facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




العكوب بمسار أم النمل


عبدالرحيم العرجان
20-03-2021 11:35 AM

لكل وادٍ في شمال البلاد خصوصيته مع اجماعه على سحر الطبيعة واسرها، الا ان وادي ام النمل جمع ما بين اقليم الجبل والشفا الغوري بمسار بيئي متكامل الخصائص متفردٍ بتنوعٍ بما حباه الله مما ازهرَ بفصوله الأربعة وما نما من نباتات الربيع وما صادقناه بين ثنايا الصخور وقلب الوادي لجعله مقصدًا لموردي النباتات البرية لمحلات العطارة.

ما أجمل أن يكون لك في كل مكان صديق ورفيق من أهل البلدة يرشدك إلى أسراره ومكنوناته، فصديقنا اليوم من كفر عوان الذي أصر أن لا نفوت الربيع بدون مسار استجمامي بوادي أم النمل قرب بلده وضيافته، فزادنا شوق الزيارة بما حدثنا عما فيه من جمال وبالذات هذه الفترة، مع أن لكل فصل سحره وزهره وطيوره . ومن جانب آخر جمعه ما بين الجبل والشفا الغوري، لنبداء مسارنا السهل الاستجمامي بجانب بلدة كفر عوان المطلة عليه، أما معنى البلدة ذات الاسم آرامي الأصل فهو قرية الصالح عوان ومطابق أيضا بالسريانية وبقيَ منذ فجر التاريخ كما هو.

ولتوثيق هذا الجمال أخذت معي كاميرتي وبعض العدسات الاحترافية المقربة والمكبرة كون مسارنا سهل ولدي المساحة من الوقت أن أخذ راحتي بالتقاط هذا الجمال بدقة، فبعد اجتياز بضع مزارعِ زيتون ذات سلال حجرية دخلنا قلب الوادي موسمي الجريان تاركاً حجارة بيضاء صلبة بين جبال سهل الوصول لقمتها ومسالك دكتها أقدام الرعاة سامعين من بعيد صوت نايٍ لأحدهم لازمنا صداه وأجراس خِرافه تقرع بتمايلها مع هذا اللحن الشجي متممة لسمفونية الطبيعة وبساطتها، والهدف من هذا الجرس اخافة الزواحف وإبعادها عن القطيع وما هو معروف أن الثعابين بالذات إن سمعت صوت تبقى ساكنة في جحورها.

وبعد ثلاث كيلوا مترات كان إفطارنا مع شمس الصباح الدافئة على أقراص زعتر بري وخبيزة وما فيها من سماق وزيت زيتون كلها مما جادت أرض عوان، ليُسَمي صديقنا كل نبات ارض عون بشهرتها واستخداماتها وكثيرا منها ما ارتبط بأساطير أو دخل الأهازيج الشعبية والأمثال والاشعار وما كتبه فطاحل الشعر وغنى عبر العصور كزهر البيسلان لفيروز. أما للراعي كان له مسميات متعددة وقد يكون السبب لتعددها كثرة تعامله معها فالرجف من مسميات صابون الراعي والتي يستخدم درنتها في التنظيف والاغتسال وهو الأفضل لتنظيف الحرير كما يعرف ببخور مريم، وله أيضا من الأرض إبرة وبسيسة وخبز وعصا، ومشط الراعي أو الغولة والغريب لماذا اقترن الإثنين بنفس النبتة ذات الأزهار البيضاء الكثيفة البعيدة كل البعد عن شكل المشط، وقد يكون نسبة المسميات آلية كونه العراف والخبير والمجرب لهذا العلم الفطري.

وللحيوان وصفاته أيضاً مسمياته، فيسمى الفراش بالطيون وفوائده كثيرة من قطع النزيف حتى لو من الأوردة وطرد الديدان المعوية وتعقيمها وعلاج الأنيميا ومطهر لِعضات الحيوانات المفترسة، والعكوب هو نفسة شوكة الجمل، وكف الدب وقرن الكبش " الهليون" والذي ذكره جالينوس لعلاج مرضى الكبد ومقوي للقدرة الجنسية، اما قرن الغزال فيستخدم لإلتهاب أعين الماشية، ومنها ما هو سام زعاف كبصل الحية الذي يؤدي الى تشنجات في الجهاز التنفسي والموت والمعروف باسمه الآخر حليب العصفور وخروب الكلب مع أن من نسبه اليه لا ياكله.

وبعد هذه الجرعة من الشرح أكملنا مسيرنا وفي كل خطوة نتفحص ما فيه من حياة وتوافق وتكامل وكيف أن أجمل الفراشات كانت تشاهد على نبات الجن "الفيجن" الأصفر والذي تقول أسطورته أنه يطرد المخلوقات الخفية والأرواح الشريرة بعد حرقة والتبخر به، كما سُّميةُ كزبرة الغولة، وحتى في الكهوف الرطبة والآبار المهجورة ينبت ما فيه شفاء كضفائر الجن وهو علاج لضيق التنفس، ومغر الوادي كثيرة بالذات على الجانب الشمالي منه.

وبين الثنايا ومرور الدرب من تحت انحناءاتٍ صخرية معلقة هذبها السيل عبر الزمان كانت وقفتنا الأخيرة عند راعي أبقارٍ قرب نقطة النهاية والذي لم يبخل علينا بالاستضافة والشرح عن هذه النباتات وهو العارف للمكان ومن أبناءه بعمر تجاوز السبعين وكيف أن سيدات البلد يصنعن أدوات منزلية من القش والقصب بعد صبغه وتلوينه بالأزهار وأوراق الأعشاب وقشور الشجر، كالجونة لحفظ الخبز والطبق والمفرش والحصيرة وقالَ بعض الحكم المرتبطة بوقت الزرع" لما يطلع الحنون ضُب بذارك يا مجنون"، مع العلم أن كثير من الأدوية بقيت تحمل مسميات عربية أصيلة كدواء علاج الحصوة الألماني الصنع " الكلين" المستخلص من نبتة الخلة، في حين أن الرعي يكمل دورة الحياة فالماشية تعرف ما يلائمها من أعشاب لتأكله وبذلك تمنع من تحوله إلى أشواك صيفاً، وروثها يسمد الأرض وله استخدامات منزلية في التدفئة والأفران بعد تجفيفه على هيئة مكعبات.

وصلنا لموقع النهاية بعد مسير ثماني كيلومترات لم نشعر بها، وكان غدائنا على تل الطنطور أعلى فم الوادي المنفتح نحو الغرب وسمي بالطنطور مجازًا ونسبة إلى ما ترتديه النساء غطاءاً للرأس والمشابه للطربوش نوعاً ما إلا أنه مزين بالحرير والقصب والصوف ونقود فضية وذهبية ترمز إلى أنهن من بنات الذوات ولا يحملنَ الحطب أو المتاع على رؤوسهن، ليصل بعد استراحة بسيطة غدائنا الشهي من صديقنا الكريم مقلوبة عكوب وما أطيب منه في موسمه وفوائده للوقاية من السرطان والغني بالبروتينات والمعادن والمنافس بلذته للحم الضأن المطبوخ معه ومقرون بطبق لبن نعاج طازج.

لم يمنعنا الغداء من الاستزادة والحديث عما حولنا من خبايا الأرض، فحولنا كانت عين البنت ذات الزهرة البنفسجية، والكلخ الذي يعشق زهرته النحل وقد نصب خلايه في التلة المقابلة لنا واقترب موعد جمع منتوجه، والحويرة ذات الزهرة البيضاء والتي تستخدم لعلاج حب الشباب بالإضافة إلى طعمها الطيب في الطهي، والأقحوان الذي كنا نطرح السؤال بنتف بتلاته ، والاخيليا نسبة الى القائد أخيل الإغريقي الذي عالج بها جروح جنوده وعرفت عند الرومان بأهداب فينوس آلهة الحب والجمال وعند العرب الحزنبل، أسماء كثيرة ونباتات فيها خيرات جما لا تعد ولا تحصى.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :