facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




إدارة الموارد المائية بين تقلبات المناخ والتخطيط


د.غازي عبدالمجيد الرقيبات
30-12-2025 12:43 AM

الى أصحاب القرار في الحكومة الموقرة ، يا من بأيديكم مفاتيح الغد، إنّ الماء ليس مجرّد موردٍ عابر، بل هو شريان الوجود، وذاكرة الأرض، ونبض الحضارة منذ أول نداءٍ للحياة، فهذا الموسم المطري الكثيف، بما حمله من فيضٍ واندفاع، لم يكن غضبًا أعمى بقدر ما كان رسالةً صريحة، تطرق أبواب التخطيط الحكومي وتستنهض يقظة الرؤية، لقد رأينا معظم السدود وهي تفيض، لا لأن السماء أسرفت في العطاء فحسب، بل لأن الأفق لم يتّسع بعد لهذا الكرم الإلهي، فالمياه التي عبرت دون احتواء، كانت فرصًا ضاعت، وأملاً انسحب بصمت، في زمنٍ نعاني فيه شُحّ المياه المتجددة عامًا بعد عام، كأننا نسير في صحراءٍ ونغضّ الطرف عن الينابيع التي تمرّ بجانبنا.

إنّ بناء سدودٍ جديدة (يا معالي الوزير)، وإعادة تأهيل وتوسيع القائم منها، ليس ترفًا هندسيًا ولا مشروعًا مؤجّلًا، بل هو فعل وضرورة سيادية، وحكمة استراتيجية، واستثمار في أمن الأجيال القادمة، فالسدّ ليس جدارًا من إسمنت، بل ذاكرةٌ تخزّن المطر، ودرعٌ يصدّ الفيضانات، ووعاءٌ يحوّل الفوضى إلى نظام، والهدر إلى رصيد، لذلك لنعيد النظر في الخرائط، لا بعين اللحظة بل بعين العقود القادمة، وسّعوا صدور السدود لتتّسع لفيض السماء، كما تتّسع العقول للرؤية البعيدة، فكل قطرةٍ تُحتجز اليوم، هي حياةٌ تُنقذ غدًا، وكل مشروعٍ يُهمل، هو عطشٌ مؤجّل يدقّ أبوابنا لاحقًا بلا استئذان.

إنّ إدارة المياه ليست هندسة فقط، بل أخلاق مسؤولية، وعدالة بين الحاضر والمستقبل، فلا تجعلوا المواسم الممطرة تمرّ كقصائد جميلة لا نكتبها، ولا تحفظوها في الذاكرة فقط، بل اجعلوها مخزونًا استراتيجيًا، وسندًا للأمن المائي، وشاهدًا على أن الحكمة حين تتلاقى مع الإرادة، تصنع من المطر وطنًا، ومن التخطيط حياة، فيا من تمسكون بخيوط القرار وتنسجون بها ملامح الغد، إنّ المطر، حين يفيض عن حدود العادة، لا يكون حدثًا مناخيًا عابرًا، بل خطابًا كونيًا مكتوبًا بلغة الماء، يُخاطب العقل قبل الأرض، ويختبر عمق الرؤية قبل صلابة البُنى، ففي مواسم الغيث الكثيف كالعام الحالي، لا تُقاس الحكمة بكمية ما يهطل من السماء، بل بقدرة الحكومة على تحويل هذا الهطول من طارئٍ مربك إلى رصيدٍ وطني استراتيجي، ومن فوضى الطبيعة إلى انتظام التخطيط.

لقد أسدلت الفيضانات الأخيرة الستار عن مفارقةٍ قاسية الدلالة؛ إذ بدا العطاء السماوي وافرًا إلى حدّ الفيضان، بينما ظلّ الاستعداد الأرضي قاصرًا عن احتواء هذا الفيض، فالمياه التي تجاوزت أحواض السدود لم تكن عبئًا عابرًا ولا فائضًا بلا معنى، بل كانت فرصةً استراتيجية أُهدرت، وثروةً وطنية انسابت خارج حسابات التخطيط، في زمنٍ تتعمّق فيه أزمة المياه المتجددة حتى غدت أحد أكثر التحديات مساسًا بأمننا الوطني، ومن هنا، فإن المسؤولية لا تقف عند حدود الرصد أو التوصيف، بل تتقدّم نحو ضرورة المراجعة الشاملة، والانتقال من إدارة ظرفية تُطارد الحدث بعد وقوعه، إلى نهجٍ استباقي يُحسن قراءة المؤشرات المناخية، ويُعيد مراجعة السدود ضمن رؤية وطنية متكاملة للأمن المائي، فالمطلوب من الجهات الحكومية المعنية وتحديدا وزارة المياه ليس فقط توسيع وتحديث البنية التحتية، بل توحيد القرار، وتكامل الأدوار، والاستثمار في التخطيط بعيد المدى، وتبني سياسات مرنة تستوعب تقلبات المناخ بدل أن تفاجَأ بها، فالماء، في جوهره، امتحانٌ للحكمة قبل أن يكون تحديًا تقنيًا؛ إمّا أن يُدار بعقلٍ يستبق الغد، فيتحوّل المطر إلى رصيدٍ سيادي، أو يُترك لمنطق الارتجال، فيغدو الغيث شاهدًا جديدًا على تكرار الخطأ، وبين هذين الخيارين، تتحدد ملامح المستقبل، ويُكتب ما إذا كانت المواسم الممطرة ستظل أخبارًا عابرة، أم ستغدو أساسًا متينًا لأمنٍ مائيٍّ مستدام، وعدالةٍ بين حاضرٍ يستفيد، ومستقبلٍ لا يُرهَن للعطش.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :