات الدينية وسوء الفهم، مع ما تحركه جهات عديدة خارج المنطقة العربية من أجل هز بنية المنطقة وإفراغها من التنوع الذي يميزها، بحيث تكون هدفا لكل الدول.
أرقام المسيحيين العرب في المنطقة مثيرة للقلق، واللافت للانتباه أن العرب الذي يدعون الانشغال بملف المسجد الأقصى، يسكت أغلبهم حين يرون الاعتداءات على كنيسة القيامة في القدس، فيما لم يوفروا الحماية لا للمسجد ولا للكنيسة، وقد رأينا ذات المشهد في غزة حين تم قصف مئات المساجد وعدد من الكنائس وبقي الجميع يتفرج.
هناك تعقيدات تشرح لماذا وصلنا إلى هذا الحد، لأن القصة لا تعالج بشكل سطحي في الأساس، خصوصا، أسباب خروج المسيحيين ولماذا اضطروا للخروج من منطقتهم، وهذا ملف في غاية الحساسية لما فيه من معلومات، لكنه يؤشر على أن إفراغ المنطقة جار يوميا، في سياقات مشروع أكبر، أي إسرائيل الكبرى، بحيث لا يبقى فيه المسيحي ولا المسلم أيضا، في مرحلة ما، وهذا تطهير يغمض كثيرون عيونهم عنه، بلا أدنى مسؤولية أو فهم لما يجري يوميا.
ثم إن فكرة الأقلية والأكثرية، فكرة بائسة وغير أخلاقية ولا عادلة وقائمة على التصنيف، لأن الأصل هو المواطنة فلا يغلب أحد الآخر إلا بعمله وإخلاصه فقط.
"الغد"