هل استدعيت الصحافة الإسرائيلية للخدمة الإلزامية؟
05-10-2007 03:00 AM
لطالما تفاخر «إعلام العدو» باستقلاليته وحريته.. لكن طريقة تغطية الأحداث الأخيرة مع سورية تثير تساؤلات عدة ... عرف عن بعض الصحف الاسرائيلية تحديها للسلطات ..* نظير مجلي
الاعلام الاسرائيلي يواجه هذه الأيام موجة عاصفة من النقد بسبب موقفه الاستسلامي أمام الرقابة العسكرية، فيما يتعلق بحكاية "الهجوم الاسرائيلي على موقع استراتيجي سوري في منطقة دير الزور"، هذه الحكاية التي نشرت بمبادرة سورية في البداية ثم نشرت تفاصيل عديدة حولها في الصحافة الغربية والعربية، لا يعرف أحد ما هي نسبة الحقيقة فيها، بينما امتنعت اسرائيل عن التفوه بكلمة ازاءها وفرضت الحكومة رقابة عسكرية مشددة عليها ومنعت الاعلام الاسرائيلي من النشر عنها.
النقد ناجم بالطبع عن تلك القوى التي تؤمن بحرية الصحافة، وهي عادة تضم الجناح الليبرالي ومن هم على يسار الخريطة السياسية اضافة الى عناصر أكاديمية مختلفة. ويعلق البروفسور موشيه نمرود، المحاضر في عدة معاهد جامعية اسرائيلية حول الاعلام، بالقول: "بغض النظر عن صحة أو عدم صحة الموقف الأمني أو الاعلامي، فإن هناك حقيقة واقعة هي ان العالم كله يتحدث عن هذا الموضوع، بينما نحن الاسرائيليين، الذين يتعلق هذا الموضوع بنا وبحياتنا وبحياة أولادنا، ممنوعون من أي حديث حوله. وفي هذا فشل ذريع ومريع للاعلام الاسرائيلي".
الاعلام الاسرائيلي من جهته، يحاول بكل قوته البحث عن مواد أصلية ينشرها حول الموضوع. فهو ينشر كل معلومة جديدة تنشر حول الموضوع في الغرب. وينشر التحليلات والتعليقات اليومية المطولة. ورغم ان وسائل الاعلام في العالم كله وسورية في المقدمة، لم تعد تعطي الموضوع أهمية كبرى، فإنه ما زال يحتل الصدارة في الاعلام الاسرائيلي بكل فروعه. صحيفة "يديعوت أحرونوت"، كبرى الصحف الاسرائيلية أرسلت مراسلها للمهمات الخاصة، رون بن يشاي، الى سورية حتى يحضر معلومات جديدة. فخاطر بحياته ووصل الى دير الزور على بعد أربعة كيلومترات فقط من الموقع، الذي قيل انه أصيب، وعاد بتقرير صحفي مثير عن المنطقة وأهلها وانطباعاتهم عما قيل انها غارات اسرائيلية على سورية، ولكنه لم يستطع أن يلقي الضوء الكشاف على أسرار هذه القضية.
وصحيفة "معريب" التي لم تستطع ايفاد مراسل لها، حتى الآن، الى سورية أرسلت مندوبا عنها الى هضبة الجولان السورية المحتلة لالتقاء الأهل هناك، لعلهم يعرفون شيئا عن الموضوع من خلال اتصالاتهم بالأقارب والأهل في الطرف الثاني من الحدود.
ولكن حقيقة ما جرى بالضبط من مصادر اسرائيلية، لم ير النور في اسرائيل. قلنا لم ير النور ولم نقل "غير معروف في اسرائيل"، لأن في الواقع، العديد من الصحافيين الاسرائيليين يعرفون حقيقة ما جرى من مسؤولين اسرائيليين. ولكنهم التزموا بأوامر الرقابة العسكرية الصارمة. حتى صحيفة "هآرتس"، التي اعتادت على خرق تعليمات الرقابة، التزمت هذه المرة وامتنعت عن نشر أية معلومات تعرفها في الموضوع. فما الذي جرى يا ترى؟! وما هي حقيقة هذا الالتزام غير العادي؟! الصحفي الاسرائيلي عاموس ليفين يقول ان الالتزام هذه المرة لم يكن طبيعيا أو عاديا. بل انه يعتقد بان وراءه سرا أو عدة أسرار. ويرى ان أهم ما فيه هو مدى السطوة والدكتاتورية التي بدأت تميز عمل رؤساء التحرير وأصحاب الصحف. واضاف: "الصحفي لا يقرر لوحده وحيز الحرية الذي كان يتمتع به في السنوات الماضية قد بات أضيق. وأنا أعتقد بأن الادارات العليا للصحف هي التي أمرت بالالتزام الصارم، ولولا ذلك لرأينا الصحف تثور على الحكومة وعلى الجيش وتجبرها على منح الجمهور حقه في المعرفة".
لكن الصحافي يئير شتيرن يعتبر الالتزام مسؤولية وطنية. وقال: "بالرغم عن أنني لا أوافق على أمر الرقابة العسكرية ولا أعتبره صحيحا، إلا انني ألتزم به. ففي نهاية المطاف هناك حسابات سياسية وأمنية عليا يضعها مسؤولون كبار وخبراء معروفون، لديهم حساباتهم واعتباراتهم، فمن أنا حتى أقرر للدولة حساباتها الاستراتيجية".
وفي رد على السؤال، إن كان مقتنعا فعلا بأن أسباب حظر النشر هي أمنية واستراتيجية وليس شيئا آخر، أجاب: "قلت انني لا أوافق على منع النشر باي حال من الأحوال، ولكن في الوقت نفسه أنا لا أوافق على ان يكون هناك تمرد على القرار. فنحن دولة قانون أولا وقبل كل شيء، والديمقراطية لا تعني الفوضى، وحرية النشر لا تبرر وضع قاعدة جديدة في البلاد وفي العالم الحر عموما، مبنية على خرق قرارات المؤسسات القانونية".
أما الصحافي موشيه نافون فينظر بقلق شديد لما جرى ويقول ان الصحفيين تحولوا الى جنود احتياط في هذه المعركة. واضاف: "انت تعرف بأن كل صحفي في اسرائيل تقريبا، مثل كل المواطنين، يخدم في جيش الاحتياط الاسرائيلي مرة في السنة. أي انهم جنود. بعضهم أخذوا هذا الانتماء بجدية زائدة في الماضي وبعضهم تمردوا، فكنت مطمئنا الى انك تعيش في دولة سليمة ومعافاة. ولكن في هذه المرة، لا أحد يتمرد. الكل مجندون. وهذه ظاهرة مميزة لاسرائيل في الحروب. ويبدو انهم اعتبروا أنفسهم هذه المرة جنودا في جيش الاحتياط. منضبطون وملتزمون تماما. وهذا مقلق للغاية". وسألناه: لماذا لا تتمرد أنت وتنشر؟
فأجاب: "لأنني لست حرا. أنا أيضا أعمل في صحف عدة ولهذه الصحف رؤساء ومديرون. وقد مللت الدخول في نقاشات معهم ولا أريد أن أكون ذلك المناضل الذي يموت جوعا من أجل قضية كهذه، خصوصا وانني واثق تماما من ان هذه القضية ستنشر بتفاصيلها قريباً جدا في اسرائيل. فلماذا الاستعجال؟ ننتظر قليلا ونرى. فالحكومة نفسها ستقرر في مرحلة ما أن مصلحتها تقتضي تسريب الخبر بكل تفاصيله، وعندها سيكون التنافس بين الصحفيين حول التفاصيل الصغيرة والتافهة. وسيعيد الجمهور ثقته بالصحف".عن الشرق الاوسط.