المسـيحـيـون ونـحـن فـي أردن الـهـواشـم
أحمد الحوراني
23-12-2025 03:16 PM
احتفال الطوائف المسيحية في الأردن على وجه الخصوص بعيد الميلاد المجيد يكتسب أهمية خاصة، إذ نجد من خلال ذلك الفرصة مواتية لإعادة التأكيد على ما يجمع بين أطياف اللون الأردني من قواسم مشتركة وسمات تشكلت منها وعلى أساسها الشخصية الأردنية في إطار من المحبة والتلاقي بشكل عزّ نظيره في العمل على توحيد الصف والكلمة بين المسلمين والمسيحيين تحت غطاء وحدة وطنية جامعة ترفض كل أشكال التمييز على أساس لون أو عرق أو دين، ويشكل المسيحيون جزءًا أصيلا من الهوية الوطنية الأردنية، ويُضرب بهم المثل في الانتماء والاعتدال والمشاركة الفعالة في بناء الدولة الحديثة، وبالتالي فإن الجميع يمثلون نسيجًا واحدًا من التآلف والوئام.
نهنّئُ المسيحيون في عيد الميلاد المجيد كما يعبرون لنا في مناسباتنا عن أمنياتهم الخالصة وتهنئاتهم الرقيقة المملوءة بكلمات السماحة والشعور الإيجابي ذلك أن مكونات المجتمع الأردني من شتى المنابت والأصول تتماهى بصورة تامة مع حالة من الوئام المميزة، والتي جعلت الأردن إنموذجا فريدا في الانسجام والتوافق وإرساء قيم التسامح والمحبة والسلام والعيش المشترك، وكل ذلك جعل الأردن بشعبه وقيادته الهاشمية المباركة يجسد لوحة فسيفسائية نادرة أصبح يشار إليها عالميا بالبنان، ومرجعا للتعلم منها حقيقة الوئام الديني والعيش المشترك الإسلامي-المسيحي في بوتقة المواطنة التي توحد القلوب معا في محبة أخوية صادقة عنوانها "الدين لله والوطن للجميع".
إن للوئام الديني دورا مهما في بناء المجتمع الأردني، إذ يرسخ الاستقرار الاجتماعي، كما يسهم في تقوية النسيج الاجتماعي والروابط بين الناس، ويعزز الشعور بالانتماء، بالإضافة إلى تحقيق التنمية المستدامة وبناء مجتمع متماسك دينيا قادر على توجيه طاقاته نحو البناء والتطوير، بدلا من الصراعات، وإثراء الثقافة الوطنية من خلال التنوع الديني الذي يضيف عمقا ثقافيا وحضاريا يعزز الهوية الوطنية الأردنية التي تحتضن الجميع في إطار المواطنة الصالحة والهوية الجامعة.
في أكثر من مناسبة كان جلالة الملك عبدالله الثاني قد دعا إلى إيجاد خطاب إنساني جامع يفتح المجال للمسلمين والمسيحيين للاستفادة من الدروس والعبر والمفاهيم الخيرة في كل دين، بما ينعكس وئامًا دينيا على أرض الواقع، وألا تبقى فقط للنخب الدينية والفكرية والسياسية، بل تنتقل إلى الشارع لتصبح سلوكًا وتعاملًا بين المواطنين في الحياة اليومية.
ويؤكد جلالته ذلك في كلمة له خلال تسلمه جائزة مصباح السلام في كاتدرائية أسيزي بتاريخ 29- آذار 2019 حيث يقول: (إن مبادئ العيش المشترك والوئام بين الأديان جزء أصيل من تراث الأردن؛ الذي مثّل عبر التاريخ وطنا راسخاً للمجتمعات المسيحية، يتعاون ويتشارك فيه مواطنوه في بناء أمة واحدة قوية. وما زال المسيحيون، منذ آلاف السنين، جزءا لا يتجزأ من نسيج مجتمعات الشرق الأوسط، ولهم دور محوري في مستقبل منطقتنا".
في النهج الوطني الأردني تعد النزعة الطائفية خط أحمر، والمسيحيون الأردنيون شركاء أصلاء في الهوية والثقافة والبناء، والعلاقة التاريخية بين الهاشميين والأخوة المسيحيين ضارية في أعماق التاريخ منذ أيام ورقة بن نوفل، ولذلك فإن تمكينهم السياسي والاجتماعي والاقتصادي ينبع من حرص القيادة ومفهوم الأسرة الواحدة في السلوك الوطني، بل ان ممارسة عقائدهم بحرية يعتبر من ثوابت الدولة الأردنية التي تتجاوز كل الاجتهادات ووجهات النظر.
كل عام وأنتم بخير وصحة وسلامة.