facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




المطر لا يسيء للوطن


صالح الشرّاب العبادي
30-12-2025 08:40 AM

لم يكن المنخفض الجوي الذي ضرب البلاد حدثًا استثنائيًا خارج الحسابات المناخية، ولم تكن كميات الأمطار رغم غزارتها ، مفاجأة في بلد اعتاد شتاءً متقلبًا ومطرًا متقطعًا يأتي أحيانًا دفعة واحدة ، لكن ما كان صادمًا، ومقلقًا في آن، هو ما كشفه المطر لا ما سببه.

في أيام قليلة، أُغلقت شوارع رئيسية، غمرت المياه أنفاقًا، انهارت جوانب طرق، وتعطلت الحركة في مدن يفترض أنها مهيأة لمثل هذه الظروف ، هنا لا يعود السؤال: كم هطل من المطر؟ بل يصبح السؤال : لماذا لم تحتمل مدننا هذا المطر؟

الحدث ليس طقسًا… بل اختبار مؤسسات دولة .

الانهيارات التي وقعت، والإغلاقات التي شُلّت معها الحياة اليومية، لم تكن نتيجة قوة الطبيعة وحدها، بل نتيجة هشاشة بنيوية تراكمت عبر سنوات من التخطيط المرتبك، والتنفيذ الرديء، وضعف المتابعة والصيانة.

مصارف مياه غير صالحة، شبكات تصريف عاجزة عن استيعاب كميات معروفة سلفًا، أنفاق تتحول مع أول عاصفة إلى مصائد مائية، وشوارع صُممت وكأن المطر احتمال نادر لا حقيقة متكررة ، كل ذلك يشير إلى خلل أعمق من مجرد منخفض قوي .

تخطيط المدن… هل نخطط ضد الجغرافيا؟

أخطر ما كشفه المشهد أن التخطيط الحضري في كثير من مناطقنا جرى ضد الطبيعة لا معها.

بُنيت أحياء وبيوت وفلل فوق مجاري سيول قديمة اصبحت الان خطر دائم ، أُغلقت مسارات طبيعية للمياه بالإسفلت والخرسانة، وتمددت المدن أفقيًا بلا حساب لقدرتها على تصريف مياه الأمطار ، صممت شوارع بعشوائية بدون ادنى علم هندسي لاتجاهات المياه او كيفية استيعابها، ومجاري تصريف مياه وشبكات تنفيذ تترك عام كامل بدون ادنى صيانة استعدادية بالرغم من انها قديمة ومتهالكة .

المدن الحديثة لا تُقاس بعدد الجسور والأنفاق ولا تقاس بعدد الكاميرات على الطرقات ، بل بقدرتها على العمل في أسوأ الظروف، لا في الأيام المثالية فقط، وما حدث أثبت أننا نخطط للمعدل، لا للطوارئ، ونبني للهدوء لا للاختبار الحقيقي.

مقارنات ضرورية: ماذا تفعل دول تشبهنا؟

لسنا الدولة الوحيدة التي تواجه أمطارًا غزيرة مفاجئة، ولا البلد الوحيد محدود الموارد.

في المغرب، تُصمَّم شبكات صرف مزدوجة، وتُجرى صيانة إلزامية قبل الشتاء، وتُدار مياه الأمطار كملف مستقل لا تابع للصرف الصحي.

في جنوب إسبانيا، حيث المناخ المتوسطي قريب جدًا من الأردن، يُمنع البناء فوق مجاري السيول قانونيًا، وتُستخدم مساحات حضرية تمتص المياه بدل دفعها إلى الأنفاق ، وتصمم شوارع وينى تحتية تستوعب كميات الهطول وتعلم اين تمضي ، واين تستقر.

أما في تجارب إدارية ناجحة مثل سنغافورة، فكل حادثة غرق شارع تُعامل كخطأ هندسي يُراجع ويُعاد تصميمه، لا كحادث عابر يُنسى.

الفرق ليس في كمية المطر، بل في العقل الذي يخطط، واليد التي تنفذ، والعين التي تراقب وتحاسب.

من النقد إلى الحل: توصيات عملية لا شعارات

حتى لا يُقال إننا ننتقد دون أن نقترح، فإن الحلول ليست غامضة ولا مستحيلة:

1.فصل شبكات الصرف الصحي عن مياه الأمطار تدريجيًا، بدءًا بالمناطق الجديدة والحرجة.

2.إعداد خريطة وطنية دقيقة لمجاري السيول، وطبيعة البناء فوقها او حولها ، ومراجعة الأخطاء السابقة بشجاعة ، تصميم بعيد عن العواطف والمحسوبية والواسطة.

3.صيانة استباقية معلنة لمصارف المياه قبل كل شتاء، مع تقارير شفافة للرأي العام ، لا أن نستفيق فجأة في خضم الموج .

4.إعادة تصميم الأنفاق والشوارع التي تغرق باعتبارها أخطاء هندسية، لا سوء حظ .

5.محاسبة هندسية واضحة: من صمّم؟ من نفّذ؟ من راقب؟ فغياب المحاسبة يعني تكرار الكارثة.

6.تبني مفهوم المدينة المرِنة: شوارع ذات تصميم هندسي وليس شغل مقاولين عابرين ، أرصفة نافذة للمياه، وساحات عامة تعمل كأحواض تجميع مؤقتة ،

7.المحاسبة، فجيش المهندسين والمخططين والعمال في المؤسسات الحكومية الخدمية ، ماذا يفعلون ؟ واين هم ؟

هذه ليست رفاهية، بل أمن حضري يحمي الأرواح والاقتصاد معًا.

الخلاصة: المطر لا يسيء للوطن… الإهمال يفعل

المطر نعمة، وليس عدوًا.

والمنخفض الجوي لم يفضح الطقس، بل فضح ما تراكم من ضعف في التخطيط والتنفيذ والإدارة.

الوطن لا يُقاس بكمية الأمطار التي تهطل عليه، بل بقدرته على حماية أبنائه عندما تمطر السماء.
وإن لم نحول كل شتاء إلى درس ملزم، وكل أزمة إلى نقطة تصحيح، سنبقى نغلق الشوارع، نعدّ الخسائر، ونكتب المقال ذاته… مع كل منخفض جديد ..!!!





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :