"خبز العودة" للكاتبة أمل المشايخ .. تكثيف اللحظات الإنسانية سردياً
24-12-2025 10:42 AM
عمون - مزجت قصص "خبز العودة" للكاتبة الأردنيّة أمل المشايخ بين الواقع والخيال؛ لتقدّم للقارئ تجربة مكثّفة تخاطب الوجدان، وتترك أثرًا في الذّاكرة، وتتحدّث عن الإنسان بأفراحه وخيباته ونجاحاته وخساراته، ناسجةً خيطًا رفيعًا يعيد النّاس إلى بيوتهم الأولى والأمكنة التي نشأوا فيها.
تتكوّن المجموعة الصّادرة مؤخّرًا عن (الآن ناشرون وموزّعون) من نصوص قصيرة جدًّا كُتبت بروح شاعريّة وبعمق إنسانيّ يلامس تفاصيل الحياة اليوميّة ويضيء العتمة في المشهد الاجتماعيّ والإنسانيّ المعاصر عبر الاتّكاء على الرّموز الميثولوجيّة والشّعبيّة؛ إذ تستعيد الكاتبة حكاية الخبز الذي يُهتدى به في دروب العودة، وتُحوّله إلى استعارة كبرى عن الضّياع والبحث عن الملاذ، وعن الحاجة إلى خيط يقود الإنسان إلى معنى بيته الأوّل؛ الوطن والذاكرة والحضن الإنسانيّ الكبير.
ورغم تنوّع موضوعات القصص، إلا أنها مربوطة بخيط إنسانيّ واحد هو الرّغبة العميقة في استعادة المعنى، والعودة إلى الذّات، والبحث عمّا يلمّ شتات الرّوح في عالم سريع ومتقلّب، وتتميّز النّصوص إلى جانب ذلك بأنّها مبنيّة على الاقتصاد اللغويّ والمفارقة والدّهشة والالتقاطة المضيئة والتّكثيف للحظات الإنسانيّة، والانتقال بين مشهد وآخر بسلاسة واقتدار.
وتكشف نصوص (خبز العودة) عن قدرة الكاتبة على تكثيف المشاهد ومنحها طاقة إيحائيّة، حيث الجمل القصيرة والمشحونة بالانفعالات، والعبارات التي تفتح مساحة كبيرة للتّأويل. وتتراوح القصص بين سردٍ واقعيّ يلتقط المفارقة بذكاء، وآخر يميل إلى الفانتازيا والرّمزيّة والمجاز من دون أنْ يفقد حرارة التّجربة ونبض القضايا اليوميّة التي تحوّلها الكاتبة إلى نقاط ملهمة في التّجربة الإنسانيّة بعامّة.
ففي قصة "الرجاء عدم الإزعاج"، تعيد الكاتبة تخيّل علاقة الأحياء بالموتى، فتنقلب الأدوار في مشهد فانتازيّ يستيقظ فيه الموتى لزيارة ذويهم، حاملين الحلوى والكعك، قبل أن تعيد المدينة الباردةُ الصفراء أرواحَهم إلى صمت قبورهم، وهنا تتجلّى قدرة المؤلفة على توظيف الخيال لكشف مفارقات الواقع، وتعرية قسوته.
أما قصة "ثلاثيّ الأبعاد"، فتقدّم مغامرة تستلهم ألعاب الواقع الافتراضيّ وتجاربها، لكنها تكشف عن خوفٍ إنسانيّ متجذّر في مواجهة الموت والمجهول، لتتعالق صور الطبيعة والتهديدات والمخلوقات الغريبة في تجربة بين الحلم واليقظة.
وتحضر الأسرة والعلاقات الإنسانيّة، وتحوّلات القيم في عدد كبير من القصص: ففي قصّة "عشاء" تُظهر الكاتبة بأسلوب ساخر كيف يجتمع أفراد الأسرة على طاولة واحدة بينما يقيم كلٌّ منهم في عالم افتراضيّ مختلف، أمّا قصّة "عزاء" فينصرف فيها حديث النّسوة عن الفقيد إلى الغلاء والقروض والأسعار، فيما تبقى الأم المفجوعة وحدها تصغي للآية الكريمة التي تُتلى على روح ابنها؛ لتكشف الكاتبة هنا عن هشاشة العلاقة بين ما نُظهره اجتماعيًّا وما نعيشه حقيقة.
وفي قصة "جوع"، تتعايش صورتان متناقضتان لطفلين في عالمين متباعدين: أحدهما يسأل عن (الجائزة) بعد أنْ تناول العشاء مرّتين في حيّ أنيق، والثّاني في مخيم اللجوء يُطلب منه أن يترك بعض الطّعام لأخيه الرّضيع. عبر هذه المفارقة، تضع المؤلّفة القارئ أمام حقيقة الفجوة الاجتماعيّة المتّسعة، بلغة بسيطة وصادمة.
ويقوم عدد من قصص المجموعة على رموز وجوديّة وفلسفيّة، تتعمّق في أسئلة النّفس البشريّة ومعنى الطّريق والاختيار والقلق الإنسانيّ، بينما تلامس نصوص أخرى جماليّات الطّبيعة، وتعيد قراءتها بوصفها مرآة للعاطفة البشريّة.