لا أعرف متى بدأت بالضبط.
لكنني أعرف أنها ليست عبارة عابرة.
كلما رأيت شيئًا جميلًا،
سماء بلون غير متوقّع،
نسيمًا عليلًا في وقت مزدحم،
تفصيله صغيرة في مكان عابر،
تخرج من فمي تلقائيًا:
واووووو.
ليست كلمة.
هي ردّة فعل.....ولحظة "دهشة"
شيء داخلي يسبق العقل،
كأن الروح تقول: انتبه… هذا يستحق التوقف.
مع الوقت، صارت هذه العبارة جزءًا مني.
أطلقها بلا تفكير، بلا تصنّع، وبلا محاولة شرح.
حتى أن صديقًنا العزيز، الباشا سمير الحياري، انتبه
وبدأ يقلّدني.
أصبحنا نمشي،
نرى منظرًا جميلًا،
فيقول—قبلي أو بعدي—:
“واوووووووو!”
ويضحك.
ضحكة اكثر من بسيطة…
لكنها غير..... لانها ضحكت “باشوات”.
ومنها أيقنت أن ضحكة البشوات غالبًا ما تكون مختلفة،
وتقول شيئًا أعمق مما نتصور.
أنا لا أنظر إلى الأشياء كأنني صاحب المكان،
بل أنظر إليها كأنني مسافر.
والمسافر…
يرى ما لا يراه المقيم.
يرى الضوء على الجدار.
طريقة حركة الناس.
صوت الريح بين المباني.
تفصيله صغيرة لا تدخل في “روتين اليوم”.
المقيم يمرّ.
والمسافر يتوقف.
الدهشة، في جوهرها، ليست انبهارًا كبيرًا.
هي انتباه صادق.
أن ترى ما حولك كما لو أنك تراه لأول مرة.
أن تسمح للأشياء العادية أن تفاجئك.
كبرنا ونحن نتعلم كيف “نعتاد”.
نعتاد الأماكن،
الطرق،
الوجوه،
حتى اللحظات الجميلة.
الاعتياد مريح…
لكنه خطر.
لأنه يطفئ شيئًا مهمًا في الداخل.
حين نعتاد،
نتوقف عن السؤال.
نتوقف عن الملاحظة.
نتوقف عن قول: واووو.
وأنا لا أقول “واوووو” لأن كل شيء مدهش.
بل لأنني أسمح لنفسي أن أندهش.
هناك فرق كبير.
الدهشة ليست سذاجة.
هي شجاعة.
شجاعة أن تبقى منفتحًا في عالم يحب اليقين.
أن تتوقف في زمن السرعة.
أن ترى الجمال دون أن تشعر أنك متأخر أو خارج السياق.
في العمل، في الحياة، في الطريق،
كثيرًا ما نمرّ على الأشياء كأننا نؤدي واجبًا.
ننجز… ننتقل… نكمل.
لكن المسافر لا يفعل ذلك.
المسافر يسأل:
لماذا هذا المكان هكذا؟
ما قصة هذا المشهد؟
كيف يشعر الناس هنا؟
ربما لهذا أحب أن أعيش بعين المسافر.
ليس لأنني أتنقل كثيرًا،
بل لأنني لا أريد أن أفقد الدهشة.
وحين يقلّدني الباشا ويقول “واوووووو”،
أشعر أننا نتشارك لحظة مقاومة صغيرة.
مقاومة ضد البلادة.
ضد التعود القاسي.
ضد فقدان الحس.
لحظة نقول فيها للعالم:
نراك.
ونقدّرك.
ونتوقف عندك.
الدهشة لا تحتاج إلى سفر بعيد.
تحتاج فقط إلى عين حاضرة.
أن تمشي أبطأ قليلًا.
أن تنظر أعلى قليلًا.
أن تسمع أكثر مما تتكلم.
وأن تسمح لنفسك، دون حرج،
أن تقول عندما يستحق الأمر:
واووووووو.
لأن هذه الكلمة البسيطة
قد تكون إعلانًا صامتًا
بأنك ما زلت حيًّا…
وما زلت ترى.