facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




التصريحات الاستفزازية ومستجدات المرحلة


م. عبدالفتاح الدرادكة
31-12-2025 01:55 PM

شهدت الأيام الأخيرة تطورًا لافتًا في الموقف السعودي تجاه معاناة الشعب الفلسطيني، تجلّى في خطبة الشيخ عبد الرحمن السديس يوم الجمعة الماضية، حين أشار بوضوح إلى ما تتعرض له الشعوب من ظلم، ومن بينها الشعب الفلسطيني، وما يعانيه من حصار وقتل وتجويع، إضافة إلى قسوة البرد والأمطار في أجواء الشتاء القاسية.

وبالتأكيد، فإن هذه الخطبة تعبّر عن الموقف السعودي الرسمي، الذي يُعدّ انقلابًا واضحًا على الضغوط الأمريكية الرامية إلى التطبيع والاعتراف بالكيان الصهيوني.

وجاء هذا التحول في ظل تصريحات رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، حين سُئل عمّا إذا كانت “إسرائيل” ستوافق على إقامة دولة فلسطينية مقابل التطبيع مع السعودية، فأكّد بشكل صريح رفضه إقامة أي دولة فلسطينية على الأراضي الفلسطينية، مضيفًا، وبلهجة مستفزة، أنه إذا رغبت السعودية في إقامة دولة فلسطينية، فبإمكانها إقامتها على أراضيها، بحجة أن مساحتها شاسعة.

وهذا التصريح، إن دلّ على شيء، فإنما يدل على عنجهية الكيان الصهيوني، وعدم احترامه لأي عهود أو مواثيق أو تفاهمات مع أي طرف كان، بما في ذلك التفاهمات التي تنسجم مع الموقف السعودي الثابت من القضية الفلسطينية، والذي ربط أي تطبيع أو اعتراف بالكيان الصهيوني بإقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة.

إن تصريح نتنياهو على القناة الرابعة عشرة الإسرائيلية لا يمكن اعتباره كلامًا عابرًا، بل يُعدّ اعتداءً صريحًا على السيادة السعودية، واستخفافًا بالكرامة الوطنية، ورسالة عدائية تتجاوز السعودية لتطال الأمن القومي العربي برمته. كما يعكس عقلية توسعية لا ترى في الدول العربية سوى ساحات مفتوحة للمشاريع والصفقات الجغرافية.

وربما لا تكون تصريحات نتنياهو السبب الوحيد وراء تشدد الموقف السعودي، إذ إن هناك أحداثًا أخرى ساهمت في بلورة هذا الموقف، تتجلى في تحركات سياسية وأمنية متزامنة قد لا يربط بينها البعض للوهلة الأولى، لكنها تصب في الاتجاه ذاته. ومن بين هذه التحركات الحديث عن دعم أو اعتراف إسرائيلي بما يُسمى “أرض الصومال”.

وهذا التطور، إن جرى التعامل معه بسطحية، قد يُفهم كملف إفريقي داخلي، لكنه في الحقيقة يحمل أبعادًا استراتيجية خطيرة، إذ يفتح الباب أمام نفوذ مباشر في خليج عدن، وتهديد محتمل لمضيق باب المندب، أحد أهم شرايين التجارة العالمية والطاقة.

ويزداد المشهد تعقيدًا عند النظر إلى الوضع في اليمن؛ فالمعروف أن الحوثيين يسيطرون على الشمال، بينما تخضع المناطق الجنوبية لنفوذ المجلس الانتقالي الجنوبي ، والذي أعلن في أكثر من مناسبة أنه غير معني بالصراع مع الكيان الصهيوني ولا يرى نفسه طرفًا فيه.

وهذا الموقف بحد ذاته يثير القلق، لأنه يفتح الباب لاحتمال تعامل أو تنسيق غير مباشر مع الكيان الصهيوني، أو على الأقل عدم ممانعة لتمدده السياسي أو الأمني في منطقة شديدة الحساسية.

إن وجود كيان سياسي انفصالي في جنوب اليمن ومخترق من الكيان الصهيوني ، بالتوازي مع بروز كيان انفصالي في “أرض الصومال”، يشكّل مؤشرًا خطيرًا على إعادة تشكيل موازين السيطرة في باب المندب وخليج عدن. والسيطرة أو التأثير في هذه المنطقة لا ينعكس فقط على اليمن أو القرن الإفريقي، بل يطال بشكل مباشر الأمن القومي السعودي، ويؤثر في الاقتصاد السعودي والعالمي، ويُضعف الدور العربي في أحد أهم الممرات البحرية في العالم.

ومن هذا المنطلق، فإن القلق السعودي – والعربي – قلق مبرر، وقد يدفع المملكة إلى اتخاذ إجراءات عسكرية أو أمنية وقائية لحماية مصالحها الاستراتيجية. ومع ذلك، فإن الهدف ليس التصعيد، بل منع استفراد المنطقة بمشاريع خارجية تستفيد من الانقسامات العربية.

ومن باب الأخوة والمسؤولية التاريخية، نأمل من جميع الدول العربية، وخصوصًا دول الخليج، أن تنتبه إلى خطورة هذه المسارات، لأن ما قد يبدو اليوم مكسبًا سياسيًا أو نفوذًا مؤقتًا، قد يتحول غدًا إلى تهديد مباشر للمنظومة العربية بأكملها.

إن السماح بتمدّد الكيان الصهيوني عبر بوابات الخلافات العربية، وعلى حساب العلاقات الأخوية، يمثل خطرًا استراتيجيًا طويل الأمد. والمنطق يفرض أن تعمل الدول العربية كجسد واحد في مواجهة الأطماع الخارجية، لا أن تُستغل التباينات الداخلية لفتح ثغرات في الجدار العربي.

ختامًا، فإن ما يجري اليوم ليس مجرد تفاعلات سياسية منفصلة، بل مشروع متكامل لإعادة رسم النفوذ في المنطقة، يبدأ بفلسطين، ويمرّ بالبحر الأحمر وباب المندب، وقد ينتهي بإضعاف أكبر دولة عربية مؤثرة اقتصاديًا واستراتيجيًا. وإن الوعي بهذه الصورة الكاملة هو الخطوة الأولى لحماية السيادة، والحفاظ على وحدة الموقف العربي، قبل أن تتحول الحقائق المفروضة إلى أمر واقع لا يمكن التراجع عنه.

والله من وراء القصد.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :