تخفيض رواتب الوزراء هل يكون "قدوة" أمام القادرين؟.
29-03-2010 03:04 PM
شركات ومؤسسات تلجأ لإعادة الهيكلة وتقليص الموظفين للمحافظة على الامتيازات!!.
كتب: زياد الشلة.
أثار قرار تخفيض رواتب الوزراء طوعياً بنسبة 20% شهرياً وتقديم المبالغ المقتطعة لصندوق خاص لمساعدة الفقراء صدى ايجابياً واستحساناً من معظم فئات المجتمع باعتبارها بادرة ايجابية وخطوة على الطريق الصحيح للتوجه الحكومي بضغط النفقات ومواجهة الأوضاع الاقتصادية الصعبة واستقبله البعض بالحذر خوفاً من اللجوء لتقليص رواتب صغار الموظفين في المؤسسات العامة والشركات المساهمة أو الاستغناء عن البعض لإعادة الهيكلة وتوفير النفقات.
وتعتبر مبادرة الوزراء خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح وتساهم في نشر وتعزيز مفاهيم وثقافة التقشف والتضامن والتكافل الاجتماعي مع الطبقات الفقيرة وهي خطوة رمزية وستبقى ناقصة وغير مكتملة إذا لم يتبعها إجراءات وخطوات مماثلة من المؤسسات المستقلة والشركات المساهمة للمبادرة باتخاذ إجراءات عملية فورية لتخفيض رواتب الوزراء وكبار الموظفين في تلك المؤسسات والشركات والتبرع بها لصندوق خاص لمساعدة الفقراء وصغار الموظفين في تلبية احتياجاتهم ومتطلباتهم الحياتية الأساسية التي لا تكاد تكفي رواتبهم لمواجهة أعباء الحياة.
وتشكل النفقات الضخمة في المؤسسات والشركات أحد التحديات في ميزانيتها السنوية حيث يستحوذ بند الرواتب والامتيازات على النسبة الأكبر مما يتطلب إعادة النظر في سلم الرواتب للمدراء وكبار الموظفين التي تستنزف أكثر من نصف النفقات وباقي الموظفين النصف الآخر رغم ان هناك شركات لا تحقق أرباحاً أو نقلت أرباحاً مدورة في حين تظهر البيانات أن الرواتب والامتيازات من سيارات وسائقين وهواتف ومياومات تعادل عشرات الآلاف وتصل إلى مئات الآلاف أحياناً وامتلاك أكثر من سيارة ومصاريف تحت بنود مختلفة دون المساس بها أو النظر إلى نتائج الشركات.
إن تخفيض الرواتب رسالة مهمة لباقي المؤسسات والشركات بضرورة الاقتداء بها وضبط النفقات وإزالة التشوهات والاختلالات الحاصلة في سلوكيات الانفاق والرواتب والامتيازات لكبار الموظفين مما يثير ويستفز المواطنين والموظفين.
وتشكل رواتب المدراء وكبار الموظفين في المؤسسات والشركات مقارنة مع باقي الموظفين مفارقة غريبة حيث يستحوذ هؤلاء المدراء وكبار الموظفين على أكثر من نصف قيمة الرواتب والنصف الآخر لباقي الموظفين وقد اثبتت الدراسات العلمية التي أجريت في عدد من دول العالم أن أعلى راتب في الشركة يجب أن لا يزيد عن 20 ضعفاً عن أدنى راتب لأن النظام الجيد للشركات يحقق العدالة بين الموظفين والشركات الناجحة والهادفة للمحافظة على سلامة أدائها ويوجب عليها انتهاج سياسة جيدة واعتماد نظام سليم يخدم جميع العاملين في الشركة بحيث لا يزيد أعلى راتب عن 20ضعفاً عن أدنى راتب.
وما تزال بعض الشركات تعاني من ترهل في عدد الموظفين وأخرى اصبحت الرواتب تشكل العبء الأكبر على أوضاعها المالية وميزانيتها السنوية حيث تضخمت الرواتب بشكل خيالي أحياناً وتشكل عبئاً مالياً على الشركات نفسها وفي حال تعرض الشركات لهزة مالية أو انخفاض أرباحها تلجأ فوراً لأقصر الطرق وهو الاستغناء عن الموظفين والذين عادة ما يكونون صغار الموظفين ولا تشكل رواتبهم إلا نسبة ضئيلة بحجة إعادة الهيكلة التي يتم التذرع بها لأي سبب ويكون الهدف الحفاظ على حقوق ومكتسبات المدراء وأصحاب الوظائف العليا الذين يتمتعون بالكثير من الامتيازات كالسيارات والسائقين والهواتف والمياومات وأشياء أخرى لا يمكن ذكرها.
عثمان بدير، رئيس غرفة صناعة عمان الأسبق، يرى أن قرار تخفيض رواتب الوزراء خطوة إيجابية وترسيخ لمبدأ التضامن والتكافل الاجتماعي، مشيراً إلى أنه يجب القضاء على الترهل الموجود في كثير من الدوائر والمؤسسات الخاصة والعامة ويجب ان تحذو الحكومة حذو الشركات التي تمت خصخصتها بتخفيض أعداد الموظفين فيها وطبعاً لا يجوز الاستغناء عن الموظفين بشكل فوري ولكن يجب أن يمنع توظيف موظفين جدد إلا إذا كانت هناك حاجة ماسة وبهذه الحالة نستطيع ان نخفف العبء الكبير عن الحكومة وعن المؤسسات الخاصة بما في ذلك البلديات التي تعج بالموظفين من دون عمل ودعا إلى إلغاء الواسطة في التعيين والتوظيف ويجب أن يكون التوظيف والتعيين حسب الكفاءة والقدرة والشهادات العلمية، اما الاستمرار في توظيف أعداد كبيرة يعتبر عبئاً كبيراً على الميزانية ولا يجوز الاستمرار به موضحاً انه إذا تأملنا الميزانية بشكل عام نجد أن معظم نفقات الميزانية تذهب تحت بنود الأجور والرواتب للموظفين والعمال وهو يسبب العجز الكبير التي تعاني منه الحكومة ولا بد من توقيف التوظيف بشكل فوري حتى يتم حل المشكلة وضبط النفقات وهدر الأموال.
وفيما يتعلق بامكانية مشاركة الشركات العامة والقطاع الخاص في التوجه نحو تخفيض رواتب كبار الموظفين وعدم اللجوء إلى إعادة الهيكلة للاستغناء عن الموظفين لتخفيض النفقات .. قال بدير إن إعادة الهيكلة حق للشركات العامة وتأتي لتنظيم أعمال الشركات مؤكداً ان اعادة التنظيم لا بد منه وبخاصة في حال وجود مشكلات مالية وظهور خسائر مالية لا بد ان تلجأ الشركات إلى إعادة التنظيم ولكن لا يجب أن يكون هناك تشدد في إعادة التنظيم والهيكلة، فالشركات تحكمها مسألة الربح والخسارة.
الدكتور هاني الخليلي الخبير الاقتصادي، ان قراءة هذا الحدث المتمثل بتخفيض رواتب الوزراء بقيمة 20% وايداع هذه الاموال في صندوق لمساعدة الفقراء توحي بمعالجة اجتماعية واحساس بالمسؤولية وهي خطوة رمزية وربما تكون اشارة الى كافة شرائح المجتمع الاردني في قطاع عام وقطاع خاص لتعميق التكافل الاجتماعي والاحساس بالفقراء والمشاركة بجزء من الدخل لخدمة الفقراء فهل نستطيع تعميم هذه التجربة بحيث يساهم المدراء العامون اصحاب الرواتب العالية في القطاعين الخاص والعام بدعم مثل هذه المبادرة الايجابية والمساهمة ولو جزئيا لحل مشاكل شرائح المجتمع الاردني الذين يعانون بسبب الازمة الاقتصادية والتباطؤ الاقتصادي الذي شل واضعف الحركة الاقتصادية في الاردن.
وقال الدكتور الخليلي انه اذا حللنا هذه الازمة فنجد ان مقوماتها العوامل النفسية والخوف من الاقراض والتوسع في الاقراض مما اضعف القوة الشرائية لدى المستهلك وادى الى تباطؤ اقتصادي خلال سنة 2009 ولكن باستعراض النمو الاقتصادي خلال سنة 2009 يقول الدكتور الخليلي سنجد ان النمو المتوقع حوالي 4ر1 ولكن النمو الحقيقي خلال الثلاثة الأرباع الاولى من العام كان بنسبة 1ر2% ولكن قفز في الربع الرابع 9ر2% مما يعني تغيراً ملموساً وبداية الخروج من الكساد الاقتصادي ومن المتوقع تحسن الاداء خلال عام 2010 ولكن هذا مشروط بتسهيل البنوك اعطاء القروض وعدم تعقيدها وخروجها من الخوف والحواجز النفسية.
خبير اقتصادي وصف قرار مجلس الوزراء بتخفيض رواتب الوزراء بنسبة 20% بالمبادرة الجيدة والحسنة وتشكل خطوة هامة نحو ترسيخ مفهوم مبدأ التضامن والتكاتف الاجتماعي ويجب العمل على تعميمها على كافة القادرين لمساعدة الطبقات الفقيرة في المجتمع المحلي وان يتحول هذا العمل الى نهج دائم يحتذى به الا انه سيبقى خطوة غير مكتملة اذا لم تبادر بتطبيقه المؤسسات المستقلة التي تشكل نفقاتها عبئاً كبيراً على موازنة الدولة خاصة رواتب المدراء والخبراء والمستشارين فيها وتصل رواتب بعضهم الى عشرات الآلاف من الدنانير فالمطلوب تقنين الرواتب والمكافآت الشهرية والسنوية التي تصل لعشرات الآلاف من الدنانير عدا الامتيازات الاخرى من سيارات وهواتف وسائقين ومياومات وان خفض مثل تلك الرواتب او تقليصها سيوفر الآلاف والمئات من آلاف الدنانير تؤسس ليس صندوقاً واحداً بل صناديق عدة لمساعدة الطبقات الفقيرة في الاردن.
ويتساءل الخبير الاقتصادي لماذا يتم تطبيق هذه المبادرة على الشركات المساهمة العامة التي يتقاضى مديروها واعضاء مجالس ادارتها وكبار الموظفين عشرات الآلاف من الدنانير كرواتب اضافة الى الامتيازات العديدة من السيارات والهواتف والسائقين والمكافآت السنوية والمياومات مما يدعونا لاعادة النظر في تلك الامتيازات ليس لمساعدة الفقراء فقط وانما للحفاظ على المراكز المالية للشركات والحفاظ على حقوق المساهمين الا ان تلك الشركات يضيف الخبير الاقتصادي تلجأ فورا للاستغناء عن موظفين وعمال بحجة اعادة الهيكلة لتوفير بعض النفقات المالية والحفاظ على مكتسبات المدراء وكبار الموظفين.
ويقول موظف في احدى الشركات المساهمة العامة ان الجميع استقبل قرار الحكومة بتخفيض رواتب الوزراء بحذر شديد خوفا من ان تلجأ بعض الشركات للاطاحة برواتب صغار الموظفين والاطاحة بالموظفين انفسهم بحجة الضائقة الاقتصادية واعادة هيكلة الشركة، ويضيف ان بعض الشركات والمؤسسات الخاصة بدأت بالتفكير جديا بتخفيض رواتب العاملين وتخفيض رواتب اصحاب الدخل المحدود وترك الرواتب العالية كما هي بل التفكير بزيادة رواتبهم.
ان قرار الحكومة كان رسالة واضحة لدعم الفقراء الا ان البعض اختار تفسيرا اخر لذلك وبدلا من تخفيض الرواتب الكبيرة للمدراء وكبار الموظفين والحد من الامتيازات الممنوحة لهم على حساب الشركات والمؤسسات تلجأ بعض المؤسسات والشركات المساهمة الى تقليص رواتب موظفي الصف الثاني ورواتب صغار الموظفين وانتهاج سياسة التقشف في الزيادات السنوية بداعي مراعاة الاوضاع الاقتصادية والمالية في الاردن والشركات والاقتداء بتوجه الحكومة بعدم منح زيادات للموظفين نظرا لضغط النفقات.
التساؤل الذي يثار حاليا لماذا لا تبادر المؤسسات العامة المستقلة والشركات الكبرى لاتخاذ خطوات مماثلة من خلال تخفيض رواتب المدراء وكبار الموظفين ليس بنسبة 20% وانما بنسبة 5% فقط والتي ستفوق اضعاف ما سيتم توفيره من نسبة 20% من الوزراء نظرا لارتفاع الرواتب ولماذا لا يتم الحد من الامتيازات والاكتفاء بسيارة واحدة فقط مثلا وسائق واحد وهاتف واحد وعدم الحصول على اكثر من عدد ايام الشهر كمياومات واضافة لتقليص نفقات اخرى وتوجيهها الى صندوق خاص لمساعدة الفقراء وصغار الموظفين.
ولماذا لا يتم وضع نظام خاص بالرواتب يتضمن سلم رواتب وطنياً يوازن ما بين موظفي القطاعين العام والخاص وضمن معادلة تهدف لخدمة المصلحة العامة وان لا يزيد اعلى راتب عن 20 ضعفاً عن أدنى راتب لتحقق الحد الادنى من العدالة وشعور الموظفين بتحقيق الانصاف وتحسين اوضاعهم.
ولماذا لا يتم انشاء مؤسسة عامة مستقلة لرقابة المال العام والمال الخاص ولمراقبة الاداء المالي والاداري للمؤسسات المستقلة والشركات الكبرى ومراقبة الرواتب التي تضخمت واصبحت تشكل عبئا على الشركات نفسها ومراقبة الامتيازات الاخرى الممنوحة لكبار الموظفين بالمؤسسات العامة والشركات للحفاظ على المال العام وحقوق المساهمين ووقف هدر الاموال التي تذهب بمعظمها لموظفين محظوظين.. والا سنجد المئات مما يصل راتبهم التقاعدي الى عشرات الآلاف من الدنانير شهريا والذي يستنزف معظم اموال الضمان الاجتماعي.
ziad.shelleh@alrai.com
الراي.