** أقلام صحافية عبرت عن إحباط سياسي من النواب
** صدمة في الأردن من الثقة القياسية التي منحها البرلمان للحكومة

" يصعب في الأردن أن تجد فردا كان يعتقد أن البرلمان سيحجب الثقة عن الحكومة، مثلما يصعب أيضا أن تجد أردنيا هضم الثقة الكبيرة وغير المسبوقة التي منحها البرلمان للحكومة، وسط إنطباعات بأن البرلمان الجديد قد "كسر عصاه" أمام الحكومة، وقزم نفسه أمامها كسلطة، كما ترى أعمد الصحافة".


عمون - عن ايلاف - عامر الحنتولي - ذهبت الحكومة الأردنية إلى أقصى نقطة في الاسترخاء السياسي المؤقت بعد أن تمكنت من تجاوز إمتحان الثقة أمام البرلمان يوم الخميس الماضي، محققة رقما غير مسبوق، ويصعب تجاوزه مستقبلا.

فقد صوت لصالح الثقة بها 111 نائبا من أصل 119 نائبا، علما بأن عدد مجلس النواب هو 120 قبل أن يتوفى أحدهم الإثنين الماضي، بيد أن الحكومة الأردنية بقيادة الشاب سمير الرفاعي المساند بثقة من العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، بات يتحضر للأسوأ مع طرح ملفات داخلية للتداول أمام البرلمان، وسط توقعات بأن تحاصر عدة ملفات وزارة الرفاعي الذي لم يكتم فرحته بإنتزاع أكبر رقم قياسي تناله حكومة في امتحان الثقة أمام البرلمان.

وبعيدا عن الفرحة السياسية المعلنة للحكومة، بإنجاز إمتحان الثقة بعد ماراتون نقاشي طويل لبيان الحكومة، يبدو أن مجلس النواب الأردني الذي وسم بعد إنتخابه الشهر الماضي بأنه برلمان الوجوه الجديد قد دخل إطار الصورة الرديئة أمام القواعد الشعبية، بعد أن صوت بشكل مسالم ووديع مبالغا به على الثقة بالوزارة، وسط تساؤلات في الشارع السياسي عن السبب أو الخلفيات التي كمنت خلف خضوع برلماني على هذا الشكل أمام الحكومة.

وأورد كتاب أعمدة في الصحف الأردنية، وأصحاب مواقع إلكترونية، ومدونات أن هذه الثقة المبالغ بها، تسيئ للمؤسسة التشريعية، وكان يفترض أن يظهر البرلمان الجديد قوته أمام الحكومة منعا للتغول عليه مستقبلا، بل وذهب البعض الى إعتبار هذه الثقة القياسية مثابة صدمة شعبية للجماهير الأردنية.

معارضة نسائية

من جهتها ترى النائبة ميسر السردي في تصريحات خاصة لـ"إيلاف" التي حجبث الثقة عن وزارة الرفاعي، أنها حجبت لأن الحكومة صرفت وعودا هي الأكثر علما أنها لا تستطيع تطبيقها، كما أنها طالبت الحكومة بإيراد إجابات محددة في ردها عن قضايا وملفات فساد أثارتها، وهو ما تجاهلته الحكومة، الأمر الذي إستوجب حجب الثقة من جانبها، لأنها ترى في رد الحكومة بيانا أضعف بكثير من بيانها الوزاري.

وتحدّثت النائبة عن انطباعها بأن الثقة الكبيرة التي منحها البرلمان للحكومة سيكون لها رد فعل عكسي في المرحلة المقبلة، داعية الحكومة عبر "إيلاف" الى عدم التعامل مع حجبها للثقة عنها، إلا وفق قواعد الديمقراطية الشريفة.

ثقة ضارة

ويقول الصحافي ماهر أبو طير مدير تحرير الشؤون السياسية في جريدة (الدستور) الأردنية: "لو حصلت الحكومة في جلسة التصويت على الثقة على رقم أقل لكان أحسن لها وللنواب وللشعب من جهة اخرى.. الرقم مرتفع جداً،والذي سمع خطابات النواب النارية توقع موقفاً اخراً من نواب كثر، غير ان الكلام في واد والتصويت في واد آخر،وكان هناك شخصيتان للنواب".

ويتابع الصحافي أبو طير : "المؤكد هنا ان الطرق العنيف شعبيا هو على رؤوس النواب الذين صوتوا بهكذا رقم مرتفع وقد كان بإمكانهم منح الحكومة الثقة برقم معقول يحفظ النواب والحكومة في نظر المراقبين والمتابعين على حد سواء".

و يضيف: "الذي يؤمن برئيس الحكومة وحكومته سياسياً كان بإمكانه ان يقول وبشكل مسبق ان هذا الرقم غير مفيد في دلالاته بشأن ثقة الناس في مجلس النواب ،وبشأن العلاقة بين النواب والحكومة وبشأن زوايا كثيرة.. ما لذي كان سيحصل لو مُنحت الحكومة على سبعين صوتاً او ثمانين صوتاً ، لاشيء ..الثقة تحصيل حاصل غير ان الفرق هو في دلالات الارقام ودلالة الرقم تعني الكثير وتتجاوز حدود التوقعات وتشي بعدم الاختلاف في صورة معاكسة لتكوين البشر".

111 مميز

من جهته يرى الصحافي الأردني ياسر أبو هلالة مدير مكتب فضائية الجزيرة القطرية ساخرا: " الرقم 111 الذي حصلت عليه الحكومة "مميز" ، يعني يمكن أن يطرح في المزادات الخليجية لشراء الأرقام المميزة. وستكتشف القلة القليلة التي لم تمنح الثقة، وفي فترة قصيرة، كم كانت مخطئة. وكان حريا بالمجلس ونحن في هذا العصر الذي يحترم التميز أن يقدم نموذجا غير مسبوق عالميا وهو التصويت بالإجماع. فالعالم يعرف عن العالم العربي نظام مجالس شورى التعيين أو مجالس في إطار الحزب الواحد الذي "يقود الدولة والمجتمع". ولم يعرف التاريخ البشري إجماعا في ظل نظام دستوري نيابي تعددي. وكان من الممكن بفارق أصوات أن يعرف".

ويضيف أبو هلالة : "شخصيا، أجهدت نفسي في قراءة دساتير العالم والدستور الأردني، وبعد جلسة الثقة في الحكومة اكتشفت أن جهدي ذهب سدى. فلا معنى لوجود مجالس نيابية وفصل سلطات وقصص لا نهاية لها .. يكفي وجود حكومة".

عمون والحياري

من جهته عبر موقع عمون الإخباري وهو أكثر المواقع الإخبارية الأردنية إنتشارا وتأثيرا عن صدمة الشارع من إقراض البرلمان للثقة على هذا المستوى، عبر فيديو فيلم تناقلته الأوساط الأردنية بكثافة على مدار اليومين الماضيين، ويتم الإيحاء خلاله بأسماء نواب أردنيين هاجموا الحكومة بشدة خلال مناقشة بيانها الوزاري، ثم ما لبثوا أن صوتوا لصالحها على الثقة، إلا أن الطريف بالفيلم الكرتوني هو قول رئيس الحكومة أن الحكومة بذلت ما في وسعها من جهود مع النواب لثنيهم عن منح الثقة بهذه النسبة القياسية لكن دون جدوى .

الصحافي سمير الحياري من عمون قال لـ"إيلاف" إنّ فيلم عمون حول الثقة قد حقق نسب مشاهدة غير مسبوقة، رغم عطلة يوم الجمعة وعيد الميلاد، مؤكدا أن هذا اللون الإعلامي سيستمر كوسيلة إنتقاد لبعض المسائل، معتبرا أن الفيلم لم يجابه بأي إعتراضات لا من النواب ولا من الحكومة مقدرا تفهما لهذا النوع من النقد الساخر البناء ، معتبرا أن الجمهور الأردني عبر عن تعشطه لهذا اللون من النقد الهادف لأوضاع قائمة، كما أن الخطوة جديدة وفريدة في عالم الصحافة الإلكترونية.

وحول منح الثقة للحكومة بهذه الكثافة والإندفاع يؤكد الحياري أن من حق أي حكومة أن تسعى لتأمين نسبة ثقة مرتفعة ببيانها الوزاري تؤهلها للعمل بزخم وتعاون أكبر مع البرلمان، إلا أنه يرى في النسبة الكبيرة والقياسية التي صوت بها البرلمان للحكومة مدعاة للإضرار لاحقا بصورة الديمقراطية في الأردن، وصورة البرلمان كسلطة مستقلة، وأيضا ضارة بمستويات أخرى عدة، معتبرا أن الحكومة سعت لهذا الرقم ربما لمكاسب شخصية لرئيسها سمير الرفاعي.