خاص ب"عمون" نص تقرير لجنة التحقيق الفتحاوية في انقلاب غزة
16-02-2008 02:00 AM
عمون - خاص - كتب صالح زيتون.
تلقى الرئيس الفلسطيني محمود عباس نص تقرير لجنة التحقيق في التقصير الذي ارتكبته حركة فتح في قطاع غزة مما ادى الى سيطرة حركة حماس على القطاع في منتصف حزيران من صيف 2007و الذي رفعه الطيب عبد الرحيم رئيس مكتب الرئاسة الفلسطينية ورئيس اللجنة التي ضمت مفوضين سياسيين وعسكريين بناء على مرسوم رئاسي اصدره ابو مازن بعد نجاح حماس في الاستفراد بالقطاعوقدم التقرير توصيات متنوعة لاعلادة هيكلة حركة فتح وبالذات في قطاع غزة في اشارة ضمنية الى ادانة القيادات المعروفة والتي تسببت في الانهيار السريع لحركة فتح امام حماس ومنها محمد دحلان وموسى ابو شباك
بل ان اللجنو اوصت بقبول استقالة دحلان الذي تعرض امس لهجوم ضار من اللجنة المركزية لحركة فتح التي اصدرت بيانا على لسان حكم بلعاوي عضو اللجنة الذي اتهم دحلان بتنصيب نفسية مرجعية فتحاوية
وقد حصلنا بشكل خاص على تقرير لجنة التحقيق وفيما يلي نصه مسبوقا برسالة من الطيب عبد الرحيم رئيس اللجنة الى الرئيس ابو مازن
تقرير اللجنة الفتحاوية للتحقيق بالتقصير في انقلاب غزة
تقرير اللجنة المكلفة من السيد الرئيس محمود عباس في التحقيق بالتقصير في التصدي لانقلاب الميليشيات الخارجة عن القانون في غزة رئيس اللجنة/ الطيب عبد الرحيم
سيادة الأخ الرئيس أبو مازن حفظه الله
تحية طيبة وبعد،
الموضوع: تقرير لجنة التحقيق بشأن التقصير في مواجهة الميليشيات المسلحة الخارجة عن القانون
تتقدم لجنة التحقيق من سيادتكم بأطيب تحياتها، مقرونة بأصدق مشاعر الاحترام وبالشكر الجزيل، على الثقة التي وضعتموها بأعضائها، لحمل أمانة صعبة في الظرف الأصعب. آملة وقد بذلت غاية جهدها وهي اليوم ترفع تقريرها الجزئي لسيادتكم أن تكون قد وفقت في حمل تلك الأمانة على الوجه الوحيد الذي ابتغته: خدمة المصالح الوطنية العليا.
إن اللجنة إذ تنهي مرحلة أساسية من مراحل إعداد هذا التقرير لتضعه بين يديكم بوقت وجيز لمقتضيات أملتها طبيعة الأحداث وخطورة تداعياتها، والتحديات الكبيرة التي فرضتها، فإنها تأمل تكليف فريق يتابع العمل لإستكمال التقرير بكافة أبعاده ومتابعة تنفيذ التوصيات التي تضمنها بتوجيهات سيادتكم بالأولويات والمسارات التي ترون...
كون هذه التوصيات المستخلصة من دروس العملية الانقلابية وعبرها، هي المدخل الذي تراه اللجنة وتقترحه لتصويب المسار بمعالجة الخلل وتعزيز المناعة للحيلولة دون تكرار ما حدث ثانية من جهة ولإحداث انطلاقة حقيقية بالسياسات والأدوات الفعالة وبناء المؤسسة الوطنية المنيعة القادرة على تجسيد المشروع الوطني وانجازه، خاصة في ظل التهديدات البالغة الخطورة التي ما زالت تحدق بهذا المشروع ومستقبله.
إن تعزيز مقومات القوة الذاتية وحشد وتنظيم مكوناتها هو أساس الرهان، وقد تكون الفرصة مواتية أكثر من أي وقت مضى رغم صعوبة الظروف لتحقيق ذلك وكسب الرهان باتخاذ التراتيب والإجراءات الضرورية للبدء بتطبيق التوصيات دون إعاقة جدية على كافة المسارات والمستويات.
فلم يعد متسع من الوقت أمام ضرورات الحسم. كما أنه قيل رب ضارة نافعة.. وجل من قائل "عسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شرٌ لكم والله يعلم وأنتم لا تعملون" صدق الله العظيم.
وتفضلوا سيادة الرئيس بقبول النسخة الأولى من تقرير اللجنة
مع فائق الاحترام والتقدير
طيب عبد الرحيم
رئيس لجنة التحقيق
النص الكامل للتقرير
تقرير اللجنة المكلفة من السيد الرئيس محمود عباس
في التحقيق بالتقصير في التصدي لانقلاب الميليشيات الخارجة عن القانون في غزة
مقدمة:
في السابع عشر من حزيران 2007 يومان فقط، بعد استكمال سيطرة ميليشيات حركة حماس على كامل قطاع غزة، بما في ذلك المؤسسات السيادية والحكومية والمقرات الأمنية بعصيان مسلح ضد الشرعية الفلسطينية، اصدر الرئيس محمود عباس، رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، رئيس السلطة الوطنية، والقائد الأعلى للقوات الفلسطينية مرسوماً يقضي بتشكيل لجنة تحقيق بخصوص التقصير في التصدي لهذا الإنقلاب للميليشيات الخارجة عن القانون، }ملحق رقم 1{..
وبموجب ذلك المرسوم ومواده الخمسة، توصلت لجنة التحقيق في أولى جلساتها إلى تجديد مفاهيمها استناداً إلى منطوق المرسوم، لجهة مرجعية عملها، وشروط تلك المرجعية، طبقاً لمواده، وعلى أنها لجنة وطنية عامة، ليست بديلاً عن أجهزة الإختصاص الرسمية، في هذا المجال، كسلطة تقريرية تطبق القواعد القانونية، وان استندت في قيامها بمهامها على المبادئ العامة للقانون والعدل والإنصاف..
وبناء على هذا الفهم، فان مهمة اللجنة الأساسية، هي تحديد الإستنتاجات والخلاصات، وبلورة العبر والدروس المستفادة، انطلاقاً من الوقوف على حقيقة ما جرى، وما تضمنه من خلل وعيوب، بما في ذلك أوجه التقصير عاماً أو فردياً: مؤسسياً أو شخصياً، وظيفياً أو هيكلياً، ووضع التوصيات أمام صاحب القرار أولاً، والرأي العام ثانيا، بما لا يتعارض أو يهدد الأمن القومي ويسهم في استيعاب العبرة والتطبيق.
على أنها تبقى توصيات منبثقة عن استنتاجات ميدانية، وليس بالمطلق أحكاماً أو توصيات تقريرية يعود لأصحاب القرار سلطة البت بشأنها... تلك الاستنتاجات المستمدة من الواقع الحقيقي الصريح، بصورته الشمولية والمعمقة، لمجريات التمرد الدموي المفجع، الذي كان سبباً في تشكيل اللجنة، وفي تحمل أعضائها لهذه المسؤولية الصعبة. وكذلك في خلفيته التاريخية، وتداعياته البالغة الخطورة، ليس فقط على النظام السياسي الفلسطيني، بل وعلى القضية والجغرافيا والمشروع الوطني الفلسطيني، حاضراً ومستقبلاً بما لا يسمح مطلقاً باستمرار السلوك المدمر، المستخف بدوائر الخلل الداخلي أياً كان مداه، مظاهره، أم مسبباته ...
لهذا كان لزاماً وأيضاً بموجب المادة الثانية وروح المرسوم، أن تحدد اللجنة نطاق اختصاصها في الأطر السياسية والعسكرية والأمنية والتنظيمية على ضوء المفهوم المشار إليه، والمنظومات القيادية بمواقع المسؤولية المختلفة التي تتبوأ المركز القيادي، وتملك سلطة القرار، وتتحمل نتائجه وتبعاته، في إطار مهمة اللجنة الجوهرية، في التركيز على الأداء حسب المادة الأولى من المرسوم، بأنها لجنة تحقيق بخصوص التقصير، الذي بعث إحساساً عميقاً بالألم والقلق الشديد، للصورة التي ظهرت، وكانت مشاهده حية على شاشات التلفاز، مفزعة بقدر ما هي مؤلمة، الحس والوعي الوطني الفلسطيني الجماعي، تولد القلق وعدم الاطمئنان للمواطن، على مصيره الوطني ومستقبله الشخصي، في ظل استمرار التهديدات والمخاطر، التي ما زالت قائمة، متربصة وتزداد تفاعلاً ...
في هذا السياق انطلق عمل اللجنة، في اليوم التالي لصدور مرسوم تشكيلها، مستهلة جلسات استماعها مع سيادة الرئيس محمود عباس، الذي عرض موقفه وتعليماته ورؤياه، مؤكداً قناعته الشخصية والرسمية، بأبعاد مرسوم تشكيل لجنة التحقيق، والأمل والثقة التي يعلقها على اللجنة، لتؤدي مهمتها بمنتهى الحرية والمسؤولية، لوضع توصياتها موضع التنفيذ.
وبالنظر إلى المادة الرابعة من المرسوم وضرورة رفع توصياتها وقراراتها أولاً بأول، لرئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، وكذلك بالنظر إلى ما أحدثه العصيان المسلح، من آثار في الرأي العام والرسمي، واستمرار التفاعلات والتداعيات والتهديدات الخطيرة، فقد كان لذلك ضغطه على طريقة عمل اللجنة، لجهة أولوية التركيز على الاستنتاجات من جلسات الإستماع والشهادات، والإطلاع على الوثائق والتقارير، أو توجيه التساؤلات للشهود والمستجوبين، من قيادات العمل السياسي والعسكري والأمني والتنظيمي ...
لقد عقدت اللجنة 49 جلسة استماع على مدار 29 يوماً استمرت 128 ساعة إلى جانب قراءة وفحص عشرات التقارير والشهادات المكتوبة ورفعت جملة من التوصيات إلى رئيس السلطة الوطنية ذات العلاقة بالمسؤولية الشخصية. وقد لمست اللجنة منذ تشكيلها ترحيباً وتجاوباً من كافة المستويات والمجالات القيادية وجميع من استدعي لجلساتها وفق اعتبارات المسؤولية المرتبطة الحدث.
ولقد أدلى كل من تم استدعاؤه بأقواله تحت القسم، متفهماً طبيعة عمل اللجنة، وواجباتها الوطنية، لتقدير الاستنتاجات التي ستتوصل إليها، سواء في نطاق المسؤولية الشخصية، أو العامة، دون استهانة بأهمية التحقيق فيما جرى، وتحديد مكأمن الضعف والخلل والتقصير، وذلك كسابقة في الممارسة الوطنية الفلسطينية، تبعث أملاً في تصويب المسار، وإحداث التغيير، وإقامة المسؤولية التي يقتضيها حجم الحدث الجلل، بتطبيق توصيات اللجنة...
ولما كانت اللجنة، مدعوة لتقديم العديد من التوصيات، قبل اكتمال الصورة النهائية بكل أبعادها، واعتمادها على صورة جزئية، تكاملت الأدلة والقرائن الكافية دون إجحاف، بشأن أصحابها وموضوعاتها، وصولاً إلى هذا التقرير الذي غابت عنه بعض الأبعاد ذات الصلة على المستوى العام، خاصة في مجال الأبعاد السياسية، والعوامل الدولية والإقليمية، بما فيها مؤشرات التآمر والضلوع في مخططات أجنبية.
فإن ضرورات العمل الجدي واتخاذ التدابير والإجراءات الصارمة، والترتيبات الفعالة العاجلة، لتدارك ومعالجة نقاط الخلل الفادح التي تكشفت، ولمواجهة تبعات وتداعيات الجريمة، تطلبت إنجاز هذا التقرير دون أدنى وهم، بأنه التقرير النهائي الذي ينبغي استمرار العمل لإنجازه...
لقد حرصت اللجنة، على استخدام المنهج العلمي، في اعداد هذا التقرير الأولي الموجز، منطلقة من الوقوف على مفاصل الحدث الرئيسية، ببعدها الزمني والميداني، ليس من اجل التوقف عند الماضي، بل لاستخلاص العبر، بالتطلع إلى المستقبل، فما المستقبل إلا القرار والجهد، الذي يؤخذ ويبذل منذ الساعة، دون إهمال لدروس الماضي، والحاجة القصوى للتحقيق بأحداثه وسياقات حدوثها...
ولما كان انقلاب الميلشيات الخارجة عن القانون قد بلغ ذروته، ضمن السياق التراكمي، في الأسبوع الثاني من حزيران 2007، وصولاً إلى صباح الجمعة، منتصف حزيران، ذلك اليوم الذي أنزل فيه العلم الفلسطيني عن مقر الرئاسة بغزة، ليرفع شعار حماس، فقد كان للمواجهة خلال هذا الاسبوع أهميتها الحاسمة، في تحديد نتائج المسار الإنقلابي الذي كانت إحدى محطاته الرئيسية، خطة اغتيال رئيس السلطة الوطنية التي تكشفت ووثقت بملف مستقل، بما يتطلب التعامل معها، بتركيز شديد، لا يستثنى بعدها التاريخي، وعواملها الموضوعية والعامة، بمنهج ينظم توزيع مسافات المسؤولية، في النطاقين السياسي والعسكري بامتداداتهم التنظيمية، وصولاً إلى تحديد المسؤوليات بالإطارين، ضمن فصل أول يكرس لاستنتاج المسؤوليات والتقصير طبقاً لمجريات الأحداث ووقائعها الميدانية.
وعملاً برؤية اللجنة وفهمها لطبيعة مهمتها وواجباتها فإنها تكرس الفصل الثاني من التقرير، للدروس والعبر، وصياغة التوصيات، المستمدة منها، باعتبار ان ذلك هو جوهر مهمة اللجنة ودورها الصعب، لتضعها على طاولة القرار وأمام الرأي العام، على أمل أن تعاد صياغتها على شكر قرارات توضع موضع التطبيق الجاد بورشة إصلاح وإعادة بناء للمؤسسة ونظمها وعقيدتها واحتياجاتها البشرية والمادية مع التطلع دائماً نحو المستقبل الذي نريده فنقرره ونصنعه...
وذلك مبعث اضطلاع اللجنة بهذه المسؤولية بكل ما أوتيت من قدرة على توظيف معايير النزاهة والموضوعية، والشفافية والعدل، وصولاً لاستجلاء الحقيقة، وكشف مواقع الخلل والخطأ والتقصير التي يشترك مع اعضاء اللجنة، الكثير من المختصين والمتابعين، في تشخيص الكثير من مواطنها، ومداخل معالجتها، حتى لا تكون المسؤولية مشاعاً لطمأنة المواطن وتبديد قلقه وخوفه من مصيره الوطني ومستقبله الشخصي بعد هذه الكارثة الوطنية المفجعة...
الفصل الأول: المسؤوليات والتقصير.
في الخامس عشر من حزيران لعام 2007 استكملت مرحلة فاصلة بتاريخ الشعب الفلسطيني تمثلت بنجاح الانقلاب الدموي لحركة حماس على السلطة الشرعية بما أحدث نتائج ذات أثر استراتيجي بالغة الخطورة على الشعب والوطن والقضية الفلسطينية، إلى جانب النظام السياسي الفلسطيني المستهدف الأول لهذا الإنقلاب المسلح.
ولكن هذا الحدث بحد ذاته كان نتيجة لمسار له إلى جانب تداعياته، مقدماته الواضحة والمؤثرة، التي ما كان لها إلى أن تصنع مثل هذه النتيجة، التي تم بناؤها، بخطى مدروسة منظمة متتالية، وجلها مكشوف، لو تم التدقيق فيها.
بما سيتبع إقامة المسؤولية، ليس فقط على مدبري ومنفذي هذا الانقلاب الدموي المسلح، على النظام السياسي الفلسطيني، والشرعية الفلسطينية، فجريمتهم واضحة ومثبتة، ولا مناص من محاسبتهم عليها ولكن العمل منحصر بنطاق عمل اللجنة، وبموجب تكليف لجنة التحقيق، ومهمتها المقتصرة على تحديد مواطن الخلل والتقصير بالمسؤولية والقائمين عليها على تفاوت مواقعهم بالمسؤولية، درجاتها، ومسمياتها، في المستويين السياسي }وذلك ما سنتناوله بفرع أول{ والعسكري }وهو الذي سنتناوله بفرع ثان{.
الفرع الأول: المسؤولية في النطاق السياسي:
لقد تمحور الصراع اساساً بصورته المباشرة، حول السلطة، التي كانت موضوع هذا الصراع، صراع بين برنامجين متعارضين، وان بدى بعناوين أخرى، وكان له من التداعيات والأهداف البعيدة ما يتجاوزها.
كما كان الهدف المباشر، هو الإستحواذ على كامل السلطة، التي تشكل وتقود حركة حماس حكومتها، وذلك بانقلاب الميليشيات الخارجة عن القانون على رئيس السلطة رأس الهرم باعتباره وفق الفهم الإنقلابي، رئيساً لفريق آخر، هو حركة فتح، بغية إعادة صياغة هذه السلطة شكلاً ومضموناً بصيغة تعبر عن طبيعة وأهداف حركة حماس، انطلاقاً من فهم ان نجاحها بالانتخابات التشريعية، يبيح لها امتلاك سلطة الشعب، والإستحواذ عليها ملكاً خاصاً، تسيرا قسرياُ لمبدأ تداول السلطة، وكانت النتيجة، سيطرة حماس على مقاليد السلطة ومؤسساتها واجهزتها ومقراتها وسلاحها بقطاع غزة.
بمعنى ان الانقلاب، يتجاوز رأس الهرم السياسي، رغم الخطة الموضوعة لاغتياله، إلى استهداف حركة فتح، التي كان من المفترض ان تكون طرف الصراع الآخر أمام عملية إنقلاب الميليشيات الخارجة عن القانون، وإن كان رئيس السلطة هو رئيس حركة فتح.
لقد تصرف الرئيس وبنى سياسته وإجراءاته على أساس أنه رئيس للشعب الفلسطيني الشرعي المنتخب، بكل فئاته وفصائه، على أساس برنامجه الانتخابي المرتكز إلى تكريس الخيار الديمقراطي، بما يعزز السلم الأهلي وتحقيق الشراكة السياسية، ولم يتصرف على أساس أنه رئيس لفريق.. في حين كانت مجريات الوقائع السياسية التي انتهت بالإنقلاب العسكري، تسير باتجاه مغاير، باتجاه تكريس الإنقسام بين فريقين وبرنامجين ومشروعين، ودفع رئيس السلطة، ليكون رئيساً لفريق مقابل فريق آخر، ولإحداث الإنقسام الجغرافي بالنتيجة على الأرض الفلسطينية.
وهكذا، كانت سياقات الوقائع الميدانية توازيها على الأرض مؤسسياً ومنهجياً وصولاً إلى التصريح علناً بعدم الترحيب بوجود الرئيس بغزة، والإعداد لاغتياله، والإعتداءات المسلحة المتكررة على حرسه، وصولاً إلى الإستيلاء على بيته ومقر رئاسته.
بينما كان الرئيس يعمل جاهداً من أجل تفعيل مبدأ الشراكة بحكومة وحدة وطنية، وإصلاح منظمة التحرير الفلسطينية، وإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية، حتى وصل الأمر إلى حد تشريع القوة التنفيذية التابعة لحماس، وتجاوز اعتداءات وممارسات ميليشياتها العسكرية، حفاظاً على التوافق الوطني، وتجنباً للفتنة والحرب الأهلية، منذ وثيقة الوفاق الوطني، مروراً باتفاق مكة، الذي شكر ذروة من ذرى التضليل الحمساوي باعتباره صلح الحديبية كما يصفه أقطاب حماس، وتأكد بالواقع تمهيداً للانقلاب الدموي.
لقد امتاز الأداء على هذا المستوى من المسؤولية بنقطتين أساسيتين: الأولى ضبابية الرؤية، والثانية غياب المؤسسة القيادية في مواجهة المشروع، والمخطط التدريجي التراكمي لحركة حماس، سعياً لإسقاط السلطة، وما تمثله وتتضمنه والإستحواذ عليها
أولاً: ضبابية الرؤية:
تأكدت مسؤولية المستوى السياسي في هذا المجال من خلال مواقعه العليا في الإطلاع والتقييم والتقدير لحقيقة النوايا والمخططات، ونسق سيرها وتراكمها وبأي اتجاه، خاصة وان علاقات التواصل والشراكة والحوار والفاوض، لم تنقطع بقنواتها المباشرة، وغير المباشرة بما يحتم ضرورة المكاشفة، وتحديد الرؤيا والهدف، ووضع الاستراتيجيات الناجعة لحماية الشرعية والمشروع الوطني ووحدة جناحي الوطن الواحد. ولعل السياقات التالية المستخلصة من وقائع انقلاب الميليشيات الخارجة عن القانون تكشف مدى انتظام برنامج حماس الانقلابي لقاء اضطراب التقدير واخطاء التدبير الرسمي المقابل.
أ- في السياق التراكمي المتدرج للتصعيد:
إن معركة الحسم الأخيرة، ما هي إلا نتيجة طبيعية لمقدمات، بدأت مع نشوء السلطة الوطنية عام 94، حيث غابت الرؤيا بشأن مستقبل السلطة عموماً، وكأن الأمر إمتداد لتجربة النظام السياسي في إطار م. ت. ف. خارج الوطن.
بما في ذلك انعدام رؤيا خاصة بالتعامل مع الحركات الدينية ومليشياتها، أو رؤيا تخص بناء مؤسسة أمنية عسكرية جادة، محددة العقيدة والهدف، بما يمتد بجذور المسؤولية إلى المستويات القيادية المواكبة للتأسيس، دون أن تتمكن القيادات المعاصرة من استخلاص العبرة، لسد هذه الفجوة، وتلبية هذا الإحتياج الحيوي.
نشير إلى ذلك من باب التأكيد على أهمية ربط الأحداث حتى لا نتفاجأ بالمعركة الأخيرة، التي تمتد ذيولها ومقدماتها إلى سنة 94 بما في ذلك ابعادها النفسية والإجتماعية والتربوية والسلوك الذي رافقها حيث كانت تطورات الانتفاضة ونتائجها المليشيوية تنظيماً وتسليحاً وممارسة، المسرح الأكثر انفلاتاً، وتدميراً للسلطة، بعوامل ذاتية وإسرائيلية.
فقد تراكمت الأخطاء والإنهيارات، مما عكس آثاره السلبية على الهدف الوطني، ولقد تركزت أهداف حركة حماس ببعدها الداخلي السلطوي ومحاولات السيطرة الداخلية، والتحكم بمسار المصدر الفلسطيني المستقبلي، على خلفية المشروع البديل، والسعي لإنجازه عبر البدء بخلق السلطة الموازية، إلى تأسيس السلطة البديلة.
كثيرة هي المؤشرات، التي تعبر عن مسيرة تحد حمساوي للسلطة، تمس بهيبتها وسيادتها ومؤسساتها الأمنية، دون أن تجد جواباً أو حتى تحقيقاً، بدءاً من اغتيال العقيد راجح أبو لحية قائد قوة حفظ النظام بالشرطة، وكذلك باغتيال اللواء موسى عرفات مستشار الرئيس العسكري.
وهو الحدث الذي شكل نموذجاً لسلبية السلطة إزاء ممارسات حماس، وكشف عمق الخلافات الداخلية بين الأجهزة الأمنية، حين لم يتدخل أحد لنجدة اللواء عرفات كما كشف حجم التناقضات الداخلية بالمؤسسة الشرعية وعجزها، وأسس لمنهج الدفاع الذاتي المنفرد، الذي سيبقى معتمداً كمنهج وسياسة دفاعية، حتى جولة الحسم العسكري الأخيرة دون أي دراسة لفعالية وجدوى هذا المنهج، ودون تقييم سلبياته الخطيرة التي ساهمت بصورة أساسية ضمن مجموعة عوامل أخرى في حدوث الهزيمة...
وبالعهد القريب، وبعد تشكيل حكومة حماس، فقد برزت موجات المواجهات والإشتباكات المسلحة، منذ أواخر ديسمبر 2006، واستمرت بصورة فاضحة، كأحد أبرز اشكال الصراع على السلطة، الذي حكم العلاقة بين فتح وحماس مطلع 2007 }إنظر الملحق رقم 11{ حماس تريد أن تستأصل وتعوض ما فاتها، وفتح تريد الحفاظ على وجودها، الذي تحقق لها طوال 13 عاماً دون التخلي عن قناعتها بضرورة مشاركة الآخرين لها، لتأخذ العلاقة حتى بعد اتفاق مكة الذي أسسس لشراكة وانهى اقتتالاً، طابعاً عنيفاً متصاعداً، لم يشهده المجتمع الفلسطيني من قبل، وهو يتجاوز الكثير مما كان يعتبر محرماً وخطوطاً حمراء..
أثناءها لم تحيد مؤسسة الرئاسة، بل كانت في مقدمة الجهات المستهدفة اعلامياً ومعنوياً وعسكرياً، حين هاجمت حركة حماس قافلة إمداد حرس الرئاسة، في طريقها من رفح إلى غزة بتاريخ 1/2/2007، وصودرت سبع مركبات لم يتم إستردادها. وحين قصفت معسكر التدريب التابع لحرس الرئاسة ليستشهد (عشرون) متدرباً جديداً، ويصاب العشرات، إصابات معوقة، ويقع المعسكر بأيدي القوة التنفيذية الحمساوية، دون أن يتم استرداده أيضاً.
تماماً كما حصل في معسكر التوأم أكبر معسكرات أل 17 ومعسكر حفظ النظام في اليرموك التابع للشرطة حيث تم مهاجمته ونهب أكثر من مئة وخمسين بندقية لتبدأ مسيرة الاستحواذ الحمساوي على مواقع السلطة، بصورة متدرجة بمنهج القضم التدريجي والتراكمي، الذي لا يلقى الرد المناسب، لاسترجاع المواقع التي تسقط بأيدي ميليشيا حماس أو حتى لوضع حد نهائي لهذا النهب المتواصل لمواقع السلطة.
كانت تلك بعض المؤشرات التي تضمنتها مقدمات المواجهة الأخيرة، والتي بدأت حقيقة، وإن بمرحلتين، في الثالث عشر من أيار الماضي، إثر اغتيال الشهيد بهاء أبو جراد، حيث بدأت مرحلة التدهور المستمر والتصاعد الشديد، رغم كل اتفاقات وقف اطلاق النار التي كان يتم التوصل إليها في اللقاءات وجهود الوسطاء، بينما على الأرض، تزداد الإعتداءات عنفاً واتساعاً، حتى باتت كل المؤشرات في حينه بشهر أيار، تؤكد اتجاه المعركة من جانب حماس، نحو الحسم النهائي للوضع في قطاع غزة.
فقد بادرت لجنة المتابعة من القوى والفصائل التسعة بمشاركة الوفد الأمني المصري بعد أن باءت كل المساعي السابقة بالفشل، لترتيب لقاء فتح – حماس لوضع آليات تنفيذ اتفاق جديد لوقف النار، بتشكيل غرفة عمليات مشتركة، وفريق متابع ميداني. واثناء الاجتماع كان يشتد الهجوم على بعض المواقع في الشمال وابراج المقوسي فطلب وفد فتح في الجلسة بادرة حسن نية بوقف هجوم حماس على منزل ماهر مقداد الذي كان محاصراً في أبراج المقوسي، ولكن إمعاناً بالتصعيد واستمرار تنفيذ المخطط دون أي اعتبار لاتفاق وقف النار وبنفس الوقت كان هناك حصار ثان يفرض على منزل عائلة سمير مشهراوي.
ويوم الأربعاء في السادس عشر من أيار فجراً كانت القوة التنفيذية والقسام تهاجم وتقتحم مواقع الحرس الرئاسي والأمن الوطني في كارني لتغتال 8 من عناصر الأمن الوطني بما فيهم قائد الكتيبة، وتقتحم منزل رشيد أبو شباك مدير الأمن الداخلي لتقتل حراسه وتشرد عائلته وتحرق البيت وتهاجم العديد من البيوت والأبراج الأخرى، وليمتد الهجوم للسيطرة على منطقة تل الهوى من وزارة شؤون الأسرى وبرج النور والصالح إلى البحر في خطة لمحاصرة المنتدى "مكتب الرئيس" واحتلاله.
وفي اليوم التالي 17/5 عادت اللجنة المشتركة للعمل، ولكن دون جدوى، حيث امتدت الهجمة من محيط المخابرات العامة وأبراج المقوسي إلى الشمال وصولاً إلى مقر الكتيبة الأولى، بمبنى "الإدارة المدنية"، قرب معبر بيت حانون.
ومع ذلك كان الإلتزام من جانب الأجهزة بتطبيق متطلبات وقف اطلاق النار، وتم إنزال أفرادها عن الأبراج المحيطة بالمنتدى، بما فيه برج الغفري الشهير وغيره من الأبراج، التي تشكل حماية للمربع الأول أو للمواقع السيادية بمحيط المنتدى.
في نفس الوقت الذي كانت فيه حماس، تستعد للتمركز بالجامعة الإسلامية وغيرها من الأماكن القريبة، لإحكام الحصار على المنتدى، بعملية تضليل إعلامي وسياسي وميداني، باتهام حرس الرئيس بالتخطيط لاحتلال الجامعة وحرقها وكانت ميليشيا حماس قد أشعلت النار بكمية من الإطارات للدلالة على الحرق والتستر للتمركز بالجامعة وسط تكبير للمساجد.
وفي مناطق الجنوب، كانت تندلع اشتباكات في مواقع عديدة، بين كر وفر، لتهدأ حدة المواجهات في اليوم الثأمن الموافق 20/5، على التقاط مكالمة مسجلة من أحمد الجعبري قائد القسام في القطاع إلى أحد مساعديه تفيد بأن الجولة القادمة ستكون معركة الحسم الأخيرة.
إلى حينه كان وضع الأجهزة الميداني جيداً، وبوسعها الصمود والتصدي، وكان من المفترض وضع خطة ميدانية لإفشال وردع المخطط الحمساوي، بتوسيع (المربع الأمني) المحيط بالمنتدى، ليتواصل جغرافياً مع كافة المواقع الأمنية الرئيسية بمدينة غزة، وأخذ المبادرة للسيطرة على الطريقين البحري والشرقي، لتتواصل مواقع الأجهزة من أقصى الجنوب إلى الشمال، وأن يتم إعلان الاستنفار واستدعاء كافة القوات، لمضاعفة نسبة الدوام بالعمل من 30% إلى 60% على أقل تقدير. ومن أجل تهدئة الوضع توجه السيد الرئيس يوم 22/5/2007 إلى غزة بالرغم من التحذيرات التي ثبت لاحقاً أنها صحيحة بشأن نفق تحت الطريق الذي يسلكه ويستهدف اغتياله ليمكث فيها عشرة أيام ويعود إلى رام الله لاجتماعات المركزية والثوري المقررة بتاريخ 8/6/2007.
اثناء اقامته بغزة، اتفق السيد الرئيس مع رئيس الوزراء آنذاك إسماعيل هنية، على تفعيل الخطة الأمنية (مضمونها نقاط دايتون)، وغرفة العمليات المشتركة، التي تم التوافق عليها بجهود الفصائل والوفد المصري، وأن تكون بقيادة سعيد فنونة الذي رشحته حماس ورئيس الوزراء، وعلى تشكيل قوة مشتركة من الشرطة والوقائي والقوة الخاصة والقوة التنفيذية، وهذه هي المرة الأولى التي يتم أثناءها إدراج القوة التنفيذية بخطة رسمية للعمل مع الأجهزة الرسمية كقوة شرعية وان تسند للأمن الوطني جهة الحدود وان ينسق فنونة مع المجايدة وأبو شباك خطة الإنتشار.
ومع خطورة الاتفاق السابق الذي مارس بموجبه رئيس الوزراء مهمة وزير الداخلية، والذي يشرع انتشار القوة التنفيذية كقوة مستقلة ولو بمسمى القوة المشتركة تتبع الأمن الداخلي، إضافة لتأثيره على معنويات قادة الأجهزة الذين يعتبرون القوة التنفيذية غير قانونية أو شرعية، فقد كانت الأوضاع في التاسع من حزيران، أي بعد اجتماع المركزية والثوري بيوم واحد، تنفجر من جديد وبشكل عنيف، بدءاً من الشمال لتقطع كافة الطرق المؤدية إلى بيت حانون وغزة وتستباح كافة المناطق الشمالية.
وبعد يومين من المواجهات يحاصر العقيد جمال أبو الجديان، ويستشهد بتاريخ 11/6 وفي اليوم التالي 12/6 يسقط موقع الإدارة المدنية ويستشهد قائد الكتيبة منذر كلاب بعد قتال بطولي، ويستشهد معه أحد عشر عسكرياً وفي اليوم التالي اشتد الحصار على الوقائي بعد معارك سابقة استمرت لأيام ليسقط مقره الرئيسي في غزة يوم 14/6 صباح الخميس.
عملياً بعد سقوط مقر الكتيبة الأولى انتهى الشمال، وبسقوط الوقائي بخانيوس يوم 12/6 سقطت كل مواقع الجنوب، فبقيب مواقع السلطة الأساسية الخمس بغزة جيوب محاصرة وهي: مقر الوقائي، ومقر المخابرات في السودانية، ومقر الأمن الوطني بالسرايا، ومقر الأمن الوطني بالعباس، والمنتدى "مكتب الرئاسة". وبسقوط مقر الوقائي بغزة انهار المقر الرئيسي للمخابرات العامة دون قتال، وتم تفجير مقر العباس والانسحاب الطوعي منه إلى السرايا، التي فاوضت بدورها على الانسحاب بسلاحها إلى المنتدى الذي كان انهياره بعد غروب الخميس بلا حراسات حين تبخر حرس الرئيس بترك قائده لموقعه وخلع لباسه العسكري وذهب لمقر إقامة الوفد الأمني المصري، هو وغيره من كبار الضباط وكانت النهاية المفجعة.
في الواقع كانت ميليشيات حماس تسيطر على قطاع غزة منذ فترة، ويكفي للتدليل على ذلك، اعتراض قافلة إمداد حرس الرئيس بمطلع شباط الماضي جنوباً، ودخول الوفد الأمني المصري عبر إيرز بيت حانون بمنطقة الشمال بحماية القسام بما في ذلك التنسيق السري بين قائد حرس الرئيس والقسام لتأمين موكب الرئيس دون علمه في مرات عدة من معبر بيت حانون إلى المنتدى ثم اكتشاف العبوات المدفونة أسفل شارع مرور موكب الرئيس.
هذا بالإضافة إلى أن كافة الأجهزة الأمنية والعسكرية تتواجد داخل مواقعها ومقراتها بجزر معزولة، ودون اتخاذ الإحتياطات والتحصينات اللازمة، يتنقل أفرادها بسيارات وباصات مدنية... وتلك كانت إحدى مؤشرات التراجع أمام السيطرة الحمساوية على معظم المناطقة خارج حدود المقرات الأمنية.
كانت كل المؤشرات والدلائل لدى جميع قيادات غزة تشير إلى أن حماس تسير باتجاه الحسم والاستيلاء على كل السلطة وكانت المعلومات بهذا الشأن تفصيلية أمام الرئيس (1) وكان الرئيس نفسه يتوقع ما جرى ومتأكداً أن حماس لن تتوقف حتى تأخذ كل غزة إن استمر وضع الأجهزة وفتح بهذا الشكل (2) فما العمل
ب- سوء التقدير وخطأ التدبير:
إن الخيارات واضحة، فأما أن تبطل المخطط الحمساوي سلمياً، بسحب الذرائع والمبررات وبتقديم التنازلات، أو بالعمل السياسي والإعلامي وأن تستعد عسكرياً في سياق الردع أو التصدي القادر على الحسم، أو أن تتخلى عن قطاع غزة دون صدام ودون التحرك لإبطال المخطط، أو الجمع بين هذه الإحتمالات، للعمل على إفشال مخطط حماس، وعدم الإنجرار إلى مواجهة لم تكتمل متطلبات الاستعداد لها مع تسريع وتيرة إعادة التأهيل وتوفير الإحتياجات الكافية لتحقيق الردع على قاعدة الدفاع عن الشرعية ومؤسسات السلطة في القطاع.
لكن هذه المنهج، شابه رغم كل مبررات الممكن، قياساً للزمن المتبقي لمواعيد الحسم التي حددتها حماس بمراحل على ضوء استعداداتها وامكاناتها وخططها المبيتة منذ زمن بعيد، شابه الكثير من التخبط والإرتجال الذي راكم أخطاءاً لا تغفرها النوايا الحسنة أو الظروف الموضوعية المعقدة وقلة الإمكانات والواقع الصعب للأجهزة والمؤسسة العسكرية وذلك ما تؤكده الوقائع التالية
السعي المستمر لإبرام اتفاقات وقف اطلاق النار:
حيث لوحظ ذلك الحرص الدائم، للتوصل لاتفاقات وقف اطلاق النار، والالتزام الأحادي بتنفيذ متطلباته بدقة، دون أن يكون التطبيق متبادلاً وكل اتفاق يجري مع حماس كانت أجهزة السلطة تنفذه بدقة، وحماس تلتف عليه ولا تطبقه، وإن طبقته ففي الشكل (3) حيث خدعت الأجهزة أكثر من مرة، بتهرب حماس من تنفيذ التزاماتها لتنفيذ وقف النار.
ومع كل اتفاق كانت تتكرر نفس الخديعة، دون توقف للتساؤل، عن قيمة هذا الاتفاق، والهدف الحقيقي من وراء عدم التزام حماس بتنفيذ شروطه، بما جعل من موقف الأجهزة المتتالي حيال هذا الأمر، وكأنه تعبير عن الدونية والإذعان، لمتطلبات وقف اطلاق النار الأحادية الجانب، ودليلاً يكشف الضعف والتهرب من استمرار المواجهة والرغبة بانهائها بأي شكل، انسجاماً مع الموقف السياسي الساعي لتكريس المصالحة والمشاركة.
في الوقت الذي كانت فيه مليشيات حماس، تزداد قناعة بقدراتها ومخططها، وثقة بمعنوياتها آخذة بعين الإعتبار مؤشر الضعف الآنف الذكر، وتراكم الإنجاز، لتستمر بتحسين مواقعها بصورة منهجية حثيثة، تنعكس سلباً على موازين القوى صورة مضطردة.
فهي تحسن الإفادة من الوقت وعامل الزمن بصورة إيجابية مقابل الإنعكاس السلبي على الأجهزة والمؤسسة العسكرية، ليس فقط من ناحية المواقع واستمرار الانحسار الجغرافي والتقوقع، بل وايضاً على معنويات الجنود والقادة، الذين اعتادوا على الاتفاقات لوقف اطلاق النار بتحقيق هدفهم الدفاعي وصولاً إلى بدء حالة التسرب الفردي من القوات، دون وقفة تثير التساؤل، أو قرار حازم حول مبدأ الردع ومتطلباته ليضع حداً لهذا التدهور المستمر.
لقد كانت المعنويات بانهيار مستمر واصبح الكثيرون من العسكريين بين فاقدي الأمل جراء هذه القرارات فتخلوا عن مواقعهم وفقدوا الإرادة بزمام المبادرة للتقدم. حتى من تختطفه الأجهزة من حماس كرد فعل كان يطلق سراحه بتدخل وضغط القادة السياسيين والتنظيميين، أما من كان تختطفه القوة التنفيذية فإن عاد حياً يعود بعد إطلاق النار على ساقيه وإعاقته في معظم الحالات. وكل التعليمات الرسمية كانت بمضمون الدفاع عن المواقع التي بأيدينا (4) لكنه بقى دفاعاً سلبياً طمع المليشيا الانقلابية بمواصلة مخططها.
فهل يلدغ مؤمن من جحر واحد عشرات المرات، كيف يستمر العمل بهذا المنهج لتتكرر نفس النتائج وتتضاعف الخسائر، إنها مسؤولية الإدارة السياسية للمواجهة المفتوحة برعاية كل الوسطاء بما في ذلك القوى والفصائل، التي كانت تدرك هذا، وتهدد بأنها ستكشف وتعلن الجهة المسؤولة عن عدم الإلتزام، وخرق تفاهمات وقف إطلاق النار المتتالية، ولم يحدث هذا الإعلان.
والأخطر أن أدعياء الموالاة للأجهزة والمؤسسة الشرعية، كثيراً ما كانوا يقدمون طواعية، المبرر لحماس، لتكرار خرق وقف إطلاق النار، دون ضبطهم أو محاسبتهم، مما يدفع للإستنتاج بأن هناك عناصر توتير بقصد أو بغير قصد بممارستها وسلوكها توفر الذرائع لمليشيا حماس دون إغفال لحجم الإختراقات الكبيرة الذي سنتناوله في حينه ... ودون استثناء عامل انعدام السيطرة العملياتية على الأرض، فكل حادث فردي أو عرضي كان يعيد الأمور إلى المربع الأول بما يتقاطع وتصميم حماس بما في ذلك رئيس الوزراء وزير الداخلية اسماعيل هنية المسؤول الأول عن الوضع الأمني بغزة على تنفيذ مخططها الانقلابي.
الصحيح ان قيادة حماس، كانت تدرك حاجة الأجهزة والقوات الماسة لتوفير الوقت اللازم، لاستكمال برنامج التأهيل وتوفير الإمكانات، ولو على حساب الإنحسار والتراجع الجغرافي، وذلك لمنعها من الإستفادة من عامل الزمن، لأجل تحسين وضعها وقدرتها على الرد، فكيف تقدم المبررات والذرائع المجانية التي توظفها حماس، للتسريع بتنفيذ مخططها العسكري المبني على تكتيك: جولة - إتفاق - جولة – إتفاق، وصولاً إلى الجولة الحاسمة؟!.
وهكذا يستمر التناوب بين الصدام والتعايش والآني، بصورة تبادلية، تراكم الإنجاز السياسي والإعلامي، وحصاد التقدم الميداني المستمر، حتى بات تساؤل منتسبي الأجهزة العسكرية، لماذا نقاتل ونموت ما دام الإتفاق التالي على وقف النار قادماً لا محالة؟!
مؤشر خطير يدلل على مستوى انهيار المعنويات، وفقدان المناعة التعبوية وضعف الإنتماء، وغياب دور القيادة السياسية، سواء لجهة توفير الغطاء السياسي لمواجهة مخططات حماس أو لجهة العمل الجاد لمنع تمكين حماس من المبررات والذرائع، للمضي قدماً بتطبيق مخططها، في ظل سياسة عدم استعجال المواجهة بل تجنبها، مما يثير التساؤل بكلا الإتجاهين الذين كانت محصلتهما جر الأجهزة الأمنية والمؤسسة العسكرية لمواجهات مستمرة تقضي إلى مواجهة حاسمة في ظل عدم جاهزية المؤسسة العسكرية وكأنها عملية استدراج ممنهجة للأجهزة لتقع بكمين الأمر الواقع بانعدام الجاهزية
2- اتفاق مكة:
في نفس السياق وإن كان ببعد سياسي ومضامين دستورية احدثت انفراجاً وبعثت أملاً وتفاؤلاً حذراً خصوصاً بغزة، من حيث إنهائه للمواجهات الجارية، وإمكانية البدء بالتصدي لظاهرة الفوضى والفلتان وفرض سيادة القانون، بتفعيل دور المؤسسة الأمنية... ورغم التوقف المؤقت كما تبين لاحقاً، للحرب المعلنة بين فتح وحماس، فإن معدلات الجريمة والإعتداءات على المواطنين وأملاكهم، واستهداف المؤسسات الخاصة والعامة باتت بازدياد، وتأخذ الأغلب، طابع الجريمة المنظمة، التي ترتكبها عصابات ومجموعات ذات طابع أصولي اسلامي، كعمل منظم يرهب المجتمع ويهدده.
وحسب عدد من الشهادات والمعلومات والمرافقين المحليين، فإن هناك مؤشرات على أن تنظيمات تحمل أسماء وهمية، ليست سوى تفريخات أو أذرع لحركة حماس أو المتحالفين معها، تقوم بهذه الأعمال، بما في ذلك استهداف عدد من رجال الدين الذين يدعون إلى الحوار، ورفض استخدام السلاح ضد الرأي الآخر والإعتداء على محلات النت وبيع الأشرطة وغيرها في ظل صمت مطبق من حماس على هذه الأعمال (5). بمعنى أن العمل على استكمال تهيئة مسرح الجريمة ما زال مستمراً باشكال مختلفة وإن توقف بشلك المواجهات الثنائية المسلحة مؤقتاً.
كما أن كل التقديرات والمعلومات المتوفرة لدى جهات الإختصاص المعنية وخاصة تلك المتواجدة في ساحة المواجهة بقطاع غزة، كانت تؤكد أن حماس بعد اتفاق مكة ستذهب إلى تدمير السلطة والإستيلاء عليها (6) خاصة وأن حماس اعتبرت اتفاق مكة بمثابة صلح الحديبية (لقد كانوا يحلفون في مكة ويحفرون الخنادق للرئيس وللقيادات الأمنية في غزة).
بنفس الاتجاه، كانت تؤكد معلومات المخابرات بغزة والأمن الوقائي (7) بعد اتفاق مكة، أن حركة حماس تركت للأجنحة المسلحة، كتائب القسام والقوة التنفيذية، مهمة انتزاع حصتهم بالسلطة، من خلال فرض إعادة هيكلة أجهزة الأمن بالقوة باعتبارها من نصيبهم ولهذا كان تقييم الأجهزة بالنتيجة أنها مقبلة على معركة عسكرية فاصلة.
إن اتفاق مكة لم يكن سبباً في هذا القرار أو الموقف الحمساوي، لكن هذا الاتفاق لم يحل دون المضي قدماً بتنفيذ المخطط الإنقلابي المقرر قبل الاتفاق. ولمواجهة هذا المخطط فقد ارتأت نفس الأوساط، بتقديراتها ومعلوماتها، ان التوصل إلى هدنة سياسية ولو كان الثمن تقديم تنازلات لحماس، مثل إستيعاب القوة التنفيذية بالأجهزة الأمنية وأن يتولى اسماعيل هنية وزارة الداخلية بعد استقالة هاني القواسمي التي شابها الكثير من علامات الإستفهام، إن ذلك أفضل من المواصلة بنفس الوتيرة التي ستؤدي حتماً إلى إنهيار السلطة بالجولة القادمة أو التي تليها (8).
وكان التقييم بعد اتفاق مكة أنه مكسب يعطينا فرصة للتأهل والإستعداد للمعركة إن حدثت، مع أن القيادة كانت تعمل من أجل ألا تحدث(10). لكن حماس وهي تدرك حاجة السلطة لهذا الاتفاق الذي يمكنها من الإستعداد، الذي دفع بالسلطة لتقديم التنازلات لتحقيقه، حماس تدرك أيضاً مدى ضعف السلطة، بما يضاعف الحافز لديها لمواصلة تنفيذ المخطط الانقلابي.
إلى هذا الحد كانت أوضاع الأجهزة الرسمية صعبة، قياساً إلى إمكانات وقدرات ميليشيات حماس، الأمر الذي سنتناوله لاحقاً، وإلى هذا الحد كان اتفاق مكة ضرورة، بهدف التوصل إلى تحقيق عنصر الردع عبر الإستعداد للمواجهة او الإستغناء عنها، ولكنها أي المواجهات، في سياق المخطط الحمساوي كانت حتمية، ولم يكن بالإمكان تجنب حدوثها كما نستنتج، حتى وإن تم التوصل إلى هدنة بثمن أو تم البدء بتشريع القوة التنفيذية واستيعابها بتفريغ عناصرها، الأمر الذي لعب دوراً سلبياً في الوقائع الميدانية، بأبعادها العسكرية والمعنوية وحتى السياسية.
لقد استمرت القوة التنفيذية بممارسات القمع وانتزاع الشرعية بالتوظيف والدمج وتهميش الأجهزة الرسمية (11). ولكن السؤال يتعلق بطبيعة وحجم الاستعدادات التي تم توفيرها بعد اتفاق مكة ... على المستوى العسكري وإلى جانب محاولات ومساعي توفير الأسلحة والذخائر بالطرق الرسمية أو عن طريق السوق المحلية والتي تتحدث عنها أرقام الحسابات المالية المتوافرة، وحسب الكشوفات البنكية فقد تلقى مستشار الأمن القومي الأخ محمد دحلان منذ بداية شهر يناير 2007 ما يزيد عن 25 مليون دولار من الصندوق القومي، صرف منها حوالي 19 مليون دولار، كذلك تم طلب سيارات من مصر بقيمة 2 مليون دولار إضافية ومن مصادر أخرى سدد منها مليون دولار ولم تسلم السيارات بعد (12)، بالإضافة إلى وسائط النقل وبعض الإحتياجات اللوجستية التي يستنتج بأنها لم تكن عبر القنوات الصحيحة ولم توضع بالمواقع الصحيحة والأشخاص المناسبين مما يستوجب المسائلة (13).
لقد تأخرت عملية البدء بإعادة هيكلة وتأهيل المؤسسة العسكرية وخاصة قوى الأمن الوطني التي كان مقرراً لها أن تجري من خلال مستشار الرئيس لشؤون الأمن القومي محمد دحلان بموجب المرسوم الرئاسي الصادر بتاريخ الثاني من آذار 2007 }ملحق 111{ الذي فوض السيد محمد دحلان بصلاحيات واضحة قوبلت بامتعاض واحباط ضباط وقيادات حركية ومستشارين آخرين، خاصة المستشار العسكري الفريق المجايدة الذي رأى بتلك الصلاحيات الواسعة تجاوزاً له ولدوره لصالح من فوضه (السيد دحلان) ليعمل نيابة عنه وهو الأخ توفيق أبو خوصة، الذي توصي اللجنة بضرورة نقله من الكادر العسكري إلى الكادر المدني.
لقد كانت تلك الصلاحيات الواسعة استشارية وتنفيذية شمولية (14) على كافة الأجهزة الأمنية بما فيها الأمن الوطني مع أنه ليس رجلاً عسكرياً وتتعارض صلاحياته مع قوانين خاصة بالمؤسسة الأمنية (15)، وبما لا يتفق والمهام التقليدية الأساسية لمهمة مستشارية الأمن القومي ذات الطابع المعلوماتي الإستراتيجي بالصيغة الإستشارية التي تساعد صانع القرار.
واتجهت مهمة السيد محمد دحلان وسط معارضة وانتقادات داخلية (كما استمعت اللجنة من الشهادات) نحو التركيز على تلبية احتياجات قوى الأمن الوطني خاصة بقطاع غزة وحسب مصادر ومقدار التمويل الخارجي المتاح والذي يستطيع الحصول عليه وحسب الآليات الممكنة لامتلاك العتاد والسلاح وهذه مؤشر آخر على حجم التفويض الواسع الذي شمل الاتصال بجهات خارجية بصورة مباشرة للحصول على التمويل أو التجهيزات بما في ذلك تأمين إدخالها.
إلى جانب ذلك تم استحداث مكتب خاص لإعداد الخطط والهيكليات اللازمة لإعادة صياغة مؤسسة الأمن الوطني. وهو المكتب الذي بلور الرؤيا الخاصة للمؤسسة العسكرية الجديدة المزمع اقامتها وتم اعتمادها بمرسوم رئاسي }ملحق IV{ فيما بقيت الخطط والهيكليات بانتظار التمويل اللازم الذي شكل باستمرار عصب ازمة المؤسسة الأمنية العسكرية وهذا مؤشر جديد على اسلوب العمل المتوازي بين الإحتياجات العاجلة والإستراتيجيات الآجلة بما فيه الخلط بين مهام التخطيط والتنفيذ.
غير ان تغييرات هيكلية تم استحداثها على مستوى الأمن الوطني بقطاع غزة كان لها أثر على السياق التراتبي العسكري والمعنوي وبالتالي على الأداء الميداني للأمن الوطني أثناء المواجهة بصور ومستويات مختلفة، إلا أنها بالمجمل تضافرت مع عوامل ومسببات أخرى كان لها أثر سلبي على أداء الأمن الوطني بعدم إستيعاب التغييرات الجديدة وعدم الرضى عنها وعن مرجعية هذه التغييرات خاصة أنها بمرجعية مدنية مما خلق إشكالية إزدواجية المرجعيات.
بين مطلع آذار 2007 ومنتصف نيسان الموالي أي بعد شهر ونصف من تكليفه الرسمي، كان السيد دحلان يغادر برحلة علاج، امتدت إلى ما بعد حسم المعركة والإستيلاء على السلطة بالضبط بعد شهر ونصف آخر (16) فما هو حجم الانتاج المتوقع في مثل نصف هذه المدة الزمنية من مدة التكليف والأهم قياساً إلى ضغط العامل الزمني الشديد استباقاً لقرار الحسم الحمساوي المعروف.
إضافة إلى صعوبة الواقع الذي تعيشه المؤسسة وحجم إحتياجاتها الكبير والمعوقات الموضوعية المتعددة من حالة الإعتمادات المالية والتسويف في تأمينها وتأمين دخول المعدات والتجهيزات وسط تذمر القيادات التنظيمية العسكرية من دور محمد دحلان واشرافه على الموضوع الذي حاول بظروف صعبة زادها غيابه للعلاج صعوبة، ومع ذلك فإن الغياب حتى ولو كان قسرياً لصاحب المهمة الرسمية كان يتطلب الإعفاء أو يستبدل من المسؤولية.
كان للغياب عن ارض المعركة أثر ملموس في التعثر واضطراب الإدارة وهبوط المعنويات، وهو أحد محاور المسؤولية في الإطار السياسي بصورة عامة وخاصة على المستوى القيادي بكافة هيئاتها السياسية والعسكرية والتنظيمية التي سجلت هذا الغياب ويتضاعف حجم المسؤولية عندما تشمل الأطر مجتمعة السياسية والعسكرية والتنظيمية، تلك المسؤولية التي تطال آخرين كثيرين بمستويات قيادية مختلفة
ثانياً: غياب المؤسسة القيادية:
إن مقتضيات إقامة المسؤولية في الوضع الراهن للأطر القيادية الفلسطينية بالمستويات المتعددة وفي ظل النظام السياسي الفلسطيني الناشئ وعلى ضوء طبيعة المواجهات وأهدافها وجهات استهدافها تتطلب بداية تحديد الإطار القيادي المقصود بالمسؤولية من جهة ثمن تحديد نطاق وتبعات المسؤولية الراجعة إليه على التوالي:
أ- الإطار القيادي المقصود بالمسؤولية الأساسية:
أية قيادة؟ في مثل الحالة الفلسطينية، تجربة تاريخية وواقعاً معاشاً، من الصعب بمكان، تحديد إطار مؤسسي أو هيكلي بوظائف قيادية معينة، فهناك حالة هلامية متداخلة غير مستقرة، لا تستند إلى نظام معين لمفهوم القيادة وتركيبتها ودورها ومسؤوليتها وموقعها في الهرم السياسي، باستثناء ما تم إرساؤه في بنى السلطة الوطنية الفلسطينية، وفق القانون الأساسي، وخاصة على مستوى السلطة التنفيذية رئيساً ورئيس وزراء وأعضاء مجلس وزاري، وفقاً لنسب الكتل البرلمانية بالمجلس التشريعي، التي أعطت لحركة حماس حق تشكيل الحكومة، بينما بقيت رئاسة السلطة لحركة فتح.
في سياق المواجهات وطبيعة الإنقسام، وان شكلت رئاسة السلطة وحكومتها قطبين متنازعين، فان النزاع كان ينحصر بصورته المعلنة، بالمستويات جميعها دون العسكرية، التي بقيت خفية بمعظم الأحيان على الأرض، وفي العلن كان التركيز على دعوات للوحدة، بينما على الأرض حكومة حماس تستغل رئاسة السلطة بأنها للجميع، بينما هي تتصرف كحكومة حمساوية بحتة وليست حكومة وطنية للجميع، فتركز كل جهودها وسياساتها على تعزيز مواقع حماس بكافة مكونات السلطة المدنية والعسكرية.
إن الممارسة والأحداث، تشير إلى أن الإطار القيادي هو مجموعة من شخصيات قيادية من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وآخرين من ممثلي الفصائل والأحزاب والمستشارين، أو الكفاءات التي تدعي لحضور الإجتماعات بين الحين والآخر، بتنسيب من رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية وقد يشارك بهذا الملتقى القيادي شخصيات أمنية كما هو الحال بالنسبة لمستشار الأمن القومي بنص المرسوم الرئاسي، أو كفاءات تنظيمية، وذلك مما يضعف أسانيد إقامة المسؤولية لمن يشاركون باجتماعات هذا الإطار المختلط.
هذا في الوقت الذي كانت فيه قيادة السلطة الفلسطينية الرسمية، ممثلة بالرئيس والحكومة، تعيش حالة الإنقسام والإزدواجية، والصراع على خلفية الصراع الفتحاوي الحمساوي، الذي يجد تعبيرات داخل أطر هذه السلطة وأجهزتها ... ولو كان هذه الصراع، ينعكس بالضرورة على أطراف حكومة الوحدة الوطنية والقوى المشاركة بها، حيث جاء تنفيذ وقبله إقرار عملية التمرد المسلح من حركة حماس، استهدافاً مباشراً أو صريحاً لحركة فتح، ولكنه بالنتيجة، تجاوز حركة فتح إلى كافة القوى الأخرى المشاركة لحماس بحكومة الوحدة، وهو ما ينسحب أيضاً على اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وكذا مجلسها المركزي، الذي أقر إقامة السلطة، وأن تكون المنظمة مرجعيتها.
وهكذا فإن نتائج الحدث الإنقلابي بمجرياته وهو يستهدف فتح ورئيس السلطة باعتباره رئيساً لفتح، فقد انسحبت تلك النتائج تلقائياً لتنعكس على أطراف الحكومة الأخرى وتشكيلات منظمة التحرير الفلسطينية، بما لا يعفيها (أي أطراف الحكومة الأخرى وقيادة منظمة التحرير الفلسطينية) من مسؤولية مواجهة تبعات ما جرى، دون أن تتحمل مسؤولية حدوثه. إلا بصمت بعض أطرافها، التي لعبت دوراً مطولاً في ثنايا الصراع السياسي عن كتب، مكنها من الاطلاع والقدرة على تقييم الأمور، عبر مسيرة التوسط المتكررة لرأب الصدع ووقف إطلاق النار دائم الإخفاق، بحيادية الطرف الخارجي، وليس الشريك الذي قد يكون جزءاً من الطرف المعتدى عليه، أو المقصر تجاه حماية المشروع الوطني أو وحدة الوطن كما نجم عن المواجهة.
هنا يبرز الخلل الذي يصل إلى مستوى التقصير، إزاء المسؤولية الوطنية ومصالح المجتمع الفلسطيني، ومنع حدوث الفتنة والصراع الداخلي، الذي يسقط الخيار الديمقراطي، ويطيح بالسلم الأهلي ويؤسس لسابقة معالجة الخلافات وحسمها بقوة السلاح، وصولاً إلى الإطاحة بالنظام السياسي الذي يضم معظم هذه الأطراف بصورة رسمية.
ولا تعني عدم المشاركة الرسمية بالحكومة أن سائر الأطر سياسية واجتماعية ومؤسسات مجتمع مدني وسائر الأطراف الأخرى المتبقية، أنها خارج هذا النظام السياسي، بالمفاهيم الحديثة للنظم السياسية، هذا فضلاً عن الأبعاد الإستراتيجية، والآثار بعيدة المدى، التي نجمت عن الإنقلاب وتنعكس على كافة مكونات المجتمع الفلسطيني ومستقبله.
ومع ذلك فإن الإطار القيادي الرئيسي المعني، هو قيادة فتح المستهدفة وطرف الصراع الأصيل بالمواجهة، وهي هنا كقيادة السلطة، من حيث المأسسة القانونية والتراتب الهيكلي، بدءاً من اللجنة المركزية مروراً بالمجلس الثوري بقياداته الأمنية والتنظيمية والعسكرية والإعلامية والإقتصادية والتعبوية والإجتماعية، وانتهاءاً بقيادات التنظيم المحلية وقيادة الساحات وحالات فتح العسكرية.
خاصة وإن الحرب المعلنة والاستهداف المباشر الصريح وكل أشكال الصراع المصاحبة على امتداد التجربة كان طرفاها فتح وحماس مع أن الأمور موضوعياً وهدفاً وأسلوباً ونتائج لم تكن بالضرورة بثنائية فتح – حماس طبقاً للمخطط الإنقلابي الذي جرى.
وهكذا فإن المقصود بالمساءلة في نطاق مهمة لجنة التحقيق حصراً بقضية انقلاب الميليشيات الخارجة عن القانون بقطاع غزة، ينسحب أيضاً بصورة أساسية على قيادة فتح، بأطرها التنظيمية المتعددة مع أن حركة فتح كانت بحالة دفاع أمام عدوان يستهدفها بصورة أساسية ومباشرة، فبانت الطرف المقابل بالحرب على غير رغبتها وبدون قرار يخوضها، فرضت عليها وأخذت المعركة طابع أنها معركة فتح بدرجة أساسية فما هو الدور الذي قامت به حركة فتح وهل كانت قادرة على القيام بالدور المطلوب؟
ب-نطاق وتبعات المسؤولية الراجعة للإطار – فتح:
إن نظرة سريعة إلى التاريخ القريب، تكشف حدة الأزمات العميقة والمركبة، البنيوية والوظيفية التي تعانيها الحركة بما يتناسب حتى بتآكل رصيدها النضالي، ويقدمها حركة يستشري الفساد في أوساطها القيادية وخصوصاً لدى العناصر التي احتلت مواقع متقدمة بالسلطة (بدءاً من تقرير هيئة الرقابة عام 97 وانتهاءاً بإعلان النائب العام بتاريخ 5/2/2006) حتى وصمت سلطة فتح بالفساد.
وهو الأمر الذي كان أحد الأسباب الرئيسية لخسارتها للإنتخابات البلدية والتشريعية أمام حركة حماس، هذا بالطبع إلى جانب التشرذم وغياب وحدة الموقف الذي تكرر بالمواجهة الأخيرة.. بما يدلل على أن تجربة فتح بالحكم وقيادة النظام السياسي الفلسطيني دون إنجازات سياسية بعد إقامة السلطة نتيجة انسداد الآفاق وسوء الأداء وانهيار خيار السلام التفاوضي "لم تكن نموذجاً مشجعاً يحفز التفاف الرأي العام".
كما أن سلوكها في بناء إدارة السلطة، بما في ذلك أساليب التعيينات ومعاييرها، لغياب الرؤيا المنهجية الواضحة خلق لحركة فتح نفسها، أزمة نوعية جديدة، بتسلل الكثيرين من أصحاب المصالح والإنتهازيين، إلى صفوفها بالمؤسسات المدنية والعسكرية، وهذا ما أكدته وقائع ومجريات المواجهة العسكرية الأخيرة مرة ثانية بعد الإنتخابات لم يؤخذ بعين التقدير والتقييم واستخلاص العبر كمدخل لتصويب المسار والعمل المنظم، لممارسة حقها، في استعادة مواقعها بالطرق الديمقراطية كما فقدتها... بمعنى أن حركة فتح لم تستوعب الدرس فلم تغير ولم تتغير.
ولا تخفى حالة التشظي التنظيمية الغريبة التي تعيشها فتح، بغياب أدنى متطلبات الحياة التنظيمية الإعتيادية، بدءاً من التراتبية التنظيمية ودورية اجتماعاتها ومحاضرها الرسمية، مروراً بغياب المحاسبة والمساءلة والتقييم، إلى انتشار مرض الإدعاءات والتناقضات والشللية، وانتهاءاً بتشكيل مراكز القوى، المنشغلة ببعضها البعض، تعبئة وتحريضاً وصراعاً تناحرياً، إلى حد التخوين والتهديد باستخدام السلاح بما يؤكد انعدام الثقة الداخلية (17).
إن كارثة الانتخابات التمهيدية –البرايمز- وتشكيل القوائم الانتخابية الحركية وما أفضت اليه نتائج الانتخابات الداخلية، قبل الانتخابات التشريعية الأخيرة وما انطوت عليه من ممارسات تستحق التقييم والمسائلة والمحاسبة، لم يكن كافيا لوقفة قيادية بأعلى هرم القيادة الحركية لاتخاذ الاجراءات والتدابير الصارمة في نطاق المسؤولية التاريخية لتصويب بنى ومسار الحركة.
وهنا وقياساً إلى الماضي القريب، أساس مسؤولية التقصير القيادي بالحركة، الذي وان اتخذ بعض الاجراءات الخجولة في نطاق المساءلة المحدودة، الا أنه أخفق في تركيز واقرار مبدا وأساليب إعادة البناء التنظيمي، برؤية وبرنامج عمل سياسي تنظيمي اجتماعي محدد، كانت اللامبالاة وكان العجز وكان الخجل وكانت الحماية للتقصير والمقصرين، الأمر الذي شرع منهج المضي قدماً بتركيز وتعميق مناهج ونتائج العمل الفاشلة، وزيادة حدة التناقضات بين الأجيال، ومراكز القوى الفتحاوية التي ازدادت قوة وتأثيراً بتوظيف الحالات المسلحة والتهديد باستخدامها أو استخدامها بالفعل.
كل ذلك في ظل أزمة قيادية متفاقمة في اطار اللجنة المركزية، وغياب الدور المؤثر للمجلس الثوري الذي اكتفى بدور المراقب العاجز عن أداء وظيفته التنظيمية بالمساءلة والتصويب.
بل ان المجلس الثوري أسهم في ترسيخ الواقع، وبات جزءاً من حالة التجاذب التنظيمي بالاتجاهين الأعلى والأدنى، ليصبح جزءاً من الأزمة والمشكلة، التي تنسحب على كافة الأطر والمستويات الحركية، بما يؤكد قصوره في تحمل مسؤولياته وأداء دوره، انطلاقاً من شخصنة القضايا الوطنية والحركية، وصولاً إلى مجريات الانقلاب والعصيان الحمساوي المسلح بغزة، والتي لا يمكن فصل نتائجها عن سياق الممارسة التي أدت بتراكمها المستمر إلى تلك النتائج.
خاصة وأن المجلس الثوري الذي كان يجتمع بدورته الأخيرة بالزمان والمكان الخاطئين، بوقت كانت فيه كل المؤشرات بل ومجريات الأحداث اليومية تؤكد اقتراب موعد الحسم بعد المعارك المستمرة منذ منتصف أيار تقريباً بعقد المجلس برام الله عوضاً عن غزة، كما اقترح الرئيس، ليركز في مناقشاته على ترتيبات الأوضاع التنظيمية الداخلية دون ايلاء الأمر الجوهري الذي ينبغي أن يحظى بالأولوية المطلقة وهو (الهجمة التي تتعرض لها الحركة بغزة) ما يستدعيه من أولوية قصوى توجب القفز عن الصراع الداخلي، مسجلاً بذلك انعدام الرؤيا وسوء التقدير والغياب الميداني عن ساحة المواجهة.
وبالإشارة إلى التراتبية التنظيمية، ومحاولات إعادة البناء التنظيمي، وبعد تعثر تجربة إعادة البناء الديمقراطي، عبر انتخابات الأقاليم التنظيمية، باستثناء بعض المواقع، لنفس أسباب الصراع والتمحور والتشرذم وتناسي مراكز القوى واللجوء إلى محاولة جديدة بتشكيل أطر قيادات الساحات من ساحة الوطن إلى ساحتي غزة والضفة بهدف تنصيب قيادات تنظيمية مرحلية، تدفع باتجاه اجراء الانتخابات الداخلية، تمهيداً لعقد المؤتمر العام للحركة، فقد لقيت هذه المحاولة الجديدة ايضاً من الرفض والتشكيك والتعطيل ما لقيته المحاولة الأولى، بل فاقمت من حالة الصراع والتناحر، وعمقت الانقسامات، عوض أن تكون مدخلاً لتجميد الخلافات والتوحد حتى تتمكن الحركة من مواجهة التحدي الخارجي بل التهديد الوشيك.
وقد تزأمن ذلك التطور بعد اتفاق مكة وفي سياق الاستعدادات الضرورية بالوقت المتبقي، قبل استحقاق المواجهة الحاسمة المفروضة على الحركة والسلطة بغزة، حيث ازداد الصراع الداخلي احتداماً، والانقسام عمقاً، وتبادل الاتهامات ضراوة، وردات الفعل الانكفائية احباطا وتخلياً واعتكافاً، والتحلل من المسؤولية بازدياد وتوسع، قبيل اندلاع المواجهة مع حماس في ظل الصراع حول تشكيل مكتب تعبئة وتنظيم جديد يحاول تحديد اختصاصه وصلاحياته بعد التشكيلات الأخيرة – الساحات- ليستحدث محور صراع جديد باستقالة ساحة الوطن وساحة غزة.
في نفس الوقت الذي كانت تعيش فيه الحركة بغزة ثلاث تيارات أو مراكز قوى متباينة ومتناقضة، بأجندات ورؤى مختلفة ومتناقضة، تضرب عرض الحائط بإمكانات التوافق بالحد الأدنى، التي تستدعيها خطورة الأوضاع بغزة وتفرضها متطلبات المواجهة الحتمية مع حماس بمعنى أنها لم تتوحد أو تتفق، حتى لمواجهة التناقض الخارجي، خلافاً لتجارب الأحزاب والشعوب عبر التاريخ.
لقد حافظت هذه التيارات أو مراكز القوى على الالتزام بمواقفها التنظيمية المتناقضة، حتى أثناء المواجهات دون مبرر منطقي، خاصة بعد موافقة الأطراف بما فيها أبو ماهر حلس على مبدأ تشكيل قيادة الساحة وشارك بتشكيلها وبعد التوافق على أسماء أعضائها وانسحابه مع سمير مشهراوي من عضويتها عاد ثانية وتراجع بعد لقاء تنظيمي موسع لانصاره بحضور وسائل الاعلام ليعلن معارضته لقيادة الساحة ووقوفه ضدها وذلك لأسباب ومبررات أهمها أسباب مالية بحتة كما قال البعض، أو كما فسر البعض الآخر لأن دحلان استولى على العسكر والأمن والمال والتنظيم (18).
إن الاحجام عن المشاركة الجماعية العسكرية بالمواجهات كان يترجم ايضا بالاحجام عن المشاركة بأي جهد أخر، لوقف المواجهات عبر الحوار لوقف النار، وكأن المواجهة هي بين حماس وأحد مراكز القوى التي تتألب ضدها المراكز الأخرى بالحركة أو تتشفى به، لتبدو كأنها مستفيدة من نتائج المواجهات، كما تعلق على نتائج هذه المواجهات الأمل المبني على سوء التقدير وفقدان الرؤى الذي كانت احدى تعبيراته تلك الاختراقات السياسية من بعض كوادر الحركة القيادية بالاتصال والتنسيق المباشر مع حماس الداخل والخارج في ذروة المواجهات معها بدون قرار قيادي جماعي وبدون عودة للأطر بما فيها المركزية أو الثوري أو القائد العام للحركة سواء باجراء الاتصال مع حماس او باطلاع الحركة على نتائج الاتصال وكأنها قضية شخصية يمارسها المعني بما يراه حصانة وحقاً لنفسه دون تفكير بانعكاسات ذلك على الحركة وأبنائها أو على توجهات وقرارات حماس التي كانت تضع خططها وقراراتها مستندة إلى فيض معلومات ينبغي أن يكون سرياً وخاصاً بفتح.
لقد اضعف هذا الصراع الداخلي بفتح، موقفها أمام حماس، وزاد الأخيرة صلفاً وجرأة وثقة بالحسم لصالحها، وهي تقرأ جيداً رسائل التزلف والمهادنة الواضحة والمشفرة، التي يبثها المحايدون من فتح، فاستباحت الحركة بتسارع كبير دون افساح المجال حتى لتهدئة اعلامية.
وقد عملت حماس على توجيه المعركة نحو دحلان وما تصفه " بالتيار الخياني" بفتح كعنوان للاستهداف والاجتثاث، لتستقوي بجزء من فتح على جزء فيها، وقد نجحت بمثل هذا التكتيك على المستويين الاعلامي والتعبوي وصولا إلى المواجهة المسلحة، باختراقات متعددة المستويات، بما فيها الاختراق النفسي، الذي جعل الكثيرين من مستويات قيادية يرددون بصوت مرتفع (لن نخوض معركة دحلان)، وذلك على خلفية الصراعات الفتحاوية الداخلية (19).
لقد نجحت حماس بتحييد قسم كبير من الحركة(حتى في أطرها القيادية) هذا القسم الذي لم يكن يرى أن هذه المعركة هي معركة فتح (20) ولهذا قرر موقفه الحيادي السلبي الذي شكل خذلاناً للحركة والمدافعين عنها، غير آبه بالنتائج التي ستسفر عنها المواجهة في ظل ميزان القوى القائمة، ودون رؤية لوقائع الحرب الميدانية، التي لم تميز على الأرض بين" التيار الخياني" كما تزعم، وبين الأمن الوطني والحرس الرئاسي والمخابرات على سبيل المثال انها مسؤولية التقاعس عن تحمل المسؤولية بالدفاع عن الحركة والسلطة والمراهنة على نتائج عسكرية تفضي إلى نتائج تنظيمية يتوهمون أنها ستكون لصالحهم.
ان المستهدف بحقيقة الأمر هي فتح، تنظيميا ودوراً تاريخياً، ومشروعاً وطنياً، كما هي السلطة بمؤسساتها واجهزتها ومقدراتها، الأمر الذي حدث، وأكده الأخ أحمد حلس بعد انتهاء المواجهة، كما أدركه الكثيرون بسياق المعارك واستهداف المواقع، بصورة كلية منظمة، دون تمييز، خلافاً لتوقعاتهم المستندة إلى مهادنة وأحيانا طمأنة خادعة، ضمن مخطط الاستفراد بالمواقع المستهدفة، لحشد قوة حماس المهاجمة من جهة، وبنفس الوقت إبطال أي محاولة من جانب الأجهزة والمواقع للدعم والاسناد المتبادل.
لقد كان لغياب هذه المشاركة من قبل المحتجين أو المعتكفين، وتبرير هذا الغياب، إلى جانب تقاعس العديد من القيادات، أثر كبير على وقائع المواجهة العسكرية، والحالة المعنوية، خاصة في ظل الانعكاس المؤكد للصراع التنظيمي ومراكز قواه، على الأجهزة الأمنية والمؤسسة العسكرية، بما ضاعف من حجم التأثير على الأداء الميداني، والقناعة القتالية.
والأكثر أهمية أن التجاذب كان يمتد رأسياً إلى الأعلى ليصل قمة الهرم التنظيمي باللجنة المركزبة وهو ما كشف عمق أزمة حركة فتح حيث مثلت المواقف المعلنة لبعض أعضاء اللجنة المركزية والمجلس الثوري أحد أعراضها، بما يحتم مسؤولية مواجهة هذه الأزمة بحزم وإحالة الموضوع للمحكمة الحركية (21).
وأيا كان الظرف والموضوع، فإن محاسبة أحد قيادات أو مكونات حركة فتح هي مسؤولية قيادة حركة فتح، وليست حماس هي التي تحاسبه بقوة السلاح، مدخلاً للاستيلاء على السلطة، وتجزئة فتح والاستفراد بمكوناتها، انها مسؤولية فتح وقيادتها، فلا يجوز لفتح أن تسقط سلطتها الحصرية بالمساءلة والمحاسبة والتصحيح، أو أن تنصب حماس نفسها وصية على تقييم مسار وتنظيم حركة فتح.
كما أن هذا الموضوع لا يبرر بأي حال، انطواء بعض الأطراف سواء في اللجنة المركزية أو المجلس الثوري أو القيادات الميدانية في غزة، واعتبار أن هذه ليست معركة فتح، بل هنا يبرز عنصر التقصير بالاستنكاف عن تأدية المهام الواجبة في الدفاع عن الحركة والسلطة الفلسطينية بما يستتبع اقامة المسؤولية.
ان وقائع المواجهة ونتائجها، لا تدع مجالاً للشك، أن المواجهات والحرب انما كانت ضد فتح والشرعية الفلسطينية بهدف الاطاحة بالأولى والاستيلاء على الثانية، ولكنها أي فتح عملياً، لم تكن الطرف الرئيس الميداني المباشر في مواجهة حماس، بل اختفت حركة فتح خلف الأجهزة الرسمية لتقوم الأجهزة بالدور الذي هو بالأساس دور التنظيم والكتائب المسلحة، وكأن فتح خطفت المؤسسة العسكرية لتصد بها خصمها حماس، خاصة وأن قرار الحرب الذي لم يتخذه أحد، لم تتخذه قيادة فتح ممثلة باللجنة المركزية(22).
لقد كانت قناعة الجميع، بأن حماس ذاهبة بمخططها للسيطرة التامة على قطاع غزة ولا عذر لأحد، وقد استخدمت لتنفيذ مخططها عدة أساليب، اعتمدت المال والاختراقات والتخويف والترويع بحرق الممتلكات والتهديد والاستمالة لعدد من الشخصيات القيادية فكانت فتح أمام حماس عبارة عن كتاب مفتوح وبالخط العريض (23).
وذلك ما تأكد اثناء ترتيب الاستعداد للمواجهة حيث ظهرت بالأوساط القيادية والحالات المسلحة عناوين الحيادية (ورِجل هنا وأخرى هناك)، وسوء تنظيم عسكري كسوء الواقع التنظيمي الذي أدى إلى خلل بالمؤسسة العسكرية والأمنية نظراً لامتداد التجاذبات التنظيمية اليها.
فلم يكن التنظيم تنظيماً، بل مجموعات متفرقة، وفي أحسن حالات مشاركتها الميدانية لم تكن أكثر من مشاغلة، مع أن المعركة بالاساس هي معركة فتح، وليست معركة الأجهزة، فلم يقاتل أحد بمعنى القتال بل كان التشفي بين العسكر والتنظيم، الذي لم يشارك بشيء وربما بتعليمات(24).
وهذا يكشف درجة التعبئة والتوجيه الخطيرة التي تعبأت بها القوات، وهي ترى أن المعركة ليست معركتها بل هي مع التنظيم، ومعاناتها جراء ممارسات التنظيم، خاصة الحالات التنظيمية العسكرية، التي لعبت دوراً سلبياً، يؤكد حالة الاختراق والارتباط لكثير من تلك الحالات سواء مع حماس أو مع غيرها والتي تم التأكد من وجودها بالقوات كظاهرة صاعقة أثناء المواجهة، يضاف اليها سلسلة من الممارسات السيئة، المرتبطة بحالة الفوضى والفلتان المحسوبة على حركة فتح (25).
من جهة أخرى فقد انعدم تماما دور التنظيم العسكري الميداني، واقتصر دور التنظيم خاصة قيادته، بالحوار مع حماس، ثم بالدور المعلوماتي، والدور الاجتماعي وبعض المجموعات كانت تقاتل، بمعنى أن تنظيم فتح الذي من المفترض أن يدافع عن حركته والأجهزة، تراجع دوره، وأصبح عبئاً على الأجهزة. والحجم العسكري للتنظيم، كان لمرافقة وحماية مسؤولي الحالات العسكرية وقادة التنظيم، ولا أحد يساند الآخر تغلباً للولاءات الفردية والعائلية داخل الحركة على العصبوية التنظيمية وهو ما يستحق المساءلة (26).
وهنا يبرز تغليب الولاء العائلي على الولاء والانتماء التنظيمي، فأين مسؤولية القيادات التنظيمية وصولاً إلى اللجنة المركزية القيادة العليا للحركة إزاء هذا الموضوع؟ وخاصة على أبواب وأثناء المواجهة المحتدمة؟ لقد طرحت المواجهة الموضوع الأهم، الذي يملي على الجميع وخاصة المستوى القيادي، أن يرتقي إلى مستوى تحدياته، وهو يتعلق بمفترق الطرق، بشأن بقاء ومستقبل المشروع الوطني الذي بلورته وقادته حركة فتح على امتداد العقود الأربعة الماضية، وقدمت على طريق انجازه أعز التضحيات وأثمنها.
لقد تصرفت اللجنة المركزية، من احساس يسود أوساطها الشعور بالتهميش، وتحجيم الدور بالاستغناء عنه، لصالح أطراف تنظيمية من خارجه، مستندة في هذا الاحساس الذي تراه واقعياً وحقيقياً كما يؤكد عضو في اللجنة المركزية أمام الرئيس باجتماع المركزية "قلت لا داعي لقيادة سياسية أو عسكرية من أعضاء المركزية بقطاع غزة لأن هناك قائداً مفوض إلا اذا وضعت بأيدينا كل الصلاحيات السياسية والعسكرية والمالية ....فمن الظلم تحميل المركزية تبعات أية مسؤولية لا تملك مقوماتها (27).
لكن بنفس هذا الاطار، تأكد للجنة التحقيق، انه تم بحث موضوع ذهاب لجنة قيادية حركية باجتماع اللجنة المركزية يوم 6/6/2007 على أن تتشكل قيادة سياسية من عدد من أعضاء اللجنة المركزية وعدد من أعضاء المجلس الثوري للذهاب إلى غزة وقيادة المواجهة بينما يكلف الأخوان الطيب عبد الرحيم بوصفه أمين عام الرئاسة وروحي فتوح الممثل الشخصي للرئيس بالعمل مع الرئيس مباشرة ...رفض الشق الأول من الاقتراح واستعد أطراف الشق الثاني للذهاب لكن تدهور الأوضاع حال دون الوصول.
بعد اجتماع المجلس الثوري، بحث الأمر ثانية، باجتماع اللجنة المركزية، وأن يصدر تكليف بذلك، وللمرة الثانية رفض بعد نقاش، وبذريعة الصلاحيات، بينما كان الأخ أبو مازن يعيد ويؤكد، أنها صلاحيات مفتوحة، ولكن دون جدوى، فنأت القيادة الحركية بنفسها عن صراع يستهدف مشروع الحركة واستمرار بقائها، تفريطاً بواجب يمليه الانتماء وتمسكاً بحصانة تنطوي على الاستعلاء!!!!.
وهكذا جرت المواجهة وانتهت بغياب قيادة سياسية عن أرض المواجهة بما جعل القادة الميدانيين، يشعرون بأنهم يخوضون هذه المواجهة، بدون غطاء سياسي أو حتى إعلامي أو معنوي يفسر طبيعة المواجهة ويحسم خيارات الموقف والقرار بصورة معلنة، تحدد جبهة الانقلابيين وتعلن حالة الاستنفار والتعبئة لردعهم، ولحماية النظام السياسي والشرعية والمشروع الوطني.
هذا الصمت الذي تواصل إلى الجولة الحاسمة من المواجهات حيث كانت المواقف الرسمية القليلة تدعو لوقف الاقتتال من الجانبين أي التعامل بنفس النظرة والموقف بين طرفي المواجهة، وكأن المعركة معركة أمراء حرب (29)، بينما مركزية فتح لا تقوم بدورها ومشروعها يتعرض للخطر وبعض أعضائها لا ينطق، القيادة برام الله غير معنية، والمواقع تقاتل وظهرها مكشوف، قيادة فتح غير موجودة، وان وجدت لا تتدخل، وكأن الأمرعلى خطورته لا يعنيها (30).
إن هذا يعكس عمق الأزمة التي تعصف بكل المستويات التنظيمية لحركة فتح حتى اللجنة المركزية، وبما فيها من التباينات والاجتهادات والصراع على الصلاحيات، الأمر الذي يحول دون حضور أو فعالية الدور الطبيعي المفترض للإطار القيادي الذي يدرك مخاطر المرحلة وتحدياتها وما يحدق بالحركة ومشروعها وأبنائها، وذلك ما يؤكده عضو اللجنة المركزية بقوله: كان واضحاً للمركزية والرئيس ممارسات حماس ضد أبناء الحركة، من الاقصاء الوظيفي والخطف والتعذيب والقتل، ولم يكن لدينا خطة لمواجهة خطة حماس، ولم نشعر أبناء الحركة بالحماية لم تكن لدينا سياسة للرد، فازداد التشرذم وغابت القيادة وانعدم الفعل بواقع معيشي صعب(31) " فلا مرتبات من السلطة ولا ما يسد الرمق من حركتهم".
ومع ذلك الادراك، كان التهرب من حمل المسؤولية والتنصل منها هو الخيار المتبع بمنهج" الحرد" التقليدي الذي يستدعي بحد ذاته، ان يكون مدخلاً لتقييم المسؤوليات، حيال الأحداث الجسيمة-مجريات ونتائج-... انه الهروب من – أو العجز في- مواجهة الاستحقاقات الداخلية، الذي فتح باب التذرع بالهروب من مواجهة التحديات الخارجية، وما ينتجه ذلك من خطاب تبريري مفعم بالانهزام المعنوي الأقرب إلى اليأس.
إن التنصل من القيام بواجب المسؤولية تحت أي ظرف يتطلب التخلي عن مهمة حملها بالأساس، فتبعاتها لا تسقط بالانزواء أو تهميش الذات، حتى لوأن ذلك التهميش متعمداً من آخرين، أو لظروف خارجة عن الارادة، وإلا من يتحمل المسؤولية؟؟؟!!!.
إن قيادة غائبة الدور غائبة الفعل غائبة الحضور لا تنتج رؤيا بأي اتجاه لمواجهة تحدي المصير، ... لهذا كانت وقائع الحرب الميدانية تواكب حالة التردي والانهيار التنظيمية، بمقاييس الهزيمة المسبقة ... وعليه فإن التنظيم بكل مراكز القوى فيه، ومستوياته التنظيمية وصولاً إلى رأس الهرم، بما فيه الحالات العسكرية، وامتداد تجاذباته وألوانه إلى المؤسسة العسكرية، لا يمكن أن يُعفى من المسؤولية تجاه هذه الهزيمة المدوية بقطاع غزة، وامتداد تأثير صداها، إلى كافة أماكن تواجد الحركة، وخاصة الضفة الغريبة بما يبعث على القلق والخشية من تفاقم حالة الانقسام والتشظي الحركية.
ان الغياب القيادي، كان بالمعايير التنظيمية، وإحكام المسؤولية المنبثقة عنها، يشكل قصوراً بيناً، ولكن السؤال هل كان المستوى القيادي في ظل أزمته قادراً فعلاً على توفير مقومات الحضور؟ وهل يكون حضوره لو حدث، فاعلاً مجديا بالاتجاه الايجابي؟ ان بعض المؤشرات تقود إلى الاستنتاج بأن بعض القيادات انخدعت بأطروحات حماس ووقعت في مصيدتها، فكانت تنظر إلى المجابهة مع حماس، بمعطيات الصراع الداخلي الفتحاوي وانغماسها فيه، مما غيب عنها بصيرة رؤية الأحداث والتحولات الجارية بمحيطها، وكذلك الأبعاد الحقيقية لمجريات تلك الأحداث.
الفرع الثاني: المسؤولية في النطاق العسكري:
مع أن الحرب قرار سياسي بالأساس، ولتحقيق أهداف سياسية، فإن المسؤولية مشتركة لجهة مسؤولية الحرب ونتائجها، بحكم الأدوار والمهام الموكلة لكل مستوى.
وقد تكشفت لدى لجنة التحقيق، الكثير من المسببات والعوامل ذات الطابع العسكري الميداني، التي أدت إلى هذا الانهيار، والسقوط السريع للمؤسسة الأمنية – العسكرية، والتي ترتبط المسؤولية ازاءها ارتباطاً وثيقاً بأداء المستوى العسكري، ويمكن اجمال هذه العوامل ضمن فئتين هما: مجموعة العوامل المباشرة بالمعنى العملياتي ثم العوامل الخاصة بالمناعة والجاهزية المسبقة والتي سندققها على التوالي:
أولاً: العناصر العملياتية الميدانية:
ويمكن تحديدها بعنصرين كملخص للممارسة الميدانية: الإدارة العملياتية على المستوى القيادي " أ "، والأداء الميداني على المستوى التنفيذي " ب ".
أ- الادارة العملياتية على المستوى القيادي:
قبل الجولة الأخيرة من المواجهات وقبل مغادرة غزة إلى رام الله أصدر القائد الأعلى للقوات الفلسطينية الرئيس محمود عباس قراراً بتشكيل غرفة عمليات مركزية بتاريخ 3/6/2007
(ملحق 7) كما أصدر توجيهاته الصريحة للقادة العسكريين وبصورة مباشرة توقعاً للأسوأ القادم في سياق المواجهات التصاعدي وتركزت هذه التوجيهات الرئاسية حول النقاط التالية:
- تشكيل مرجعية قيادية برئاسة الفريق المجايدة تضم ثمانية قادة آخرين لمختلف الوحدات بصفتها غرفة عمليات مركزية.
- تكون هذه المرجعية غرفة عمليات مشتركة وتعد خطة محددة للعمل تقوم على أساس توسيع نطاق المواقع الأمنية وحماية الطرق الرئيسية وإقامة تواصل جغرافي مواصلاتي بين هذه المواقع.
- الدفاع المستميت وتبادل الاسناد والضرب بقوة شديدة للردع وفرض وقف المواجهات بإرغام حماس على التراجع.
غير أن الوقائع كانت مغايرة من حيث التنفيذ الذي بقي منحصراً بالتنفيذ الشكلي فقط للتوجيهات، دون تطبيق مضمونها العملي، بما انعكس على طريقة وفعالية الإدارة العسكرية للمواجهات الميدانية بصورة سلبية فادحة، بمبررات وذرائع نابعة أو مستمدة من توقع الهزيمة.
لكن الحقيقة كما تستنتج اللجنة أبعد من هذا التبرير الذرائعي ويعود إلى عدم كفاءة القادة والسلوك الذي اعتادوه وحالة الترهل التي تعيشها المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية وسوء تقدير البعض المبني على عدم توقع الجولة الحاسمة، لتكون المحصلة عمل منظم وفعال بهدف واضح من جانب ميليشيا حماس مقابل عمل غير منظم عديم الفاعلية والهدف من جانب المؤسسة الرسمية يفضي إلى الهزيمة.
ان المعركة مستمرة منذ أشهر وكانت تجري وقائعها بجولات متصاعدة ومتلاحقة( كما هو مبين بالملحق الثاني) وفي معظم الجولات كانت ميليشيا حماس تحقق تقدماً وتفوقاً متتالياً، وتوسع من مناطق سيطرتها على حساب تضييق مناطق ومواقع القوات الرسمية، وكل جولة من تلك الجولات السابقة كان من الممكن أن تكون الحاسمة، لكن تهاوي المواقع الرسمية، وانهيارها السريع بالمعظم دون قتال جعل من الجولة الأخيرة جولة حاسمة (32).
لقد كان على رأس الهرم العسكري، لعدم وجود قائد عام للقوات اعتباراً من 3/6، الأخ الفريق عبد الرزاق المجايدة من حيث الرتبة العسكرية، بصفته رئيس غرفة العمليات ويساعده قادة الوحدات والأجهزة، ولكن لم يكن هذا الرأس يمتلك الصلاحيات الكاملة والإمكانيات الكافية ليكون على مستوى التحدي، كما أن القضية ليست تطبيقاً حرفياً للعسكرتاريا الرسمية التقليدية التي تستدعي وجود قائد عام، وإلا ستقتصر لو أنها كذلك على قوى الأمن الوطني، بينما المعركة في التركيبة العسكرية والأمنية الفلسطينية كحالة خارج نطاق العسكرية النظامية، تختص ليس فقط بالجيش الرسمي ممثلاً بقوات الأمن الوطني أو الأجهزة الأمنية الأخرى والشرطة، بل وأيضاً ميليشا تنظيم حركة فتح، والحالات شبه العسكرية الموالية لها.
وهذه التشكيلات للشرعية الفلسطينية، لا تواجه جيشاً نظامياً تقليدياً، وانما تواجه ميليشيات وحالات عسكرية وشبه عسكرية، ممثلة بكتائب القسام والقوة التنفيذية. والفارق الجوهري هنا، ليس بالالتزام التراتبي بالمفهوم العسكري الرسمي على أهميته، وانما بجدارة وفعالية الإدارة الميدانية للمواجهات، هذه الإدارة التي قد لا تتسم هي أيضاً بالكفاءة بوجود قائد عام غير كفؤ بالمفهوم العسكري، خلافاً للحالة الفلسطينية في الجانبين – الشرعية والانقلابية-.
بمعنى أن معيار النجاح والاخفاق لا يجوز ان يعلق على وجود أو عدم وجود قائد مؤهل بالمفهوم العسكري التقليدي خاصة بعد تعيين رئيس غرفة عمليات وهيئة قيادية أعضاء بالغرفة من ثمانية ضباط آخرين، كما أنه بالطرف المقابل.. ميليشيا حماس.. لم يكن لديها قائد عام بالمفهوم التقليدي العسكري ومع ذلك حققت قيادتها الميدانية نجاحاً.
وبالعودة إلى غرفة العمليات هنا يؤكد الفريق المجايدة انه لم يوفق في تفعيل غرفة عمليات مشتركة لغياب أركانه (غرفة عمليات مشكلة من تسعة قادة ثلاثة منهم غائبين دحلان ومازن عز الدين وجمعة غالي، ومنار مرجعيته بالخارج والآخرون لا يلتزمون) وأن الكثير من العمليات كانت تتم دون علمه وصولاً إلى قوله (لم أكن قائداً لأحد).
في الحقيقة وبالاستناد إلى القرار الرئاسي كان هناك تفويض بقائد من خلال رئاسته لغرفة العمليات التي مثلت القيادة العامة، لكنه لم يقد، أما مشاركة قادة الوحدات أو من ينوب عنهم بغرفة العمليات فكانت غير منضبطة، وغير فعالة (33)، يؤكد الفريق المجايدة موقعه على رأس الهرم العسكري من خلال غرفة العمليات لإدارة المواجهة وفق توجيهات الرئيس لكن ذلك لم يحدث.
فمن جهة أولى، لم يعمل الفريق المجايدة على تأكيد صلاحياته وتفعيلها لا بمبادرة منه، ولا بالتنسيق مع القائد الأعلى، كما لم يقترح خطة مركزية ولم يؤكد على غرفة العمليات، ولم يصدر تعليمات عسكرية تؤكد صلاحياته وقدرته، فكان يتصرف وكأن القرار ليس بيده، وأن هناك من يشاركه أو حتى ينافسه، وأن الامكانيات عند غيره، فلم يبادر لتعزيز صلاحياته. لقد تواجد بغرفة العمليات بمفرده غالباً وأحياناً يتواجد بعض من هو في محيطه الجغرافي أو من يزوره أو من يفر من موقعه، وكان لا حول له ولا قوة، غير قادر على عمل شيء(34).
إن الفريق المجايدة رجل محترم، كان بطلاً في كل معارك الثورة، كان قد أحيل إلى التقاعد ثم عاد مستشاراً عسكرياً للسيد الرئيس، لهذا كان واضحاً منذ البداية، ان هذا التشكيل ليس الإطار القيادي الملائم لردع الهجوم. ومع أن لديه التفويض كان المجايدة فاقداً للصلاحيات التي تؤهله السيطرة على القادة، وبات شديد الاحباط بعد تتالي سقوط المواقع، وذلك ما يؤكده الفريق بنفسه قائلاً: العمليات كانت فقط بحدود الغرفة التي أقيم فيها، ولم تكن العمليات قيادة للأجهزة، وكل مسؤول يعود لقائده حتى ولو كان في الخارج، أو لامتداده التنظيمي حتى لو كان معتكفاً أو محتجاً.
وهكذا كانت تسير عمليات المواجهة دون تحكم أو توجيه أو سيطرة، بغياب الاطار العملياتي، وإدارة المعركة، فلا رأس يوجه الأوامر، ولا يوجد تعود على تقبل وتنفيذ الأمر، فالأمر مزاجي، الكل يتصل مع الفريق المجايدة، لكن من أين يأخذ هذا الكل تعليماته وقراره؟ من جهات أخرى؟؟!!.
وحقيقة كان بعض القادة يلجأ إلى الرئيس مباشرة، لتقديم الصورة التي تخدمه في استصدار الموقف الذي يريده من السيد الرئيس، للتذرع بهذا الموقف. وبعضهم كان يلجأ إلى مستشار الأمن القومي مباشرة دون المرور بالمجايدة وبعضهم يلجا إلى البعض في رام الله(35).
ويقول قائد الوحدة الخاصة كان لي قائدان المجايدة ودحلان(36)، أما المجايدة فيقول قرار دحلان هو الساري.
وهناك وقائع تؤكد، أن بعض القادة كان ينظر إلى المجايدة، بصفته مستشاراً وبالامكان تجاوزه، وبعضهم يرى أن قائد العمليات ينبغي أن يكون من صلب القوات وليس من خارجها، وبعض آخر يرى فيه رجلاً مسناً ضعيفاً، وبعضهم يراه محبطاً يائساً ولا يراه قائداً وإن يكنون له الاحترام، مما أنتج بالمحصلة أزمة قيادية على مستوى التشكيل والتفعيل والإدارة والمرجعيات، بما يوجب استخلاص العبر السريعة الجادة التي تعالج هذه الوقائع الخطيرة وهذا الخلل الكبير.
وكما لم يكن للمجايدة سيطرة على القادة، فلم تكن هناك سيطرة من القادة على مرؤسيهم وعناصرهم، بل يعترف بعض قادة الوحدات أن خوفهم من عسكرهم، كان أكثر من خوفهم من أفراد كتائب القسام(36)، نظراً لحدة الاختراقات، وانعدام الثقة، في ظل أزمة العلاقات البينية في الأجهزة والمؤسسة العسكرية.
لهذا، كانت تغيب الإرادة عن القيادة، بما يؤدي إلى فقدان وحدة الحال أو السيطرة، خاصة وأن معظم قادة القوات غير مؤهلين بالأساس، ولم يمارسوا دوراً قيادياً بمواجهات أو معارك سابقة تكسبهم الخبرة المطلوبة لأداء دور قيادي صارم وفعال بنظرة شمولية لمتطلبات المعركة، وانعكاساً لهذا الحال، كانت تجري وقائع المواجهات على أرض المعركة، ضمن بؤر معزولة وأسلوب دفاعي، حسب أمر العمليات القاضي بأن تدافع القوات عن نفسها فقط(37).
ولكن المشكلة الأساسية، كانت اعتماد هذه الاستراتيجية الدفاعية، دون تدابير دفاعية بالحد الأدنى، من تحصين وتسليح وتموين، أو تفكير بإسناد متبادل، ودون قوة صد نارية مركزة تحدث الردع المطلوب، ودون تفكير أومحاولة لممارسة الدفاع الايجابي الذي يوفر عنصر الردع للخصم ومقومات تدعيم الصمود الذاتي بالمواقع الدفاعية إلا في حالات قليلة سرعان ما يتم التراجع عنها، الأمر الذي كان يصب لصالح انجاح التكتيك الحمساوي، المبني على العزل والمحاصرة، ثم الاستفراد بالمواقع المستهدفة، بالهجمات المركزة والقوية والمتتالية، بأريحية المهاجم ومعنوياته القوية وقدرته على التجدد والتزود وعزلة المدافع ومعنوياته الضعيفة وانعدام قدرته على الراحة والتزود.
رغم توصيات الرئيس بالخطوط العامة للخطة، وتركيزه عليها، فإنها أي الخطة كانت من حيث وجودها بمعنى صياغتها واعدادها، محل تشكيك واختلاف وجهات النظر، التي تراوحت بين نفي البعض حتى لمجرد وجود الخطة لانهم لم يشاركوا بوضعها وآخرون يشككون بمضمونها ونجاعتها ويؤكدون مشاركتهم باعدادها باقتراحات لم تنفذ على الأرض.
في نفس الوقت الذي يؤكد فيه قائد الأمن الوطني، انها كانت مكتوبة وموضحة على الخرائط، مرفقة بأمر العمليات، وسلمتها للفريق المجايدة الذي عمل على تحقيق تكاملها ثم قام بتوزيعها على الوحدات المشمولة بها. غير أنه شاب هذه الخطة العديد من النقائص ونقاط الخلل، من ذلك عدم شموليتها باعلان حالة الطوارىء، واستدعاء الضباط والجنود للالتحاق بوحداتهم، باستثناء بعض الأجهزة منها مثل الوقائي الذي عمل بغرفة عمليات مستقلة وكذلك المخابرات، كما يؤكد مديرها في القطاع أن المجايدة أبلغه أن المخابرات العامة ومقرها الرئيس خارج الخطة الأمنية وعليكم وضع خطتكم الخاصة بكم للدفاع عن مقركم، وهذا ما حصل بمباركة المجايدة (38).
لقد قامت الخطة بالأساس على استراتيجية الدفاع، حيث أسند لكل جهاز مهمة الدفاع عن مقره ومحيطه، وللأمن الوطني مقراته والطرق، والقوة الخاصة للدعم والمساندة. وكانت هذه الخطة تطبيقاً لتعليمات ومنهاج الرئيس حيال الازمة وتطورها، وصولاً إلى مجابهات عسكرية مفتوحة متصاعدة، بنيت على اسس نظرية الردع، لمنع حماس من تنفيذ مخططها، بالاستعداد الدفاعي الرادع، دون الانتقال إلى مبادرة هجومية، لملاحقة حماس او العمل على ردعها بقسوة.
وتعود أهم اسباب اخفاق هذه الاستراتيجية والخطة إلى قصور المتطلبات والتدابير الدفاعية الاساسية، كما انه لم تجرِ على الخطة اي تطبيقات عملية، إلى جانب قرار حماس النهائي لتنفيذ مخططها الانقلابي مهما كان الثمن، كانعكاس لمشروعين متناقضين وطني وحدوي، واسلامي انقسامي، إضافة إلى التعبئة والتحريض، والعامل النفسي الفاصل بين حرمة الدم الفلسطيني من جانب الشرعية، ودعني ادخل به الجنة من جانب حماس وهكذا منيت هذه الاستراتيجية بالفشل.
لقد تقوقع كل بموقعه دون علاقة بالآخر، حتى وان كان من الجهاز نفسه، فيسقط الموقع المستهدف، حيث الطرق المقطعة، وانعدام امكانية التواصل، وكل موقع يقاتل حسب خطته وادارته وطاقته، وبعضها دون قتال، فكانت المعركة فقط، دفاع عن النفس وانتظار المهاجم والقدر، ولم تكن هناك مبادرة للهجوم لينشأ نظام التخلي، بأن يقوم كل باشتباكه بنفسه، الذي بات مع التعوّد سلوكاً تأقلم معه الجميع أي السلوك الدفاعي ما أمكن بمعنى التسليم لمحاصرة القوات الشرعية بمواقعها، ومنعها من الحركة، مع الأثر المعنوي السلبي الخطير على القوى المدافعة، خلافاً لمعنويات المهاجمين، وما يرتبه ذلك على مبدأ إحكام الامساك بزمام الامور بكل الاتجاهات.
انها ليست سمات الجولة الاخيرة فقط، بل وأثناء كافة الجولات السابقة. وعلى هذا الأساس كانت التوجيهات الرئاسية باستمرار، تصدوا للاعتداءات، ودافعوا عن مقراتكم ومواقعكم. ولكن تكررت نفس الثغرات، بانعدام القيادة وفقدان السيطرة والاتصال والتنسيق حتى تكررت الاخطاء جراء ذلك، وأدت إلى سقوط ضحايا فكيف اذا كانت ميليشيات حماس، تحكم سيطرتها على المستشفيات مثلاًُ، جراء تقطيع ميليشيا حماس للطرق، وادراج المستشفيات بخطتها مسبقاً، بما يمكنها من التعرض لسيارات الاسعاف، على الطرق التي تقع تحت سيطرتها لتعتقل من فيها وتقتل بعضهم او تجهز عليهم داخل المستشفيات (39).
إن الإدارة الميدانية على المستوى العسكري، لا تعفى من مسؤوليتها ازاء هذا الاخفاق، المقترن بانعدام الارادة والقدرة على المبادرة، والعجز الجماعي على مستوى القادة، في تفعيل الاطار المشكل بقرار رئاسي، كإطار قيادي ميداني، خاصة وان هؤلاء القادة لم يتمكنوا من التصرف المناسب في الوقت الحرج.
أيا كانت الذرائع، فأن الاكثر خطورة ما تكشف للجنة من حقائق مخجلة تعكس حالة محزنة من الانهيار المسبق ومدى انعدام الثقة بالمؤسسة والغطاء القيادي واستفحال الرابطة العشائرية على حساب الالتزام التنظيمي والانضباط العسكري سواء في المرحلة التي سبقت المواجهة الحاسمة او اثنائها عبر ادارة المواجهة بالمهادنة، او الترتيب الشخصي مع ميليشيات حماس، حتى إن بعض القادة كان مرافقوهم من حماس (40)، هنا تنشأ المسؤولية بسقفها الأقصى، بما يميزها عن مسؤولية الدفاع المحدود عن النفس على قدر الاستطاعة إلى مسؤولية التفريط المتعمد وصولاً إلى الموادعة وتسليم المواقع دون قتال او التعرض لهجوم.
ودون مجال للمقارنة مع تلك المواقع، التي قدمت نماذج قوية للدفاع المستميت، والاستبسال بالصمود والمبادرة احياناً حتى الاستشهاد، وهي من نفس الوحدات والمؤسسة، وبذات الامكانات، بما يوجب الاعتراف لرموزها الابطال بالاجلال وبالثناء والتقدير.
لقد توصلت اللجنة، إلى أن خللا مؤكدا وفادحا، رافق الإدارة الميدانية للمواجهات تلك الإدارة التي تلاشت إلى حد الغياب الفعلي، بما يكشف ضعف مستوى القيادة المشكلة والخولة، وانعدام قدرتها على المبادرة بأي اتجاه خلاق، باستثناء بعض القرارات المرتجلة، التي أدت بالمعظم إلى نتائج سلبية، اودت بالمعنويات وسرعت بالانهيار.
ومن النماذج الدالة على هذه القرارات المرتجلة، قرار ارسال قوة التدخل، لفك الحصار عن ماهر مقداد في ابراج المقوسي، والانسحاب شبه الكامل من داخل مقر الوقائي إلى محيطه، أو من مقر السرايا قبل التعرض للهجوم، وذلك على خلفية الدفاع السلبي المنعزل، دون خطة أو غرفة عمليات، وتحت تأثير الفوضى والهلع، وانعدام السيطرة، والجدية أو المهنية، إضافة إلى الاختراقات الداخلية، في مواجهة ما يقرب من عشرين ألفا من مليشيات حماس، التي تميزت بالإدارة الميدانية، المستندة إلى خطة منظمة، وسيطرة محكمة، وتحرك دون عوائق، وأهداف محددة، بنسق لم يكن غامضا أوسريا.
وذلك ما يستتبع تحديد وإقامة المسؤولية التي تلائم جسامة الخلل والتقصير... خاصة وانه كان لمثل هذه الأدارة العملياتية على المستوى القيادي انعكاس مباشر على الاداء الميداني للمستوى التنفيذي
ب – الأداء الميداني التنفيذي
انها سلسلة من الإخفاقات والتقصير، والفشل المبني على الخطأ بالمنشأ، والمعنويات الهزيلة بعناوين الترهل، وعدم الكفاءة المسبقة، و يمكن إجمال أهم المظاهر والحالات التي جسدت ما تقدم بالتالية
1- فشل عملية فك الحصار عن ماهر مقداد وشلل القوة الخاصة:
بعد حصار مطول، وهجوم مستمر، وعلى خلفية سوابق أخرى من الحالات المماثلة، التي ذهب ضحيتها الشهيد أبو المجد غريب، وبهاء أبو جراد، وأبو الجديان، وغيرهم، فقد كان القرار بتوجيه قوة لفك الحصار عن منزل ماهر مقداد ومقاتليه، علما بأن المنزل الواقع بأبراج المقوسي، كان بين مقرات البحرية والشرطة العسكرية والمخابرات، بما يشكل مربعا عسكريا واحدا إلى حد مقبول، بمحيط لا يتجاوز كيلو مترين مربعين، ولغياب الخطة والتنسيق فقد تحول هذا المربع إلى جزر معزولة، غير قادرة على تنسيق موقفها الدفاعي المشترك عن مربعها، سوى بعض محاولات الإمداد بالسلاح والذخيرة، للموقع المستهدف بالمربع دون سواه، وهو منزل مقداد، ودون إسناد حقيقي من المواقع المجاورة، وهذا بحد ذاته خلل واضح.
كان القرار من مستشار الأمن القومي محمد دحلان، وغطي القرار من السيد الرئيس بناء على تقدير خاطىء من مستشاره بضرورة تجهيز وتوجيه قوة للعمل على إنقاذ مقداد، على اعتبار انه محاصر في المنطقة، ومنعا لتكرار احداث مماثلة، مع ان المقداد لم يكن حقيقة وشخصيا، موجودا بالمنزل المستهدف كما تأكد لاحقا، بينما كان الجميع يطالب بالتدخل لإنقاذه، وتلك مسؤولية يتحملها ماهر مقداد، بالعمل على استصدار قرار للتدخل العسكري بظروف صعبة، ونحو هدف وهمي، موقعا القيادة السياسية بخطأ القرار المبني على معلومات مضللة، مما يستلزم المساءلة.
بعد مناقشات مطولة بين عدد من القادة العسكريين، في مقدمتهم قائد الوحدة الخاصة، وقائد الأمن الوطني، والاستخبارات العسكرية، وأمن الرئاسة والفريق المجايدة ( الذي ينفي شخصيا علمه بالعملية) تشكلت قوة مشتركة قوامها مائة وثمانون عسكريا وعشرون مركبة، وعمادها البشري من أفراد القوة الخاصة، لتتجه نهارا و بطرق مقطعة بالكمائن المعادية، وبعد انكشاف توقيت و مسار سيرها لتنفيذ هذه العملية الفاشلة حيث ابيدت القوة و تبعثرت، بعد استشهاد اكثر من 20 عنصرا وجرح وأسر وفرار الباقين، تاركين سلاحهم و مركباتهم بالشارع العام، لمدة تزيد عن الساعتين، دون أن يبادر لمساعدتها أو حتى جمع سلاحها أحد.
يؤكد القادة العسكريون، الذين أعدوا وشاركوا وأمروا بتنفيذ هذه العملية الفاشلة، قناعتهم المسبقة بعدم إمكانية نجاحها، وثقتهم بفشلها المسبق، ويبررون قرارهم بالرضوخ لتعليمات المستوى السياسي، ممثلا بمستشار الأمن القومي، الذي أكد مسؤوليته عن الأمر بالتدخل العسكري لإنقاذ مقداد، مع ذلك لا يعفيهم (أي القادة العسكريون) هذا الأمر من المسؤولية، كونهم القيادة الميدانية المخولة بتقدير الوضع الميداني، واتخاذ القرار الذي يوفر مقومات النجاح للعملية، بأن تصل إلى الهدف المحدد، بقدرة قتالية تمكنها من انجازها ثم العودة إلى قواعدها ومقراتها.
وقد شكل فشل هذه العملية، التي حظيت قبيل تنفيذها باهتمام إعلامي، وظف تعبويا بالاتجاهين، مدخلا للانهيارات اللاحقة بغزة، كما انها تعتبر أحد مؤشرات الأعباء المضافة من الحالات التنظيمية للقوات النظامية.
إن هذه العملية غير المبررة، لا عسكريا و لا أمنيا، التي تمت دون توفر أي من شروط نجاحها بالوصول إلى هدفها سالمة، ثم انجاز الهدف، كانت إحدى السقطات التي انعكست سلبا على معنويات القوات عامة وعلى القوة الخاصة بشكل أساسي، تلك القوة التي بدأت بالانهيار الكامل في غزة بعد فشل هذه العملية.
وكانت القوة الخاصة قد تشكلت حديثا بإشراف مستشار الأمن القومي بمعظمها من افراد الأمن الوطني وبصورة انتقائية، حيث يتم اختيار العناصر وفق معايير معينة، من كتائب الأمن الوطني، وسط رفض واستياء معظم قادة الكتائب والألوية، الذين رأوا في ذلك تفريغا لقواتهم من العناصر الملتزمة والجيدة، وذلك ما يؤكده الفريق المجايدة وغيره بقولهم: إن تشكيل القوة الخاصة جاء على حساب كتائب الأمن الوطني بالانتقاء الذي حصل لخيرة المنتسبين، ونظرا لضيق الوقت وعوامل ذاتية أخرى، لم يتمكنوا من بناء قوة خاصة، وبنفس الوقت دمروا الكتائب الأخرى من الأمن الوطني.
بمعنى أن محاولة تشكيل هذه القوة، أخفقت في تحقيق الأنسجام بين أفرادها وضباطها المنتقين وبضغط عامل الزمن، الذي استثمرته حماس، لإجهاض محاولات الاستعداد الحثيثة من جانب الأجهزة الرسمية وفتح، لتعديل موازين القوى، وكان من المفترض أن تضم هذه القوة 2500 عنصرا من كتائب الأمن الوطني و الحالات المسلحة التنظيمية.
وكان يقود القوة الخاصة العميد منار شحادة من معسكر انصار في مدينة غزة، دون أن تكون له سيطرة على تشكيلات الشمال والجنوب، وكانت المهمة الرئيسية التي نفذتها القوة الخاصة في الأحداث الأخيرة عملية مقداد الفاشلة، والتي سرّعت بانهيار هذه القوة كما سبقت الاشارة على الرغم من انه كان لها الامكانيات المالية والعسكرية واللوجستية الأكثر قياسا إلى غيرها، مما خلق تمايزا، ولد حساسية مع الوحدات الأخرى، وأشعرها بالتهميش، ليصيب معنوياتها ويكون احد اسباب الاخفاق الجماعي العام
2- انهيار الأمن الوقائي والمخابرات العامة
لقد شنت حماس حربها ضد ما تسميه "التيار الخياني" الذي يمثله الأمن الوقائي ودحلان، وقد تولد الأحساس لجهاز الوقائي، بأنه في دائرة الاستهداف وصولا إلى الاستئصال، وبالتالي فهو الأكثر استهدافا وتركيزا من جانب حماس.
وتضاعفت لديه الاحساس بتخلي الأشقاء عنه، فبعد مقاومته و مبادرته للتصدي والصمود، في وجه الهجمات المتكررة، وتتالي أو تتابع مؤشرات الضعف العام، واستنزاف قدراته، باتت معنوياته تتراجع، ويبحث عن بدائل لحفظ بقائه، واضطربت صفوفه، واهتزت معنويات قيادته، مع أنه الجهاز الأكثر سطوة تاريخية بغزة. ومع سقوط مقره في خانيونس، بعد نسفه بالمتفجرات من خلال أنفاق حفرت تحت مبناه، مع أن أمر هذه الانفاق كشف قبل الانفجار بفترة ولم يتم تداركها، إهمالا وتهاونا بالمعلومات، وضعفا بالأداء، كان هذا يترك اثره على كافة الأجهزه بالجنوب، لتتهاوى تباعا وتلقائيا، ويمتد أثره إلى المقر الرئيسي للوقائي بغزة، الذي كان يتعرض لحصار وهجمات متكررة، ويبدي صمودا ومقاومة قوية، حتى قررت قيادته إخلاء المقر بصورة شبه كلية والانتشار بمحيطه، مع وجود غرفة عمليات الجهاز وقيادته بمبنى الرئاسة بالمنتدى قبل سقوطه بأيام.
لقد كان القرار المبني على توقع الخوف على الأرجح، من تكرار عملية انفاق خانيونس، قرار غير مدروس... لكنه أوعز المقاتلين عمليا ومنطقيا، بالتخلي عن المقر (41)، ليسقط المقر، بعد ثمان وأربعين ساعة من إخلائه، مع تأكيد قيادته انها أخلت مسبقا كافة وثائقه و مستنداته، لكن اللجنة لم تتأكد من هذا الأمر بصورة قطعية.
لقد كان لسقوط مقر الأمن الوقائي بغزة تداعيات كبيرة على مختلف الأجهزة والوحدات، حيث بعد سقوطه مباشرة ظهر الخميس، الرابع عشر من حزيران، كان مقر المخابرات الرئيسي، ينهار دون قتال، بينما كان مقر تابع للمخابرات في المشتل، يصمد منذ عدة أيام، ويخوض قتالا بطوليا بأربعة عشر مقاتلا فقط، في حين إن المقر الرئيسي، الذي تزيد القوة المدافعة عنه من الداخل والمحيط عن مائة مقاتل، ينسحبون من مقرهم ومحيطه، دون أن يتعرضوا لهجوم رئيسي، ودون أن ينفذوا التعليمات المركزية من رام الله، وخطة الإخلاء المسبقة، القائمة على حرق المبنى، كما حصل بالمقر الصغير التابع والمجاور، الذي قاتل بضراوة، واستشهد قائده بعد ان أحرق مبناه.
انها مفارقة ندعو إلى استنتاج مدى الانهيار المعنوي الداخلي، ليحدث هذا التقصير المزدوج، سواء لجهة الانسحاب دون معركة أو مواجهة أخيرة، كان من المفترض ان تمتد وفقا لتقديرات مدير المخابرات العامة وبعض كبار الضباط لأكثر من أسبوع، قياسا لطبيعة المبنى وحجمه والامكانات المتوفرة بداخله تسليحا وتموينا بما فيها القسم الطبي، وسواء لجهة الأنسحاب دون التأكد من استكمال حرق المبنى و مستنداته.
تعلل قادة الجهازين بعدم الاختصاص العسكري، باعتبارهما قادة أجهزة معلوماتية، وذلك قياسا للقوة التنفيذية الخاصة بالجهازين وهي قوة عسكرية خاصة بالأجهزة الأمنية، وبالرغم من هذا التعلل إلا انهما لم يقوما بحماية الأسرار أو تدميرها لمنع وقوعها في أيدي الإنقلابيين - وهذا ما يؤكد المسؤولية.
ومع أهمية الأخذ بعين الأعتبار عدم درايتهما بالشؤون العسكرية بحكم الاختصاص.. فإن ذلك يطرح اشكالية الازدواجية بالاختصاص لكل الأجهزة الأمنية بين العسكري و الأمني وضرورة معالجة هذا الاشكالية
3- تفكك الأمن الوطني والهيئات الملحقة
تعاني مؤسسة الأمن الوطني، من شعور التهميش وعدم الاهتمام، وتعيش واقعا صعبا، خاصة بعد تدمير مقراتها وامكاناتها على مدار السنوات السبع الماضية، وعدم إعادة بنائها وهيكلتها وتأهيلها، كما تعاني انعكاسات ضائقة الواقع المعيشي، وافتقار افرادها للحد الأدنى من المتطلبات العسكرية و الحياتية واللوجستية، اضف إلى ذلك انعكاس حالات التقاعد الواسع دون تخطيط مسبق، يخضع لمعايير الحاجة والضرورة لتواصل الأجيال والخبرة بالمؤسسة العسكرية، ودون تصعيد قيادات شابة مؤهلة للقيادة.
هذا إلى جانب إعتبارها، أي القوات، مكانا لاستيعاب مختلف انواع الحالات غير النظامية أو غير المؤهلة، وحتى الاختراقات الأمنية، التي سنعرضها لاحقا، كل ذلك حوّل القوات، إلى نظام أقرب إلى مؤسسة للشؤون الاجتماعية، بدون انضباط عسكري، او قيادة مؤهلة أو حتى دور أو مهمات، إلى اشهر قريبة كانت تعمل بنظام المناوبات والدوام، وبطاقة بشرية لا تزيد عن ربع القوة البشرية المسجلة بالكشف.
ومع ذلك، فقد كان لمحاولات إعادة إحياء قوى الأمن الوطني، في نطاق الاستعدادات والتهيؤ لاجهاض المخطط الحمساوي وردعه في حال استمراره، بعض الأثر ولو كان محدودا في المواجهات الأخيرة وما سبقها، وكان يعول الكثير عليها، باعتبارها المجال الأوسع للأستثمار والبناء لتعديل موازين القوى، غير أن الوقت المتاح لم يكن كافيا، في ظل الواقع الصعب.
بل أن بعض المحاولات، كما سبقت الإشارة، على غرار القوة الخاصة أو تداخل دور المدنيين "الأخ توفيق أبو خوصة" بشؤون المؤسسة العسكرية المحضة، مع حساسية العسكريين، والتدابير التنظيمية والإدارية، وصولا إلى إدارة المواجهات الميدانية، كانت تعطي نتائج سلبية، وتعزز انعدام الثقة، وحالة الترهل السائدة، وتدفع باتجاه التفكك، وهذا ما انعكس على الأداء الميداني والأنهيار المتسارع للمؤسسة، بعد ومضات عديدة من الصمود والبسالة، في بعض مواقع الشمال خاصة، قبل اندلاع المجابهة الأخيرة.
فبعد مجابهات عديدة بمناطق الشمال، كان العبئ الأكبر أثناءها، لأشهر ثلاث، على قوات الأمن الوطني، التي بقيت مواقعها صامدة بعد انهيار كافة المواقع الأخرى بالشمال، وتحت تأثير كثافة الهجمات الحمساوية، وتركيزها على تلك المواقع لاستنزافها، دون اسناد من مناطق أخرى، وفق الاستراتيجية الدفاعية للمواقع المنعزلة، التي اعتاد وتأقلم معها الجميع حتى المواجهة الأخيرة، وكانت الأسباب المذكورة من أهم مسببات الفشل، فسقطت مواقع الشمال جميعها.
وبعد تفجير مقر الوقائي بخانيونس، والكثير من حالات الاختراق، ونجاح خطة حماس بتقطيع الطرق، وعزل المواقع، كانت مواقع الأمن الوطني بالمناطق الوسطى والجنوبية تنهار، وبعضها يسلّم مواقعه طواعية قيادة اللواء الثاني "موقع الشهيد فايز أبو جراد" أو بدون قتال، ودون التعرض لهجمات، لتتلاشى وتختفي قوات الأمن الوطني بسرعة مذهلة.
وذلك خلاف مناطق الشمال، التي تمكن جزء منها من الالتحاق بقيادتها بغزة المدينة، وتخوض مواجهات متكررة بموقع العباس، قبل أن تلتحق بالسرايا بتعليمات قائد الأمن الوطني هناك حيث كانت السرايا الموقع الأخير للأمن الوطني الذي انهار بدوره بعد سقوط المخابرات العامة بساعات، دون قتال، منسحبا إلى المنتدى، في رحلة التفكك والأنهيار الأخير للأمن الوطني، دون مواجهة أخيرة، كان من المفترض أن تكون قوية، وأن تكون السرايا بمثابة قلعة مانعة للأنهيار الشامل والكلي، وذلك استمرارا للانهيار المعنوي و اختفاء الإرادة والرغبة بالقتال، حتى وفق استراتيجية الدفاع المشرف عن المقرات.
لقد كان الجانب المعنوي، مهما للغاية في هذه الحرب المستمرة منذ أشهر كما تبينه يوميات المواجهة منذ مطلع العام ولكن بغياب الوضوح السياسي، الرؤيا الوطنية، وحتى الدور الإعلامي الفعال، والضعف الكبير الذي يعتري جهاز التفويض السياسي، كونه جزءاً من نفس مؤسسة الأمن الوطني، وواقعها البشري والمادي، تأهيلا وامكانات واختراقات، في ظل الخطاب الديني العقائدي الذي يتبناه الطرف المقابل، فقد كان ذلك، يفقد جهاز التفويض قدرته على الأداء، ويفقده الدور الهام الذي يتوجب عليه النهوض به، حيث ان جهاز التفويض السياسي لم يكن أكثر من مستودع، لا يفعل شيئا ولا ضرورة لبقائه على الشكل وبالمضمون الذي عليه (42).
أما الشرطة العسكرية و البحرية والخدمات الطبية فلم يكن لها دور حقيقي يذكر، وكأنها غير موجودة سوى بالمسميات، وفي نطاق المسؤوليات الفردية، يتبين مدى الخلل ومواطنه، وتحديدا بالمستويات القيادية بالبحرية والشرطة العسكرية.
أما الخدمات الطبية فقد أدى سقوط المشافي، والتعرض لسيارات الإسعاف بالطرق من قبل المليشيات، إلى انتهاء دورها، لانها لم تعمل في نطاق الاستعداد، لإقامة مراكز خاصة بها، أو مراكز بديلة للطورائ، وان وجدت ببعض المقرات، خاصة المنتدى والمخابرات، لم تؤد المهام الموكولة لها، لأن تلك المواقع بالأساس لم تقاتل.
وأمام هذا الواقع من الاختراقات، وانعدام الثقة والسيطرة والانضباط العسكري، إلى جانب عدم أهلية قيادة الجهاز وكفاءتها، فقد انهار الجهاز بساعات عديدة بانسحاب الجنود إلى منازلهم، والتخلي عن سلاحهم، فلم يكن لهذا الجهاز أي قدرة على الصمود والمواجهة ونستغرب كيف يتم التعويل عليه في مثل هذا التحدي... إن ذلك يعطي مؤشرا حول المسؤولية الممتدة إلى مرحلة التأسيس، مرورا بالانتفاضة ونتائجها، إلى المواجهة الأخيرة، و إلى المسؤولية المركبة بين القائمين على تلك المراحل المتعددة، والتي لا يمكن (أي المسؤولية) ان تنسب فقط للقائمين بمراكز المسؤولية المتعددة بهذه المرحلة فحسب
4- انهيار الحرس الرئاسي و تحييد الشرطة
فقد تأكد تحييد هاتين القوتين الأساسيتين، الحرس من حيث التسليح والامكانات، والشرطة من حيث العدد والانتشار، لقد حيّدتا بصورة كلية ونهائية، وكان من المفترض، في نطاق الاستعداد، ان تلعب هاتان القوتان، دورا هاما وأساسيا في ردع الهجمة، بتعداد يصل إلى عشرين ألف مقاتل تقريبا. وما إخراجهما من دائرة المواجهة بهذه الكيفية والتوقيت، إلا مثار تساؤل يبعث إلى الاستنتاج بانعدام المسؤولية والانتماء واتخاذ القرار واتباع السياسات المبنية على التقديرات المواقف الشخصية لمسؤولي الأجهزة انعكاسا لعقلية الاقطاعات الأمنية والممالك الخاصة.
فإذا كانت الشرطة قد أخرجت معنويا، بعد عديد الحوادث من اشكال الاستقواء عليها، وصولا إلى بدايات المواجهات مطلع العام، بعد الاعتداء على مقر حفظ النظام والاستيلاء عليه بسلاحه وتجهيزاته الكبيرة، دون أدنى محاولة لاسترجاعه أو مجرد التحقيق بما جرى كما هو الحال بالنسبة لمقرات ومعسكرات أخرى، فإن ذلك التحييد لم يكن بعيدا عن اجتهاد مستويات القرار العليا، بمرجعيات وقيادات الشرطة، التي لم تخف تفاخرها بعزمها، على النأي بالمؤسسة الشرطية، عن دائرة الصراع و تحييدها، واخراجها من المعركة خاصة في ظل حكومة حماس، وهذا ما حدث بقرار من مدير الأمن الداخلي رشيد أبو شباك الذي أعفي من منصبه وكذلك من مدير الشرطة العميد علاء حسني، إلى جانب إن الشرطة كانت الجهاز الأكثر اختراقا، وهو ما يستوجب المسائلة.
أما عن الحرس الرئاسي، فهو الجهاز الأقوى، والأكثر تدريبا وسلاحا وتجهيزا وامكانات، وحتى امتيازات بالسلاح والذخائر والمقرات والمركبات، إلى جانب الإحتياجات والإمتيازات بحيث كانت تثير حساسية الأجهزة الأخرى.
وكانت للجهاز، في أواسط مراحل الاشتباكات المسلحة مع مليشيات حماس مواجهة حقيقية، وكان يشكل أحد عناوين الاستهداف والتحريض الحمساوي المباشر، وفجأة يختفي الجهاز، ويتخلى عن المبادرة، بتخليه بداية عن معسكره الأكبر "قريش التدريبي" الذي تعرض للقصف والتدمير بعد الاستيلاء عليه واستشهاد وجرح العشرات من المتدربين رغم علم قيادة الجهاز المسبق بقرار حماس اجتياح ذلك المعسكر(46)، وصولا إلى انكماشه داخل مربع الرئاسة الصغير بمحيط المنتدى وبيت السيد الرئيس وتقلص افراده وعناصره العاملين إلى أقل من ثلث القوة البشرية (47)، في المواجهة الأخيرة.
وذلك ما يقره قائد الحرس بنفسه حين يقول لم أتمكن من تبديل الأفراد خلال خمسة أيام لهذا كان المناوبون من العسكريين بحالة إرهاق... كان لدي السلاح متوفرا لكني لا أعرف كميته ولا أين ذهب مع أن نائبه يقول بصراحة حرس الرئيس لم يشترك بالمواجهة.
وكان انطباع الشهود بهذا الشأن، أن لدى قائد الجهاز ونائبه رؤيا مبنية على معلومات مؤكدة، ان حماس لن تدخل المنتدى "48"، وكأن لديهم تطمينات او ضمانان أكيدة.
لهذا لم يكن الجو بالمنتدى جوا قتاليا، كان طبيعيا اعتياديا كسائر الأيام، فلم تعلن حالة الطوراىء، ولم يتم استدعاء الأفراد، ولم تكن هناك غرفة عمليات خاصة بالحرس تعمل بفعالية في هذا الظرف العصيب، كانت الحرب بجواره ولا علاقة له بها، وتحت الحاح بعض الضباط، اوعز قائد الحرس قبل اليوم الأخير، لاستدعاء من يستطيع الحضور من أفراد الجهاز برسائل الجوال، وكأنها عملية رفع عتب "49"، فحين تكون الدعوة لمن يستطيع، فذلك أذن للجميع بعدم الحضور لعدم الأستطاعة.
كان قائد الحرس بغزة، يحاول البحث عن أي تطمينات، عن أي مخرج سياسي، وكان ينتظر في الساعات الأخيرة، قرار الرئيس أبو مازن، ليقول نعم للنقاط الثماني، لم يكن لديه أي تفكير بالصمود العسكري، وكان همه الأساسي مراجعة الأشقاء المصريين، وحثهم على التدخل، وهذا ما انعكس على نفسية القادة والأفراد بالجهاز "50".
إن قائد الحرس لا ينكر أو يدحض هذا السلوك، فيقول: بالتداول مع المصريين وكنت معهم لمتابعة أي أفق سياسي، بحثا عن أي مخرج لوقف النار، بمبادرة شخصية ودون تكليف من أحد، أن التقدير ان حماس لن تدخل المنتدى، ولكني كنت أشعر مؤخرا أن الانهيار قائم، ولا مخرج إلا رافعة سياسية، وشرحت ذلك للرئيس في اليوم الأخير وبينت له صعوبة الوضع فقال: تصرفوا أنتم في الميدان.
وهنا لابد من القول إن بعض القادة كان يلجأون للسيد الرئيس ويضعوه في صورة أوضاعهم الصعبة حسب تقديراتهم ورؤيتهم ان تشخيصهم لحجم الصعوبة بصورة فردية واجتهاد شخصي لكي ينتزعوا منه الغطاء لعجزهم وتهالكهم وفتح باب للهرب، وهو ما نفاه السيد الرئيس أمام لجنة التحقيق التي اجتمع بها قبل بدء أعمالها.
ومع أن المعلومات الاستخبارية، لدى قائد الحرس ولدى الجميع، ان حماس قررت اجتياح كافة مواقع السلطة، وانهم أصدروا القرار والفتوى بذلك، وبدأت عملية تجنيد كل من هو فوق السادسة عشر من أنصار حماس، واقسم بعض قادتها ان يصلوا الجمعة في المنتدى، ورغم التأكيد المتكرر شفويا وكتابة لقائد الحرس ان حماس اتخذت قرارا بالاستيلاء على المنتدى (51)، إلا ان قناعته، لم تتغير، ولم يتخذ أي إجراء أو قرار، يدل على مجرد النية الدفاع عن المقر الرئاسي أو بيت الرئيس.
بل العكس، كان دوره منحصرا بالبحث عن المخرج السياسي، باعتباره حسب رأيه المخرج الوحيد، وإلا فالانهيار والاستسلام دون قتال، وذلك ما حدث مساء الخميس 14/6/2007، حين ازدادت الأمورا سوءا بتسارع كبير، وترك الجنود مواقعهم وأسلحتهم بمحيط المنتدى، بما في ذلك حراس منزل الرئيس، وكان قائد الجهاز منهارا لا يعلم شيئا عن جهازه، ولا عن مجريات المعركة لم يغادر مكتبه أو غرفة نومه في معظم الوقت، يخلع ملابسه العسكرية، ويلتحق بمكان سكن البعثة المصرية بلباسه المدني متخليا عن موقعه قبل سقوطه، ودون أن يتعرض لأي هجمات، سوى بعض قذائف الهاون، التي كانت تسقط بين حين وآخر.
وهذا ما يعطي الكثير من المؤشرات، حول وضع الجهاز السيء، وانعدام الثقة والتعاون بين قيادته. لقد كان الجهاز بلا قيادة حقيقية، وهي تعاني الكثير من المشاكل الداخلية، مما أدى إلى انعدام المبادرة، بما في ذلك الحد الأدنى من متطلبات الدفاع عن رمز الشرعية، ممثلا بالمقر الرئاسي، ولم يكن الجهاز بعيدا عن حالات الأختراق الحمساوي، وان كانت مظاهر الفساد المالي بنسبة أعلى "52"، خاصة إثر تواجد الحرس الرئاسي على المعابر.
كانت مسؤولية قيادة الحرس، واضحة ومحددة تقصيرا وتفريطا، وهي المكلفة بالدرجة الأولى، طبقا للخطة النظرية، والأوامر بالدفاع عن المنتدى ومحيطه، لكنها لم تبذل أي جهد بهذا الاتجاه، رغم توافر كافة الامكانات والمتطلبات.
وهناك وحدات أخرى، كانت مواقعها بجوار المنتدى ومحيطه، بما فيها البحرية، وأمن الرئاسة، والقوة الخاصة، وغيرها من الحالات العسكرية، وجميعها لم يبذل أدنى جهد، وفقدت السيطرة، وحدث الانهيار الذي يفسره الفريق المجايدة بقوله: ان كل من أتى إلى المنتدى جاء للإحتماء به وليس للدفاع عنه.
وكأن فكرة ان مقر الرئاسة بالمنتدى مكان أمن، وملاذ أخير له حصانته، كانت فكرة منتشرة وشائعة، هل لقناعة أن حماس لن تدخل المنتدى، ام لان المنتدى قادر بامكاناته وقوته العسكرية والرمزية على الصمود.
ذلك سؤال كشفت اجابته وقائع الاحداث، حين اجتاحته حماس، ودخلته المليشيا دون قتال، لتنزل عنه العلم الوطني، وتستبدله برايتها الحزبية، وتعيث بداخله تحطيما ونهبا وتدنيسا واستهانة، ولتدخل مكتب السيد الرئيس، يلتقط أفرادها الصور التذكارية على كرسيه.
وان لم تحوله إلى مصلى كما وعد الريان، فقد مكنت عملية الأستيلاء عليه، محمود الزهار من الاعلان، ان قطاع غزة الآن يتحرر للمرة الثانية مرة من الاحتلال الإسرائيلي، وأخرى من فتح. التي هانت عليها نفسها فكانت على غيرها أهون
ثانياً: عناصر المناعة والجاهزية المسبقة:
اذا ما تجاوزنا العامل الإسرائيلي، وخطورة انعكاساته على وضع الأجهزة الأمنية والعسكرية، وخاصة لجهة تدمير مقومات البقاء، ومنع آفاق إعادة البناء، فإن معضلة الوضع الداخلي، التي تكشفت بأخطر مظاهرها، أثناء المواجهات الميدانية الأخيرة، موضوع هذا التقرير، ودون فصلها عن مسارها التاريخي، تؤكد مدى صعوبة تحقيق تقدم حتى بمعدلات بطيئة، لأحياء المؤسسة وتصويب وضعها، وتمكينها من مصادر القوة.
انها بحاجة إلى عملية إعادة هيكلة وبناء جديدين، تقوم على عقيدة عسكرية أمنية تستجيب المصالح الوطنية في مرحلة وسيطة غاية في التعقيد، من التحرر الوطني وبناء الدولة، وكيفية تحقيق التوازن، بين متطلبات ووسائل انجاز الهدف الوطني بمرحلة التحرر الوطني وحماية النظام السياسي الناشىء في نطاق القانون يمر ببرحلة بناء الدولة.
وما أكثر مواطن الضعف، والخلل البنيوي والوظيفي، التي يمكن استنتاجها من مسار المواجهة الميدانية، وبعض مفاصلها يكتنفه الغموض والتناقض، وبعضها بغاية البساطة والوضوح، وفي كلا الحالتين، كان الاخفاق، ولكن ببعد مهني سياسي اجتماعي، يمس الوعي، والأحساس بالاعتزاز والانتماء، وقوة الإرادة والاجماع الوطني.
كيف تنهار قوة يتجاوز عديدها الخمسين ألفا (على الكشوف!!) بمحيط جغرافي يتجاوز قليلا الثلاثمائة كيلو متر مربع بتجربتها وامكاناتها وشرعيتها امام عشرين ألف من المليشيات.؟!
حقيقة لم يشارك بهذه المواجهات منذ بدايتها الأولى، حسب الشهادات التي استمعت إليها اللجنة، أكثر من 10- 15% من حجم القوة البشرية، وبعض الشهادات تحصر العدد بألفي رجل. وحساب نسبة الدوام وفق النظام المطبق، لثلث العدد نهارا وربعه على الأكثر ليلا، إذا ما حذف منه، نسب الاختراق والإداريين والحالات المسلحة والمنتسبين عن بعد، فلن تزيد عن الألفي رجل. بل ان نسبة التواجد في بعض الأجهزة، اثناء المواجهات كانت بنسبة 40:1 كما هو الحال للأمن الوقائي.
وظهر جليا، سوء استخدام السلاح، والأفراط بتبذير الذخائر تعبيرا عن الخوف أو عدم الثقة بالنفس وانعدام التدريب، وعدم التركيز، وبعض الأسلحة كقاذفات B7 لم يكن هناك من يجيد استعمالها، فلا يوجد مثلا باللواء الثاني من يستخدم هذا القاذف سوى اثنين.
ان السلاح لم يكن مشكلة مستعصية، بل كان متوفرا، ولكن أسيىء توزيعه لجهة المستفيدين والتوقيت، فأسيىء استعماله. وأكثره لم يستعمل، ووقع التخلي عنه، والتفريط بأغلبه، بالمواقع والشوارع وتلك مسؤولية قادة الوحدات اللذين لم يفكروا حتى بجمع السلاح وتخزينه وإخفائه ليضاف إلى ترسانة حماس التسليحية المنتجة بجزء منها محليا بما في فيها الصورايخ والقاذفات الصاروخية والمدفعية إلى جانب الكميات الضخمة التي هربت عبر الانفاق بتواطىء وتمويل خارجي.
فلم تكن خطة ولم تكن ادارة، وحتى وان كان اغلب السلاح قديم متهالك والجديد منه كان بقنوات خاطئة، ووقت متأخر، فإن بديل سوء التصرف الذي جرى، كان بالإمكان إنتاجه وبلورته وممارسته، لو كانت هناك ادارة ميدانية وخطة عمل منهجية ولو بالحد الأدنى.
كذلك التدريب والأمداد، واستثمار المعلومات الأمنية، التي لم تكن محل اهتمام، بهدف الحصول عليها او متابعتها، وكأن لا قيمة للمعلومات، ولا أهمية لجهاز الاستخبارات، الذي كان بالغ الضعف بالاداء، كل ذلك دون اغفال الأوضاع المعيشية الصعبة، في ظل انقطاع الرواتب، التي كانت سببا مهما لسوء الأداء والانتماء، لأنها قضية جدية حقيقية وليست ذرائعية واساس الكثير من مظاهر الخلل، إلى جانب نقص التموين والتجهيز العسكري، وغياب الواجب اليومي، والأمر العملياتي وتحول طبيعة الدوام بالقوات.
لقد شكل ذلك كله مدخلا لبروز ظاهرتين بمنتهى الخطورة بالأجهزة الأمنية والمؤسسة العسكرية هما الحالات شبه العسكرية والاختراقات الأمنية
أ- الحالات شبه العسكرية:
على قاعدة المقاومة نشأت هذة الظاهرة، لتلقى ترحيبا ودعما داخليا، ما لبث ان انقلب رأسا على عقب، ولكن بعد فوات الأوان، فقد أصبحت لمعظم هذه الحالات امتدادات خارجية بحثا عن التمويل، خاصة بعد تناغم وتماشي الخطاب الوطني لتلك الحالات مع الخطاب الديني، وتنامي التنسيق الميداني بين الاتجاهات الوطنية والدينية، وصولا إلى اختلاط الحالات، وازدياد حجمها وقوتها، وخروجها عن نطاق السيطرة.
لقد انهى ذلك احتكار السلطة الشرعية للسلاح، أفسد سيادة القانون، وسمح بتشكيل الحالات المحترفة على طريقة العصابات، للإخلال بالأمن والنظام وتعميم ظاهرة الفوضى والفلتان الأمني، سعيا منها لتحقيق مصالحها، والمكاسب غير المشروعة، بما أضاف عبئا جديدا على السلطة الشرعية، في نطاق مسؤوليتها لحفظ النظام وحماية القانون والسلم الأهلي.
وباتت هذه الحالات ببعديها، تشكل تحديا حقيقيا للسلطة، تعجز عن مواجهته، لتؤكد ضعف اجهزتها المختصة، وتفسح المجال أمام تلك الحالات وغيرها، لتتجرأ على السلطة، وتحد من دورها وصلاحيتها، وتنافسها على ذلك الدور والصلاحية، وترغمها على افساح المجال لأن تعطي الشرعية لظهور ميليشيات حماس بوجه خاص.
يحدث ذلك تحت شعار المقاومة وصولا إلى البدء بتنفيذ المخطط الانقلابي، على يد المليشيات الحمساوية، ومن تحالف معها من حالات شبه عسكرية، سواء بالمشاركة العملية أو المعلوماتية والتمويلية، كامتداد لتدخل قوى اقليمية بالصراع، عبر هذه الادوات والادوار لصالح حماس، التي لم يكن مخططها ببعيد عن مصالح تلك القوى الأقليمية، فقد كانت تلتهب غزة كلما اشتعل ملف المحكمة الدولية بلبنان او ملف المفاعلات النووية في ايران.
لمواجهة هذا الواقع وتوفير سبل علاجه السلمية، جرت العديد من المحاولات لاستيعاب تلك الحالات، وخاصة تلك التي نشأت وترعرعت في اطار حركة فتح، من ذلك ما اقرته الحكومة التاسعة، بشأن استيعاب اكثر من اثني عشر الفا من منتسبي الحالات بالمؤسسة العسكرية، وخاصة الأمن الوطني. الذي شرع الباب واسعا، أما دخول اعداد كبيرة من الأفراد التابعين لمجموعات ذات ارتباطات خارجية(53). ومنها المجموعات التي ذهبت إلى ايران، سوريا، لبنان، ورتبت علاقتها، من حيث التوجيه والتدريب والتسليح والتمويل، ومعظمها مرتبط بالأجهزة السورية والأيرانية، وتغدق عليها الأموال والامكانات، التي تظهر جلية للعيان.
وبعض الاطراف والاجنحة تمتد علاقتها إلى ما هو اكثر سرية وخطورة من منظمات اسلامية خارجية، وتفريعاتها الإقليمية، لتؤسس لتفريعات محلية، هذا إلى جانب الحالات الأخرى، وهي ذات اجتهادات محلية قريبة من التيارات الدينية بما فيها حركة حماس.
وطبقا للشهادات التي استمعت إليها اللجنة. فقد شكل ذلك، مدخلا لمضاعفة الترهل والاختراق بالمؤسسة، خاصة وانها عناصر منفلتة، لا تخضع للإنضباط العسكري أو الالتزام بالمؤسسة، وكانت تمارس القهر والابتزاز داخل المؤسسة وخارجها (54).
وفي إطار الاستعدادات، وترتيب الأوضاع الفتحاوية قبيل المواجهة الأخيرة، وفي نطاق الجهود والخطط، الرامية لفرض سلطة القانون والنظام جرت محاولات عديدة، لتوحيد بعض الاذرع العسكرية الفتحاوية، وتقرر، تشكيل "ميليشيا" لفتح بقيادة وميزانية موحدة، واجبار الجميع على الالتحاق بها، وكانت هذه المحاولة الأولى برئاسة عضو اللجنة المركزية الأخ عبد الله الإفرنجي ومشاركة أبو ماهر حلس وسمير المشهراوي وفشلت المحاولة، كما فشلت المحاولة الثانية التي قادها الأخ روحي فتوح.
وكانت المحاولة الثالثة، بإشراف الأخ محمد دحلان، الذي كلف سامي أبو سمهدانة قبل اتفاق مكة، لإعادة ترتيب الأذرع بمسمى قوات العاصفة، وكان من المقرر تفريغ حوإلى ثلاثة آلاف منتسب، باستكمال العملية التي بدأت بالأعداد والتدريب والتسليح، وشاركت بعض مجموعاتها بصورة جزئية بالمواجهات، ولكنها لم تكن فعالة، ولم يكتمل بناؤها، وقد الحق قسم كبير من تلك الحالات العسكرية بالقوة الخاصة الحديثة التكوين، التي سبق الإشارة إليها لتنتهي أيضا هذه المحاولة بالاخفاق،الامر الذي يدعو لاعادة النظر في اساليب استيعاب تلك الأذرع، والزامها بالانضباط التنظيمي، تحت طائلة اعادة النظر بانتمائها لحركة فتح وسحب الغطاء التنظيمي عنها تحت طائلة المسؤولية.
وهكذا فان التشكيل المستقل عن الأجهزة العسكرية في إطار فتح – قوات العاصفة – لم يحقق نجاحا، واخفق بالتشكيل والاداء، والحالات التي انبثقت عن فتح، وبقيت حالات قائمة بذاتها وارتباطاتها، كانت طرفا محايدا بالمواجهة، حيادا سلبيا بذريعة ان المعركة لا تعنيها، ولأن للمعركة عنوان لا تثق به، وان هدف هذه المجموعات ينحصر في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي فقط (55).
وكان لهذا الموقف تأثيره السلبي على المعنويات والأداء وسحب المقاتلين من مواقعهم العسكرية إلى الحيادية السلبية، المطابقة لحيادية تلك المجموعات.
أما الحالات القريبة من فتح، التي تم ادماجها أسميا ولم تنضبط، وبقيت على ولائها لقادتها وأذرعهم العسكرية، فأن نتيجتها كانت سلبية للغاية بل خطيرة لأنها اتخذت الموقف العدائي السافر لفتح والتحالف المكشوف مع حماس، وبالمعركة الأخيرة كان دورها تخريبيا (56)، بحالات الاختراق الخطيرة، فبعض عناصرها، كانوا يصححون القصف المدفعي الحمساوي، على مواقع قوات الأمن الوطني، أو الأجهزة الأمنية أو حتى المنتدى (57)، وبعضهم قاتل مباشرة إلى جانب مليشيا حماس، التي اثرت على الجنود النظاميين، بإرغامهم بالترغيب والترهيب على التعاون معها، فكانوا جنوداً بالنهار، وأفراداً في كتائب القسام والتنفيذية بالليل (58).
لقد كان وجود هذه الحالات كما هو في الحقيقة، أحد عوامل الهزيمة المعنوية والعسكرية، الأمر الذي يستوجب إعادة التقييم، للتعاطي مع هذه الحالات، التي شكلت بالمجمل، اختراقا للمؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية.
بينما كان الفريق المقابل للمؤسسة العسكرية والأجهزة في هذه المواجهات، كتائب القسام والقوة التنفيذية، وقوامها الرئيسي من كتائب القسام، بالإضافة إلى منتسبي حالات عسكرية دينية أو متحالفة مع حركة حماس، انتظمت جميعها بإدارة وقيادة موحدة منسقة مجهزة ومدربة فحسمت المعركة لصالحها.
وهكذا كانت الميليشيات الانقلابية المناوئة للمؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية، بالقوة المسلحة والخطة المبيتة، تشكل بؤرة التحدي، المبادر إلى الهجوم المنظم، والمستند إلى معلومات ومعطيات أمنية، لحين التصرف بها، وتوظيفها لخدمة أهدافه، بما يضاعف من قوة حماس بموازين القوى.
بينما كانت مجموعات الكتائب الموالية والمحايدة حيادا سلبيا، تشكل عبئا واختراقا، يضعف جبهة المؤسسة والأحهزة الرسمية، ويحدث انهيارها الداخلي بما جعل من احد اشكال الحرب وكأنها حرب كتائب يجري خلالها تقاسم الوظائف والمهمات والأدوار وصولا إلى الحسم الميداني.
فاذا كانت الأجهزة الرسمية ضعيفة البنى العسكرية إلى هذا الحد، فأين دورها المعلوماتي في تقدير مصادر قوة الطرف المعادي بما يوفر امكانات التحكم والسيطرة على اختلاف مستوياتها واين جهدها هذه الجهات المناوئة
ب- الاختراقات:
لاعتبارات سياسية محضة واحيانا لتوازنات معينة و أهداف محددة لها علاقة بالإستمالة التنظيمية أو التلويح بتحالفات وخلاف ذلك من المبررات بدأت عملية إلحاق أعداد محدودة من تنظيمات إسلامية بما فيها حماس إلى داخل الأجهزة والمؤسسة العسكرية أو السكوت على بعض الحالات لروابط عائلية أو مصلحية نفعية ولم يكن في حينه ينظر إليها كحالات تسرب أو اختراق لكنها بالنسبة لحماس كانت عملية روتينية ومنهجية تتنامى بصورة تدريجية وبتعامل سري محكم وبدأ توظيفها بداية على مستوى المعلومات والرصد وتسجيل المخلفات وإعداد الملفات ثم بالوقاية من عمليات الأجهزة عندما تكون هناك ضرورة ضد الاعتقالات إضافة إلى التدريب والتهريب والتواطؤ مع عمليات موجهة ضد الاحتلال ثم لحماية الشخصيات والمقرات الحمساوية وصولا إلى اكتشاف حجم الظاهرة بالانتخابات التشريعية وتأكدت حالة الإختراقات.
لقد لعبت الأختراقات، دورا أساسيا في المواجهات المستمرة، منذ مطلع العام الجاري، وتكثف هذا الدور بالمواجهات الأخيرة، كما تكثفت عملية تجنيد آخرين من العناصر والقادة ليعملوا لصالح حماس، وأصبحت حالة الأختراق الكبيرة تفصح عن حجمها ودورها، بصورة شبه معلنة في العديد من المواقع ومراحل المواجهات المختلفة.
ولم يعد يقتصر دورها على النشاط المعلوماتي والتنظيمي والمعنوي، بل تخطت ذلك إلى المشاركة الفعلية بالقتال، والمشاركة بالهجمات من داخل المواقع وخارجها، ومعظمهم كان يقاتل بشراسة إلى حد الموت، كمؤشر على عمق الحقد والعداء للمؤسسة، وعمق الانتماء والولاء للطرف المناوىء.
إن حالة الاختراق لم تكن سرية او مفاجئة كشفتها المواجهات الأخيرة، بل هي حالة قائمة ومتنفذة داخل المؤسسة العسكرية خاصة، ولها سطوتها حتى على قيادات الوحدات والمواقع، بل ان بعض عمليات التفريغ والالحاق التي جرت اواخر عام 2005 شملت مئات العناصر، من منتسبي كتائب لها موقفها المناوىء للسلطة بتاريخ 1/11/2005 تم تفريغ اربعمائة عنصر من كتائب أبو الريش وستمائة ثلاث وخمسين من ألوية صلاح الدين ومائة واثنان وستين من الجهاد الإسلامي بالاضافة إلى حوإلى عشرة آلاف عن طريق الأخوة نصر يوسف، عبد الله الإفرنجي، والمشهراوي، وحلس بلغت نسبة الاختراق الحمساوي فيها ما لايقل عن عشرة بالمائة(58) ناهيك عن الفساد الكبير الذي يعتري اشكال التجنيد والذي كان يتم بالرشوة في حالات كثيرة (59).
لقد تركزت عمليات الاختراق بالمؤسسة العسكرية، حيث عمليات التفريغ الكبيرة، بالاضافة إلى عملية نقل كل من يكتشف تعاونه مع جهات خارجية من الأجهزة التي لم تخل بدورها من الاختراق إلى قوات الأمن الوطني بمعرفة الجميع الأمر الذي حوله مستودع للمتعاونين وجعل قادته يشعرون بالإهانة والإهمال (60).
أما بالأجهزة بما فيها المخابرات وبعد محاولة اغتيال مدير المخابرات العامة الأخ طارق أبو رجب وإعادة فحص العاملين فقد تم اكتشاف عدد كبير من اعضاء الكتائب والألوية وحماس بينما كانت عناصر الجهاد تعمل بالمخابرات بصورة عادية والتحفظ يمارس فقط على حماس والالوية (60).
لقد اصبح الكثيرون من منتسبي اللواء الثاني من قوات الأمن الوطني "المنطقة الوسطى" من الوية الناصر صلاح الدين (62)" حيث يتركز وجود هذه الالوية في المنطقة الوسطى كذلك" وهو اللواء الذي لم يشهد أي مواجهات تذكر وغادر مواقعه بهدوء اعتيادي (63).
كما سجلت نسبة عالية من الاختراقات بالشرطة العسكرية تجاوزت الخمس وثلاثين بالمائة منها 20% الوية و 15% حماس.
وتركزت معظم مواقع الاختراق بدوائر المعلومات والتسليح وكانت موزعة افقيا وعموديا واستهدفت كبار الضباط بالتخويف والترهيب والضغوط المختلفة وكان بعض القادة يأخذ مبادرة بالاتجاه الوقائي، فيجعل جزءاً من مرافقيه أو من يسلمهم المواقع الحساسة من افراد حماس. وبالعموم كانت مفاصل المعلومات والسلاح والمركبات بايديهم اي افراد حماس. لقد وصلت نسبة الاختراق الاجمالية كما يقول المجايدة وغيره نسبة 30% (64).
والأسوأ أن الاختراق الذي وصل إلى المستوى القيادي في جميع المواقع، خلق حالة من التضأمن بين المخترقين (65) لتعبر هذه الحالة عن ذاتها، بمواقف واجتهادات سياسية تصالحية حيادية، ما افقد القوات حافز القتال، وحطم ارادتها ومعنوياتها وانتج مؤسسة أمنية مترهلة، تعيش أزمة كبيرة مستفحلة، من انعدام الثقة والشك، المستمد من واقع تشكيلها، وسلوك بعض قيادتها وممارسات الأفراد المتعاونين.
ولم تكن هناك أي وسيلة أو قرار أو تعليمات، بشأن التعامل مع هذه الحالات نتيجة المفهوم الخاطىء للشراكة السياسية، بل ان تشريع القوة التنفيذية، التي بلغ عدد المتفرغين والمتعاقدين منهم برواتب ورتب ما يتجاوز الستة آلاف وخمسمائة عنصر (66) أعطى مبررا لعدم التعاطي مع ظاهرة الاختراق وتسويقها في إطار الدعوة إلى ابعاد الأجهزة عن الصراع وبنائها على اسس وطنية، لتبقى مفتوحة وتشمل الجميع وغير ذلك من المبررات التى لا تستند لمفهوم وطني، بقدر ما شكلت غطاء لحالات الاختراق، وتبريرا لوجودها والتعامل معها بصورة اعتيادية.
فيما يذهب مستشار الأمن القومي إلى اعادة القصور في معالجة هذه الظاهرة، لصعوبة تحديد معايير التعامل معها، وحصرها بعدم وجود امكانية لطرد أو فصل من يثبت تعاونه بعد قبوله بالمؤسسة وكل الاجراءات الممكنة كانت تنفذ قبل الالتحاق أما بعده فهي تحتاج لقرار سياسي كان من الصعب اتخاذه.
كذلك الفريق المجايدة يمضي بنفس الاتجاه قائلاً ": "أن مسؤولية مواجهة هذا الواقع هي مسؤولية عليا" ولكنها ظاهرة بحاجة إلى معالجة حازمة خاصة بعد الدور التدميري للأجهزة والمؤسسة العسكرية الذي لعبته وأكدته مجريات المواجهات، مع العلم أن قانون الخدمة العسكرية يتيح للقادة اتخاذ إجراءات تؤمن قواتهم ولو كان ذلك بالفصل بخصوص الأفراد، ويصادق الرئيس على إعفاء الضباط من الخدمة بتنسيب من القادة.
وحقيقة، وإذا ما كانت قضية ايجاد حل بقرار يؤخذ على المستوى السياسي، لمعالجة هذه الظاهرة الخطيرة، وتلك مسؤولية المستوى السياسي، فان جهات الاختصاص الأمنية، التي سمحت بالأساس بقبول منتسبين متعاونين، فضلا عن اسلوب التنسيب للالتحاق والتفريغ بالأجهزة، وما بني عليه من فساد مقترن بالمحسوبية والرشوة، إلى جانب عدم محاصرة هذه الظاهرة، التي طالت أجهزة الأمن وحرس الرئاسة، غير معفية من المسؤولية.
وصولاً إلى المتعاونين أنفسهم، الذين ارتكبوا جريمة الخيانة، كأدوات استخدمها الانقلابيون بالقيادة السياسية والعسكرية لحركة حماس، بدرجة أكثر خطورة، من مليشيات القسام والتنفيذية، التي نفذت عدوانا انقلابيا دمويا، على تاريخ الشعب ومستقبله ومشروعه الوطني ونظامه السياسي.
إن المواجهات المسلحة، المستمرة بمنحنيات التصاعد والتهدئة، بصورة تبادلية خلال ستة أشهر، كرست حالة الصدام والتعايش بالتناوب، بين حركتي فتح وحماس، وكأنها حالة مستمرة اعتاد عليها، وتأقلم معها الجميع، على مستوى الرأي العام والقطاع الأوسع من القوى السياسية بما فيها حركة فتح.
وذلك ما غيب فكرة المخطط الانقلابي الحاسم، والاستيلاء على السلطة كموضوع راسخ واساسي، بدأ عده التنازلي، وأوشك موعد تنفيذه، رغم الكثير من المؤشرات والمعلومات المؤكدة، والتي لم تولد قناعة كافية، بأن حماس قد حسمت أمرها بصورة نهائية، الأمر الذي يتطلب موقفا مقابلا حاسما يجهض المخطط.
مع انه لأمر طبيعي، أن يحدد الانقلابيون موعد تنفيذ انقلابهم، ومن الأكثر طبيعية ومنطقية، أن يفشل الطرف المهدد بالإنقلاب، هذا الموعد والإجراء، بكل السبل، والامكانات. ولكن هذا لم يحدث، حيث تبنت السلطة وحركة فتح استراتيجية الردع الدفاعي بأفق يطيل أمد المواجهة ويفرض على حماس التراجع عن تنفيذ مخططها بمحاولة اظهار قوة السلطة من جهة وتقديم تنازلات سياسية وإدارية تشجع حماس على العودة والانسجام مع الوحدة الوطنية من جهة ثانية.
في حين كانت حماس تزداد إصراراً وثقة، بتنفيذ انقلابها بالضربة السريعة والحاسمة، لتحقيق اهدافها، التي تتجاوز الأبعاد الوطنية والداخلية، إلى الابعاد الإقليمية، وضلوع جهات خارجية معها في الإعداد للإنقلاب واستثمار نتائجه، بما يخدم أغراضها ومصالحها في نطاق المساومات الإقليمية، حتى باتت حركة حماس، أقرب إلى كونها اداة بمخطط أوسع، متعدد الأغراض والغايات، وثمنه السلطة الفلسطينية، والشرعية وحركة فتح، واقتطاع قطاع غزة من جغرافيا الوطن، رهينة تخضع للمساومة المحلية الداخلية والأقليمية الدولية.
وذلك ما تؤكده مواقف ما بعد نجاح الانقلاب، وردود الفعل بشأنه، فقد لجأت حماس، إلى إثارة الخوف من أن بديلها الحتمي هو نشوء منظمات إسلامية متطرفة بما فيها القاعدة، وذلك في محاولة لتطبيع العلاقات الدولية مع حماس، بتوصل وثيق مع اطراف اقليمية أخرى، تمارس نفس سياسات التهديد والابتزاز السياسي هذا إضافة إلى محاولتها التي تجري بصمت عبر بعض الأفراد والجهات لإيصال رسائل للجانب الإسرائيلي بأنها على إستعداد لمقايضة الأمن بالغذاء والكهرباء والماء.
إن لجنة التحقيق، وقد تجاوزت هذا البعد المتعلق بالمؤامرة الإقليمية، لاسقاط السلطة وتنفيذ الحركة الانقلابية، طريقا لاهداف سياسية، تصيب المشروع الوطني الفلسطيني بمقتل، فإنها لا تقلل بالمطلق من اهميته، ودوره المباشر في التخطيط للانقلاب، والاعداد له، وتوفير متطلبات نجاحه، والسعي لتكريسه. ولكن اللجنة لن تتخذ من هذه المؤامرة ذريعة لتبرير الهزيمة من جهة، ولن تخوض بتقييم حيثياتها، وضلوع أطرافها وأدوارهم، وسياقات تخطيطها وتنفيذها، قبل توفر الوثائق الكافية واستكمال الحلقات المتسلسلة، التي وان توفر جزء منها، فلا بد من مواصلة السعي لاستكمالها واستجلاء الصورة الحقيقية بكامل ابعدها.
وذلك ما توصي اللجنة بالتركيز عليه في التقرير النهائي، الذي ينبغي أن يستكمل كافة جوانب التحقيق بالانقلاب الدموي للميليشيات الخارجة عن القانون، الذي اعتبرته حركة حماس تحريرا ثانيا لقطاع غزة من سيطرة حركة فتح، بعد التحرير الأول من الاحتلال الاسرائيلي، مما يؤكد عمق العداء المستحكم في العقل والقناعة والثقافة الحمساوية ضد الهوية الوطنية والكيانية والحلم والتاريخ الفلسطيني.
وباختصار شديد فإن ماجرى هو انقلاب بحيثيات مبتكرة واستكمالا لمحاولة اغتيال الرئيس بحيثية الانقلابات التقليدية ولم تكن نتيجة ذلك الحدث محصلة لمعارك عسكرية بالمفهوم التقليدي والاعتيادي لخسارة الحرب بقدر ما ارتكز فوز حماس على الانهيار الذاتي الداخلي لمؤسسة السلطة واجهزتها نتيجة تتالي الانهيارات المعنوية والمادية الجزئية التراكمية المؤدية لفقدان الارادة والمناعة والثقة والأمل.
وإن كان ذلك الذي تم تناوله بالفصل الأول من هذا التقرير يضع النقاط فوق حروف مسار الجريمة الانقلابية لحركة حماس ويبين مواقع الخلل والتقصير والمسؤولية مع استخلاص الاستنتاجات الاساسية المستمدة من الوقائع الميدانية لمجريات الاحداث وشهادات المستجوبين، فان الاصل والغاية والأهم بالنسبة لمبدأ تشكيل اللجنة، هو الخروج بالعبر وبالدروس المستفادة وبلورة التوصيات التي من شأنها، وهي تضع الأصبع على الجرح بالجسد المصاب، ان تعمل على تضميده ومعالجته وشفائه، ليكون قادرا مقتدرا، على حماية وحدة الوطن والمشروع الوطني والنظام السياسي بجدارة، حائلا دون امكانية مجرد نشوء المحاولة لتكرار ما حدث بغزة ثانية بالضفة الغربية
الفصل الثاني: التوصيات في مجال التقصير والمسؤولية المؤسساتية والشخصية:
في هذا الفصل فإن اللجنة منطلقة من القراءة المعمقة، والتأمل البعيد مسكونة بأهداف وغايات قرار تشكيلها وأمانة المسؤولية التي تحمل فقد عكفت اللجنة على بلورة توصياتها مستمدة من مجريات الحدث وانعكاساته وتداعياته التاريخية ومن شهادات المستجوبين امامها تحت القسم، بكامل الحرص على الموضوعية والعدالة ومن اجل الصالح الوطني العام، ربما يعبر عن رؤيتها وتقديرها، يحدوها الأمل الكبير والثقة العميقة بأن تترجم توصياتها إلى قرارات سواء على مستوى الخلل والمسؤولية في النطاق المؤسساتي الذي سيفرد له الفرع الأول، او على مستوى التقصير والمسؤوليات الفردية الذي سيتم تناوله بالفرع الثاني
الفرع الأول: التوصيات بشأن الخلل ومواطن المسؤولية في النطاق المؤسساتي
التقصير في كثير من الأحيان قد يتجاوز المسؤولية الفردية لان مصدره ينبع من حجم الخلل الكأمن في النظم والمؤسسات والأجهزة بنيويا ووظيفيا، من صعوبة العمل وضآلة امكانات النجاح في ظروف وبيئة شبه مستحيلة، ان عادت مسؤولية هذا الخلل او التقصير في نهاية المطاف على الاشخاص وسوء تقديرهم او عدم ادراكهم او كفاءتهم لتغيير الواقع نحو الأفضل واحراز النجاح، ان الامر هنا يتعلق بالقرار بعد تشخيص الواقع وتحليله ثم بناء التوقعات لتحديد وسائل التحكم بها والسيطرة عليها وصولا إلى رسم الرؤى والأهداف القريبة والبعيدة، انه قرار السياسات والامكانات والادوات وخاصة الرجل المناسب للموقع المناسب.
ضمن هذا المنهج عملت اللجنة على ادراج توصياتها في هذا الفرع بثلاث نقاط أساسية هي:
أولا: التوصيات العامة، ثانيا: التوصيات المحددة، ثالثا التدابير العاجلة.
وفيما يلي تلك التوصيات على التوالي بالبنود الثلاث
أولا: التوصيات العامة:
أ- بشأن السياسات
01- الأمن القومي للدول الصغيرة يعتمد بدرجة أساسية على فعالية العلاقات الدولية والعمل الدبلوماسي في نطاق القيم المشتركة والمصالح المتبادلة. والسلك الدبلوماسي الفلسطيني الذي شهد تطورا محدودا على مستوى المنظومة القانونية، غير انه بقي قاصرا على المستوى الإداري ورسم و متابعة السياسات رغم الكلفة المالية العالية والانتشار الواسع. ومازالت الاشكالية قائمة بأدوات هذا الجهاز المهم والخطير وأعني السفراء والطواقم التي ما زالت بكادرها القديم اقرب إلى العلاقات العامة التجارية بالاريحية الشخصية، في حين لم يوفق صانع القرار باختيارات الكادر الجديد، الأمر الذي يتطلب إعادة تقييم ادوات الجهاز الأساسية وإعادة النظر بحجم العدد والانتشار وتفعيل الجانب الاداري في المتابعة والتوجيه ضمن سياسات محددة والسعي لرفع كفاءة السلك وتحضير واعداد كادر جديد، ببناء وتكوين فلسطيني وطني قد يكون من خلال معهد وطني للعلوم الإدارية والدبلوماسية.. وبصورة عاجلة لمواجهة تداعيات الأحداث.
02- إن وظيفة الدول الحديثة الأساسية في الإعلام والإستعلام بمعنى المزاوجة بين البعد الأمني والبعد الإعلامي كبعدين متكاملين. لهذا فإن بناء السياسات والأجهزة الإعلامية المنافسة القادرة على التأثير في الرأي العام وتشكيله، بما يتطلب ضرورة إيلاء هذا البعد اهمية خاصة، والمبادرة إلى تفعيله وتوظيفه لخدمة الاهداف المرسومة، في وقت يعاني فيه هذا القطاع، ضعفا يقترب من حالة الأزمة بالامكانات والكادر والمضمون، فيتفوق الإعلام الحمساوي بصورة ملحوظة، حتى على مستوى الإعلام المحلي الداخلي من محطات تلفزية وإذاعية، تلعب دورا مؤثرا في توجيه الرأي العام وتغذيته بسياسات عدائية للسلطة، وكان لها إلى جانب فضائيات وصحف عربية ودولية دورا كبيرا في المواجهات الأخيرة ولم تزل..
03- تجديد الشرعيات الفلسطينية أضحى أمراً مهماً، يستدعي تكييف الواقع السياسي والاجتماعي والاهم القانوني لاعادة بعث وتجديد الشرعيات الفلسطينية عبر الانتخابات الديمقراطية التي تضع بعين الاعتبار عوامل الاخفاق بالانتخابات السابقة، وطرق تداركها بتوفير الامكانات والادوات والسياسات القانونية البديلة.
04- إعادة تقييم النظام القانوني المطبق في القطاعات المدنية والأمنية وصولا إلى النظم واللوائح السارية، من خلال لجنة مختلطة من اعضاء التشريعي المهنيين وخبراء قانونيين مختصين، والقطاع المعني، بهدف تنقيتها وإعادة صياغتها، في إطار منظومة متناسقة، برؤية استراتيجية، تعزز المناعة الداخلية الوطنية للمجتمع.
05- إن سباق الزمن القائم، لتحقيق انجازات ملموسة على الأرض، يخلق النموذج المتفوق على الآخر النقيض والبديل بغزة، يقتضي العودة إلى برنامج الرئيس الانتخابي، بجعل كافة التدابير والانجازات في سياق ترجمة وتطبيق ذلك البرنامج.
06- اقرار مسؤوليات التقصير الشخصية عبر توصيات اللجنة، إنما يأتي في سياق إعمال مبدأ المحاسبة، بهدف الاصلاح الحركي والمؤسس بالأجهزة الأمنية والعسكرية، والذي ينبغي أن يطال بعد التقييم، المؤسسات المدنية، وهذا في نطاق تفعيل سياسة المساءلة والمتابعة، ووضع الرجل المناسب بالمكان المناسب، بعيداً عن تصفية الحسابات وتكريس الانقسامات، بما يستدعي من اجل تحقيق المصالحة الحركية، التفكير بالعفو بعد اقرار المسؤولية والعقاب.
07- مع كامل التقدير والاعتزاز بالمناضلين وتاريخهم النضالي وتضحياتهم الجليلة فإن بناء مؤسسات دولة عصرية في القطاعين المدني والأمني العسكري تعتمد بالدرجة الأساسية على الكفاءة والمؤهل وصدق الانتماء للوطن والولاء للدولة بما يحتم ضرورة مراجعة المواقع القيادية غير المؤهلة واستبدالها بمعايير الكفاءة والخبرة وقوة الانتماء والشخصية.
08- إن تداخل المسؤوليات وسوء توزيع أو فهم الصلاحيات، وعدم الالتزام بهذين الركنين الاساسيين، وهما بحاجة ماسة إلى تحديد وتوضيح نظامي قانوني يعتبر ضرورة ملحة لوقف حالة التنازع او الاهمال والتراخي وعدم امكانية تحديد تبعات المسؤولية بموجب الصلاحيات المخولة، الامر الذي يقتضي التسريع بضبط هاتين المسألتين.
09- تكثيف السعي لمعالجة ظاهرة الميليشيات المسلحة ـ الكتائب بما يمكّن السلطة من ممارسة حقها المطلق باحتكار السلاح ووسائل الاكراه المادي في نطاق احترام سيادة القانون، وينهي ذلك التحدي الخطير الذي تمثله تلك الظواهر للسلطة وبقائها ويمكنها من تجاوز حالة الضعف التي تعتريها وبسط سيطرتها والقيام بواجبها في حفظ الأمن والنظام كأولوية، وذلك بشتى السبل الممكنة بما فيها الاكراه.
10- عدم الوقوع بمصيدة التمييز بين قيادات حماس على اساس المرونة او التشدد خاصة وان قرار الحرب والانقلاب هو قرار سياسي بالاساس ينفذه العسكريون وتوفر له القيادة السياسية الامكانات والسياسات الكفيلة بانجاحه، وان مبدأ التقية الذي يمارس بصورة فردية على كافة مستويات التنظيم السياسي والعسكري لحماس يمارس بالمستويات القيادية واحداث الانقلاب تؤكد هذا المنحى فالوداعة غطاء الدموية لحظة الانقضاض.
11- إقامة المسؤولية القانونية وتحريك دعوى قضائية ضد مدبري الانقلاب -انقلاب الميليشيات الخارجة عن القانون ومنفذيه- ومتابعة تنفيذ متطلبات إعداد لوائح الاتهام بتشكيل لجنة من ذوي الاختصاص القانونيين تقدم الاستشارات والاقتراحات التي تخدم هذا الامر سواء على النطاق الوطني او الدولي.
12- وضع الآليات الادارية والمالية والقانونية لتنفيذ المرسوم الرئاسي بشان القوة التنفيذية واعداد لوائح خاصة بقادتها الذين ارتكبوا جرائم بحق المجتمع او المؤسسات والافراد من قتل واصابة وخطف وتعذيب وسلب.
13- إن تطبيق مختلف التوصيات لا ينبغي أن يؤخذ في سياق الرد على انقلاب غزة او اجتثاث ومحاربة حركة حماس، بل من خلال تحقق اهداف وطنية تعيد بناء المؤسسات على اسس وركائز ومفاهيم وعقيدة وطنية، تعطي للمؤسسة دورها وهيبتها وسلطتها الفعالة بما يحول دون استمرار وتنامي حالات الاختراق والترهل والفساد والتناحر بين الأجهزة الأمنية والعسكرية، ويقدمها بثوب جديد يقوم على المناعة الذاتية ويجعلها درعا للنظام السياسي وحماية المشروع الوطني
ب- بشأن المؤسسات :
01- تهيئة الرئاسة بالكادر والامكانات، بدءاً من صف المستشارين ووضع سياسات فعالة للتواصل مع المؤسسة العسكرية والمدنية والتنظيمية بانفتاح وتعاون ومتابعة وثقة، تضع حداً لشعور انعزال مؤسسة الرئاسة عن الواقع والمحيط، وتقوقعها داخل اسوار عالية بما اضعف من دور الرئاسة القيادي وتأثيرها، وابعد المسافات بينها وبين الاطر التي من المفترض ان تمارس وظائفها ومهامها بالتنسيق والتشاور، وتنفيذ السياسات والتوجيهات الرئاسية.
02- المضي قدماً باعادة تفعيل ومؤسسة اطر م.ت.ف وفق البرامج والمشاريع المقترحة بالخصوص، للإسراع بتشكيل الجبهة الوطنية وحماية الهوية الفلسطينية بتعزيز مرجعية النظام السياسي الفلسطيني الموحد، المؤكد لوحدانية التمثيل والشرعية، وينعكس على وحدانية الارض والكيانية الفلسطينية، ويعزز القضية والمشروع الوطني، بتوحيد صفوف الشعب خارج الغيتو الحمساوي بقطاع غزة، من حيث مشاركة غزة والخارج بأطر م.ت.ف.
03-أهمية مؤسسة الاطر القيادية بمستوياتها وطبيعتها لتأكيد نطاق المسؤولية بدءاً من اللجنة التنفيذية، دون خلط بالأطر، مع تحديد للاختصاص والصلاحية وطبيعة الدور بما يمكن من تحديد المسؤوليات ويمكن بالتالي من التقييم للأداء ومدى تحمل المسؤولية حيث تأكد ما هو بديهي، إن خلط الاوراق مع الأطر وعدم تحديد الاختصاص والمرجعية، يؤدي إلى فقدان الامكانية لتحديد التبعات، وحصر امان الخلل، انه يفتح الباب امام التهرب من المسؤولية إلى فوضى مرجعيات واطر اتخاذ القرار.
04- تشكيل المجلس الدستوري الاعلى للدولة، اطاراً استشاريا غير متفرغ من الكفاءات القانونية والساسية المهنية، يبحث في اشكالات النظام السياسي الفلسطيني، ويساهم في تحديد طبيعته بازالة التعارضات ونقاط الضعف، وبما يحقق الانسجام والتكامل البنيوي الوظيفي على المستوى الدستوري، ويحقق التواصل والتكامل مع الاطار الاداري للدولة، كما يساهم بالمشورة والبت بالقضايا ذات الصلة قبل اصدار المراسيم القوانين او عرض تلك القضايا على المحكمة الدستورية، بما يعزز النظام الرئاسي على قواعد وركائز قانونية واضحة منسجمة، ويطور هذا النظام.
05- إعادة تنظيم وتدقيق الجمعيات الاهلية ومؤسسات المجتمع المدني في مختلف المجالات، وخاصة التربوية الاجتماعية والدينية، واخضاعها لنظام مراقبة قانوني بمرجعيات مدنية واليات أمنية.
06- دعم وتشجيع اقامة مراكز بحث متخصصة بالشؤون الوطنية وابعادها الاقليمية الدولية واصدار الدراسات الاستراتيجية بخلفية تساهم في حماية وتعزيز الأمن القومي.
07-إن استشراء الفساد ومظاهره الكثيرة وانعدام الثقة والاحترام لمسؤولين متورطين بقضايا فساد او ثراء فاحش وتدور حولهم الشبهات او سبق وكانت لهم قضايا من هذا القبيل كان وما زال يترك اثره السلبي البالغ على تقدير السلطة وحافز الدفاع عنها بحيث لا يجوز استمرار وجودهم بالمؤسستين العسكرية الأمنية والمدنية. وتطهير المؤسسات امر حيوي لاستعادة الثقة والمعنويات والقناعة بالتغير الايجابي مدخلا لتصويب اعادة هيكلة وبناء المؤسسات وخاصة العسكرية الأمنية، وهنا لا بد من تفعيل مؤسسة الكسب الغير مشروع وتعيين كفاءة مهنية لا شبهة عليها على راس هذه المؤسسة
ثانيا: التوصيات المحددة:
أ- توصيات للمؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية:
01- ضرورة استكمال البنية الهيكلية لمؤسسة الأمن الوطني بتعيين القائد العام وهيئة الاركان وتحديد مرجعيات وصلاحيات واختصاصات موضحة ومحددة لاذرع المؤسسة المختلفة بما فيها الادارية واللوجستية والطبية، بما يضع حدا لحالة الترهل وضعف الانتماء للمؤسسة.
02- تشكيل جهاز رقابة وتفتيش مركزي مرجعيته القائد الاعلى باختصاصات أمنية ومهنية لمتابعة الواقع الاداري التعبوي والتأهيل لقوى الأمن المساهمة في تصويب اعادة بنائها وهيكلتها بالاستناد إلى خطة عمل مسبقة ومعتمدة.
03- المضي قدماً بتطبيق نظام التقاعد والوفاء بحقوق المتقاعدين بما في ذلك الحوافز التقاعدية، لتشجيع تسارع العملية ولكن على اسس تضمن التواصل الضروري بين الاجيال والتجربة والتراتب العسكري، وضمن اولويات مصلحة المؤسسة وضوابط الترقيات ومعاييرها، مع التمييز بين الرتبة والمرتبة واقتصار الأمن الوطني على العسكريين المحترفين المؤهلين ما امكن.
04- من اجل تأهيل القادة وبناء مؤسسة أمنية عسكرية بروح وطنية، يتم انشاء كلية للدراسات والعلوم الأمنية والعسكرية بصورة عاجلة، تركز على برامج الدراسة بمهارات القيادة والتكوين النظري والتطبيقي في مجالات الأمن الشرطة والعلوم العسكرية.
05- اعادة بناء جهاز التوجيه السياسي والمعنوي بتنقيته، واقتصاره على المؤهلين القادرين على ممارسة مهام واختصاصات الجهاز في الاطار النظري السياسي والاعلامي والتعبوي، وفي اطار توفير الحوافز المعنوية المادية، بما يمكن الجهاز من تفعيل خطط عمل موجهة تقدس الانتماء للوطن والمؤسسة العسكرية وتغذي الكرامة والاعتزاز بهما، من خلال انسجام الشعور بالولاء ومكانة الذات بالمؤسسة الأمنية العسكرية.
06- وضع استراتيجية لاعادة بناء مؤسسة أمنية، وخاصة عسكرية، اكثر رشاقة واقل عددا، باعادة النظر بمجموع المنتسبين الحاليين والتفريق بين منشأة اجتماعية كما هو الحال اليوم ومؤسسة عسكرية، بالاعتماد على معايير واضحة للتقاعد والخدمة المدنية والتجنيد.
07- المضي قدما باعداد خطة اعادة هيكلة وبناء الأجهزة الأمنية والعسكرية آخذا بعين الاعتبار الخطوات والمراحل التي تم انجازها، واخضاعها للاستشارة، ثم البدء بتطبيق وتنفيذ المراحل المتدرجة منها بصورة منهجية.
08- استحداث نظام الخدمة الوطنية بما يستوعب فائض الأجهزة من الاداريين والحرفيين ومثيلهم من القوة البشرية، ثم اعتماد سياسية تجنيد وطني اختياري، متزأمناً مع استحداث هيئة انشاءات متعددة الاختصاصات الصناعية التجارية والزراعية والانشائية، هيئة مستقلة بعقد شراكة بين السلطة ممثلة بالمؤسسة العسكرية وصندوق الاستثمار والقطاع الخاص، تلبي احتياجات المؤسسة وادارات السلطة واستصلاح وتنمية الاراضي الحكومية.
09- الشروع باعادة بناء جهاز خدمات طبية عسكرية متكامل، خاصة لجهة بناء وتجهيز المشافي العسكرية والتأمين الصحي وكل المتطلبات اللازمة لاحداث نقلة نوعية في توفير العلاج والرعاية الصحية للعسكريين عامة وعائلاتهم بما يميز المؤسسة العسكرية ويؤكد الاهتمام الخاص بها.
10- استحداث المكتب العسكري للقائد الاعلى بالرئاسة ليرتب العلاقة المباشرة بين الرئيس والمؤسسة ويتابع اوضاعها واحتياجاتها ويقيم جسر التواصل الرسمس والانساني مع منتسبي المؤسسة ويحطم حاجز الصد القائم.
11- إن خطة عمل ميدانية على الصعيد المرحلي، تحدد باطار زمني محدود، وقابلة للتمديد والتطوير والتجديد، ضرورة ملحة لتحريك دائم لقوى الأمن الوطني. وان مؤسسة بلا مهمات يومية ضمن خطة، تحدث تغييرا وتجددا تراكميا ولو محدودا إلى الامام، سيبقى المؤسسة بحالة خمول وترهل واتكالية، وهو ما تستدعيه قضية اعادة تفعيل وخلق حيوية بالمؤسسة ضمن متطلبات ونظم الانضباط العسكري بكافة مظاهره، بما يخدم وضع وتنفيذ خطة متوسطة المدى تغير من واقع المؤسسة تغييرا نوعيا برؤيا استراتيجية.
12- تفشي ظواهر تخلي المرجعيات عن الأفراد منتسبي الأجهزة وعدم حمايتهم تنظيميا ومؤسسيا، يؤدي إلى اهمال القيام بالواجب، والتغاضي عن حالة الفوضى والاخلال بالنظام واللجوء إلى الحماية العائلية العشائرية وخاصة عند تجاهل تطبيق النظام والمحاسبة بموجب القانون واللجوء للمصالحة العشائرية احيانا على حساب الافراد وحقوقهم وكرامتهم، الأمر الذي يستدعي ان تتحمل المؤسسات والأجهزة مسؤوليتها في مواجهة الحدث وحماية عناصرها بموجب القانون، بما يعزز من هيبة المؤسسة ويحفظ تماسكها ومعنويات منتسبيها.
13- وضع حد نهائي لأي مظاهر تمييزية او محاباة بين الأجهزة والتعاطي معها من بابي الحقوق والامتيازات من جهة والواجبات من جهة اخرى بموازين العدالة والمساواة بقدر ما يلبي الاحتياج، ويحترم الاختصاص وفق احكام القانون والنظام.
14- إن إعادة مأسسة هيئة الادارة بنظم ومفاهيم وضوابط محددة ورفدها بالكادر المهني، تشكل ضرورة ملحة لضمان عمليات التجنيد على قواعد سليمة وبمقاييس محدد، وكذلك الحال بالنسبة للترقيات ضمن سلم الاحقيات والاهلية والجدارة، ومن اجل اعادة تقييم وفرز الكفاءات العسكرية المؤهلة، والمساهمة بتقديم وتزكية ذوي الاستحقاق بالتقيد الصارم بمعايير الموضوعية والنزاهة والشفافية.
15- إقرار تشكيل غرفة عمليات مركزية ضمن هيكلية المؤسسة العسكرية الجديدة او المستحدثة، تتفرع عنها غرف عمليات فرعية على مستوى المحافظات، وتتصل معها بصورة مباشرة لتوحيد الامر العملياتي اليومي بكافة المناطق، ومركزة التوجهات وربط الفروع بالمركز، بما يتطلب الانضباط العسكري وتغذية غرفة العمليات المركزية بالمعلومات والأحداث وكيفية متابعتها ومعالجتها، لتوحيد الاجراءات وتقييم الوضع الميداني بصورة شمولية. على أن يتم اختيار اعضاء تلك الغرف من الضباط الأكفاء من المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية كأداة للتنسيق والتعاون والعمل المشترك وانسياب تبادل المعلومات وتعزيز الثقة البينية وتحديد المسؤوليات وتحديد عدم الالتزام والخروج عن العمل الجماعي.
16- إعطاء أولوية لتوفير رواتب استحقاقات العاملين بالأجهزة المؤسسة العسكرية، وكذلك مستلزمات استيعاب جموعهم بالمقرات الثكنات، اضافة إلى المتطلبات اللوجستية بما فيها اللباس والاطعام الجيد الاقامة المقبولة، وفرض نظام الحياة العسكرية بتفاصيلها الصغيرة والدقيقة بصورة مستمرة لتكريس حالة الانضباط العسكري.
17- إعادة تشكيل جهاز الاستخبارات العسكرية، وتفعيل دوره داخل الوحدات العسكرية، واقامة تقاطع مع الأجهزة الأمنية الاخرى والرفع من مستوى اداء الجهاز، واحترام توصياته وملاحظاته، لتطهير المؤسسة من الاختراقات، وتعزيز الثقة الداخلية وصياغة التقديرات العلمية وتقديم المعلومات الدقيقة ومتابعتها.
18- توجيه القوات والأجهزة الأمنية نحو تبني سياسات حركة وتواجد ميداني جديد، تعتمد استراتيجية استعراض القوة وعدم التغاضي او تمرير اي اعتداء او مس بهيبة وكرامة المؤسسة، والتقيد بتطبيق النظام والقانون ازاء قضايا من هذه القبيل وازاء اي تجاوز للنظام او اخلال القانون، بعيداً عن السلوك العشائري والعائلي او الرشوة تحت طائلة المسؤولية.
19- إعداد خطة أمنية قابلة للتنفيذ الميداني، والتنسيق الأمني، لمواجهة ظاهرة الاتجار بالسلاح، والسيارات المسروقة، وآفة المخدرات والعمل على احتوائها، لخطورة استمرار تفاعل تداعياتها وانعكاساتها الأمنية والاجتماعية والاقتصادية.
20- البدء بتفعيل مجلس الأمن القومي من خلال الشروع بتشكيل امانة سر المجلس كمؤسسة، بغض النظر عن تشكيلة واعضاء المجلس نفسه، تبدأ بممارسة عملها وفق رؤية معتمدة من الرئيس، وبمهام واختصاصات شمولية، تغطي متطلبات تدعيم ركائز الأمن القومي، وفحص التهديدات والتحديات التي تواجهه، واعداد التحليلات العلمية والتوقعات المحتملة، واستنتاج تقديرات الموقف الممكنة وترجيحها لمساعدة صانع القرار.
21- وضع السياسات القادرة على مأسسة الأجهزة الأمنية وإبعادها عن الولاء الشخصي لقائدها، بما يضع حدا لحالة التناقض والتناحر التي تصل مرحلة الاحتراب وانعدام الثقة البينية، وصولا إلى الواقع التكاملي المنبثق من التقيد بالاختصاص الوظيفي وانهاء روح الاقطاع الأمني القائمة.
22- الاستمرارية بنفس المهمة والموقع لسنوات طويلة دون تغيير تقتل عنصر الابداع والتجدد والمواكبة ، وتخلق الاقطاعية الفردية،وينعكس هذا سلبا على المؤسسة او الجهاز ترهلا وترديا اداريا ومهنيا ومعنويا، يصنع الازمة الداخلية بصورة متتالية، لذلك فان تحديد المدد الزمنية على راس المؤسسات والمواقع باربع سنوات اسوة برئيس السلطة ليس عقوبة، وانما قانون ينبغي تطبيقه باحترام.
23- تقارير العمل اليومي (معلوماتية واحداث وتطورات سياسية والحياة الوطنية الداخلية على كافة الصعد) تحول إلى امانة سر مجلس الأمن القومي ليضع دراستها وتنظيمها وتكييف خلاصاتها، مع الاستنتاجات والتوصيات او الاقتراحات المتولدة وبناء تقدير موقف يرتكز اليها بالاسلوب البرقي تعرض صباح كل يوم على سيادة الرئيس القائد الاعلى، ليتمكن من متابعة الوضع واصدار التوجيهات لجهات الاختصاص والاعداد لاتخاذ القرارات المناسبة.
24- من الاهمية بمكان أن يتم إحكام الرقابة والمتابعة لاداء مختلف الأجهزة الأمنية بما فيها الشرطة على المستوى الميداني والسلوكي والتعامل مع الجمهور العريض في المؤسسات. إلى جانب العلاقات المدنية بين منتسبي الأجهزة بالشارع والاخطاء المنفرة التي تستجلب نفور الجمهور وعدم احترامه حتى وان تملكها الخوف والخشية، بما يجعل من المؤسسة والأجهزة محل نقمة وقلة احترام، الامر الذي يقتضي وقفة حازمة للتقيد الصارم بالانضباط العسكري ليكون الناس درعا للأجهزة والمؤسسة.
25- أحد مظاهر الخلل والفساد، تمثل بعدم وضع الامكانات ومقدرات الأجهزة بمكانها الصحيح لسوء الادارة أو شخصنة الجهاز أو المحاباة أو لعدم الكفاءة وغيرها من الاسباب، الأمر الذي يؤدي إلى تعطيل الإفادة من هذه الامكانات، وصولا إلى تلفها واضاعتها أو استئثار فئة معينة بها ودون وجه حق، أو جعلها باغلبيتها الساحقة بتصرف القائد منفردا ... الأمر الذي يستدعي مراقبة وضع تلك الامكانات بمكانها الصحيح.
26- إن إهمال قيمة المعلومات وعدم التعاطي الجدي معها، تحصيلا ومتابعة، وإصداراً للقرار المناسب، شكل خللا كبيرا بأداء الأجهزة، الأمر الذي يستدعي ضرورة ملحة لمعالجة هذه المسألة باستحداث المركز المختص بتقاطع المعلومات وتوجيه متابعتها وتقييما بدءا من تحري دقتها، والتاكيد على منع احتكارها والافادة منها باتخاذ القرار اللازم.
27- وضع الأنظمة الكفيلة بمنع اشتغال قادة الأجهزة والمؤسسة العسكرية بالسياسة بصورة كلية ومطلقة، وإبعاد المؤسسة والأجهزة عن التسييس والتواصل السياسي الداخلي والخارجي، مع التقيد باختصاصاتها المعلوماتية البحتة حتى على نطاق العلاقات الدولية، واحباط ومنع اي اجندات شخصية تخلق محاور ومراكز قوى بالأجهزة.
28- المنع الكامل وتحت طائلة المسؤولية لتلقي الأجهزة اي مساعدات او تمويل خارجي وخارج نطاق قنوات المال الرسمية والشرعية، واخضاع الاجهوة لرقابة مالية وتدقيق من جهاز الرقابة المختص، كذلك منع العاملين بالأجهزة وصولا إلى المستويات القيادية من مزاولة اي نشاط تجاري او استثماري واخضاع الجميع للمحاسبة والمساءلة.
29- البدء بإنهاء حالة العسكرة الخاصة بالأجهزة الأمنية تحت مسميات القوة التنفيدية للجهاز، في نطاق تأكيد اختصاصات الأجهزة واحترام تلك الاختصاصات والالتزام بها، واقتصار العمل ذو الطبيعة والاختصاص العسكري للأمن الوطني.
30- المضي قدما باعداد خطة إعادة هيكلة وبناء الأجهزة الأمنية والعسكرية، آخذاً بعين الاعتبار الخطوات والمراحل التي تم انجازها، واخضاعها للاستشارة ثم البدء بتطبيق وتنفيذ المراحل المتدرجة منها بصورة منهجية
ب-بشأن التنظيم وحركة فتح:
01-على فتح ان تعتمد الاسلوب الأكثر يسرا وسرعة واجماعا، حتى وان تجاوز المعايير التنظيمية، للبدء بالاعداد للمؤتمر العام لينعقد خلال فترة غير بعيدة، وقد يكون موزعا بنفس التوقيت على ثلاث مواقع هي الضفة وغزة والخارج لتوظيف التكنولوجيا بما يعيد للحركة شرعيتها، على أن يكون هذا المؤتمر بنظام استثنائي ودورة واحدة يؤسس لعقد المؤتمرات الفعالة النخبوية القادمة.
02- أن تبادر اللجنة المركزية للحركة لإصدر بيان سياسي يعقب على احداث غزة وغيرها من التطورات، ويوضح الرؤية المستقبلية للوضع الوطني، والتعامل مع حماس، والوضع الداخلي الذي ينبغي ان يخضع لاعتبارات المصالحة الفتحاوية والتجميع لكافة الطاقات، والتوجه نحو المؤتمر لتأسيس فتح الجديدة المعاد هيكلتها، الحاضنة لكل ابنائها لمواصلة النضال لانجاز المشروع الوطني.
03- إن تفعيل دور الأطر القيادية لحركة وخاصة اللجنة المركزية والمجلس الثوري يتطلب اهتماما خاصا،بدورة الاجتماعات وانتظامها، وآليات متابعة تنفيذ القرارات، بانعكاس يترك اثرا مباشرا ، بالوضع السياسي والتعبوي ، بالوضع الداخلي للحركة، بالتواصل الشعبي والأهم، على القرارات والتوجهات الحكومية كأن تعقد اللجنة المركزية اجتماعها، قبل يوم من اجتماع الحكومة وأن يتم توزيع المهام على أعضاء المركزية، وأن يمارسوا تلك المهام بطريقة قابلة للتقييم وتحديد المسؤوليات والاختصاصات، بنهج الالتزام بالعمل الجماعي وتكامل الاداء.
04- إن حركة فتح بحاجة إلى إحداث تغيير منبثق من عملية اصلاح وتجديد، تعتمد وجوها شابة، تحظى بالاحترام، وبعيدة عن الشبهات، قادرة على التواصل مع المجتمع بشرائحه المختلفة وبخطاب وطني اجتماعي جديد، يعطي مؤشرا فعليا على بدء عملية اصلاح وتجديد حقيقية، ويمهد لخلق طلائع قيادية، تتجاوز التقليدي من ادوات العمل، ويتم إعدادها، من خلال تقديمها للجمهور وتزيدها بالامكانات، لتلعب دورا مستقبليا مستمدا من ثقة الجمهور، وقد يكون ذلك في اطار الاستعداد للانتخابات القادمة، وتقديم وجه وصورة جديدة للحركة.
05- إن تجربة السنتين الماضيتين القاسية على حركة فتح، وما تم اكتشافه من أخطاء وتقصير، اثناء فترة تفردها بقيادة السلطة وخاصة لجهة حرمان الحركة كتنظيم، من تحقيق امتيازات ومكاسب مشروعة، بينما استأثر الافراد بجلها، تحتم ضرورة الافادة من الوقت والفرصة المواتية، لتدارك ذلك الخلل، وخاصة على صعيد النظام القانوني أو تخصيص المتطلبات والاحتياجات الضرورية لتمكين الحركة من الاعتماد على الذات ( مثال تخصيص أراضي أو مباني او تراخيص او مشاريع استثمارية..... الخ ) .
06- إن فتح، التي وصمت بالفساد فخسرت الانتخابات التشريعية، تتعرض لحملة تشكيك، ومحاولات تجزئة، على مستوى مشروعها وهويتها الوطنية، وهي مدعوة لتطهير صفوفها، ومواقفها وسياساتها، وبرامجها وخطابها الاعلامي والتعبوي، يما يعزز عمقها الوطني ويعبر عنه بوضوح وبشتى السبل لترسيخ نهجها الوطني، الأصيل وحماية رصيدها وتاريخها الوطني من التشويه.
07- انشغلت حركة فتح بالسلطة، وتماهت معها حتى الذوبان، فحملت أعباءها وأخطاءها، وأهملت عمقها وبيئتها الأولى في صفوف الشعب، فانعزلت عن الشارع، وانقطعت عن جمهورها، وفتحت أبوابها، للمتسلقين والانتهازيين، الذين اصبحوا عبئا عليها وعلى السلطة، وسرعان ما يبدلوا ولاءاتهم ارتباطا بمصالحهم، والأخطر أنها فقدت مقومات الحياة التنظيمية الداخلية، فأصبح الانتماء للحركة مدخلا لتحقيق المكاسب، وحلّت قاعدة الأخذ محل العطاء، وأسلوب الاتكالية بصورة مفرطة، فكل شيء بثمن، بما يقتضي إنهاء هذه الظاهرة، من خلال التدقيق بالعضوية واعادة الحياة التنظيمية الطبيعية، إضافة إلى تفعيل الحياة الديمقراطية في كل اطرها.
08- إن أخطر ما يعانيه التنظيم الفتحاوي، هو امتدادات الأجهزة الأمنية بتناقضاتها وصراعاتها، وانعدام الثقة البينية، بما أسهم بصورة مباشرة في ضياع التنظيم، وخلق مراكز القوى المتناحرة داخله، انعكاسا للتجاذبات بين الأجهزة، والولاء لقادتها ومسؤوليها، الأمر الذي يتطلب، انهاء امتدادات الأجهزة بالتنظيم، وفصل التنظيم كليا عن الأجهزة ووضع الاليات الضأمنة لتحقيق ذلك.
09- إن وضوح البرنامج السياسي النضالي للحركة، ينبغي أن يستكمل ببرنامجها الاجتماعي، ورؤيتها الشمولية للواقع الوطني الداخلي، بما يؤهلها لتمثيل تطلعات الشعب الوطنية، ومصالحه الحياتية اليومية، مع ضرورة بحث وتطبيق الاشكال والاساليب وتوفير الامكانات البشرية والمؤسساتية والمالية للبدء بتنفيذ ذلك البرنامج عمليا، حتى يتلمس الجمهور نتائجه ويجد مصالحه وتطلعاته تكمن بالانتماء لحركة فتح والدفاع عن بقائها اضافة إلى تعزيزه لمكانة وقوة تأثير تنظيمها.
10- إن أزمة الصراع بين الاجيال هي أحد اهم مكونات الصراع وأزمة الحركة العامة، وإن استمرار غلق الأبواب امام الاجيال الشابة التي قاربت على الكهولة، سيدفعها إلى الاستمرار بتطوير مراكز القوى، والاستقواء بمصادر الدعم الخارجي الذي يهدد بنيان الحركة لذلك فإن العمل على ادماج القيادات الشابة في الاطر القيادية وافساح المجال امامها لتحمل مسؤولية القيادة المشاركة والتهيئة لبدائل قيادية في سياق تواصل الاجيال مع امكانية توسيع واستحداث اطر قيادية جديدة من شأنه ان يساهم بتوحيد الحركة وتعزيز مناعتها الداخلية وتفعيل دورها الوطني.
11- إقرار مبدأ المرونة في التقيد بالنظام الداخلي لحركة فتح وخاصة لجهة العضوية الضأمنة للاضافة النوعية، بما يمكّن الحركة من استقطاب كفاءات مهنية عليا تساعد في احياء الحركة وتفعيل دورها وخاصة قطاعات الاكاديميين، ورجال القطاع الخاص، لتجديد الدماء وعدم حصر العضوية فيمن سبق او ان تكون فتح لمن يدعيها.
12- إن اصلاح السلطة الوطنية باعتبارها بالواقع والوعي الجماعي الفلسطيني سلطة انشأتها حركة فتح ، وتصويب أوضاعها الداخلية هو مكسب لحركة فتح وانجاز لها، بما يتطلب السير بخطوط متوازية تنظيمية عسكرية وسلطوية في آن واحد، وكل تقدم بمسار يخدم ويعزز المسارين الاخرين. ويحذر بأي حال وضمن اي مستويات او ظروف التفريط باخلاء مواقعها لآخرين والتأقلم مع محاولات وفترات التنازع عليها بالتخلي عنها.
13- توقفت اللجنة امام انعكاسات المواقع التنظيمية لحركة فتح على مجريات الاحداث ومواجهة الانقلاب، وهي ترى ان تجديد الاطر الحركية القيادية ورفدها بالقيادات والوجوه الجديدة المعروفة بالاستقامة والنزاهة والالتزام الوطني امر بمنتهى الاهمية، وذلك من خلال معالجة الترهل خاصة بالمجلس الثوري باعادة النظر بعضوية المتقاعدين وكبار السن والمرضى والشهداء وكذلك ممن قصروا باداء الواجب وحمل المسؤولية من الذين تمت اضافتهم للمجلس على اساس كونهم كفاءات تبين انهم ليسوا بمستواها.
14- إن اللجنة وقد استنتجت مدى التقصير الذي يحمل تبعاته قياديون بالحركة، بدأ من اللجنة المركزية التي ينبغي ان تمارس النقد الذاتي حيال التجربة، وتقف امام ضعف ادائها وغيابها عن الاحداث مسؤولية حقيقية، لتجاوز واقع أزمتها بالمكاشفة والمصارحة والالتزام بالعمل الجماعي بما في ذلك تقييم اداء ومواقف بعض اعضائها التي كان لها الاثر السلبي، يستحق المساءلة داخل اطار المركزية، وكذلك بالنسبة للكفاءات المضافة للمجلس الثوري الذين تقتضي أمانة المسؤولية اعادة النظر بعضويتهم في نطاق تبعات المسؤولية والتقصير البين بشأن ادائهم ومواقفهم بما في ذلك إحالتهم وغيرهم للمحاكم الحركية
الفرع الثاني: التوصيات في مجال المسؤولية الفردية:
بناء على المهام المنوطة للجنة التحقيق طبقا للمرسوم الرئاسي بالخصوص، وبناءا لمحددات عمل اللجنة خاصة لجهة المعايير والمنهج، ولما كانت المسؤوليات العامة، يحملها بنهاية المطاف اشخاص يعبرون عن ارادة هذه المسؤوليات والأجهزة، حسب مواقعهم القيادية، والصلاحيات الموكلة اليهم باسم السلطة العامة، فان الخلل والتقصير كما الصواب والنجاح انما يبنى على دور وتصرف الافراد، الذين يحسنون الاداء او يسيئونه، آخذين بعين الاعتبار مجمل القدرات الشخصية والظروف المحيطة .
ضمن هذا المنطق، كانت لجنة التحقيق تسعى جاهدة، لتحقيق مسألة تحديد المسؤوليات الفردية، لتصل إلى الاستنتاجات، وتبلور التوصيات بهذا الشأن بكل امانة ونزاهة، وهي تحت القسم، معتمدة على اقوال المستجوبين وشهادات ذوي الصلة المباشرة او غير المباشرة بما حدث في قطاع غزة.
وعلى هذا، ولما كان التقييم بالاتجاهين، حتى لو كان توصية، فقد توصلت اللجنة إلى أن هناك من كانوا في مواقع المسؤولية، ما يستحق التقدير والثناء على أدائه رغم الانهيار وهناك مواقع اخرى، تأكد تقصيرها، او تأكد للجنة عدم أهليتها وكفاءتها الأمر الذي يستدعى إقامة المسؤولية الشخصية وتحمّل تبعاتها اللاحقة، بعد تحديد الموجبات او القرائن الدالة على كل من لم يكن بمستوى امانته، سعيا من اللجنة، للوفاء بمهامها الاساسية، في إعادة تصويب المسار، والمضي قدما بالاتجاه الصحيح، الذي يحول دون امكانية تكرار الفاجعة: ويعطي للمؤسسة العسكرية ـ الأمنية حقها بأن تستوفي شروط قدرتها على النهوض بمسؤوليتها والقيام بدورها .
واللجنة على ثقة بأنها بذلت غاية جهودها بما يتفق والعدالة والمسؤولية الوطنية دون ادنى اعتبارات خاصة قد تلحق اجحافا قابلا للتصويب بحق احد .
في هذا السياق نفرد النقطة الاولى من هذا الفرع لمن استحقوا التوصية بالتقدير والاحترام فصدرت مراسيم رئاسية بهم، أما النقطة الثانية فلمن قصّروا بحمل امانة المسؤولية وصدرت قرارات بحقهم من القائد الاعلى والنقطة الثالثة فهي تتضمن مجموعة من التدابير العاجلة المقترحة كتوصيات تستدعي تعاملا سريعا معها على المستويات العسكرية والأمنية والتنظيمية وعلى المستوى الخاص
أولاً: توصيات بشأن من استحقوا التقدير والتكريم.
أـ الاعتبارات الموجبة:
يتمتع الضباط والقادة اللذين استحقوا هذه التوصية عن جدارة واقتدار لعدد من المزايا التالية:
01- أدّوا واجبهم العسكري ونفذوا التعليمات العسكرية في حماية المشروع الوطني والذود عنه بكل اخلاص وأمانة وبسالة وكما يليق بشرف العسكرية الفلسطينية.
02- استنفذ البعض منهم كافة الوسائل المتاحة وضحوا بأرواحهم فداء لمشروعهم الوطني وحماية لجنودهم ومواقعهم ولشرفهم العسكري.
03- استنفذوا كافة الوسائل المتاحة للدفاع عن هيبة السلطة وحماية مواقعها.
04- كان الموت أهون عليهم من ذلّ الاستسلام.
05- جميعهم قاتلوا على رأس قواتهم وفي طليعتها مما أعطى جنودهم المثل الصادق في فن القيادة وصدق الانتماء.
06- بقوا حتى النهاية في مواقعهم وعلى رأس قوتهم يرفعون معنوياتهم ويحرضونهم على افشال الانقلاب ويوجهونهم ويقاتلون معهم.
07- قائمة الشرف: حتى تاريخه تسجل اللجنة الاسماء التالية: كشف بأسماء الضباط وضباط الصف والأفراد الذين تم تكريمهم من القائد الأعلى لشجاعتهم واقدامهم وبطولتهم في التصدي للميلشيات الانقلابية
07- قائمة الشرف: حتى تاريخه تسجل اللجنة الاسماء التالية: كشف بأسماء الضباط وضباط الصف والأفراد الذين تم تكريمهم من القائد الأعلى لشجاعتهم واقدامهم وبطولتهم في التصدي للميلشيات الانقلابية.
الرتبة الاسم الجهاز التكريم
لواء شهيد محمد ذياب حسين غريب جهاز الأمن الوقائي منحه نوط القدس
عميد شهيد عبد القادر سالم محمود سليم جهاز المخابرات العامة منحه نوط القدس
عميد جهاد عبد الرؤوف سرحان الأمن القومي منحه نوط القدس
عقيد شهيد نصر عبد الرحمن أبو شاور الأمن القومي منحه نوط القدس وترقيته إلى رتبة لواء
عقيد شهيد جمال عبد ربه أبو الجديان أمن الرئاسة ـ ال 17 منحه نوط القدس وترقيته إلى رتبة عميد
عقيد شهيد محمد ابراهيم خليل خطاب الحرس الرئاسي منحه نوط القدس
مقدم شهيد حسين أحمد أبو هليل الأمن الوقائي منحه نوط القدس وترهيته إلى رتبة عقيد
رائد شهيد منذر أحمد شاكر كلاب الأمن الوطني منحه نوط القدس وترقيته إلى عقيد
رائد شهيد سامي محمود حسن عمران الأمن الوطني منحه نوط القدس وترقيته إلى رتبة عقيد
رائد شهيد سميح ابراهيم سليم المدهون أمن الرئاسة ـ ال 17 منحه نوط القدس إلى رتبة مقدم
نقيب شهيد محمد داوود محمد مقداد المخابرات العامة منحه نوط القدس وترقيته إلى مقدم
نقيب شهيد بهاء الدين موسى أبو جراد الأمن الوطني منحه نوط القدس وترقيته إلى رتبة رائد
مساعد شهيد ماهر مروان البورنو الحرس الرئاسي منحه نوط القدس وترقيته إلى رتبة ملازم أول
جندي شهيد هاني محمد النحال الأمن الوطني منحه نوط القدس وترقيته إلى رتبة ملازم شرف
جندي شهيد عبد القادر جبريل درابية الحرس الرئاسي منحه نوط القدس وترقيته إلى رتبة ملازم شرف
جندي شهيد ادهم نافذ محمد مصطفى الحرس الرئاسي منحه نوط القدس وترقيته إلى رتبة ملازم شرف
ثانيا: توصيات بشان من يتحملون تبعات المسؤولية.
أـ مسوغات التوصية:
استنادا إلى شهادات المعنيين والمستجوبين فقد استنتجت اللجنة ان مخالفات كثيرة تحمل في طياتها اوجه التقصير وترتب اقامة المسؤولية يمكن اجمالها بالنقاط التالية لحقت بنسب متفاوتة بالمشمولين بالتوصيات المستمدة من تلك المخالفات وفق معدلات ونسب ارتكابها وهي:
01- لم يعملوا على حشد كافة طاقاتهم وامكاناتهم المتاحة في الوقت المناسب وقبل القتال.
02- لم يبذلوا الجهد والوسائل الكافية لرفع الروح المعنوية لقواتهم.
03- لم يقوموا بتنظيم الدفاع عن مواقعهم حسب مقتضيات العمل العسكري.
04- لم يحتفطوا بقوات احتياطية لاستخدامها في الوقت المناسب.
05- لم يسجلوا حضورا ميدانيا وقدرة قتالية ولا قدرة قيادية تليق بالرتب التي يحملونها.
06- لم يقاتلوا دفاعا عن المشروع الوطني ولا عن مواقعهم .
07- تخلوا عن المبادرة واستسلموا لتطورات الموقف.
08- لم يقوموا بأي عمل هجومي ولا حتى تعرضي مجد للدفاع عن النفس.
09- لم يحاولوا فك الحصار عن وحداتهم ولم يطوروا هجوما مضادا.
10- عدم انسجام علاقة القادة وظهور بعض الخلافات والمحاور فيما بينهم.
11- تضليل القائد الأعلى من خلال عرض تقدير موقف غير دقيق وغير امين.
12- إعلان البعض منهم أن هذه المعركة ليست معركته وتصرفهم مع قواتهم على أساس هذا الإعلان.
13- الاحتفاظ بالسلاح في المخازن وعدم توزيعه بالرغم من الحاجة اليه مما أدى إلى سقوطه بيد الانقلابين بطريقة مذلة.
14- خلع البعض منهم ملابسهم ورتبهم العسكرية وارتدو الملابس المدنية في وقت القتال مما سرّع في انهيار القوات.
15- سماح بعض القادة بوصول اختراقات إلى دوائرهم الأولى دون منع ذلك بل إن بعضهم استخدم الاختراق وسيلة لحماية نفسه.
16- سلّم البعض أنفسهم وقواتهم ومواقعهم للانقلابين بشكل مخزٍ ودون اي قتال.
17- لم يتم الالتزام بالعمل من خلال غرفة العمليات كما تقتضي التعليمات والاصول.
18- ثبوت تمحور بعضهم مع تيارات داخل الحركة والتي كان لها موقف حيادي من المواجهة.
19- الاتصال بالانقلابيين وتلقي الاتصالات منهم بهدف الاستسلام لهم دون إذن القيادة أو حتى معرفتها.
20- لجوء البعض منهم إلى خلق التناقضات وإقامة المحاور داخل جسم القوات.
21- افتقر البعض منهم إلى المؤهلات القيادية الاولية والمعرفة الاساسية لإدارة القتال مما ألحق في قواتهم خسائر بشرية لا طائل منها وكان يمكن تلافيها.
22- اعتمدوا على القرار السياسي كملخص لهم ولم يعتمدوا على انفسهم وقواتهم لخدمة القرار السياسي كما تتطلب أصول الجندية.
23- عدم قدرة بعضهم على حماية الاسرار الموكل اليه حمايتها مما ادى إلى وقوعها بين ايدي الانقلابيين مع كل ما ينتج عن ذلك من اضرار ويتحملوا هم مسؤولية وقوعها.
24- لم يعمل البعض منهم على نجدة قواته مع علمه انها تواجه ظروفا قاسية.
ب ـ كشف باسماء الضباط بقائمة التقصير
حتى تاريخه فقد امكن جمع الاسماء المدرجة ادناه ضمن فئة اولى اشتملت على كبار الضباط وعدد من قادة الوحدات الذين اقتضت الضرورة العاجلة رفع توصيات محددة بشأنهم اما الفئة الثانية وهي قيد الانجاز فقد قررت اللجنة إحالتهم جميعا إلى القضاء العسكري وتقديمهم للمحكمة المختصة.
الفئة الاولى: كبار الضباط:
01-عميد / أحمد عبد الرحمن علي العفيفي ـ مدير المخابرات العامة ـ غزة. اعفاءه من منصبه وإحالته على التقاعد.
02-عميد / مصباح محمد جاد الله البحيصي ـ قائد الحرس الرئاسي ـ غزة. إقالته من منصبه وتنزيل رتبته إلى رتبة جندي.
03-عميد / أحمد محمود السعيد موسى ـ قائد أمن الرئاسة ال 17 غزة. إقالته من منصبه وتنزيل رتبته إلى رتبة جندي.
04- عميد / توفيق جبر محمد يوسف ـ مديرية الشرطةـ غزة. اعفاءه من منصبه وتنزيل رتبته إلى جندي وطرده من الخدمة العسكرية.
05-عميد ركن / منار سليمان محمد شحادة ـ قائد الوحدة الخاصة ـ غزة. إقالته من موقعه وتنزل رتبته إلى رتبة نقيب.
06- عميد / يوسف على حسن عيسى ـ مدير الأمن الوقائي ـ غزة اعفاءه من منصبه وتنزيل رتبته إلى رتبة رائد.
07- عميد / جمال مصطفى حامد العقاد ـ مدير الاستخبارات العسكرية. اعفاءه من منصبه وتنزيل رتبته إلى رتبة عقيد وإحالته على التقاعد.
08- عميد ركن / فواز جمعة علي برهوم ـ قائد الشرطة البحرية. اعفاءه من منصبه وتنزيل رتبته إلى رتبة نقيب.
09- عميد ركن / اسماعيل عودة الغلبان ـ مدير عام الشرطة العسكرية. اعفاءه من منصبه وتنزيل رتبته إلى رتبة عقيد وإحالته على التقاعد.
10- عميد / سليمان محمود حمدان أبو مطلق ـ قائد الوحدة الخاصة ـ خانيونس. اعفاءه من منصبه وتنزيل رتبته إلى رتبة نقيب.
11- عميد / محمد محمود محمد المصري ـ المخابرات العامةـ غزة. اعفاءه من منصبه وتنزيل رتبته إلى رتبة مقدم وإحالته على التقاعد.
12-عميد / عادل محمد محمد حلس ـ مدير المباحث العامة في مديرية الشرطة. اعفاءه من منصبه وتنزيل رتبته إلى رتبة نقيب وإحالته على التقاعد.
13-عميد / محمود محمد سالم طينة ـ نائب مدير الاستخبارات ـ غزة. اعفاءه من منصبه وتنزيل رتبته إلى رتبة ملازم اول وإحالته على التقاعد.
14- عقيد ركن / حسين عوض عودة أبو عاذرة ـ قوات الأمن الوطني ـ غزة. إقالته من منصبه وتنزيل رتبته إلى رتبة جندي وطرده من الخدمة العسكرية.
15- عقيد/ حمودة نجاح. تنزيل رتبته إلى رتبة نقيب ـ ونقله إلى المقر العام.
16- عقيد / سليمان محمد خضر ـ قائد اللواء الثاني لقوات الأمن الوطني ـ غزة. تنزيل رتبته إلى رتبة جندي وطرده من الخدمة العسكرية.
17- عقيد ركن / عبد الكريم حمدان علي لولو ـ الشرطة البحرية. تنزيل رتبته إلى رتبة ملازم ثاني.
18- مقدم / عمر خليل حمودة قنن ـ قائد اللواء الثالث لقوات الأمن الوطني ـ غزة. اعفاءه من منصبه وتنزيل رتبته إلى رتبة ملازم أول .
19- مقدم/ وليد نايف أحمد وافي ـ الشرطة البحرية. تنزيل رتبته إلى رتبة ملازم ثاني.
20- مقدم / نعيم عبد الله حسن أبو حسنين ـ المخابرات العامة. تنزيل رتبته إلى رتبة ملازم اول.
21- رائد / زكي يوسف مبارك حسن ـ المخابرات العامة. تنزيل رتبته إلى رتبة جندي.
22- رائد / طارق مصطفى أبو هاشم ـ قائد الكتيبة 36 قوات الأمن الوطني. اعفاءه من منصبه وتنزيل رتبته إلى رتبة جندي.
23- رائد / طاهر كرم خليل خويطر ـ مسؤول القوة التنفيذية ـ في الأمن الوقائي. اعفاءه من منصبه وتنزيل رتبته إلى رتبة جندي وطرده من الخدمة العسكرية.
الفئة الثانية: وتتضمن مجموعة الأسماء الموصى بإحالتهم للقضاء العسكري وتقديمهم لمحكمة الاختصاص حتى تاريخه:
1- عميد / مصلح علي حماد عريقات ـ أمن الرئاسة ال 17 .
2- عميد / مازن مصطفى فخري الخماش ـ الشرطة البحرية.
3- عميد / ناجي أحمد يوسف حبية ـ الشرطة البحرية.
4- عميد / سامي عبد محمد دلول ـ الشرطة البحرية.
5- عقيد / عبد الفتاح خضير ابراهيم حلس ـ المخابرات العامة.
6- عقيد ركن / عبد الكريم حمدان علي لولو ـ الشرطة البحرية.
7- عقيد / محمد عبد الرحمن يوسف صوالحة ـ حرس الرئيس.
8- عقيد / جمال مصطفى حامد العقاد ـ مدير الاستخبارات العسكرية.
9- عقيد / إسماعيل عودة حسين الغلبان ـ مدير الشرطة العسكرية.
10- عقيد / محمود حمد خليل النجار ـ المخابرات العامة.
11- عقيد / سامي ابراهيم ابراهيم بعلوشة ـ المخابرات العامة.
12- عقيد / محمد أحمد شاكر البحيصي ـ مديرية الشرطة.
13- عقيد / عاطف محمود أحمد عليان ـ الأمن الوقائي.
14- عقيد / معين محمد محمد سالم ـ حرس الرئيس.
15- عقيد / زياد محمد جاد الله البحيصي ـ أمن الرئاسة ال 17 .
16- مقدم بحري / جمال حسن يوسف الفحم ـ حرس الرئيس.
17- مقدم / محمد خالد يوسف المصري ـ حرس الرئيس.
18- مقدم / زياد سلمان ديب قرمان ـ مديرية الشرطة.
19- مقدم / وليد نايف أحمد وافي ـ الشرطة البحرية.
20- مقدم / جمال طه محمد مغامس ـ حرس الرئيس.
21- مقدم / أحمد محمود عبد الرحمن عارف ـ حرس الرئيس.
22- مقدم / زهير عبد الحميد أحمد شاهين ـ شرطة.
23- مقدم / صلاح احسان محمد أبو وردة ( أبو هاجم ) ـ الأمن الوقائي.
24- مقدم / جمال مصباح أحمد مقبل ـ مديرية الشرطة.
25- رائد / علي مبارك محسن الهندي ـ الأمن الوطني / الوحدة الخاصة.
26- رائد / بسام محمود محيي الدين الجربي ـ حرس الرئيس.
27- رائد / هاني سليمان محيسن أبو عويلي ـ الشرطة العسكرية.
28- رائد / خالد ابراهيم محمد الشريف ـ حرس الرئيس.
29- رائد / نهاد محمد حسين عابد ـ حرس الرئيس.
30- رائد / محمد محمد طليب طلب ـ حرس الرئيس.
31- رائد / رائد خليل عبد الرحمن أبو عشيبة ـ حرس الرئيس.
32- رائد / ابراهيم عبد العزيز عبد الرحيم نوفل ـ الأمن الوطني.
33- رائد / أحمد حسن عبد العزيز مؤنس ـ الأمن الوطني / الوحدة الخاصة.
34- رائد / ناجي العبد أحمد سلمان ـ الأمن الوطني / الوحدة الخاصة.
35- رائد / جمال العبد أحمد سلمان ـ الأمن الوطني / الوحدة الخاصة.
36- رائد / يوسف حمودة علي أبو طبيخ ـ الأمن الوطني.
37- رائد / جهاد محمد سليمان الطلالقة ـ الأمن الوطني.
38- رائد / محمود صالح سليمان أبو الريش ـ الأمن الوطني.
39- رائد / مروان حسين مصطفى فرحات ـ الأمن الوطني.
40- رائد / علاء الدين حسن عبد المجيد أبو شنب ـ الأمن الوطني.
41- رائد / اسماعيل محمود اسماعيل نوفل ـ حرس الرئيس.
42- رائد / خالد محمد حسن نسمان ـ حرس الرئيس.
43- رائد / اشرف اسماعيل محمد دبابش ـ حرس الرئيس.
44- رائد / فايز محمد أحمد الجمل ـ الأمن الوطني.
45- رائد / عدنان محمد عبد الواحد بارود ـ الأمن الوطني.
46- رائد / عاصف صقير محمد أبو عزوم ـ الأمن الوطني / الوحدة الخاصة.
47- رائد / ياسر محمود اسماعيل الخطيب ـ الأمن الوطني / الوحدة الخاصة.
48- رائد / محمد علي محمد أبو الروس ـ الأمن الوطني / الوحدة الخاصة.
49- رائد / اسامة دهيش عوض أبو نصير ـ أمن وطني / الوحدة الخاصة.
50- رائد / محمد سليمان عودة أبو سمرة ـ المخابرات العامة.
51- رائد / ناصر أحمد زايد أبو الحوتي ـ المخابرات العامة.
52- رائد / رمزي يوسف سلمان قديح ـ أمن الرئاسة.
53- رائد / رزق محمد محمود أبو شحمة ـ الشرطة العسكرية.
54- نقيب / سعيد جمعة محمد الشعافي ـ المخابرات العامة.
55- نقيب / سعيد فايق فضل أبو ديه ـ حرس الرئيس.
56- نقيب / اسامة برجس فايز أبو طه / الإدارة المالية ـ الوحدة الخاصة .
57- نقيب / رائد سعد الدين أحمد حجازي ـ حرس الرئيس .
58- نقيب / رافت محمود اسماعيل الشنباري ـ حرس الرئيس.
59- نقيب / حسن علي ابراهيم اللي ـ حرس الرئيس.
60- نقيب / علاء هشام مصباح الزهري ـ حرس الرئيس.
61- نقيب / موسى ذبيان عيسى ياسين ـ حرس الرئيس.
62- نقيب/ عبد الله حميد أحمد هجرس ـ حرس الرئيس.
63- نقيب / حسام الدين عصام محمد أبو شعبان ـ حرس الرئيس.
64- ملازم اول / وائل فضل رمضان خليفة ـ الأمن الوقائي.
65- ملازم / اكرم زكي أحمد زيد ـ حرس الرئيس.
66- مساعد / شادي خميس يوسف أبو حليمة ـ حرس الرئيس.
67- مساعد / شادي عادل محمد أبو حشيش ـ حرس الرئيس.
68- رقيب / ثائر أحمد سليم عباس ـ حرس الرئيس ـ نقل للأمن الوطني.
69- رقيب / مأمون صقر رمضان الكردي ـ حرس الرئيس.
70- رقيب / طارق ابراهيم محمد مسلم ـ حرس الرئيس.
71- رقيب / سليم نصار محمد زنون ـ أمن الرئاسة.
72- جندي / باسل علي شعبان حلس ـ حرس الرئيس.
73- محمد ابراهيم فرحان العواودة ـ مسؤول الوحدة الخاصة وقوات العاصفة في المنطقة الوسطى.
74- حسام طارق خالد الشيخ علي ـ مدير مكتب مستشار الأمن القومي.
ثالثا: توصيات مقترحة كتدابير عاجلة:
أـ تدابير عاجلة بشان الأجهزة العسكرية :
01- تعيين ضابط كبير يشهد له بالكفاءة المهنية والنزاهة قائدا عاما لقوات الأمن.
02- تعيين ضابط كبير مشهود له بالكفاءة والنزاهة مفتشا عاما لقوات الأمن يتبع القائد الاعلى مباشرة لتحقيق مستوى عال من الرقابة المهنية ومراقبة السلوك وتحقيق اعلى درجات قواعد الضبط والربط لدى منتسبي المؤسسة عموما مما سيترك اثارا ايجابية في الاداء المهني والعلاقة بين الأجهزة وقبلها العلاقة مع المواطنين .
03- تشكيل غرفة عمليات مركزية فاعلة وغرف عمليات فرعية في المناطق.
04- وضع خطة مركزية فاعلة ومرنة تشترك في تنفيذها كافة الأجهزة والقوات كل حسب اختصاصه لمواجهة التحديات والاخطار الأمنية.
05- الاحتفاط بالمبادرة والروح الهجومية كاستراتيجية ثابتة.
06- تعزيز المواقع وتحصينها لحمايتها بشكل دائم.
07- تحسين الظروف المعيشية لمنتسبي الأجهزة والقوات واعداد اماكن الايواء المناسبة والكافية لهم.
08- رفع نسبة الدوام في الأجهزة والقوات إلى نسبة الثلثين في الاحوال الطبيعية وإلى نسبة الدوام بالطاقة البشرية الكاملة في حالة الطوارئ .
09- اجراء تمارين استدعاء كامل القوة لفحص عوامل الخلل والعمل على علاجها في ظل الاوضاع العادية .
10- تفعيل دور التوجيه السياسي والمعنوي على كافة مستوى الوحدات لتعزيز روح الانتماء للوطن والمؤسسة .
11- العمل من كافة المستويات القيادية على رفع الروح المعنوية لمنتسبي الأجهزة والقوات.
12- تعيين الضباط في المواقع القيادية استنادا لمؤهلاتهم وكفاءتهم.
13- العمل على اعداد القادة للمواقع المختلفة من خلال برامج التدريب.
14- يجب التعامل وبمنتهى الحذر في عملية (دمج الاجنحة المسلحة او اعضائها بالأجهزة) وادارة مثل هذه حتى لا نزيد من اعباء المؤسسة الأمنية اضافة على ما تعانية اساسا من اعباء.
15- اخراج العناصر المتطرفة واي اختراق من داخل صفوف قواتنا وعدم ممارسة سياسة نقلها إلى جهاز اخر.
16- البدء باتخاذ الاجراءات العملية الكفيلة بمنع العاملين في المؤسسة الأمنية من ممارسة العمل السياسي (وفصل التنظيم عن الأمن) وما يخلفه ذلك من تبعات تمس جوهر العمل المهني بشكل عام. وتترك اثارا سلبية جدا على اداء التنظيمي وتحمله تبعات ثقيلة هو في غنى عنها .
17- تفعيل وتطوير مديرية التدريب والتطوير لتشمل الجانبين المادي والمعنوي للعاملين وتلبي الاحتياجات المحددة للأجهزة الأمنية والقوات وتراعي خصوصية كل منها، وفق اسس عصرية بحيث تضع برامج التدريب الموحدة، وكذلك الخاصة وتقود عملية التدريب بشكل عصري.
18- استحداث ادارة تجنيد لتقوم بالتجنيد وفق خطة استيعاب تقوم على سد الاحتياج واختيار الأصلح بعيداً عن المصالح والغايات الخاصة.
19- مراعاة الخصوصية الفلسطينية في موضوع الإحالة على التقاعد وأن تكون الإحالة بعد دراسة وضمان احترام نضالات المتقاعدين وتأمين حياة كريمة لهم، ومن الممكن دمجهم بالحياة السياسية ( التنظيمية ) وعدم قصر الإحالة على التقاعد على عامل السن فقط ، بل لا بد من إدراج عامل ضعف المهنية والكفاءة .
20- إيجاد معيار دائم وموحد لتقييم أداء الضباط أثناء خدمتهم وايجاد سجل خدمة الضابط الذي بدونه سيترك الضابط تحت رحمة المصلحة والمزاج او الصدفة ليتعرف المسؤول على قدراته وانجازاته او فشله وعثراته.
أ- تدابير عاجلة بشان الأجهزة الأمنية:
01-تنظيم إطار من التعاون والتنسيق بين الأجهزة الثلاثة: الأمن الوطني، (الاستخبارات)، والأمن الداخلي (الوقائي ـ والشرطة)، واالمخابرات العامة، بما يكفل أداءها لواجباتها بنجاح وفعالية وبما يمنع أي ازدواجية أو تدخل في الواجبات.
02- اعتماد الية واضحة لا لبس فيها لسلسلة اصدار الاوامر والتوجيهات من المستوى القيادي وحتى من المستوى التنفيذي (تنظيم بأوامر ثابتة للتصرف في حالت الطوارئ والحالات الطبيعية).
03- التنبيه إلى أن جهود الأجهزة الأمنية في جمع المعلومات لا يجب ان تتأثر بالواقع السياسي أو تغيراته إلا من أجل تطوير هذه الجهود أو تغيير بعض أساليبها دون أن تحيد عن الواجبات التي كلفت بمتابعتها منذ تأسيسها.
04- تنظيم وحصر المساعدات الدولية ضمن إدارة مركزية واحدة وهذا يقتضي استحداث ادارة للاتصال الدولي تخدم كافة الأجهزة الأمنية دون ان يمس هذا التنظيم التعاون الأمني بين الأجهزة ومثيلاتها .
05- رفع مستوى الاعداد والتدريب الأمني بشكل دوري لمنتسبي الأجهزة بما يتناسب مع واجبات العمل المحددة لكل جهاز وتقسيمات العمل في كل جهاز وعدم الركون إلى التعلم من خلال التجربة.
06-إنهاء أو تخفيض حدود عسكرة الأجهزة الأمنية ( القوة التنفيذية في الأجهزة ) وتحديد واجبات الأجهزة الأمنية بالواجبات الاستخبارية المعلوماتية لانها شكلت اساسا للقيام بهذا الواجب .
07- اعتماد التخطيط من خلال إدارات التخطيط في الأجهزة بمفهومه وبمراحله وانواعه المختلفة في المؤسسة الأمنية عموما.
08- اعتماد مبدأ الكفاءة المهنية في تعيين الضباط واعتماد نظام الحاق الضباط بالتدريب المتخصص قبل تكليفهم بأي عمل قيادي .
09- تحسين الظروف المعيشية لمنتسبي الأجهزة الأمنية بما يكفل حسن أدائهم وعدم وقوعهم بالفساد أو أن يكونوا عرضة للاختراق.
10- اعطاء الاهتمام اللازم لتطوير ادارات الأمن الداخلي في الأجهزة الأمنية بحيث تقوم بواجباتها بكل كفاءة وحزم في رقابة الاداء المهني والسلوكي وتعميق الانتماء.
تدابير عاجلة ترى اللجنة الأخذ بها:
1- أن يصدر القائد العام للحركة قراراً بالغاء اطار الساحات وحل التشكيلات القيادية الثلاث: الوطن، غزة، الضفة.
2- تشكيل مكتب التعبئة والتنظيم المركزي بمعايير جديدة تخدم الأهداف المرسومة بكفاءات حركية بعيدة عن مراكز القوى المعروفة.
3- إعادة تفعيل اللجان التحضيرية للمؤتمر العام.
4- عقد دورة طارئة للمجلس الثوري للحركة لتقييم أحداث غزة وتداعياتها واصدار القرارات العاجلة لإعادة تنظيم دور الحركة واعتماد التوجهات الجديدة واتخاذ ما يلزم في نطاق استيعاب العبر والدروس المستفادة من تلك الأحداث.
5- تشكيل قيادة محلية للحركة بقطاع غزة من كوادر جديدة مؤهلة ذات مصداقية ونزاهة وصدق انتماء وصلابة وقادرة على اعادة توحيد الحركة بقياداتها واقامة التوازن فيما بينها على قاعدة المصالحة والتصحيح وتصويب المسار بالمصالحة مع الشارع.
6- من المفترض توجيه دعوة لعقد لقاء مع السفراء الأساسيين ليقوموا بدورهم بسياسة منسقة في مواجهة حماس الساعية للاستحواذ على الساحة الخارجية وترويج روايتها مستفيدة من ضعف الأداء الرسمي.
توصيات خاصة:
توقفت اللجنة أمام نجاعة التخصصات والمواقع الاستشارية بالرئاسة لتستنتج ان الكثير من تلك المواقع ليست على درجة عالية من الاهمية، في تحديد السياسات وصنع القرار ما دامت فردية، واسناد اي صلاحيات تنفيذية او اشرافية اليها يخلق من الارباك والاشكالات ما يزيد من التعقيد والانعكاس السلبي والازدواجية بالمرجعيات وخاصة في النطاق العسكري – الأمني.
لذا توصي اللجنة بقبول استقالة مستشار الأمن القومي السيد محمد دحلان من مهامه
الخلاصة:
سيطرة الحركة الإنقلابية على قطاع غزة مازال مفتوحا على مصراعيها بكافة أبعادها وعلى مختلف الإحتمالات بما فيها احتمال امتدادها وانتقالها بصورتها العنيفة إلى الضفة الغربية استمراراً لنفس المنهج الإنقلابي، أو احتمال الإنفتاح على مخرج سلمي يفضي إلى نتائج تمكن الطرفين عبر الحوار من العودة إلى التعايش الإضطراري.
وتأسيساً على استنتاجات لجنة التحقيق وقراءتها المعمقة لمجريات العملية الإنقلابية، أهدافاً ونتائج واستراتيجية، فإن اللجنة المشكلة بقرار سيادي ومن أجل غاية سياسية بالمنتهى، وهي تستشعر طبيعة المهمة الموكلة اليها ارتباطاً بالبعد السياسي فإنها تحذر من احتمالات تحويل الضفة الغربية إلى ساحة عمل للميليشيا الإنقلابية، وتقترح مجموعة من المحددات بشأن احتمالات العودة إلى الحوار، والإحتكام إلى الأدوات الديمقراطية.
1- إحتمالات تحويل الضفة الغربية إلى ساحة عمل للميليشيا الإنقلابية:
رغم الكثير من العوامل التي قد يتخيلها البعض مانعة لإحتمال نشوء مثل هذا الواقع والتي لا يجوز الإتكال عليها بأي حال من الأحوال فإن مجموعة الدوافع الأساسية واغراءات التمكن من تحقيق الهدف واستكماله بالسلاح وان بأشكال أخرى غير متوقعة، ستعمل على توليد ومضاعفة الحافز لدى حركة حماس لإيجاد المبررات والفرص والإمكانات لمواصلة الفعل الإنقلابي في الضفة الغربية، الأمر الذي يحظر معه إخراج مثل هذا الإحتمال (ولو كان بنسبة ضئيلة) من دائرة التوقع، بما يرتب مسؤولية فورية ومباشرة ارتباطاً بالدروس والعبر المستفادة من أحداث غزة وعدم تكرارها ثانية، لمضاعفة الجهد بالرؤية الواضحة والخطة المدروسة والجاهزية الكاملة لمواجهة هذا التحدي الحقيقي مهما تضاءلت نسب إمكانات وإحتمالات وقوعه.
خاصة وأن معظم توصيات اللجنة، إنما تستهدف تحقيق مثل هذه الجاهزية إن لم يكن في مواجهة الإحتمال، فمن أجل تحقيق المناعة الذاتية وتجاوز حالة التردي والتفكك والضعف، واجتثاث مسببات الإنهيار الذاتي السريع في مواجهة الحركة الإنقلابية التي تمت عبر مسيرة الأخطاء المتراكمة وصولاً إلى العجز الأكيد في حماية الذات والمشروع الوطني، فضلاً عن النظام السياسي أداة لإنجاز الإستقلال الوطني وبناء دولة القانون والمؤسسات وهو الهدف الأساسي والأصيل للحركة الوطنية الفلسطينية الذي لا يجوز الإنحراف عنه ولا بد من تعزيز وحشد وتسخير كافة الجهود والطاقات لبلوغه.
إن عدم التفكير الصحيح لتوجهات الخصم ونواياه الحقيقية، وبالتالي لمخططاته وأهدافه أو التهاون بالتعاطي معها لقدرته على توظيف عناصر التورية والتمويه والمفاجأة ومراكمة الضغط والابتزاز، وتزأمنه مع خلق الذرائع والمبرارت ومراكمة نقاط التفوق والإنجازات ضمن سياسة الهجوم المستمر والمتصاعد بكل الإتجاهات مع انشغال حركة فتح بنفسها، كل هذه الأسباب مجتمعة فتحت بوابة الفشل والإخفاق بقطاع غزة، ومع ذلك وحتى لو اكتفى الإنقلابيون بإنجازهم في غزة، فإنه يحظر التفكير لهم بذلك الإنجاز والتخلي عن قطاع غزة، الأمر الذي يتطلب بناء استراتيجية تقوم على فكرة تقويض سلطتهم بالقطاع وافشال تجربتهم ومحاصرتهم لاستعادة وحدة الوطن، دون أدنى توقع بأن ذلك سيكون هدفهم حيال السلطة الشرعية بالضفة الغربية ولو عبر بناء نموذج حكم يحظى برضى الناس بقطاع غزة، ويمكن للشعب الفلسطيني من التقييم والمقارنة بين تجربتين ونموذجين، مما يضاعف المسؤولية باتجاه تخليص النموذج الفتحاوي في ممارسة الحكم من السلبيات التي تعتريه، والإقدام بقوة نحو بناء النموذج الجديد الواعد بكل ما يستدعيه من متطلبات الاصلاح والتجديد نظماً وسياسات وأدوات.
كما يحتم علينا ضرورة الانتقال المنهجي من حال الضبابية والإتكالية ومنطق الدفاع المقيد بمبررات شعاراتية مستمدة من قيم تقليدية فسرت (وكانت على الأرجح) مؤشرات عجز ومقدمات انهيار وهي تغيب الأساس القانوني، لمبرر وجود السلطة وحقها المشروع في الدفاع عن نفسها وشعبها وفرض هيبة النظام والحفاظ على المشروع الوطني وعدم التهاون أو التفريط بواجب حمايته وبتعزيزه عبر الإختصاصات والصلاحيات والمنوطة بأجهزته ومؤسساته المرتكزة إلى التفويض الشعبي الذي يتمتع به السيد الرئيس وفي مقدمة اختصاصاته السهر على حماية الدستور والنظام الدستوري في البلاد.
وفي هذا السياق فإن الانتقال من حالة الدفاع السلبي تقتضي طرح البدائل الخلاقة القائمة على عدم الإستهانة بقدرات وإمكانات الإنقلابيين بالضفة الغربية والذين بدأ قادتهم يهددون بها وإمكانية المباغتة بتكتيك مبتكر قوامه عمليات اغتيال لبعض الرموز والشخصيات أو عمليات عسكرية خاطفة لإشاعة الفوضى وتكريس الفلتان وإثارة الخوف وتأكيد قدرتهم على إيقاع ضربات خاطفة ذات مغزى لتقويض أسس استقرار النظام بالضفة، او الإعتماد على إثارة الفوضى ... أو غير ذلك الإحتمالات الواردة.
كما تقتضي تلك البدائل عدم الارتهان للنوايا الحسنة أو الخداع التضليلي في دائرة التمييز بين المواقف وتصنيفها في نطاق الأطر التنظيمية الفصائلية بما فيها حماس باعتماد آلية تصنيف محددة واحدة وحاسمة للاصطفاف الوطني.
على أن الأكثر أهمية في هذا المجال هو عدم الركون لمحصلة قوى عددية بموازين القوى العسكرية المباشرة، فإن مدرسة بنفس البنى والمناهج والأدوات إنهار فرعها الأساسي بغزة لن تكون محصنة وبمنأى عن الإنهيار بفرعها الآخر في الضفة.
إن نفس المقدمات ستقود بالضرورة إلى نفس النتائج ما لم تؤخذ العبرة ويطبق الدرس المستفاد.
ولعل بتوصيات لجنة التحقيق المستمدة من التجربة المريرة ما يغطي جوانب أساسية بالمهمة التي تستدعيها خطورة المرحلة، بكل متطلباتها بما فيها إمكانات العودة إلى حوار يخدم المصلحة الوطنية، ويستند إلى موازين قوى مختلفة تمكن الشرعية من إعادة فرض إرادتها، إرادة الشعب.
2- محددات العودة إلى الحوار:
ضمن ظروفه وفي ظل موازين قواه المختلفة ولتحقيق أهداف الشرعية بوسائل سلمية تجنب الشعب والوطن تبعات الفتنة التي فرضتها ميليشيا حماس الإنقلابية، وتمكنها من فرض إرادتها، لإعادة السلطة إلى مصدرها الأساسي وهو الشعب من خلال الاحتكام إليه ثانية بصناديق الإقتراع فإن لجنة التحقيق تقترح النقاط التالية كمحددات لهذا الحوار المحتمل دون إستجدائه ودون تجاهل إمكانية حدوثه:
أولاً: الإلتزام بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد، وببرنامج المنظمة، واعلان الإستقلال، ومبادة السلام الفلسطينية والعربية، وبجميع الإلتزامات والإتفاقيات التي أبرمتها المنظمة.
ثانياً: تحريم وجود أي سلاح أو تشكيل مسلح خارج إطار السلاح الشرعي وأجهزة الأمن المحددة وفقاً للقوانين النافذة واعلان حل جميع الميليشيات التابعة لكل الفصائل.
ثالثاً: إدانة الإنقلاب العسكري في قطاع غزة والعودة الكاملة عن جميع الإنتهاكات والجرائم التي تم ارتكابها، وتقديم مرتكبيها للعدالة وإزالة كل نتائجه ومظاهره العسكرية والمدنية، وتسليم جميع المواقع إلى الرئاسة الفلسطينية، ومن تحدده لهذا الغرض.
رابعاً: الإلتزام بقرار المجلس المركزي بشأن إجراء إنتخابات عامة مبكرة في كل أرجاء الوطن على أساس قانون إنتخابات جديد يعتمد صيغته التمثيل النسبي الكامل.
خامساً: الإلتزام بالشرعية الفلسطينية من قبل الجميع، وبجميع المراسيم والقرارات والإجراءات التي صدرت لحماية النظام السياسي الفلسطيني ودور السلطة ومنظمة التحرير الفلسطينية
خاتمة:
إذ تعبر اللجنة عن شكرها لثقة السيد الرئيس بتكليفها بهذه المهمة الصعبة وفي الظروف الأكثر صعوبة التي أملت على أعضائها قبول تبعات هذا التكليف فأنها تؤكد أن تقريرها المقدم هو تقرير أولي، فرضت تحديات الوضع الراهن ومتطلباته مواجهتها التسريع بتقديمه مما يحتم ضرورة الاستمرار في هذا العمل الجاد كل فيما يخصه وعلى جميع المستويات.
كما يؤكد أعضاء اللجنة أن التزامهم بالموضوعية والنزاهة والمعايير القانونية وفق استطاعتهم، كان قويا، وطغي على أي اعتبار، ولكن اللجنة تعلم ان الحقيقة ليست سهلة وان الصراحة والمكاشفة لم نتعود عليها، كما ان لجان التحقيق، ليست من أدبيات سلوكنا وممارستنا الأمر الذي قادنا إلى ما نعانيه..
إن المسؤولية في نهاية الأمر جماعية وتمتد جذور الخلل والعيوب فيها إلى نشأة التجربة ومناهج العمل والتفكير والسلوك وخاصة على مستوى صناع القرار، وأزمتنا شمولية ضاربة الجذور وجميعنا يدرك بعض مكأمن الخلل ويطالب الإصلاح، قد يغضب تقرير اللجنة، بعض الجهات بمراكز المسؤولية والقرار، ولا ينال رضى وتقدير البعض خاصة أولئك الذين أشار التقرير اليهم أو أدان بعض تصرفاتهم، وصولا إلى الطعن بموضوعيته وحياديته، أو عمقه وشموليته، ودقة استنتاجاته وصوابية توصياته، وصولا إلى إساءة الظن أو التلاقي حول سلبيته...
غير أن أعضاء اللجنة الذين اجتهدوا وبذلوا غاية جهدهم لإعداد تقريرهم لايرون أنفسهم معصومين من الخطأ أو السهو، كما لايرون أنهم يحتكرون الحقيقة، أو قد بلغوها، فقد تشوب تقريرهم شائبة هنا أو هناك، مؤسساتية أو شخصية، ولذوي العلاقة ممن يشعرون ظلماً أو سوء فهم، أن يصوبوا في نطاق الحق والعدل والإنصاف منشدنا جميعاً.
غاية أملنا ألا تكون نتائج تقريرنا سببا في تفاقم الأزمات أو استفحال المعضلات بل مدخلا لمعالجتها والبدء بمسار تصحيحي جديد يعيد الثقة و البناء ويمد جسور النضال والعطاء حتى نحقق الأهداف التي قضى شهداؤنا الأبرار على طريقها.
والله من وراء القصد
أسماء أعضاء لجنة التحقيق
الأخ طيب عبد الرحيم رئيسا
د.رفيق الحسيني عضوا
الأخ نبيل عمرو عضوا
د.سعيد أبو علي عضوا
لواء/ أحمد عيد عضوا
عميد/ حازم عطا الله عضوا
عميد/ يونس العاص عضوا
أ.علي مهنا عضوا
أ.حسن العوري عضوا
وقد شنت اللجنة المركزية لحركة فتح هجوما عنيفا على القيادي في الحركة محمد دحلان واتهمته بالتخطيط لاحداث انشقاق في الحركة والالتفاف على المركزية من خلال تصريحات وصفت باللامسؤولة والتي تحمل في طياتها لغة التهديد والوعيد من اجل الحصول على منصب .
وصرح حكم بلعاوي باسم اللجنة المركزية للحركة في تصريح بعث صحفي انه وتعقيبا على تصريحات محمد دحلان لوكالات الأنباء والمواقع الالكترونية بما يلي:
"تتوالى تصريحات محمد دحلان الاستعراضية، معتبرا نفسه المرجعية لحركة فتح وموزعا الألقاب التي تدل على الفلتان، وعدم المسؤولية والإدراك لمعنى الالتزام والتعبير عن الرأي والنقد في الإطار الحركي المسؤول".
وتابع بلعاوي القول": ويجوز القول أن الرد عليه يجب أن يكون كذلك في نفس الإطار، لكن الأمر يختلف عندما تتكرر مناسباته المواعظية، والتلذذ برغبته في الحديث للوكالات خارج الإطار الفتحاوي، وتبدو خطورتها أكثر حين تكون مقصودة لإرباك الرأي العام الحركي الملتزم، أو الرأي العام الوطني، وتقديم وَصْفاته الاستغلالية التي تتناثر منها الأوهام والعبث والسموم، لتطال الملتزمين وأبناء الوطن مع الاستناد إلى لغة الترهيب والوعيد والتهديد والإنذار، التي طالما مارسها ولم يحصد هو نفسه منها إلا الأوهام والتقصير والأحلام الواهنة، ولعل هذا كله هو الذي يدفعه أن يصرح لوكالات الأنباء، أن قيادة الحركة ليس لها انتماء وطني، ويتمادى أكثر حين يلصق التهم الحاقدة بالسيد الرئيس واللجنة المركزية للحركة والمجلس الثوري، حيث يحملهم جزءاً من المسؤولية لما حدث في غزة"
واضاف": هكذا يبعثر الكلمات ليشكل حالة من الضبابية الكثيفة لتغطية تقصيره الكامل وخداعه الذي لم يعد مجهولا على أي متابع، كما لم تعد اتهاماته إلا مجالا للتندر والسخرية والاستغراب حين يدلي للإعلام او في جلساته الخاصة التي يوهم من فيها انه الرجل الأقوى في حركة فتح وينتظر ترشيحها له للرئاسة ويعلن في تصريح له إنذاره إذا لم ترشحه اللجنة المركزية بأنه سيشكل حركته الخاصة، بل يبدي استعداده لأحداث انشقاق داخل حركة فتح إذا لم تضع اللجنة المركزية الشروط التي تمكنه من البقاء على الكرسي بصفته الرجل الأقوى في حركة فتح ولا يشعر بأي حرج وهو يعبر عن ذلك باستعلاء مرفوق بالتحذير الراقص، بأن القادم أخطر وأنه سيتصرف ويعلو صوته ليصغى القاصي والداني إلى موهبته التي تطلب الاستسلام لها لأنها لا تسمح أن تخسر أي جولة، وأن موهبة أخرى لا تستطيع أن تتكلم أو تفكر أو تنجح وربما لا تستطيع أن تجد الماء لتشرب.
وقال عضو المركزية حكم بلعاوي ": إن اللجنة المركزية بشرعيتها وبالأمانة التي تجسد رؤيتها وقراراتها، قادرة بحنكتها وتجاربها الواعية والعتيدة تدرك أنها قادرة على تجاوز كل المناورات والمؤامرات والمخططات والانشقاقات، وتدرك أكثر حتمية عقد المؤتمر العام السادس للحركة، التي تمارس اللجنة التحضيرية العليا مسؤوليتها بأمانة وثقة وانضباط للنظام، وتوفير المناخ الوطني لنهوض حركة فتح بحنكة قيادتها، التي تمثل عصارة الحياة الوطنية عبر عشرات السنين، وتستلهم دائما الوفاء لشهدائها وأسراها وجرحاها ومعاقيها الأبطال، وتستلهم الإبداع الذي يغلق أبواب الفوضى والمبالغة وأبواب الغرور والوهم، في نفس الوقت الذي تفتح فيه أبواب الآمال للشباب المخلص والصادق والملتحم بحنكة التجارب الوطنية الواعية".
وقال بلعاوي إن اللجنة المركزية صاحبة القرار، تدرك أيضا أن المساءلة الحركية هي الجهة المسؤولة عن هكذا تموجات بعيدة عن الموضوعية وملتصقة فقط بالذاتية