"الدورة التكميلية" .. وفلسفة الفرصة الثانية
فيصل تايه
27-12-2025 10:00 AM
اليوم تبدأ امتحانات الدورة التكميلية لامتحان شهادة الدرلسة الثانوية العامة لعام ٢٠٢٥ ، ويبدأ معها فصل جديد في حكاية الإصرار التي لا تنتهي بعثرة ، ولا تتوقف عند نتيجة، ولا تختزل في رقم أو معدل ، بل تقاس بما يحمله الطالب من إرادة وقدرة على النهوض من جديد ، حيث ان هذا اليوم ليس يوماً عادياً في روزنامة التعليم ، بل هو محطة محملة بالمعاني، تتقاطع فيها أحلام ابنائنا الطلبة مع آمال أسرهم ، وتتجسد فيها فلسفة الدولة في التعليم بوصفه حقاً وفرصة ومساراً مفتوحاً لمن يريد أن يكمل الطريق بثقة ومسؤولية.
الدورة التكميلية ليست امتحاناً إضافياً، ولا هامشاً على متن الثانوية العامة، بل هي تعبير صادق عن نهج تربوي إنساني يؤمن بأن الطالب لا يختزل بمحاولة واحدة، وأن التجربة التعليمية لا تقاس بلحظة إخفاق، بل بمسار كامل من التعلم والتصويب والمراجعة ، فهي رسالة واضحة لكل طالب لم يحالفه الحظ، أو تعثر في مادة، أو شعر أن جهده لم يترجم كما أراد، بأن الفرصة ما زالت قائمة، وأن الأبواب لا تغلق أمام من يملك الرغبة الصادقة في المحاولة، ولا أمام من يؤمن بأن العمل الجاد لا يضيع.
لذلك دعوتي اوجه رساله إلى أبنائنا وبناتنا طلبة التوجيهي ، أقول لهم : أنتم اليوم لستم في موقع ضعف، بل في موقع وعي ونضج ومسؤولية ، فأن تقف مجدداً أمام الامتحان يعني أنك اخترت ألا تستسلم ، وأنك قررت أن تواجه لا أن تنسحب، وأن تعيد المحاولة بعقل هادئ وإرادة واعية ، فالمطلوب منكم اليوم أن تدخلوا قاعة الامتحان وأنتم أكثر تصالحاً مع أنفسكم، أكثر تركيزاً على ما بين أيديكم، وأبعد عن القلق والتهويل ، فالامتحان يقيس ما درستموه، لا أكثر ، وما هو مطلوب منكم أن تحسنوا إدارة الوقت، وتقرؤوا الأسئلة بتأنٍ، وتثقوا بأن الجهد الصادق يجد طريقه دائماً إلى النتيجة.
اما أولياء الأمور ، فإن أبناءكم في هذه الأيام بحاجة إلى قلوبكم أكثر من أي وقت مضى ، بحاجة إلى الطمأنينة لا إلى التذكير بما مضى، وإلى الثقة لا إلى المقارنات، وإلى الاحتواء لا إلى الضغط. إن الكلمة الطيبة في هذه المرحلة تصنع فارقاً حقيقياً ، وتمنح الطالب توازناً نفسياً هو أحوج ما يكون إليه ، فالتربية ليست في النتائج فقط، بل في الطريقة التي نرافق بها أبناءنا وهم يواجهون التحديات، وفي الرسائل التي نزرعها في وعيهم عن معنى الفشل، ومعنى المحاولة، ومعنى النجاح.
ولا يمكن الحديث عن هذه المرحلة دون التوقف عند دور المعلم، الذي كان وما يزال شريكاً أساسياً في بناء الطالب، ومرافقاً لمسيرته التعليمية، وحارساً لقيم المعرفة والانضباط ، فالمعلم الذي يدرك أن رسالته لا تنتهي بانتهاء المنهاج، بل تمتد إلى الكلمة المشجعة، والنصيحة الصادقة، والشعور بالمسؤولية تجاه كل طالب يخوض هذه التجربة ، فالتعليم منظومة متكاملة، لا ينهض بها طرف واحد ، بل تتكامل فيها الأدوار بين البيت والمدرسة والمؤسسة الرسمية.
اما وزارة التربية والتعليم فقد تعاملت مع امتحانات الثانوية العامة، بما فيها الدورة التكميلية، باعتبارها استحقاقاً وطنياً، تحكمه معايير العدالة وتكافؤ الفرص، وتدار فيه العملية الامتحانية بمهنية واضحة، بدءاً من إعداد الأسئلة، ومروراً بتنظيم القاعات، وانتهاءً بآليات التصحيح، بما يضمن أن يأخذ كل طالب حقه دون زيادة أو نقصان ، وهذا ما يعزز الثقة العامة بالامتحان، ويؤكد أن الهدف ليس التعقيد ولا الإقصاء، بل القياس العادل والتحفيز على التعلم.
بقي ان اقول ، إن الدورة التكميلية تذكير مهم بأن الفشل المؤقت ليس نهاية الطريق، وأن النجاح الحقيقي لا يقاس بسرعة الوصول، بل بالقدرة على الاستمرار ، فهي مساحة لإعادة ترتيب الأولويات، ومناسبة لمراجعة التجربة، وفرصة للتأكيد أن الإنسان يتعلم من المحاولة كما يتعلم من الإنجاز، وأن المجتمعات الحية هي التي تفتح مسارات العودة، لا تلك التي تغلقها عند أول تعثر.
وأخيراً ، فاليوم تبدأ الامتحانات، ومعها تبدأ مسؤولية جماعية في أن نكون أكثر وعياً وهدوءاً وإيماناً بأبنائنا ، فلنمنحهم الثقة، ولنترك لهم مساحة المحاولة، ولنتذكر جميعاً أن الثانوية العامة، بكل ما تحمله من رهبة، ليست إلا محطة في مسار طويل، وأن الأهم من العبور هو ما نتعلمه ونحن نعبر.
وفق الله أبناءنا وبناتنا، وكتب لهم التوفيق، وجعل هذه الدورة بداية أمل حقيقي، لا مجرد نهاية امتحان.
والله ولي التوفيق