facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




عميش يوسف عميش .. وداعاً


عبدالله كنعان
06-01-2020 01:17 PM

أعلم والله أن سنة الحياة ودستورها الرباني الأبدي، هو الولادة والموت، الاستقبال والوداع، ولكنني أدرك الى جانب هذه الحقيقة التي لا تقبل الجدال، أن الموت وإن غيب عنّا حضور أجساد رجال بيننا، نفتقد صورهم ما حيينا، إلا أنه يكشف لنا في الوقت نفسه عن حجم المكانة التي كانوا يحظون بها في حياتنا، بل ويستشعر معنا الكثير من أبناء المجتمع ذلك الفراغ الكبير الذي تركوه بعد رحيلهم.
إن رحيل الأخ الفقيد الدكتور عميش يثير في النفس الكثير من الخواطر، ويقلب أمامي مواقف عديدة لهذا الطبيب الانسان، أذكر أنني دونت جانباً منها عام 2001م عندما نشرت في جريدة الاسواق انذاك مقال بعنوان (الدكتور عميش يوسف عميش سلامتك) استذكرت فيه مسيرته الخيرة المباركة، ولو أنني أردت اليوم ذكرها وتدوينها كاملة لاحتجت لصفحات كثيرة، ولا أعتقد أنها قد تفيه حقه، ولكن ربما أجملها بالقول : إن عنوان مواقفه الأساسي الذي يغلفها هو انسانية وعلم وحكمة هذا الطبيب، والجدير بالذكر أنك إذا ما أردت أن تصف شخصيته وسلوكياته الطيبة، لوجدته عميش الطبيب المتميز واللواء الباشا القيادي، والعين الحكيم، ذو الرأي وكاتب المقالات، صاحب الثقافة الثرية واسع الاطلاع الذي تحار وانت تقرأ له، فليس بمقدورك ان تحصر معرفته بعلم، كل ذلك جعل منه الباشا الطبيب عميش الذي أحبه كل من عرفه وتعامل معه، الكبير والصغير لأن الجميع كان يحظى لديه بدرجة الاحترام والمعاملة نفسها، فلم يكن من طباعه تجاهل أحد أو اهماله، وبحكم الاخوة والصداقة التي تعززت أثناء عملنا بمعية صاحب السمو الملكي الأمير الحسن بن طلال حفظه الله ورعاه الذي يكن للدكتور عميش درجة تقدير خاصة،علماً بأن سموه ممن يعرف عنه احترام العلماء وأصحاب الكفاءات والخيرين الكثر في هذا الوطن، قد خبرت شخصياً في الفقيد الدكتور عميش حرصه الرد على هاتفه على جميع من يتصل به ليجيب المريض المحتاج ويقدم له الاستشارة الطبية اللازمة، ويحيي الصديق ويسمعه أطيب العبارات وأثلجها على صدره، ومن يذكر عيادته في المدينة الطبية وعيادته بعد التقاعد، فإنه لا تلبث أن تترأى أمامه العيادة وهي مكتظة بالمراجعين، فهو الإخصائي اللامع الماهر في اختصاصه، والمستشار الطبي العام لإمراء ووزراء ولرفاقه ولغيرهم، لقد كان الفقيد مع الجميع حريصاً على أن يكون لهم صلة الوصل مع غيره من المختصين والأطباء، فأحياناً تجده يوصي عليك إذا ألم بك مرض، وأحياناً يزورك مطمئناً على صحتك، بل ولانسانيته أحياناً ودون علمك قد يحضر عمليتك الجراحية كلها أو جزء منها، ويتابع بعدها حالتك بسؤال طبيبك عنك، فالله درك ما أروعك طبيباً وما أحسنك رفيقاً وصديقاً تعرف حق الصداقة والاخوة، رحمك الله أيها الكبير طيب المعشر والخلق.
الباشا عميش الذي استحق هذا اللقب بجدارة ودون أن يبالي أو يهتم بأن يحرص الناس على منادته به، يعالج البعض في عيادته الخاصة دون مقابل فهو الباشا الطبيب الذي يستشعر حالة مرضاه المالية فلا يحرجهم بالطلب، ويتعدى ذلك ليقدم لهم كل ما يتوفر في عيادته من علاج مجاناً، والظريف أنك تظن وانت ترى الاعداد التي تراجعه بأن حصيلة أجره اليومي كبيرة، لتتفاجأ إذا دققت في ذلك بأن أكثرهم لا يدفع، فدون مبالغة فمن كل عشرة مرضى يدفع واحد فقط، فهذا قريب وذاك صديق وآخر أوصى عليه أحدهم ورابع فقير وخامس وظيفته بسيطة لا تكفي لدفع كشفية طبيب وثمن علاج وسادس استشارة لا تستحق الأجرة، وسابع يقول له الفقيد الطبيب عميش ما عملنا لك شيئاً يوجب دفع أجرة، وثامن يجيبه أن مشكلتك بسيطة وتاسع يقول له: أنت تزورني أول مرة عيب أن نأخذ منك، ولم يكن اشتغاله بالطب وحده هو الذي وثق صلته بالناس فقط، بل كان شهماً صاحب فزعة أصيلة للجميع يغيث الملهوف ويساعد المعووز منهم، ويمد يد العون لكل من يلجأ اليه دون أن يُتبع ذلك منّاً منه أو البحث عن شهرة زائلة بين الناس، بل يطلب مرضاة الله تعالى وثوابه، رحمك الله تعالى ولروحك السلام والسكينة، يا من يسعى في حاجة الناس ويتصل بكل من يعرفهم وهم كثر ليطلب حاجة لهذا أو ذاك، يا من ملك حب الناس ومشاعرهم وعواطفهم بتواضعه وبساطة تعامله، فكان رأس ماله ورصيده بينهم الاحترام والتقدير وعدم وجود بغيض او حاسد أو حاقد له، فكلهم مترحم ورافع أكفه لله بأن يرحمك .
بالأمس القريب كنت في المطار لاستقبال جثمانك الطاهر بعد رحلة علاجك في الخارج، قدمت التعازي لعائلتك وكم وددت أن ألقي على وجهك البشوش المنير نظرة وداع أخيرة، ولكن ملامح وجهك المنير ما تزال ماثلة في ذهني وذهن كل من عرفك وأحبك، وامس كنا في الكنيسة لوداعك الاخير، كان الوقوف أكثر من الجلوس نساءً ورجالاً، وبعض الاطفال المقربين، كانت الصلاة والقداس والكلمات مؤثرة، الحزن والالم بفراقك يملأ الصدور، الصمت والاصغاء يضفي على المكان رهبة وخشوعاً، وبعد انتهاء القداس اقترحت على احد رجال الكنيسة تكليف مسؤول منهم للمراسم عندما رأيت التزاحم والعدد الكبير الذي حضر الجنازة لتقديم واجب العزاء، فقال لي : نحن لا يمر علينا مثل هذا الحضور الا كل عشر سنوات مرة، نعم كانت جنازتك ووداعك مختلفاً رحمك الله، ومن لم يبكيك وتذرف دموعه علناً، كان البكاء في داخله حزناً عليك يا أبا عمر رحمك الله.
لقد غادرتنا يا أبا عمر دون لحظة وداع، فان القلب ليحزن وان العين لتدمع عليك وانا على فراقك لمحزونون، تركت بيننا فراغاً واسعاً لا يملأ أركانه انسان، فحضورك وحديثك في جلسات الاصدقاء التي تحرص على حضورها له بصمته الخاصة ونبرته الدافئة التي لا ينساها كل من زاملك أو رافقك، اسأل الله لك الجنة ونعيمها الخالد، وأرجو لك الفردوس الأعلى مع الصالحين والاتقياء، واسأل الله العلي القدير أن ينعم على زوجتك أم عمر شفاها الله وأولادك رانية وعمر ولؤي وقد كنت فيهم ولهم السند والمعين الذي افتقدوه، وينعم علينا نحن وكل من عرفك بالصبر والسلوان، ولكنها في النهاية إرادة الله ولا راد لإرادته، وحسبنا شفاء لما في قلوبنا وصدورنا قوله تعالى :

وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (صدق الله العظيم)





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :