خالد مشعل وواشنطن .. الحوار يمر أولًا عبر البيت الفلسطيني
م. وائل سامي السماعين
30-12-2025 01:17 AM
لا يمكن إنكار أن دعوة خالد مشعل الولايات المتحدة إلى التواصل مع حركة حماس تمثل، من حيث المبدأ، خطوة سياسية ذكية ومحسوبة، تعكس إدراكًا لتحولات المشهد الدولي، ومحاولة لكسر الجمود السياسي الذي طال القضية الفلسطينية. فالحوار، بحد ذاته، ليس خطيئة سياسية، بل أداة مشروعة تُستخدم عندما تصل الصراعات إلى طريق مسدود، وتصبح الكلفة الإنسانية والسياسية أعلى من أي مكاسب محتملة.
غير أن الدعوة إلى الحوار الخارجي، مهما بلغت أهميتها، لا يمكن أن تكون نقطة البداية. فالمصداقية السياسية لا تُبنى بالخطاب وحده، بل بسلسلة من الخطوات العملية التي تسبق أي انفتاح دولي، وتمنحه أساسًا وطنيًا صلبًا.
أولى هذه الخطوات، وربما أهمها، هي الدخول في حوار فلسطيني داخلي جاد وبنّاء مع السلطة الفلسطينية، بعيدًا عن منطق المناورة أو إدارة الوقت. فالقضية الفلسطينية لا يمكن أن تُدار بتعدد المرجعيات ولا بتنازع الشرعيات، خصوصًا في مرحلة دقيقة تتطلب وحدة القرار والرؤية.
وثانيًا، لا بد لحركة حماس من الانضواء تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية، باعتبارها الكيان السياسي الشرعي والوحيد المعترف به دوليًا كممثل للشعب الفلسطيني. هذه ليست مسألة شكلية أو إجرائية، بل شرط أساسي لإعادة توحيد الخطاب الفلسطيني، واستعادة القدرة على مخاطبة العالم بلغة واحدة وموقف واحد.
أما ثالث الاستحقاقات، فيتمثل في الابتعاد الواضح والحاسم عن نهج العنف كوسيلة لتحقيق الأهداف السياسية. فالتجارب الحديثة أثبتت أن العنف، مهما كانت مبرراته، بات يُستخدم دوليًا لتبرير مزيد من العزلة والعقوبات، لا لتحقيق الحقوق. والتحول الجدي إلى العمل السياسي الخالص لا يُضعف القضية، بل يمنحها أدوات أكثر فاعلية في ميزان السياسة الدولية.
وفي السياق ذاته، يصبح من الضروري فك الارتباط السياسي مع المحور الإيراني، الذي لم يقدّم للقضية الفلسطينية سوى توظيفها ضمن صراعات إقليمية لا تخدم مصالح الشعب الفلسطيني، بل تُثقل كاهله وتضعه في قلب صراعات بالوكالة لا ناقة له فيها ولا جمل.
وأخيرًا، لا يكتمل أي تحول سياسي دون إعادة صياغة ميثاق حركة حماس، بما يعكس توجهًا جديدًا واضحًا لا لبس فيه، ويؤكد الانتقال من حركة أيديولوجية مسلّحة إلى حركة سياسية وطنية، تعمل ضمن النظام السياسي الفلسطيني، وتحترم قواعد العمل السياسي المعترف بها دوليًا.
خلاصة القول، إن دعوة خالد مشعل للحوار ليست موضع تشكيك، بل تستحق التقدير من حيث الجرأة السياسية. لكن النجاح الحقيقي لأي حوار خارجي يبدأ من الداخل، ومن قدرة الحركة على تقديم دليل عملي على التحول، لا الاكتفاء بإعلانه. فالعالم لا يتعامل مع النوايا، بل مع الوقائع.
waelsamain@gmail.com