facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




عيد الميلاد في الأردن .. تجسيد للوحدة الوطنية ورسالة محبة


عيسى حداد
28-12-2025 11:43 AM

تُطلّ مناسبة عيد الميلاد المجيد كُلَّ عامٍ حاملةً معها روح الفرح والسلام، وذكرى ميلاد الكلمة "الأقنوم الثاني"، يسوع المسيح، رسول المحبة والرحمة، وابن هذه الأرض المُباركة التي عرفت معنى الرسالة الإنسانية قبل أن تعرف الجغرافيا حدودها. ومع هذا الحدث النبيل، تظهر أحيانًا أصوات ترفض مظاهر الاحتفال والمعايدة، متذرّعةً بذرائع دينية أو اجتهادات فقهية ضيقة، أو عبر خطاب انعزالي يُحاول التشكيك بقيمة الإخوة والعيش المشترك.

لكن الأردن أقوى من أن تهزّه أصوات عابرة. في مواجهة هذا الخطاب المنغلق، تقف أصوات أردنية وطنية أصيلة من مختلف المناطق والعشائر والانتماءات، لتؤكد أن الأردن بُني على قاعدة المواطنة الجامعة، وأن التعدد الديني والثقافي ليس عبئًا، بل مصدر قوة وهوية وميّزة لهذا الوطن. وهذا ليس مجرد ادعاء نظري، بل حقيقة صنعتها عقود طويلة من الأخوّة والعيش المشترك والاحترام المتبادل، جسّدتها البيوت قبل المؤسسات، والقلوب قبل الشعارات.

الشكر موصول لأبناء الشعب الأردني العظيم، الذين يترجمون هذه القيم إلى واقع حي نراه في التهاني المتبادلة، ودفء العلاقات، وتلك الروح الأخوية التي تجعل الفرح مشتركًا لا حكرًا على أحد. ولنا في كثير من المدن والقرى الأردنية شواهد حية تُحكى وتُفتخر، مثل السلط والكرك وإيدون والرفيد والطيية والكثير من القرى في محافظة إربد، وغيرها من محافظات وبلدات الوطن المُمتد الذي نحب وإليه ننتمي.

عيد الميلاد في الأردن ليس مُجرَّد زينة تُضاء أو تهانٍ تُتبادل، بل حالة إنسانية متجددة تُذكّر بقيم الوحدة والرحمة والتسامح. ويسوع المسيح، الذي نحتفل بميلاده في هذا الوطن، نبيٌّ مُبجّل في الإسلام، ذكره القرآن الكريم ورفع مكانته، ما يجعل هذه المناسبة جزءًا من ذاكرة روحية مشتركة لأبناء هذا البلد، لا حدثًا خاصًا بطائفة دون أخرى.

إن مشاركة إخوتنا المسلمين في الأعياد المسيحية تعبّر عن احترام وودّ عميقين، كما يُشارك المسيحيون إخوتهم المسلمين في أعيادهم، بما يُعزز الإخوة وقيم العيش المشترك ويجعل التعددية مصدرًا للثراء الحضاري. فالتعددية ليست سمة حضارية فحسب، بل هي من سُنن الله الكونية.

العيش المشترك في الأردن ليس وليد اللحظة، بل امتداد لمسار تاريخي عاشته هذه الأرض عبرَ أجيالٍ متعاقبة، ظلَّ فيه الوجود المسيحي جزءًا أصيلًا من هوية الوطن، وشارك فيه المسلمون والمسيحيون دائمًا في المصير الوطني الواحد.

ولم يكن الأردن يومًا وطن شعارات، بل وطن فعل وتاريخ. وقد جسّدت قيادته الهاشمية معنى الرعاية الحقيقية للمقدسات الإسلامية والمسيحية، خاصة في القدس الشريف، تأكيدًا لمسؤولية تاريخية وأخلاقية في حماية التعدد الديني وصون رموزه. وهذه القيادة الحكيمة تُدرك أن حماية العيش المشترك ضرورة وطنية لصون الأمن الاجتماعي واستقرار الدولة.

ورغم هذا الإرث المُشرق، لا تغيب التحديات. من المؤلم أن يُحاول البعض استغلال الدين لإنتاج خطاب كراهية أو إقصاء. فالدين لم يكن يومًا دعوة إلى العزلة أو مِنصةً للفتنة. واحترام الآخر ليس ضعفًا في الإيمان، بل قوة في الإنسانية، والتحريض لا يخدم إلا من يتربص بوحدة الوطن.

لهذا سيبقى عيد الميلاد في الأردن مناسبةً تتجدد فيها إنسانيتنا، وتترسخ فيها شراكة المسلمين والمسيحيين في حُب الوطن وخدمته.

وسيبقى الأردن، بإذن الله، قويًا بتنوعه، مهابًا بوحدته، ثابتًا برسالته، نموذجًا حضاريًا يقول للعالم: هنا وطن يعرف كيف يحمي محبته، ويحفظ سلامه، ويصون كرامة كل من يعيش على أرضه.

وستبقى المسؤولية مسؤولية كل مواطن أردني أن يظل شريكًا في حماية هذه القيم، لأن القيم لا تعيش في النصوص والخطب فقط، بل في السلوك اليومي والروح التي نحملها نحو بعضنا بعضًا. كما تقع على عاتق الدولة مسؤولية جدّية في ترسيخ هذا الوعي عبر المؤسسات التعليمية، من المناهج المدرسية الأولى وحتى التعليم الجامعي، بحيث يُدرَّس تاريخ التعدد الديني في الأردن بوصفه جزءًا أصيلًا من الهوية الوطنية، وشاهدًا حضاريًا على أن هذا الوطن بُني للجميع وبجميع أبنائه. ليكون كل واحد منا جزءًا من النور الذي يجعل الأردن بلدًا لا تهتز وحدته ولا تنطفئ محبته.وطنًا ثابتًا بالمحبة، آمنًا بالعطاء، مزدانًا بالسلام.

وكلُّ عامٍ ونحنُ جميعًا أبناء هذا الوطن من شتى الأصول والمنابت بألف خير.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :