facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




مسارات: ثلاثة أيام بوادي عربة


عبدالرحيم العرجان
09-01-2021 03:21 PM

ثلاثة أيام بين صخور ملونة بمعزلٍ عن كل مظاهر المدينة، بوجود روافد وادي عربة وأوديتها الشرقية، وهو معروفٌ بقساوة تضاريسه ورماله الذهبية وصعوبة الحياة فيه، وهكذا كان يكون ختام عام 2020 واستقبال عام جديد.

كانت البداية من صخرة مخيفر النبطية والمعروفة بصخرة ديفيد روبرتس، التي مثلها بإحدى رسماته الشهيرة عند زيارته لمدينة البتراء العربية النبطية 1839 ضمن الطريق التجاري الغربي الواصل إلى موانئ غزة، وقد سميت بهذا الاسم “مخيفر” باللهجة العامية لأنها تشبه مخفر المراقبة، الواقع فوق صخرة عظيمة وسط سهل مشرف على الطريق ولكن الدراسات الأثرية لم تحدد لغاية الآن استخداماته وهو منحوت بالصخر على شكل غرفة مكتملة الأضلاع، وبعد تمارين الإطالة وإحماء العضلات، انطلقنا إلى مسارنا الواقع ضمن درب الأردن والمرسم بعناية؛ لتكون خطتنا عبور مسافة خمسة وثلاثين كيلو متر، حاملين معنا مؤونة كافية ومعدات الفترة كاملة مع احتمالية ضعيفة لوجود عيون أو برك ماء أو خدمات على الطريق، ضمن مسار يصنف بالصعب لقساوة التضاريس والمتمثل لاسم وادي عربة أي الجاف الصعب بمسافة إجمالية خمسة وثلاثين كيلومتر خارج نطاق الرعي والبداوة.

وبعد الدراسة المستفيضة للدرب، حددنا احتياجاتنا المحمولة بكيس نوم وعازل أرضي، إضافةً إلى خيمة فردية لكل شخص، وستة لترات ماء ولترين عصير على أن يوازن استهلاكنا ما يكفي كامل الفترة وبعض الفواكه والموالح لتعويض ما يفقده الجسم، ومعلباتٍ لوجبتين عشاء ومثلهم للإفطار، ولا بد أن نحضر أيضاً ضوء رأس ومستلزمات إسعاف حيث توزع على الجميع وملابس عازلة للحرارة باعتبار البرودة تلامس الصفر في أواخر الليل، وحذاء ضد الماء حتى لا يتجمع فيه الرمل الناعم ويصبح كالوحل بداخله.

بالإضافة لمرشح وحبوب تنقية الماء للاستخدام عند الضرورة، واختيار حقيبة صحيحة لحمل هذا الوزن البالغ خمسة عشرة كيلو بشكل موزع على الجسم والمقاس المتعارف عليه هو ستون لتر.

كان مسارنا جيولوجي بالدرجة الأولى بين سلسلة مكملة لجبال الشراة، والتي تفصلنا عن الغرب من رأس النقب والحميمة، إلا أنها مختلفة عن قباب جبال ضانا وهشاشة جبال البتراء ورمال رم، بوجود طبقات جرانيتيه أكثر وتنوع رسوبي أكبر، ففي مراحل معينة يزيد عمق الفج المتكلس الذي تسير بواسطته عن عشرة أمتار بعرض متر ونصف أو أقل أو بين صخور صقلها جريان السيل، ومناطق أخرى تكون الخطوات فوق صخور ملحية أو ملونة كصخور الرقيم تماماً وما زادها روعة وجمالاً أن المطر قد غسلها قبل يومين، مروراً بوادي الصفاحة وقاع مريبد والسيق وعبور قصيب بين جبل الكور وأم صوانة الشاهق وبروي والسمرا، وما فيها من مشاهد لطياتٍ وفواصل، قد شكلّت بمجملها أشكالٍ ولوحات تجريدية من إبداع الخالق، وما تشبث بالحياة بين صدوعها من نباتات وأشجار معمرة امتدت جذورها لعشرات الأمتار بين ظهورٍ واختفاء وتمثل لنا أحدها كأنه ثعبان.

أما الليلة الأولى في التخييم، فقد كنا ملتحفين بالسماء الصافية، التي تخللها بعض الشهب إلى جانب صخرة عليها نقوش تاريخية، وهي نقوش وُجدت من قبل الحضارة النبطية بوجود رسومات الحيوانات، والفرسان فوق الخيل، والذي يعتقد أنها عاشت هنا، مستذكرين ما دار خلال العام من أحداث آملين من الله انتهاء جائحة الكورونا وحلول الأمن والسلام على البشرية أجمعين.

كانت الصخرة لخيمنا مصدٌ للريح الذي هبَّ ما قبل الفجر على حين غره بعد هدوءٍ تام، ولتحاشيه جعلنا أبوابها مع اتجاهه، وانحسر تحدينا في تلك الليلة بجمع الحطب وإشعاله من بقايا أشجار شوكية تتطلب الحذر والانتباه الشديد في حملها، فخدوشها قد تؤدي إلى حدوث التهابٍ بالجلد، وللبدر جمال مختلف مع تأخر شروقه وسرعة غروبه كوننا في قلب الوادي بين جبال شاهقة الارتفاع.

اليوم الثاني كان مختلفاً فكان بطن الوادي أقل اتساعاً ووجود الصخر الجرانيتي الوردي المتكسر لأشكال سداسية وصفائح ومربعات كأنها ألواح تم ترتيبها فوق بعضها البعض، بينها طبقات جيرية بيضاء ورسوبية، سوداء وخضراء قد زادنا انبهار بجمال المكان وتفرده بهذا التنوع الأخاذ، أما بعد مرورنا بجبل كامل من خام النحاس وكيف كان بريقه يشع كالجوهرة، فقد استذكرنا مسيرنا بجبال الهمالايا النيبالية مروراً بجبل أسود متفرد بلونه وكيف عمل منه المرشد أيقونة ونقطة جذب وتشويق للرحلة، لتكون هناك استراحة غدائنا الخفيف على وادٍ مشابه بالاتجاه والتكوين لوادي ضانا، فمشهد الأفق البعيد الذي لا ينتهي من سلاسل جبلية، يجعل له وقعه الخاص في هذا السكون السرمدي.

أما الليلة الثانية، نصبنا خيمنا بنقطة المبيت التي حددها درب الأردن على خرائطه إلى جانب تلة صخرية سمراء، ضمن دوائر حجرية مصفوفة وحرارة لامست درجة الصفر، والذي رطّب الخيم وزادها برودة، سماء صافية ترى فيها معظم والنجوم والأبراج بوضوح، ولتناول العشاء خبزنا بعض أرغفة العربود وهو خبز بدوي سميك يُصنع من طحين وماء دون أن يختمر على جمر نباتات غير شوكية حتى لا يصيبه مرار، وأبقينا ما يكفي لإفطار اليوم التالي الذي بدأ مع الفجر، مع صحوة طيور الوادي وزقزقة عصافيره المشابهة ألوانها لألوان صخره مع فنجان قهوة، حيث جلسنا جلسة تأملية من فوق تلة المخيم لهذا السحر النقي بعيداً كل البعد عن ضوضاء المدينة.

ومع ظهيرة اليوم الثالث كانت نهاية مسارنا في مركز زوار وادي رحمة بعد عبور سلسلة من كثبان رملية ذهبية، التي تتطلب طاقة أكبر لاجتيازها ويشاركنا ختام المرحلة مجموعة من عشاق قيادة سيارات الدفع الرباعي ضمن الطريق، وقد سلك جزء منه رحالة ومستشرقين بطريقهم إلى عاصمة الأنباط قادمين من مصر وسيناء بتأمين الشيخ بن نجاد العلاوين-وهو من قبيلة الحويطات-أهل المنطقة، حاملينهم على الرواحل و برفقة مرافقين وأدلاء الطريق منهم كينير وروبرتس وغيرهم وقد ذكروا كرمة وحلمة من مناقب العرب وشيمهم كما ورد ببحث د. فوزي ابو دنه.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :