facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




مسار ثمار الجنة بوادي راجب


عبدالرحيم العرجان
28-08-2021 10:20 AM

مسار صيفي بامتياز، جمع ما بين خيرات الأرض وتاريخها وكرم الأهالي بمستوى سهل استجماميّ، وأحاديث، وأمثال قد ذكرتنا بحكايات الآباء وحكمة الأجداد.

كانت البداية من قرب بركة البرهم، موجودةٌ بعد معالم وادي الساخنة التاريخية لكهوف حفرة في الواجهات الصخرية لشفا الجبل الأسمر، فسرها علماء التاريخ بنظريتين إحداهما أنها مخابئ مئونة والأخرى مدافن ذات طابع جنائزي خاص حيث كانت تغلق بصفيحة صخرية بأحكام على مدخلة المشذب لهذه الغاية، بشكلٍ يصعب على الجوارح والكواسر الوصول إليها والظفر بما فيها.

وقرب البركة أسفل الطاحونة القديمة اصطفت عددٌ من الصهاريج الزرقاء الغير مخصصة لغايات الشرب لسحب شيء من مائها المتجدد، وعند ذلك المستوى من الارتفاع ما زالت معالم القنوات القديمة ظاهرة للعيان من عصور مختلفة منها ما شق بقلب الصخر على كتفيّ الوادي أو بُنيت أطرافها بحجارةٍ مشذبه، حيث استخدمت لجر المياه لأبراج الطواحين لتنهمر بقوة على الدولاب المحرك للرحى أو لري المزروعات وما أضافه عليها المزارعين من قنواتٍ اسمنتية بعصرنا الحديث ولنفس الغاية، وما سال وجرى بقلب الوادي حينما تجمعت من عيون الهدلان، زعير المخرقة وأم قاسم والعبيد والتي نبت حولها الأوركيدا بكثافة المعروف "بعطر الملوك" وهو العنصر الأساسي المكون لمستحضرات التجميل المخصصة للمحافظة على نظارة البشرة وتركيب العطور الفواحة، وإن وضع في دولاب الملابس مانع لتكون العث فيها.

وراجب أو ما كانت تسمى قديماً "أرجابا" ذات الاسم اليوناني القديم، أقام فيها الملك بطليموس إحدى قصوره على مشارف الوادي لجنائنة الغناء كما اكتشف فيه دير سابيونس -الكاهن الصالح-الذي بني بامرة وعثر فيه على أرضيةٍ فسيفسائية مثّلَت تلك الحقبة من الزمان صور مبدعيها مشاهد ما كان يعيش بذلك العصر من غزلان وأسود وطيور وتوريقات من نبات والمعروف بدير راجب.

اخذنا طريق الوادي بكثير من المعالم قاطعين مجرى المياه للمسير على درب الفلاحين على كتفيه متخللين بساتينهم طارحين السلام عليهم وهم على سلالمهم يجمعون بسلالٍ وبما فيها من خيراتٍ من تين وعنب وزيتون ينتظر موسمه، ولوزيات ودلب معمر وصفصاف، حيث يطربك بحفيف أوراقه وقد سمي بوادي قريب بالصفصاف لكثافة أشجاره، فما من كرم دخلناه إلا جاد علينا أصحابه بما لذّ وطاب بكرم كبير وقولهم "كل الي تشتهيه موجود" بمراعاة آداب العبور والمسارات وبما هو داخل السور فقد يكون الخير لمن ينتظر بيعه لفك كربته، فلا يجوز بكل الحالات أن تقطف منه شيء إلا بإذن أو تدفع ثمنه.

ومما أكرمنا أصحاب البساتين ابناء الزغول والفريحات عنب أسود لم نذق بمحلات العاصمة بحلاوته وكانوا يقولوا لنا خذ القطف كامل فان قطفت حبة واحده تلف الثمر ويتساقط، وهذا أمرٌ جديد عرفناه منهم، فالطبيعة مدرسة تتعلم فيها كل يوم شيء جديد، وأخبرونا أن من اسماء الوادي القديمة الخضر ويحمور إلا أنه لم يعد متعارف عليها بذلك، كما حدثانا عن أنواع التين فمنها الحمري الأجود لصناعة القطين الذي ينضب على الشجرة "أمة" كما يقولونها ولخروبي والسوادي يجفف على المفارش، أما أكثرها حلاوة الموازي والباكوري المنسوب اسمه لزمان نضوجه السريع المتزامن مع موسم المشمش، وغيرها من الخضاري، شناري، السباعي، الحميض والخرتماني كما ارتبط نضوجه بكثافة الندى، ومن فوائده الطبية علاج البثور بلبن التين المسمى "الشرى"، وذكروا لنا بعض الأمثال المرتبطة فيه من أطرافها "الطويل بوكل تين والقصير بموت حزين" باعتبار اللذة تكون على أعالي الشجر، " كلها عجرة ولا غيرك يوكلها مستوية" نسبة للأنانية وعدم المشاركة بالخيرات وعكسه " ييوم عنبك وتينك كل الناس محبينك" وأيام التين مافي عجين أي أن افطارهم بدون خبز كما يصنعون منه مربى وملبن؛ فلعلنا نعود ونأخذ منه عربون صداقة وتعارف.

وخلال عبورنا، مررنا بأبراجِ أربعة طواحين، حيث يعتبر الروماني منها والعثماني فرضت عليها الضريبة لخزينة أمير عجلون وكما عن الحنطة والشعير والزيتون والماعز والنحل بمبلغ أربعة آلاف وخمسمائة أقجة، ومقابل هذا المبلغ الهائل الذي كان يثقل كاهل الناس ويحرمهم تعبهم لم نرى أي أثر مقام لذلك الحكم هناك.

أخذنا الدرب لنصل إلى موقع أثري بالغ الأهمية، والذي يقع بعد إحدى معسكرات الجيش العربي المصطفوي حوض دولمنز الساخنة وما تبقى فيه من مدافن ما زالت قائمة وصفائح هدمتها عوامل الزمان، حيث يمكن إعادة ترميمها أو معاول الباحثين عن الذهب، ويمتاز هذا الحوض بضخامة ما فيه من معالم إلى جانب عدد من الكهوف والسلاسل الحجرية العائدة إلى العصر البرونزي المتأخر، وهي المرة الأولى التي أوثق جزءٌ منه لصالح مبادرتنا الهادفة لحماية الأثر والتعريف به بما يتاح من وسائل إعلام وتواصل اجتماعي أو ندوات وغيرها، وقريباً نمثله بلوحات فنية بمعرض يشارك فيه قامات فنية من عشرة دول.

ومن هناك سلكنا درباً شديد الانحدار لسلسة شلالات راجب المدهشة بتكويناتها وتتابعها لتصب في قناة الغور الشرقية، بعد أن غير مجراه عوضاً عن نهر الأردن، ولكن كانت المفاجئة بأن هذا الجمال وئدة المتنزهين بما تركوه من مخلفات، قد تراكمت بكثرة وأصبحت مكرهة لا تطاق بما فيها من روائح كريهة وناموس، يمنعك من البقاء في المكان وترك أجسادنا لدغات قد أرقت ليلنا، لنغادر المكان دون أدنى تفكير أو استكمال مسارنا، ثم الذهاب إلى غابة وصفي التل، حيث زرعنا أشجار الطفولة والصبا ومطلها الهادئ الذي عكر صفوة مرور عدد من عشاق قيادة السيارات رباعية الدفع المتمرسين خلف زجاج مغلق غير مكترثين لغبار عجلاتهم السريعة التي أزعجت كل المتنزهين فيه.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :